الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل بين الاستقلال والعزلة..

اسعد عبد الرزاق
كاتب وباحث

(Asaad Abdulrazzak)

2021 / 11 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العقل بين الاستقلال والعزلة:
تنحو المنظومات الفكرية بمختلف منابعها سواء الدينية منها أم البشرية, إلى تجسيد قيمة الاستقلال في النظر العقلي, والحياد في التفكير, من دون تأثير ميول النفس والعاطفة البشرية, وهو ما غدا حيزا هاما للنقد فيما بين الخصوم الفكرية بشتى أصنافها.. وإذا كنا بصدد المرور بمحددات العقل المستقل في تفكيره والمحايد في نظره, لا يمكننا تجاوز الفكرة البسيطة التي تقرر أن العقل بإمكانه – ولو بنسبة محددة- أن يدرك ويستنتج ويحكم بمعزل عن أرضيته الدينية والثقافية وأجواءه الداخلية التي تستغرق ذاته وتبدي ميله..
والعقل الذي يقابله هو عقل مأسور وموجّه, ومسير, وغير محايد في أحكامه فضلا عن إدراكه واستنتاجاته..
في ظل هذه الثنائية المتقابلة يمكن بسط السؤال الحاكي عن مدى حقيقة تلك المساحة الخالية من الميول.., أو ذلك الحياد الذي يمكن أن يكون في حدود الزعم والادعاء لا أكثر.. وهذا التساؤل يجر بطبيعة الحال الى وقفة مع الشخصية المستقلة في تفكيرها, والمفترضة الوجود, فهل فعلا يوجد هكذا وعي مستقل في شخص يكاد يخلو من الميول والمؤثرات التي تحكم تفكيره وقراءته للواقع..
إذا افترضنا أن التخلص من الميول والمؤثرات ممكن في توخي الحقائق عن طريق التفكير وقراءة الواقع.. كيف ستكون الأرضية الفكرية للك الشخص المفترض؟ وما هي المعايير التي سوف يقرأ في ظلالها ويفكر ويدرك ويستنتج ويحكم.. وبعبارة أخرى: هل للعقل بمجرده, وبمعزل عن الأطر التي تتمثل بالقيم المكتسبة والميول النفسية الذاتية, أن يقدر على تقييم الواقع والافكار؟؟
فلو كان ثمة عقل يقرأ فكرا وهو يعيش عزلته الموحشة بعيدا عن الدين والقيم الاجتماعية .. هل سيكون قادرا على التحليل والتقييم؟؟ نعم بإمكانه.. ولو بإخضاع حكمه وتحليله الفردي إلى معايير موضوعية مستوحاة من الواقع الانساني المحض.. لكنه لا يمكن أن يعيش العزلة ذاتها عن ذاته ورغباته وميوله.. وبالتالي سوف يكون تفكيره خاضع لسلطته وميوله الذاتية..
إذن الميل النفسي في التفكير واقع محتوم, برغم اختلاف نسبته وحدته من فرد إلى آخر.. والحتم يفضي إلى نسبية الحياد والموضوعية, لذا كان من الضروري استشعار المشتركات في أجواء الحوار والنقد.. وإلا لا يمكن أن تكون التفاعلات الفكرية منتجة من دون اشتراك –ولو نسبي- في الأرضية التي تتضمن قيما وأطرا مشتركة..
لكن الامر مختلف مع ما يمكن ان نطلق عليه العقل النوعي, ونقصد به العقل الذي من شأنه اقتحام قضايا الفكر, والموضوعات العامة التي تتعلق بالإنسان, من نواح دينية واجتماعية وغيرها من المجالات التي تشغل اهتمام العلوم الانسانية, وهذا العقل يمكن وصفه بالعقل المتمرن, الذي اجتاز تجارب هدة على مستوى الميل النفسي, الى حد يمكنه من عزل ميوله واعتقاداته بالنحو الذي يمكنه من ملكة الافتراض والتجرد, وهو دأب الفلاسفة والمفكرين, الذي بوسعهم أن يفكروا بنحو من الاستقلال التام, وليس المقصود جانب الكمال والعصمة في الإدراك بقدر ما نقصد جانب الحياد والاستقلال في مستويات بالغة الدرجة ولو على نحو متفاوت..
ان العزلة هنا شيء محتمل أيضا.. وربما توحي بشيء من الانسداد الفكري أمام المفكر.. فحينما يعيش المفكر غربة ما مع ذاته وفكره فضلا عن واقعه يتضح حينئذ ما لتلك العزلة من أثر لذا نجد بعضهم يمرون بمراحل العودة الى أسوار المعتقد, ذلك كله يجري عند المفكر بعد خوض وتعمق في قضايا تتسم بالحساسية والعمق مثل تلك التي تتردد بين محذور ديني من جهة وضاغط من الواقع من جهة أخرى..
وآخر ما يمكن تقريره أن العقل بما هو عقل يتعسر عليه أن يخوض مسائل فكرية من دون أن ينطلق من أرضيات فكرية وميول نفسية محددة, وربما يتيسر ذلك مع العقل النوعي الذي ممكن أن تتصف به بعض النخب الفكرية والطاقات العلمية بنوعها الفريد..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب