الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق الحداثة

زكي بوشوشة
كاتب

(Zaki Bouchoucha)

2021 / 11 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عرف التاريخ البشري عدة مراحل حضارية لكل مرحلة مميزات و خصائص معينة ، و لكنها كانت تشترك في نقاط عدة ، إلا أن المرحلة الاخيرة و بالتحديد منذ الثورة الصناعية لم تكن مشابهة لما قبلها ، فقد قال ماركس ان كل الفلاسفة السابقين ارادوا تفسير العالم و لم يريدوا تغييره ابدا ، ربما أخطأ ماركس تقدير الامر و لم يحدد اصل المشكل بالضبط ثم جاءت محاولة نيتشة في قلب كل القيم ، في الحقيقة لم تكن قيما معصومة من النقد و المراجعة و لم تكن ايضا تستحق ان تقلب على راسها ، و علينا ان نقر ان القراءة الصحيحة لماركس اليوم تقول ان تغييرنا للعالم باستمرار لن يسمح لنا بتفسيره ابدا و لن يترك لنا مجالا لفهمه ، و ان فهم التضاد الذي جاء به نيتشه ينطلق من ان قلب القيم المنبودة قلبا كليا يؤدي الى نفس النتائج و بصيغة المبالغة ، نحن اليوم مطالبون بفهم الاسباب التي اوصلت العالم الغربي الى ما هو عليه ، و نخص بالقول العالم الغربي لانه القاطرة التي تجر العالم الى طريق مسدود عبر نفق ما بعد الحداثة المظلم ، و ان كان العالم اليوم يحكم على نفسه بمشاركة الغرب نفس المصير ، فهذا ليس لحتمية طبيعية ، بل لقرار غير واعي ، قرار اشتركت فيه الانظمة و النخب و الشيوخ و الشعوب على حد سواء ،نتيجة الانبهار من كل ما هو غربي او كما يحلو لابن خلدون توصيفه ان المغلوب حضاريا مولع بتقليد الغالب .
الحداثة و نقطة اللارجوع . تميزت الحداثة بالنسقية او البارديغم ، و هذا يعطينا فهما جديدا للكون مع كل نسق ، تعددت المدارس و تعددت الانساق داخلها ، و تميزت بعضها بالمنطقية و التجريد و اخرى بالعمق و التعالي اذا تحدثنا عن المدرسة الفرنسية و الالمانية على التوالي ، اما الانجليز فتميزت فلسفتهم بالمادية و السطحية ، جاء بعدهم الامريكان متاثرين بالسطحية الانجليزية ، فانتجوا لنا سطحية مفرطة تحولت فيما بعد الى ما يسمى ما بعد حداثة ، و المغالطة لا تقف عند الاسم بل مضمونها ككل عبارة عن كتلة من المتناقضات ، التي نراها اليوم دون الحاجة الى مجهر و ندرك تيهها دون ضرورة للتامل ، كيف لا و نحن نرى الفن مختزلا في التفاهة و الاخلاق في المنفعة و السياسة في البراغماتية و الثقافة في الإباحية ، و السؤال كيف وصل العالم الى هذا الوضع المزري ، و اي مستقبل ننتظر من هكذا حاضر ؟
لاشك ان عدم الرضا عن ما يحدث اليوم هو الشعور المشترك بين الكثير من الفلاسفة و المفكرين و المثقفين ككل و لكن الخلاف يتمحور حول ماهية الحلول و مدى امكانية انقاد العالم من الهاوية ، و ان كان ذلك محتملا ام انها اي الهاوية مصير محتوم . و هذا ما يجب ان تتوجه اليه انظارنا ، الى ان المقاومة تنطلق من تفشي قناعة راسخة لدى الشعوب بان التفوق الغربي هو حال ماض و منتهي و الحديث عنه اليوم هو مجرد تكريس للوهم ، كخطوة اولى ، ثم الانطلاق الى تاسيس فلسفة مقاومة .
فلسفة المقاومة : نقول تاسيس فلسفة مقاومة لان المقاومة اساسا موجودة و لكنها محصورة في انظمة معينة و احزاب معينة ، تتجلى من خلال مواقف وقتية ، فنلاحظ ان كثير من انصار المقاومة ، يتبنون خطابها و موقفها في لحظات الصدام ، اما اذا عدنا الى حياتهم اليومية فسوف نلاحظ انهم يعيشون وفق اسلوب حياة رسمه خصوم المقاومة و يتبنون نظريات علمية او معرفية هي نتاج ادلجت العلم من طرف خصوم المقاومة ، و قس على ذلك ، اما التاسيس الفلسفي للفكرة فيذهب بها الى اعمق نقطة ممكنة كما ان الفلسفة تتميز بانسانيتها اي انها متحررة من كل الفوارق و القيود الدينية و العرقية و ...الخ ، لتصبح قادرة على طرح منهجها و موقفها ، بل مع استغلال هذه الفوارق في تزخيم الفكر المقاوم اضافة الى ذلك التاسيس الفلسفي يسمح باخراج الفكرة من كونها طفرة او استثناء خاضع للصدف و الحظ الى دورة حية تملك في ثناياها بذور استمرارها . و لكن لماذا فشلت كل المشاريع مع كثرتها في تحقيق هذه الغاية .
العالم الزنزانة : ادخلت الحداثة العالم الى زنزانة ذات جدران شفافة تتيح له اطلالة مريحة و مثيرة على الجحيم من جميع النواحي ، ثم ابتلعت الجحيم نفسه ، ففي البدء كانت زنزانة الحداثة او الجحيم و وصلت الى انه بالرغم من ان الحداثة جحيم و لكن لا بديل آخر عنها . لقد قال اب الحداثة ان الخطأ يكمن في كونه لا يبدو كذلك ، و منه فالتفاحة التي اخرجتنا من فردوس الحرية الى زنزانة الحداثة هي تبني فكرة الحرية و اعتقادنا بوجود معنى لها ، تماما كما اخرجتنا ثمرة الخلد من جنة الخلد ، و انا لا ارى حرجا في ان اول الاسئلة التي تستحق البحث هو اذا كانت الحرية ليست قيمة اخلاقية ، و ليست ممارسة عملية ، و ليست قيمة اقتصادية ، و لا و لا ...فهل هناك في قاموس المعاني مرادف لهذا المصطلح ام انه يعني التبعية مع الاعتقاد بالعكس فقط و الاستمتاع بالبقاء داخل الزنزانة لانه اختيار ، و هذا ليس غريبا لان الكثير من الكلمات التداولة لا تحمل اي معنى و لا دور لها الا اخفاء عدم وجود اي معنى لها .
مركزية اللامركزية الغربية : يصعب الانفلات من شرك الحداثة و مابعد الحداثة ، بعد ان تحولت الى تحطيم المركزيات القديمة و الانتقال الى اللامركزية كمركز جديد ، فلا مركزية للعقل او الوعي او الدين او العلم او لمنهج ما ، بل اكثر من ذلك لا تعريف لما بعد الحداثة ، فكل محاولات الانطلاق من مبادئ جديدة سوف تدخل تحت مسمى ما بعد حداثة ، فاصبحت بمثابة البالوعة التي تبتلع كل مركز فكري جديد ، لمنع اي محاولة لتقويضها من الخارج .
القوة التدميرية للحداثة : تستمد الحداثة قوتها من كونها تشتغل على التدمير ، وحتى الجانب الانتاجي لها ، هو تدمير بصورة خفية او غير مباشرة ، و معلوم ان فعل البناء و التعمير يحتاج جهدا و ارادة و معرفة و وقتا ، اكثر من التدمير الذي يحرق غابة كاملة بشرارة صغيرة ، لا ادري ماذا يقصد نيتشة بقوله ، نحن الحيوانات الشقراء المندفعة إلى الامام نحن نمسك كل ما نحب فنتركه رمادا . و في الحقيقة احب ان تفهم على ظاهرها ، لانها تصف جيدا حقيقة الحداثة التخريبية ، و بكل بساطة و سداجة و بدون التبحر و التعمق هكذا بعفوية و بداهة ، كيف لحركة تسير من التنوير إلى العدمية و من البناء إلى التفكيك ، ان تكون إلا فعلا تخريبي مبرر نظريا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دول خليجية تناشد أميركا بخصوص الضربة الإسرائيلية على إيران


.. قراءة في حادث استهداف الجيش الإسرائيلي لموقع قوات اليونيفيل




.. بدلاً من نشر -معلومات مضللة- عن الاستجابة لإعصارين مدمرين..


.. إنقاذ رجل عالق في مياه خليج المكسيك




.. فلوريدا قبل وبعد إعصار -ميلتون-