الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على ابواب الجنة - حوار مع الله

زاهد عزت حرش
(Zahed Ezzt Harash)

2021 / 11 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على ابواب الجنة

امتطيتُ عربتي الطبية، بعد ان لبست ثيابي العادية بنصفها الشتائي ونصفها الصيفي، متجهًا بقوة الدفع الآلي نحو مكان لا اعرف عنه شيئًا محددًا. فقد وصفوه بـأنه الجنة التي تجري من تحتها الانهار، ويجمع الله فيها احبابه الصالحين!! قلت في نفسي، "لم تأتي ساعتي بعد!" واعرف انني من غير عباده الصالحين؟! بيد اني مصمم على الذهاب واللقاء، وإن أدى ذلك لقهر وعذاب أليم.. فما اشبه اليوم بالأمس وبكل ما فات قبله من أيام وسنين، وليكن ما يكون، فالحياة فرض والموت اختيار!

وما أن بدأت ولوج سدرة المنتهى، واذ بالضباب يخيم من كل حدب وصوب، لا بداية ولا نهاية لمداه، فلا ارض السومريين فيه ولا الآلهة القديمة هناك، وجنائن عدن المعلقة ما هي إلا اثر بعد عين، وبابل التي كان سبيها نهر من الدماء والبكاء، هائمة كغيمة سوداء، وجليل الأمم خراب لا طير فيه ولا ماء.. وصحراء الرمال يصرخ فيها عويل يشق عباب السماء، وأولَّئِكَ الذين صلى عليهم يتدثرون الجهل والبغاء، فكيف السبيل وأين الرجاء؟!

غدوت في وهلة من اليقين داخل نفق بلا حدود، تراكم فيه الظلام حطامًا وركام، وفحيح الهواء المتسربل أكد أني اسير إلى الامام، أصوات خِراف آتية من بَعيد، كأنها تعوي فوق مذبح الغُفران، ونَعيق لا يعرف الساري له أي بشارة يحملها الغياب، وقنديل على مرتبة وضعوه، ذليل الضوء لا فراش حوله ولا ذباب، يصارع كطفل مقطوع الساقين تركوه وحيدًا على التراب، فأيقنت انني أهيّم في السراب، لا يقين في كفي الأيمن ولا في الأيسر ذرة ارتياب، فعلام يَخافُ الهاربُ إلى دينونة الحساب!؟؟

ظهرت معالم اغصان عارية موشحة بالسواد، عَمَّ الهدوء والصمت سكونًا لا صدًا له ولا صرير، وحدهُ ما زال يلهث في الأعماق صَوّت الضمير، غدوت أقرب من قاب قوسين من المصير، في شغاف الصدر حول القلب تكدس الكثير، من شقاء العمر، من هموم، من وجع مثير، فلا خوف بعد الآن من قادم الايام.. ومن اليوم الأخير.

قَرعتُ بابًا لا ارى مداه العلوي جنوباً ولا شمالاً، وصدره وعجزه تواريا عميقًا ما بين الشرق والغرب بلا حدود، قرعت ولم اسمع سوى السكون، وعلى حين غَرة سَمعتُ صَوّت ازيزه ينبلج تلقائيًا، كشبح يفتح ذراعيه على مهل ليحيط بالجَلّد، كأنه الكون في بقعة ضوء بلا ظلال، هنا في خيمة بلا اوتاد يقبع الشعاع السرمدي، لا ارَى منه إلا ما لا أرى، ولا الّمَح منه طرف عباءَة الخبير أو متكئٍ وثير.

صرخت بكل ما اوتيت من صوت فشق اطراف المكان.. الَهِي.. يا إلَهي لماذا خلقتني!؟؟ لا جواب ولا فحيح، انتظرت فربما جبريل يأتي بهالةٍ عملاقةٍ كهرقل! أين الملائكة تطوف حول عرشهِ العظيم، "السماء عرشه والأرض موطئ قدميه(1)"؟ فما رف لي جفن ولا خفق قلبي وجل، انتظرت على أمل. ما جدوى الانتظار؟!

دفعني فضول على جناحيّ عباب الغيم والسحاب، ها هي السبعة السومرية تصبح سبعة أبواب، لسبع سموات لسبع الهة، فسبعة اسرار الكون! أي باب يقبع الله خلفهُ في وجوم؟ "كل يوم في عين الرب ألف عام(2)؟!" فمتى يظهرُ من العدم؟! خدشت الابواب السبعة بسبع اذرع خرجت دفعة واحدة، فصلصل دويٌ الرعد من غياهب الاندثار، وعمّ الوجوم.. وصعد صوّت درويش ينادي: "جرَّبناكَ جرَّبناكَ
من أَعطاك هذا اللُّغز؟ من سَمَّاكَ؟
من أَعلاك فوق جراحنا ليراكَ؟
فاظهرْ مثل عنقاء الرماد من الدمارِ!"(3)
استمر التكتم كأنّ صوت "الدرويش" لم يصل في يوم من ايام الرب إلى هناك! فصوت مَنّ عساهُ أن يَصل إذَن؟ إلَهِي، ها أنا ذا اتيتُ اليكَ فلا تَخاف، لكَ مِني التَكتُم والأمان، كل ما ابتغيه هو البيان. لست يعقوب الذي صرعك "أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ"(4) . فَقَالَ: "لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي".. فَبارَكتَهُ رَغم ما صَنعهُ مِن شُرور؟ فَظْهَر مِن أجل الحَقيقة بُرهان!

"آمنا بالذي انزل الينا وانزل اليكم، والهنا والهكم واحد" ايها الرب الرخامي المعلق(5) اصبغ عَليّ من لَدُنك رحمة إن كُنتَ أنتَ هو الواحد الرَحيم!! ما بال الصَمت يَجثُو على رُكبتَيِه ضَرير!؟ أم أنك تُصَدق الذين كَذَبوا وافتروا عَليّكَ ظالميّن! لم أصدُف مِن فِعَلِك شيئًا يَسُر الخَواطِر والقُلُوب! كَم وَدَدتُ أن أراكَ بِعَقلِي، فَلم تُجِيب، وعْدُكَ فيما دَعَوّت أمرٌ مُدهِشٌ مُرِيب، أأنت من خَلَقَ الإنسان؟ أم هُو مَن خَلَقَكَ عَلى صُورَتَهُ ومِثَالهُ؟ فَصار كُل واحِد يُفَصِل إلَهًا على مَقاسَهُ؟ كَيّف تَرضَى أن يَصنَعُوا مِنكَ صَنمًا أصَم؟

أيّ إلَهِي، أنا بَريء مِنكَ بَراءَةِ الحَياة مِن الّمُوت! وَوَعدِي هُو باسم العَقل والّعِلّم والّحَياة، الآن وكُل أوانٍ وإلى دَهرِ الداهرين!! لذا سأطرح عَليّك أسئِلتي أمَام مَحكَمةِ العَقلِ والعِلمِ والمَنطِق، وأعلَمُ مُسبقًا أنكَ لّن تُجِيب، فَعُذرًا أيها الإلَه السُرمَدي، سأحاول أنْ أُجيّب عَنك!!
1) سفر أعمال الرسل 7:49.
2) سفر صموئيل الثاني
3) محمود درويش، "مديح الظل العالي"
4) الاصحاح 32 من سفر التكوين
5) نزار قباني، "خبز وحشيش وقمر"
فإن فَشلتُ فَيكفيني شَرفُ المُحاولةِ، وإن ظَفرتُ رُبما يَكون لِي ارثٌ فِي كِتاب الّحَياة. ولن اعتمد في حِوارِنا الآتي سوَى ما جاء في الـ "كتب سماوية مقدسة"، لَن أجنَح إلى تأويلاَت وتَفاسِير لبِسَت أثواب القَداسَةِ ونَطَقَت وتَمنطَقَت باسمِك وهُم بَشَر لَيّسُوا إلا فَما نُسِبَ إليكَ عَن طَريّق الأنبياء والرُسُل هُو مَدار الجَدَل الّحَتْمِي فِيما بَينَنا. واليكَ الّقَادِمُ:

حوار مع الله (1)

جاءَ في سِفر التَكوين: "في الْبَدْء خَلَقَ اللهُ السَمَوَاتِ والأرضَ."، فمن خلقكَ يا الله؟ هل أتيت من العدم؟ يقول عِلمُ الآثار أنك أتَيّتَ مُنبعثًا من خلال أساطير الديانات "الوثنية" القديمة، وخاصةً الديانة السومرية، التي فيها قصة الخلق المنبعثة من العدم، هي أصلًا أساس قصتك بكل ما فيها من رموزٍ ومسميات. "وكَانَت الأرضُ خَرِبَةً خَالِيةً، وعَلى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ." إذا كنت أنتَ من خلق الأرض، فكيف تكون الأرض خربةً خاويةً، و"الغمر"، وهي المياه الطافحة فوق كل شيء!! فمن أين أتت المياه وأنت لم تَخلق في البدء سوى الأرض؟؟ والأرض هي اليابسة فكيف انحسرت المياه فيها؟؟ وقد جاء في قصة الخلق البابلية (إنوما إيليش) التي تعود إلى 3000 سنةٍ قبل الميلاد، وتتلخّص كما يلي:
"كان العالم مجرّد فوضى تتمثل بغمرٍ مائي، انبثقت منه الآلهة الأخرى ثم بدأت هذه الآلهة الجديدة بالدعوة إلى تنظيم العالم، فغضبت الفوضى المائية على هذا الاتفاق (الفوضى المائية تتمثل بـ تيامت المياه المالحة وزوجها إبسو المياه العذبة) وبعد مقتل إبسو بدأت الآلهة تيامت بمعركة الانتقام لمقتل زوجها، كان التقدم في هذه المعركة للآلهة تيامت حتى جاء مردوخ حفيد إبسو وتيامت نفسهما وأصبح قائد التمرد بإمكانياته التي لا تشبه أيًّا من الآلهة الأخرى، فشقّ تيامت المياه إلى نصفين، جعل نصفها السفلي الأرض والعلوي السماء".
وقد جاء في سفر التكوين التوارتي، والذي عُرفت في الديانة المسيحية بالعهد القديم ما يشبه الخلق في القصة البابلية وهو: " وَرَأَى اللهُ النُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَفَصَلَ اللهُ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ.
وَدَعَا اللهُ النُّورَ نَهَارًا، وَالظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلًا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا.
وَقَالَ اللهُ: (لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ الْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ). فَعَمِلَ اللهُ الْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْتَ الْجَلَدِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي فَوْقَ الْجَلَدِ. وَكَانَ كَذلِكَ. وَدَعَا اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَانِيًا."
كما ورد في القرآن ما يشبه ذلك بلُغةٍ لها أكثر من إيحاء "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُون )الأنبياء: 30)". وأيضًا: "وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ.) الذاريات: 47)". "وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيامٍ، وكان عرشه على الماء (هود: 6)" والسرد الذي ورد في قصص الخلق في الديانات الإبراهيم مطابقٌ إلى حدًّ بعيدٍ بقصة الخلق البابلية والزردشتية والهندية والفرعونية. وكلها موروثاتٌ نُسخت عمّا قبلها وصاغت حكايتها بلُغة عصرها، في نوعٍ مماثلٍ أغدقت عليه بلاغةً وطلاسم غيبيةً كي تدل على عظمة الله الواحد الجبار.
وهنا ننتقل الى ما بعدها في سفر التكوين " وَقَالَ اللهُ: (لِتُنْبِتِ الأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ، بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى الأَرْضِ). وَكَانَ كَذلِكَ. فَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا كَجِنْسِهِ، وَشَجَرًا يَعْمَلُ ثَمَرًا بِزْرُهُ فِيهِ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَالِثًا." وقد ثبت مثيلها في قصة الخلق البابلية حيث جاء فيها "أمر الإله (أن-كي / أنكي)، ابنيه (لهار) و(أشنان) أن يسكنا الأرض، و بنى لهما أول حظيرة و أول بيت، و قدّم لهما العَلَف و العُشب و النّير و المِحراث، و هو الذي صنع قالبًا استخدمته الآلهة لصنع أو جبل الإنسان من طين أو تراب (تصور الإنسان الزراعي البدائي لعملية خلق الإنسان من التراب / الأدمة / أديم الأرض / آدم كباقي المزروعات و المحاصيل)، كما أن المعول الذي استخدمه البشر في العُمران و في الزراعة كانت هبةً من الإله أنكي أيضًا. كما اعتقد السومريون أن مدينة (نيبور أو نفَّر) هي من صُنع الإله نفسه، و فيها سكن و تلقّى الهدايا" وفي الاسلام مثيلًا له "هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا. (هود: 61)"
وفي مقارنةٍ عقلانيةٍ منفتحةٍ على تفسير الجُمل السابقة ما بين ما ورد في اساطير الديانات القديمة، والتي وصفتها الديانة الإبراهيمية بالوثنية، نجد ما يشبهها إلى حدٍ بعيدٍ مع ما سطّرته الديانات الإبراهيمية بمفهوم العصر والزمان الذي أُعلنت فيه. فما يُكتب اليوم من علومٍ وفلسفةٍ وأدبياتٍ ما ليس استمرارًا لما خُلقَ قبلهُ، إنما هو وليد التطور البشري "الديالكتيك" بكل أبعاده الطبيعية والبشرية. وهنا تساؤلٌ يطرح ذاته، إن كان الله هو الذي خلق النور وأعطاه اسم النهار، لماذا لا يكون النور محيطًا بالأرض من جانبيها، تغيب عنها الشمس (التي لم تذكرها الديانات السماوية باسمها الحقيقي، وخاصة في سفر التكوين في التوراة)، فتغيب عن الارض ليعُم الليل والظلام وتعود في اليوم الآخر لتشرق عليها؟؟ في حين أن الانسان هو من خلق الطاقة وانتج منها الضوء. فتجد أن نصف الأرض المظلم ليلاً مضاء بقوة النور الكهربائي، حتى أطلق العِلْم على كوكب الأرض صفة "الكوكب المضاء".
فلماذا لم يصنع الله الضوء منذ بدء الخليقة فيكتب عن دوران الأرض حول الشمس، والذي يتكون من خلاله الليل والنهار وتعاقب الفصول، في حين أن هذه الدورة الطبيعية هي التي تُجدد الحياة في الطبيعة والبشرية جماء، كلٌ حسب موقعه الجغرافي وجزئية علاقة موقعٍ ما وتأثره من الشمس.
كما أن هناك القطبين الشمالي والجنوبي الذين لم يرد ذكرهما لا في الأساطير والقديمة ولا في الديانات السماوية، فقد غاب ذكرهما بالكامل عنها جميعًا، كأنهما غير موجوديّن بتاتًا، في حين أنه تم اكتشافهما على يد الإنسان، فلماذا لا يكون الإنسان هو الله، بل هو الذي خلق الله على شاكلته ومثاله، ليُعطي للأقوياء سلطة على البشر وكي يَحلَّ لهُم التحكم بمصير العامة من الناس اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا؟
"لم تعد النبوة، عند الفارابي، هبةٌ مجانيةٌ من الله، بل حالةٌ إنسانيةٌ طبيعية. وهي حالةٌ من حالات المخيلة لا من حالات العقل، فلا توصلنا إلى إدراك معرفةٍ عامةٍ تعجز الفلسفة عن بلوغها"(6). وهذا القول ينفي قصة وجود الأنبياء التي تنفي بذاتها وجود الله.

6) الفكر العربي – في عصر النهضة 1798 – 1939، ألبرت حوراني، ترجمه إلى العربية كريم عزقول – بيروت 20 آب/ أغسطس ص 31
حوار مع الله (2)
كلما اقترب الإنسان من العقل خطوةً ابتعد عن الدين خطوتين

قصة خلق آدم:
(سفر التكوين 1):
وَقَالَ اللهُ: "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْض. فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: "أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ". وَقَالَ اللهُ: "إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْلٍ يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا". "وَلِكُلِّ حَيَوَانِ الأَرْضِ وَكُلِّ طَيْرِ السَّمَاءِ وَكُلِّ دَبَّابَةٍ عَلَى الأَرْضِ فِيهَا نَفْسٌ حَيَّةٌ، أَعْطَيْتُ كُلَّ عُشْبٍ أَخْضَرَ طَعَامًا".
وَكَانَ كَذلِكَ، وفي الأسطورة البابلية/السومرية، ويقول الإله "إنكي" لأمه "نمو" في الرواية البابلية حول خلق الانسان:
"إن الكائنات التي ارتأيت خلقها ستوجد، وسوف نصنعها على شبه الآلهة، اغرفي حفنةً من طينٍ فوق مياه الأعماق، وأعطها للحرفيين الإلهيين ليعجنوا الطين ويكثّفوه، وبعد ذلك قومي أنت بتشكيل الأعضاء، بمعونة ننماخ الأم الأرض، عندها ستقف جانبك كلّ ربّات الولادة، وتقدّرين للمولود الجديد يا أماه مصيره، وتعلق ننماخ عليه صورة الآلهة، إنه الإنسان".
وهنا نلمس الدلالات الواضحة بين القصة البابلية لخلق الانسان والرواية التوراتية والمسيحية في العهد القديم.. وقد جاءَ في القرآن ما يتماثل مع ذلك أيضًا: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (الأنعام: 2). "وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُون" (الأنعام:98). وأيضًا: "خلق الإنسان من صلصال كالفخار" (الرحمن: 14). "ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حُمإٍ مَّسْنُونٍ" (الحجر: 26). "وَلَقَد خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ" (المؤمنون"12). "فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقَنا إنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ" (الصافات: 11). "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ".... (الأنعام: 2) ".وكلها قصصٌ واساطير (كلام مسطّر) تتماهى بعضها ببعضٍ وتدل دون أدنى شكٌّ أنها منقولةٌ عما سبقها. فأين هو خَلقُ الله السماوي في كتب الديانات الإبراهيمية؟ وما الذي يجعلها مقدسةً بعين أصحابها، في حين أنها صورةٌ متماثلةٌ مع ما سبقها من دياناتٍ "وثنية".
وقد اختتمتْ الديانات الإبراهيمية قولها "من التراب وإلى التراب تعود"، في حين أنه ثبت علميًا أن الجسد الميت "الجثة" تتحول بفعل المواد والأنسجة الساكنة فيها، وبفعل جفاف الجسد من السوائل والدم حين يفتقر الجسد للأوكسجين، كما "بيَّن (بزنس انسايدر / موقع) أنه، بعد أسابيع من الموت، تبدأ الديدان بالتهام الجسد، وتستطيع أكل 60% منه خلال أسبوع، ويبدأ الشعر بالتساقط، ويتحول لون الجسد ليصبح بنفسجيًا ثم أسودًا، مع استمرار التهام البكتيريا للجسد". وفي ختام التقرير وردَ، "أن الجثة تتحول إلى هيكلٍ عظميٍّ بعد أربعة شهورٍ فقط". ويؤكد "الموقع" أنه بعد دقائق من الوفاة "تبدأ خلايا الجسد بالموت، نتيجة إنعدام الأكسجين، وبعدها تتفكك لتتحلل وتبدأ بالتعفن".

ويضاف إلى قصة الخلق، تسلط الإنسان على كل ما هو موجودٌ على الأرض، في حين أنه منذ اكتشاف العلم وتطوره، تم خلق مئات بل آلاف الأنواع من النباتات والأزهار والأشجار المنبثقة من حيوياتٍ لم تكن موجودةًّ، أو من تهجين أكثر من نوع لخلق أنواعٍ جديدة! فكيف يحدث ذلك من دون مشيئة الله؟

"اما محتوى الشريعة الإلهية، فقد اعتبرهُ ابن سيناء، مبدئيًا، في متناول العقل البشري بدون معونةٍ الهية، قائلاً: "إن لم يكن هناك من نبي، فمن الممكن أن ينشأ في المجتمع نظامٌ شرائعيٌّ صالحٌ بطرقٍ أخرى"(7). "كل الحقائق العظيمة تبدأ بالكفر"، جورج برنارد شو. فإن كانت الهواجس والمخاوف العالقة في كيان الإنسان متوارثةٌ بفعل النشوء والتطور، في مسيرة انتقال الإنسان من الحياة البدائية العشوائية التي لم تتخللها أية حضارةٍ بشريةٍ في زمنٍ من الأزمان، فذلك لا يعني أن تبقى وتستمر بالسيطرة عليه إلى الأبد.

ويبدوا أنه في حال إعمال العقل حول تغلغل الدين وما يجنيه من أرباحٍ ماديةٍ وسلطةٍ فوقيةٍ على الآخرين، وما يمكن أن يحدُث لمن يعتَرض عليه، من حرمانٍ واعتداءٍ وتجريم، رغم القناعة التامة في نفوس عددٍ لا بأس به من البشر، بأن الدين كذبةٌ لا يمكن دحضها، وذلك انطلاقًا من القول الآتي: "تصبح الكذبة حقيقة إذا تم تكرارها بما يكفي"، فلاديمير لينين.

الجنة وطرد آدم وحواء منها
أعتَقِد أن الكثير من الناس يعرفون قصة آدم وحواء والحيّة وكيف تم طردهُما من الجنة. وللتذكير نضع مقتطفًا من (سفر التكوين 3):

"وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: (أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟)؟، "فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ. فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ".
كيّف يمكن أن تنطلي حيلةٌ كهذه على العقل البشري؟ في حين أنهُ ذُكر فيما سبق أن الله يَعلم كل شيء! إلا أن الله هو من دبر هذه المكيدة كي يطرد الإنسان من الجنة؟ واليكم ما جاء في القرآن:
7) الفكر العربي – المصدر السابق ص 31
{وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)}. (الأعراف 19:22).

ويُصادق القرآن على ما جاء قبله ويصيغ الرواية بكلماتٍ لا تدُل إلا على نفس المعاني. ومن يتاح له مراجعة كافة النص التوراتي والمسيحي من الكتاب المقدس، وكذلك النص والقرآني، وبقليلٍ من المنطق سيتضح له أن القصة مختلقةٌ ومستحيلة الحدوث بالواقع، ومن هنا جاء الكثير من التأويل والتفسيرات على أنها مجرد فكرةٍ تهدف إلى أن الله يستطيع فعل كل شيء، ولو حاولنا البحث في كيفية نشوء البشرية واستمرار البقاء من رجلٍ وامرأةٍ وأبناء وبنات آدم وحواء، كان زواجهم سفاح قربى!! فهل يُعقل هذا؟ وهذه الرواية لم تأتِ من عدمٍ بل استُوحت من قصصٍ وردت في الديانات السابقة لها. إذ أن "السومريين أول من دونوا القصة قبل ثلاثة آلاف سنةٍ قبل الميلاد ثم تبعهم الأكاديين في الألفية الثانية قبل الميلاد ثم نقل عنهم عزرا في الألفية الأولى قبل الميلاد بعد مئة عامٍ من سبي اليهود في بابل وضياع توراة موسى، وأعاد عزرا كتابة التوراة من الذاكرة وأضاف إليها ما سمعه من قصصٍ شعبيةٍ من الحكائين عن بداية الخلق" (منقول).
وقد عُثر على لوحين في سوريا عام 1929م برموز الكتابة الأوغاريتية المسمارية يحملان نسخةًّ قديمةًّ لقصة الخلق التوراتية. "ففي القصة القديمة يسود الإله (إيل – الله) على (حقل كرمة الآلهة العظام – الجنة) لكن سلطته عارضها الإله الشرير حورون (ابليس- فعُوقب حورون بالطرد من الجنة) (شجرة الحياة) وهنا يظهر آدم في القصة: على أنه إله أُرسل إلى الأرض لوضع حورون عند حده، لكن حوّل حورون نفسه إلى ثعبانٍ سامٍ ولدغ آدم، مما أدى إلى خسارته لطبيعته الخالدة وكنوعٍ من العزاء لِما أصاب آدم، قدَّمت آلهة الشمس له (امرأةً طيبة القلب من طينةٍ جيدة) تمكنه أن يتكاثر، ويسترد آدم بعضًا من طبيعته الخالدة." (منقول).
فما الجديد إذًا في ما ورد في الديانات السماوية الثلاث، سوى أنها أخذتها من الروايات الأسطورية القديمة، وسطرتها بلُغةٍ تتناسب مفاهيم العصر التي وُجدت فيه، وعلّبتها بثوبٍ من القداسة.

قصة قايين وهابيل:
وجاء في (سفر التكوين 4): "وَعَرَفَ آدَمُ حَوَّاءَ امْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ قَايِينَ. وَقَالَتِ: )اقْتَنَيْتُ رَجُلًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ.) 2. ثُمَّ عَادَتْ فَوَلَدَتْ أَخَاهُ هَابِيلَ. وَكَانَ هَابِيلُ رَاعِيًا لِلْغَنَمِ، وَكَانَ قَايِينُ عَامِلًا فِي الأَرْضِ." ويتبع ذلك أن الله قد قَبِلَ قُربان هابيل راعي الأغنام ولم ينظر إلى قربان أخيه فغضب قايين وقتل هابيل. وهنا يبدو الصراع بين البداوة والحضارة في أول مظاهرها، وتفيد بعض الروايات أنه فعل ذلك لأنه أراد زوجة أخيه هابيل. "فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: (أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟) فَقَالَ: (لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟) فَقَالَ: (مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ.) فَالآنَ مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ".
وتتمة الحكاية أن قايين تزوج وأنجب العديد من البنين وهم بدورهم تزوجوا وأنجبوا، فمن أين كانت نساءهم؟ لم يرد أي دليلٍ على وجود بشرٍ غيرهم، فلا بد أنهم تزوجوا من أخواتهم أو من بنات إخوتهم!! وفي ذلك أيضًا سفاح قربى، والحُجة في ذلك أنها الوسيلة الوحيدة لبقاء الجنس البشري.

أما في القرآن فقد ورد: "{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}" (المائدة). أين وجه الخلاف بين الروايتين؟ إنهما متطابقتان بلسانٍ مختلف. كما أنه من الملفت للنظر أن الله أرسل الغراب للبحث عن هابيل، ألم يجد الله سوى الغراب لهذه المهمة؟ وهو العَالِم بكل شيءٍ ولا يحتاج لمساعدةٍ من غراب؟

وهناك رواياتٌ من أساطير الديانة السومرية جاء فيها: "هناك أسطورةٌ سومريةٌ ثالثةٌ شبيهةٌ بقصة قابيل وهابيل سُميت (إنانا - تفضل الفلاح) وهي تمثل فكرة النزاع بين الفلاح والراعي أيضًا، وأبطال القصة أربعةٌ هم (إنانا) وأخوها (أوتو إله الشمس) و(دموزي – تموز- الإله الراعي)، و(إنْكيمدو - الإله الفلاح)، وخُلاصتها أن (إنانا) عَزمت على اختيار زوجٍ لها وكان أخوها (أوتو) يحُثها على الزواج من (دموزي - الراعي) ولكنها كانت تفضل (إنكيمدو - الفلاح) فيأتي إليها (دموزي) ليعرف السبب الذي يجعلها تفضل الفلاح عليه، إلا أن (إنانا) لم تُعرهُ اهتمامها، ويظهر أن (إنكيمدو) راح يسعى لترضية منافسه الراعي، بيد أن الراعي يأبى الانثناء عن عزمه، إلى أن يَعدهُ الفلاح بتقديم أنواعٍ من الهدايا لإرضائه، ويظهر أن (دموزي) الإله الراعي قد تغلب على (إنْكيمدو) الإله الفلاح." تختلف التفاصيل بين الروايتين بيد أن المعنى واحد، فكيف لي أن أصدّق أن ما ورد في كتابات الديانات الإبراهيمية هو الحقيقة الإلهية!! وما هي إلا روايةٌ منقولةٌ عن أساطير الديانات الأخرى بأسماءٍ وسَردٍ متماهيتين؟

نسل آدم:
(سفر التكوين 5): الذي ورد في النص التوراتي والمسيحي من الكتاب المقدس. حديثٌ لا يقبله عقلٌ ولا منطقٌ واليكم بعضًا منه:
"هذَا كِتَابُ مَوَالِيدِ آدَمَ، يَوْمَ خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ. عَلَى شَبَهِ اللهِ عَمِلَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُ، وَبَارَكَهُ وَدَعَا اسْمَهُ آدَمَ يَوْمَ خُلِقَ. وَعَاشَ آدَمُ مِئَةً وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَوَلَدَ وَلَدًا عَلَى شَبَهِهِ كَصُورَتِهِ وَدَعَا اسْمَهُ شِيثًا. وَكَانَتْ أَيَّامُ آدَمَ بَعْدَ مَا وَلَدَ شِيثًا ثَمَانِيَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. 5. فَكَانَتْ كُلُّ أَيَّامِ آدَمَ الَّتِي عَاشَهَا تِسْعَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَمَاتَ. وَعَاشَ شِيثُ مِئَةً وَخَمْسَ سِنِينَ، وَوَلَدَ أَنُوشَ. وَعَاشَ شِيثُ بَعْدَ مَا وَلَدَ أَنُوشَ ثَمَانِيَ مِئَةٍ وَسَبْعَ سِنِينَ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. فَكَانَتْ كُلُّ أَيَّامِ شِيثَ تِسْعَ مِئَةٍ وَاثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً، وَمَاتَ. وَعَاشَ أَنُوشُ تِسْعِينَ سَنَةً، وَوَلَدَ قِينَانَ".
انتبهوا إلى هؤلاء الذين تراوحت أعمارهم بين تسعين سنةً وتسع مئة وثلاثين سنة!! حتى وإن كان حساب السنوات يختلف عما هو الآن، بيد أنه كان منذ القدم حساب السنة حسب الأشهر والفصول، ولكن إذا اعتمدنا على فرضية أن الله يعرف كل شيء، ويعلم ما في الغيب وما في الصدور، فمن المفروض أن يكون حساب السنين مطابقٌ لزمنٍ قادم، وهذا مجرد اجتهاد، إذ كيف للقادر على كل شيءٍ أن يجهل سنوات عمر الإنسان لتكون فوق المعدل الطبيعي في زمن القحط والعناء؟ في حين أنه في وقتنا الحاضر، الذي هو الأفضل على مر التاريخ، من ناحية معدل طول العمر، ولم يصل لأكثر من 15% من عمر آدم، وأن آدم أنجب ابنًا له وهو بعمر 130 عامًا، وعاش بعدها ثمانمائة سنةٍ ويؤكد بعدها أن عمره وصل إلى تسعمائة وثلاثين سنة؟! ألم يدرك هذا الجبار العنيد القاهر العَالِم (الله)، أنه سيأتي يومٌ يتساءل فيه الناس عن هذه الرسالة الأسطورية العجيبة، فيرفضون قداستها!؟


كما أننا ولو عُدنا إلى سجلاتٍ ومصادر مؤرخةٍ منذ عهودٍ خلت، لاكتشفنا أن عُمرًا كهذا هو ضربٌ من الخيال، إن لم نقل أنه ضربٌ من الكذب والنفاق. ومع هذا فإنه لم يأتِ على ذِكر قايين وهابيل مع أنهما ذُكرا في سفر التكوين (4). والملفت للنظر هنا أيضًا أن نسله كان من البنين والبنات، ولم يأتِ خبرٌ عن أن هناك بشرًا آخرون تم التزاوج معهم، أي أن التزاوج تم بين أبنائه وبناته، وهذا إثباتٌ آخر على أن التزاوج حصل بينهم. وهو ما يُعرف بسفاح القربى، الذي كان سائدًا في القبائل البدائية ما قبل نشوء الحضارة البشرية والعمرانية! فهل يُعقل أن يكون (الله) الذي هو رب الخير والعطاء أن يقبل بذلك؟؟
"في البدء كانت توجد عند البشر علاقاتٌ جنسيةٌ غير محدودة، أُطلق عليها التعبير غير الموفق "الهيتيرية". "كان هناك نظامٌ جنسيٌ اسمه المعاشرة البغاء، وموجودٌ لدى الكثيات قرب مضيق برنج والكادياك قرب ألاسكا وفي وسط كندا وهنود التشيوا والهند الصينية، إذًا أن المعاشرة الجنسية لم يكن لديها حدودٌ، فنجد الأخوة مع الأخوات يتعاشرون معاشرة الزوجين." فريدريك إنجلز، أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة. كما أن عمر الأرض يبلغ 4.5 مليار سنة، بحسب أخر التقديرات العلمية. في العصور البدائية للبشرية من المقنع أن يحدث التزاوج دون قيودٍ وضوابط، لكنه مع التطور الإنساني وعلى مر عصورٍ وعصور، فإن البشرية تأنسنت وتطور فكرها وعاداتها ومفاهيمها إلى الأفضل. وبما أن تاريخ الديانات الإبراهيمية لا يزيد عمرها عن ثلاثة آلاف سنة، فإنه من المفروض، وبدعمٍ من (الله) أن يكون لديها مفهوم البعد الإنساني والحضاري، مبتعدةً عن ذِكر انواعٍ من التزاوج المتاح دون قيود. وسفر التكوين 6. يروى أن الناس تكاثروا في الأرض:
"وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا".
أما الذكور فهم أبناءُ الله، والإناث بنات الناس!! من هنا بدأ التوجه الذكوري للتسلط على كل شيء، فهل الله له توجهًا ذكوريًا استمر بسلطة رجال الدين إلى يومنا هذا؟! وبالعودة لما جاء في سفر التكوين 6، نجد أن الله يغضب منهم على الرغم من أنه يقول فيما ورد أنفًا أنهم "أبناء الله" ولا يشمل هذا التعبير النساء/البنات.
"كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَدًا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ. وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ".
فمن أين جاء هذا الشر والطغيان ولماذا لم يمنعه الله ويحدد نوعية التزاوج ونوعية البشر إذ هو يدعوهم أبناءه ولا يعترف بالإناث!! فيبحث عن وسيلةٍ للانتقام منهم بقصة الطوفان.







حوار مع الله (3)

قصة الطوفان:
(سفر التكوين 6.) "فَقَالَ الرَّبُّ: "أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ". وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.". الله ندم على أنه خلق الإنسان؟! هل ممكنٌ لإنسان عاقلٍ أن يُصدق أن الله يندم على ما قد فعله!! هذا يفتح بابًا لألف سؤالٍ، إذ أن هذا الحدث يُشخص الله على أنه شبه إنسان، أو إنسانٍ ربما لا يملك تلك القدرة العقلانية الخلاقة التي يتوجب على الإله أن يتحلى بها. وهكذا يقرر أن يُبيد كافة البشر الأحياء على وجه الأرض. حيث جاء فيما يلي: "فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ». وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.". هكذا بكل وضوحٍ يعلن "الله" على أنه يريد إبادة الخليقة ويمحوها عن وجه الأرض!! هل تسائل واحدٌ من رجال الدين ما الفرق بين قرار الله بإبادة البشرية، وقرارات وأعمال الطغاة من المجرمين الذين أشعلوا الحروب وأبادوا وقتلوا الملايين من البشر!؟ فمعظم تلك الحروب نشبت بدوافع دينيةٍ متأثرةٍ بمفهوم الدفاع عن الحق وقدسية الإيمان!؟ ما الفرق بين الله في ما فعل بالطوفان وما فعله طغاة الأرض على مر العصور باسم الديانات المختلفة!؟
"فَهَا أَنَا آتٍ بِطُوفَانِ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ لأُهْلِكَ كُلَّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. كُلُّ مَا فِي الأَرْضِ يَمُوتُ." ويتبعه: "فِي سَنَةِ سِتِّ مِئَةٍ مِنْ حَيَاةِ نُوحٍ، فِي الشَّهْرِ الثَّانِى، فِي الْيَوْمِ السَّابعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ فِي ذلِكَ اليَوْمِ، انْفَجَرَتْ كُلُّ يَنَابِيعِ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ، وَانْفَتَحَتْ طَاقَاتُ السَّمَاءِ. وَكَانَ الْمَطَرُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً."
وهكذا أباد الله الخليقة، أي من هم أبناء الله حسب قوله، لكنه اختار نوحًا وبنيه وكل دابةٍ على الأرض! وكأنه عاجزٌ عن إعادة خلقهم من جديد! لكنه نسي على ما يبدو أنه أباد بذلك أيضًا كل نباتٍ على الأرض! حيث لم يكن موجودًا على زمانه "بنك البذور العالمي". "قبو سفالبارد العالمي للبذور (بالنرويجية: Svalbard globale frøhvelv‏)، هو بنك بذور آمنٍ يقع في الجزيرة النرويجية سبتسبرجن بالقرب من بلدة لونغياربيين في أرخبيل سفالبارد في القطب الشمالي النائي، على بعد حوالى 1313 كلم (816.19 ميل)، من القطب الشمالي مِرفقٌ يحافظ عليها على نحوٍ آمن. ويضم القبو مجموعةً متنوعةً من بذور النباتات في كهفٍ تحت الأرض." (منقولٌ) عن وكيبيديا. وبعد انتهاء الطوفان، كيف عادت الحياة إلى الأرض، وكم احتاج الإنسان من الوقت كي يعيد إصلاح ما دمره الله؟ وكم من المستنقعات والأوبئة انتشرت من جراء ذلك الطوفان. فهل ارسل الله قافلةً من المساعدات الطبية والإنسانية والعلمية لتجديد الحياة عليها!؟ هل تستطيع كتب وجهابذة الشريعة اليهودية، أو معاهد اللاهوت المسيحية، ومشايخ الفقه الاسلامي جميهم، أن يطرحوا إجابةً على هذا السؤال؟ سوى بكلمة أن الله قادرٌ على كل شيء، وأن الله إن قال للشيء كن فيكن!؟؟ وكيف يقبل العقل والمنطق ما هو غير معقول!؟
"وَتَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ وَتَكَاثَرَتْ جِدًّا عَلَى الأَرْضِ، فَكَانَ الْفُلْكُ يَسِيرُ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. وَتَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ كَثِيرًا جِدًّا عَلَى الأَرْضِ، فَتَغَطَّتْ جَمِيعُ الْجِبَالِ الشَّامِخَةِ الَّتِي تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ. خَمْسَ عَشَرَةَ ذِرَاعًا فِي الارْتِفَاعِ تَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ، فَتَغَطَّتِ الْجِبَالُ." كما أن هناك وصفًا لارتفاع المياه: "خمس عشرة ذراعًا" فهل ارتفاع المياه بقدر خمس عشرة ذراعًا، يمكنه أن تبيد كل شيء على الأرض؟! في حين أن جبل إفرست الواقع جنوب القارّة الآسيويّة، وتحديدًا على تقاطع الحدود بين نيبال ومنطقة التّبت الصينيّة، وهو يُمثِّل إحدى قِمَم سلسلة جبال الهيمالايا، كما أنّه يمثِّل أعلى قمّة جبليّة في العالم، والتي يبلغ ارتفاعها نحو 8,850م عن مستوى سطح البحر. والذراع يساوي نصف متر، أي بحسابٍ بسيطٍ يكون ارتفاع المياه في غمرة الطوفان وصل إلى سبعة أمتارٍ ونصفٍ فقط!! وأن أبسط جبلٍ أو تلةٍ على الأرض يصل ارتفاعها لأكثر من ذلك، إذ أنها تصل إلى ارتفاع عدة أمتارٍ عن سطح البحر! إلا إذا ما كانت حسابات الله لا تعرف أن قياس الارتفاع في الأرض يعتمد على مستوى سطح البحر ويقاس نسبة له! ويتبع في سفر التكوين 7 أيضًا "وَتَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ عَلَى الأَرْضِ مِئَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا." في حين أنه ذُكر في نفس الصفحة "الفقرة الأولى"، البند رقم 12، أن المطر استمر على الأرض أربعين يومًا وأربعين ليلةً، فكيف تغيّر وأصبح مئةً وخمسين يومًا، هل نسي الله أو من دوّن كلامه ما ذكره في البند رقم 12!؟
"فَمَحَا اللهُ كُلَّ قَائِمٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ: النَّاسَ، وَالْبَهَائِمَ، وَالدَّبَّابَاتِ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ. فَانْمَحَتْ مِنَ الأَرْضِ. وَتَبَقَّى نُوحٌ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ فَقَطْ." وبموجب المراجع اليهودية والمسيحية فإن تدوين التوراة/العهد القديم كان قبل 1441 – 1400 ق.م. وحين نبحث في ما جاء به القرآن عن قصة نوح، نجدها تحمل ذات الصفات والأحداث لكن بكلماتٍ أخرى، ومنها: "وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77) (الأنبياء)"، وفي آية أخرى ورد ما يلي: "سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) (الصافات)، وأيضًا: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ" (التحريم: 10)".
بل وزاد الطين بلةً، فهنا تدخل زوجة نوحٍ وزوجة لوطٍ في جموع الكافرين وينالهن ما نال كل المخلوقات من غرقٍ ومن وعيدٍ بنار جهنم! وهذه الصورة القرآنية لا تختلف عن القصص التوراتية بالمفهوم والمعنى، إنما تجد الخلاف باللفظ والسرد والكلمات لا غير. وإذا أردنا مقارنة ذلك مع قصص الطوفان في الديانات القديمة، وجدنا أن الديانات السماوية/الإبراهيمية منقولةٌ بحذافيرها عن قصص الطوفان التي تنتشر انتشارًا واسعًا في جميع أنحاء العالم، فهناك قصصٌ عن الطوفان في بعض مجتمعات الشرق الأدنى القديم، وفي الهند وبورما والصين والملايو وأستراليا وجزر المحيط الهادي، وفي جميع مجتمعات الهنود الحمر. ولعل أهم هذه القصص قصة الطوفان السومرية، وقصة الطوفان البابلية، وما عليكم إلا أن تدخلوا للبحث عنها بواسطة محرك "غوغل" لتجدوا العشرات بل المئات منها. فهل كان الله ينسخ عن الديانات القديمة قصصه الأسطورية التي لا تمت إلى أي واقعٍ بأي حالٍ من الأحول!!
ونظرةٌ استكشافيةٌ بسيطةٌ لما وورد في التوراة والقرآن، بفارقٍ زمنيٍّ وصل إلى ما يقارب قرنين من الزمان، نجد ان لا شيء غير سوى باللفظ والكلمات. فأي ديّنٍ وأية قداسةٍ هذه التي لا تحمل التجديد والتطور سوى النقل والنسخ وتخدير العقول؟!
"وَبَنَى نُوحٌ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ. وَأَخَذَ مِنْ كُلِّ الْبَهَائِمِ الطَّاهِرَةِ وَمِنْ كُلِّ الطُّيُورِ الطَّاهِرَةِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى الْمَذْبَحِ". وهكذا تنتهي قصة الطوفان في الديانات السماوية، حيث تُقدَّم الذبائح والقرابين من كافة الأصناف الحية ذبيحةً إلى الله، وهنا يكتفي الله بأن سيتنشق رائحة الدخان المرتفع إلى السماء، لكنه مع تطور الفكر الإنساني أصبحت الذبيحة توزع ليأكلها الناس كمحبةٍ للخالق الواحد القهار.
اما ما بعد الطوفان فهناك قصةٌ تحكي عن نوحٍ وما كان من أفعاله. إذ جاء في سفر التكوين 9، ما يلي:
"وَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: (هذِهِ عَلاَمَةُ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَنَا أَقَمْتُهُ بَيْنِي وَبَيْنَ كُلِّ ذِي جَسَدٍ عَلَى الأَرْضِ). وَكَانَ بَنُو نُوحٍ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنَ الْفُلْكِ سَامًا وَحَامًا وَيَافَثَ. وَحَامٌ هُوَ أَبُو كَنْعَانَ. هؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ بَنُو نُوحٍ. وَمِنْ هؤُلاَءِ تَشَعَّبَتْ كُلُّ الأَرْضِ. وَابْتَدَأَ نُوحٌ يَكُونُ فَلاَّحًا وَغَرَسَ كَرْمًا. وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خِبَائِهِ. فَأَبْصَرَ حَامٌ أَبُو كَنْعَانَ عَوْرَةَ أَبِيهِ، وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ خَارِجًا. فَأَخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ الرِّدَاءَ وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا وَمَشَيَا إِلَى الْوَرَاءِ، وَسَتَرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا وَوَجْهَاهُمَا إِلَى الْوَرَاءِ. فَلَمْ يُبْصِرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا. 24 فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نُوحٌ مِنْ خَمْرِهِ، عَلِمَ مَا فَعَلَ بِهِ ابْنُهُ الصَّغِيرُ، فَقَالَ: (مَلْعُونٌ كَنْعَانُ! عَبْدَ الْعَبِيدِ يَكُونُ لإِخْوَتِهِ)".
ولقد أضفت هنا كل ما بإمكانه أن يوضّح صورة أولياء الله، كيف كانوا يعيشون ويرغدون في العيش، وقد ذكر الله في بادئ الأمر أن الناس ضلّوا طريقهم فبعث لهم الطوفان وأبادهم، في حين أننا نجد نوحًا يسكر ويتعرّى؟؟ ولم تُذكر له صلاةٌ ولا عبادة، سوى أنه قدّم القرابين لرب العالمين!؟؟ مع التنويه إلى أن الله قد ميّزهُ عن باقي الشعب على أنه الإنسان الصالح المتعبد! فأي صالحٍ ومتعبدٍ حسب ناموس الله والدين هذا المتعري الثمل.




















حوار مع الله (4)
"الإيمان الراسخ هو عدوٌ للحقيقة أكثر من الكذب." فريدريك نيتشه

نترك سفر التكوين البند 10، حيث لا تجد فيه سوى سرد لأجيالٍ متعاقبةٍ بموجب ما نُقل عن شعوب المنطقة الشرقية من العالم، من بابل والآشوريين وغيرهم، وتعاقب أسماء وانتشار قبائل وألسن، وننتقل إلى سفر التكوين 11 لنجد فيه:
"وَقَالَ الرَّبُّ: (هُوَذَا شَعْبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَهذَا ابْتِدَاؤُهُمْ بِالْعَمَلِ. وَالآنَ لاَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا يَنْوُونَ أَنْ يَعْمَلُوهُ. هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ)".
مجرد محاولةٍ بسيطةٍ لفهم هذا النص، نجد أن من كتبه اعتمد على تاريخ شعوب ما بين النهرين من السمومرين حتى بابل، كما ينوّه فيما بعد إلى وجود مصر وسورية وأرض فلسطين، حتى أنه يذكر أسماء بلداتٍ لم تكن موجودةً إلا في زمان تلك الحضارات، حتى يصل إلى غزةَّ دون توضيحٍ وشرحِ لعلاقتها بالمدن الأخرى.
وفي التكوين 12، يستمر التسلسل الزمني مع أسماء نسل "الله"، أي نسل نوحٍ حتى يصل إلى إبراهيم الذي اطلق عليه اسم "أبرام" نسبةًّ للاسم اليهودي "אברם"، وعن الجوع الذي ضرب أرض كنعان وأن أرض كنعان لم تظهر في الاساطير القديمة، في حين أن أقرب تاريخٍ للحقبة السومرية يعود إلى 3500 ق.م، وأن تاريخ الكنعانيين في أبعد مرحلةٍ له بدأ منذ 700 ق.م، فكيف يعود تاريخ وجود إبراهيم "أبو الأنبياء" إلى سبعمائة سنةٍ قبل الميلاد، وأنه خرج من فلسطين إلى مصرحين عَّمَ القحط والجفاف منطقة سورية الكبرى، وذهب إلى مصر واعطى زوجته إلى فرعون، وهنا يذكر الله ذلك بوضوح، كما جاء في سفر التكوين 12:
"قُولِي إِنَّكِ أُخْتِي، لِيَكُونَ لِي خَيْرٌ بِسَبَبِكِ وَتَحْيَا نَفْسِي مِنْ أَجْلِكِ. فَحَدَثَ لَمَّا دَخَلَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ أَنَّ الْمِصْرِيِّينَ رَأَوْا الْمَرْأَةَ أَنَّهَا حَسَنَةٌ جِدًّا. وَرَآهَا رُؤَسَاءُ فِرْعَوْنَ وَمَدَحُوهَا لَدَى فِرْعَوْنَ، فَأُخِذَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ، فَصَنَعَ إِلَى أَبْرَامَ خَيْرًا بِسَبَبِهَا، وَصَارَ لَهُ غَنَمٌ وَبَقَرٌ وَحَمِيرٌ وَعَبِيدٌ وَإِمَاءٌ وَأُتُنٌ وَجِمَالٌ. فَضَرَبَ الرَّبُّ فِرْعَوْنَ وَبَيْتَهُ ضَرَبَاتٍ عَظِيمَةً بِسَبَبِ سَارَايَ امْرَأَةِ أَبْرَامَ. فَدَعَا فِرْعَوْنُ أَبْرَامَ وَقَالَ: مَا هذَا الَّذِي صَنَعْتَ بِي؟ لِمَاذَا لَمْ تُخْبِرْنِي أَنَّهَا امْرَأَتُكَ؟ لِمَاذَا قُلْتَ: هِيَ أُخْتِي، حَتَّى أَخَذْتُهَا لِي لِتَكُونَ زَوْجَتِي؟ وَالآنَ هُوَذَا امْرَأَتُكَ! خُذْهَا وَاذْهَبْ! ".
يعني أن الله يعترف ويُقر بأن إبراهيم قد سلم زوجته إلى فرعون ليقضي معها ويضاجعها، وحين عرف فرعون أنها زوجة إبراهيم، أمرهُ أن يخرُج من مصر مع ما وهبه من عطاءٍ ومال. كيف يُعقل أن يكون الله العادل القوي الصالح شاهدًا على البغاء، بل ويوثقه في كتابه المقدس من الديانات السماوية، سواءٌ التي اعتمدته أو تلك التي جاءت من بعده. كما أنه يذكُر "لوطًا" في سياق رواية إبراهيم وزوجته الجميلة، من البداية وحتى خروجهم من مصر وعودتهم إلى فلسطين وسورية.

نشر في مجلة الملحدين العرب في العدد الرابع بعد المائة - يوليو/تموز 2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah