الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العروبة: إحدى درجات الإسلام السياسي

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2021 / 11 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



لم يكن الإسلام ديناً خالصاً، ورسالة سماوية، كما يقال، في يوم من الأيام، بمعنى أنه كان بالدرجة حاملاً لمنظومة قيمية وأخلاقية وفلسفية جديدة عبر أدوات وقوى ناعمة، قدر ما مان سعياً جاداً ودؤوباً لإحكام السيطرة والتحكم والتسيد وحكم المجتمع والإطباق عليه ومحاصرته من كل الجهات وإخضاعه كلياً لمشيئة وإرادة "الحكام الجدد" (خلفاء الله المزعومين)، وكله عبر، وبوسائل خشنة معلنة، وباستخدام القوّة العسكرية المسلحة، والمنظمة (الجيش العقائدي المنظم الحامل لعقيدة وإيديولوجية موحدة، كمعظم فصائل التأسلم المعاصرة من الإخوان للنصرة للقاعدة للزنكي "التركماني" لداعش وسواها الكثير)، واستخدام الغزو (العدوان العسكري وانتهاك حرمة وسيادة وخصوصية المجتمعات لتحقيق أهداف سياسية) وما أطلقوا عليه "الفتح" والسطو ونزع الممتلكات والاستيلاء عليها، و"الجهاد"، وأسر النساء "السبي"، لتحقيق تلك الغاية السياسية واستنطاق الولاء والتبعية والانقياد المطلق وإشهار وإعلان الاستسلام من الناس (الشهادة)، تماماً كما يـُطلب اليوم من المهزوم، أو الأسير "رفع اليدين" كمؤشر واعتراف بهزيمته أمام الجهة الغازية المنتصرة.
وتم الإعلان رسمياً، وبـ"أحاديث شريفة" (بمثابة تصريحات سياسية وإعلان مواقف بذلك الوقت)، بأن الإسلام هو دين ودولة، أي مجموعة تصورات دينية لحكم والسيطرة على المجتمعات، ما أسس لنهج سياسي وإيديولوجي، كان يجمع على لدوام بين "الدولة" ودينها ولا يمكن لهذه الدولة أن تحمل وتؤمن إلا بهذا الدين، ولا تقبل من مواطنيها أو رعاياها إلا أن يدينوا بهذا الدين، وبذلك نشأت أطول دولة دينية في التاريخ، والتي امتدت من إعلان دولة الرسول في يثرب يوم وصول مؤسس الإسلام إلى واحة قُباء جنوب يثرب، يوم الاثنين 23 سبتمبر 622م/ 8 ربيع الأول من السنة الهجرية الأولى، بمثابة انتقال عملي لمرحلة بناء الدولة الجديدة حيث بقي مؤسس الإسلام في قباء، ضيفاً عند الصحابي كُلْثُوم بن الهِدْم لمدة ثلاثة أيام اجتمع خلالها بكبار المهاجرين وكذلك بنقباء الأنصار، وبنى مسجد قباء، وبدأ ينظم أمورهم والتخطيط للمستقبل. وفي صباح يوم الجمعة 12 ربيع الأول/ 27 سبتمبر 622م تحرك ركبه باتجاه وسط واحات المدينة حتى استقر في النهاية في منازل بني مالك بن النجار، ومن هناك كان يستطيع بالفعل أن يسيطر على سير الأحداث داخل المدينة ويبني دولته بداخلها، وكان ذلك بمثابة بدايات تأسيس دولة الخلافة، أو الدولة الدينية في المنطقة، على اختلاف تسمياتها الراشدية، والأموية والعباسية، والفاطمية والأيوبية، والمملوكية، والعثمانية، وكلها درجات ومستويات متشابهة عصبها والقاسم المشترك بينها هو الإسلام السياسي، أي إدارة الدولة بالنظرية والعقيدة وأسلوب الحكم الإسلامي العضوض المعهود والمعروف، رغم التنافس والخصام واختلاف المصالح والأنواء السياسية والشخصية بين رموز وزعماء وقادة هذه الدول، والتي استمرت لحوالي 1300 عام تقريباً، من 610-1922م، أي عام سقوط دولة الخلافة العثمانية، في العام 1923، ولم يكن ليتبدل فيها شيء سوى الأسماء، انما استمر النهج والممارسة وأنظمة وأصول الحكم وأدواته على ذات الطابع والمنوال، بكل ما فيه من ظلم وقهر وطغيان وويلات وغطرسة وشنائع وتوريث واستبداد حيث تم اختطاف المجتمع كلياً سياسياً، وفكرياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وتسخيره لصالح الطبقة الأوليغاركية الحاكمة، التي تحمل، حصراً، عقيد ونهج ومبادىء وفكر وتوجهات المؤسس وطريقة حكمه وإدارته للمجتمع وشؤون الناس، (حتى اليوم لا تقبل ما تسمى بـ"الدول العربية والإسلامية" للحاكم (الخليفة)، إلا أن يحمل عقيدة المؤسس وفكره ونهجه وطريقة حكمه)، وكان آخر حديث للمؤسس هو: "أخرجوا منها المشركين"، يعني من جزيرة العرب، وفي رواية أخرى: "أخرجوا يهودَ أهل الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العرب"، وما في ذلك من إعلان لهوية، وإيديولوجية، ودين الدولة، وعدم قبول أي مواطن أو "معارض" (كافر)، لا يحمل عقيدة الدولة، وما يعنيه من تأسيس وترسيخ للاستبداد السياسي الذي نعيشه، ونحصد عقابيله، ونعاني ويلاته اليوم.
وحين سقطت دولة الخلافة العثمانية، في بداية العشرية الثالثة من القرن الماضي، واستعيض عنها بالتوجه العلماني الليبرالي في تركياً، تم استيلاد فكرة "العروبة" السياسية، في شطر من دول الخلافة البائدة الناطقة بالعربية كبديل موضوعي وتعويض معنوي رمزي عن سقوط ونهاية وأفول دولة الطعيان الديني السياسي، وهي بهذا وجه آخر، ودرجة من درجات الإسلام السياسي، وكانت محاولة شيطانية إبليسية رعاعية خبيثة للتلميع، والدخول من الشباك مرة اخرى، و"بعث" تراث يثرب وتوحيدها في كيان سياسي واحد حمل اسم "الأمة العربية الواحدة"، أو الوطن العربي" ووضعه في مواجهة العالم والعلمنة والحداثة والعصرنة التي تشكل تهديداً للأسلمة، اسس لها –أي للعروبة- ابالسة التأسلم والاستعراب تمهيداً لعودة وإعادة "شيطان نجد"، كما أسماه المؤسس مرة اخرى، حين قال من هنا يخرج قرن الشيطان، وحقيقة لم تكذّب العروبة، وأنظمتها الاستبدادية العسكرية البوليسية الطغيانية الخبر، وكانت خير خلف لخير سلف، في نشر ذات التحلف والتضليل، والأوهام، والشعوذات والأساطير التوراتية، والجهل والخزعبلات والأكاديب، حتى أعادت فعلاً المنطقة وشعوبها إلى سراديب، وزواريب وأزقة القرن السابع الميلادي، ولم تقدّم شيئاً جديداً مغايراً عن المشروع الرجعي الديني الأول، وكانت أخطر من المشروع الأول بدرجات لانها تبرير إيديولوجي وحداثي وقانوني ورسمي لكل جرائم الغزو والاحتلال والعدوان والشنائع والموبقات تحت عناوين براقة وشعارات طنانة رنانة تأسر الألباب، حاملة في باطنها ورحمها ذات الجنين لمشروع الاستبداد الشمولي الإيديولوجي الطغاني العسكري البوليسي التوليتاري وبمحاكاة وإعادة ‘نتاج أقوى، وأمضى وأشمل، وبوسائل وأدوات عصرية، للمشروع البوليسي السلطوي الأول الخطير....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أحسنت استاذ نضال
منير كريم ( 2021 / 11 / 14 - 20:35 )
تحية
لقد وصفت يدقة التيار الاسلامي والتيار القومي العروبي
كلاهما ماضويان وضد الحضارة الحديثة
ولكن مارايك باليسار الذي ساندهما بذريعة العداء للامبريالية ووقف ضد الليبرالية والديمقراطية ؟
كم كان تاريخنا الحديث خاويا
شكرا جزيلا


2 - الصديق منير كريم
نضال نعيسة ( 2021 / 11 / 15 - 05:56 )
لم يكن هناك شيء اسمه يسار عربي أو تيار منظم وإيديولوجية يسارية عربية راسخة وكلها كانت حركات فوضوية ديماغوجية سطحية لا سند ولا جذور اجتماعية وفكرية وسياسية راسخة لها لذلك طارت وتلاشت واختفت مع بداية صعود الصحوة الإسلامية وعودة الإسلاميين للسيطرة على الساحة السياسية عبر المستعربين وسواهم من التيارات الماضوية السلفية واختفى اليسار الطفولي الفوضوي نهائيا من الساحة لتحل محله الأوليغاركيات القبلية البدوية والعائلات والسلالات الكومبرادوية المرابطة كليا بالخارج ومصالحه


3 - التيار اليساري
فريد عبدالله ( 2021 / 11 / 16 - 09:03 )
بعد تلاشي الدولة العثمانية تم إعطاء الفرصة للتيارات العشائرية والقبلية لحكم البلاد العربية بالوكالة للمستعمر ( الإنكليزي والفرنسي ) . وكانت البدائل لهم هي التيارت القومية كوكلاء جدد للمستعمر وهؤلاء بدلائهم التيارات الدينية والان البدلاء هي النيوليبرالية . لم تتوفر اية فرصة للتيارات اليسارية للعمل بل تم التضييق عليها وتم عمل تصفيات شديدة لهم . في العراق عام 1963 تم قتل 5000شيوعي باسبوع واحد . تحياتي

اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في