الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ مذهل و حاضر تعس

محمد حسين يونس

2021 / 11 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


خلال الإسبوع الماضي عشت في مدينة الصولجان (واست ) عاصمة الإمبراطورية المصرية لمدة خمسمائة سنة ( 1550 ق.م إلي 1077 ق.م ) منذ الأسرة (الثامنة عشر) التي أسسها أحمس حتي نهاية العشرين ( أسرة الرعامسة) التي إنتهت مع حكم رمسيس الحادى عشر ..و إنتقال العاصمة للدلتا .
(واست) ... أو (طيبة) لدى الجريكورومان علي إسم موطن الإله ديونيسوس، ومكان ولادة البطل الأسطورى هرقل.. أو (الاقصر) عند العرب بسبب كثرة قصورها (معابدها).. تنقسم الي قسمين يفصلهما النيل ..
الضفة الشرقية مقر الملك و رجال الدولة .. كان كهنة أمون يسيطرون علي حكامها وطقوس العبادة بها و أغلب الإقتصاد الوطني أى الحياة في مجملها.. أما الغربية فللمدافن وطقوس الموت .. و صلاوات الدفن التى تقام في معابد جنائزية .
بالضفة الشرقية معبدى الكرنك و الأقصر .. زينة المدينة و عزها و فخرها ..يربطهما طريق علي جانبية تماثيل لرب الأبدية أمون ..يبدأ من الكرنك ( الجزء الذى أقامته الملكة حتشبسوت حتي ثلثة تقريبا ).. جاءت فيه صور الإله علي هيئة كبش ... ثم تتحول الهيئة في المسار الباقي (الذى أقامة مؤسس الأسرة الثلاثين الملك تختنبو الأول تقربا للرب ) .. إلي ( أبو الهول ) أى جسد أسد و راس إنسان
في معبدى الضفة الشرقية كان يعيش الرب أمون مع زوجته موت و إبنه خنسو.. في قدسي أقداسهما .. حيث يولد( تتجدد قواه ) في الأقصر حول نهاية شهرنوفمبر ويبقي هناك لمدة عشرة أيام .. ينتقل بعدها في إحتفال مهيب محمولا في مركبة بواسطة الكهنة هو و أسرته ..فوق طريق الكباش( حوالي ثلاثة كيلومترات ) للكرنك ليكملوا السنة هناك .
و هكذا سنويا بعد موسم الحصاد تعاد الدورة في عيد (الاوبت الجميل) ولكن ( في الغالب ) عن طريق النيل حيث بنتقل مركب الرب تحيطة مركبي موت و خنسو..وقوارب الكهنة .. و الشعب يقف علي الضفة في طول المسافة يهلل و يحي الموكب .. فقد كان المصريون يعتبرون العيد الأساسي في (واست ) هو مناسبة تتجدد قوى الرب .
في هذا العيد كانت تقدم الأضاحي ويتم توزيعها لحمها علي الناس من خلال مقصورات ملكية علي طول الطريق قبل دخول مركب الرب المعبد.. و يعاد تتويج الملك ..و منحة القوة التي تجعلة يحكم لعام جديد .
الحياة عند المصريين علي مر العصور تنقسم لقسمين .. أحدهما قصير .. يعيشة الإنسان يزاول فيها أنشطة دنيوية .. و الأخر أبدى لمن حالفه الحظ و تم تكفينة و حفظ جسدة جيدا .. ثم قام الكهنة بتوعينه و تلقينة بما سيحدث له في العالم الأخرمنذ دفنه حتي قبوله و تخليدة مع الأبرار.. هذه الطقوس كانت بالغة الأهمية عند من يريد أن يعيش حياة الخالدين من الملوك و الأمراء و النبلاء .
العملية الأولي في حفظ الجسد الميت هي التحنيط .. و الذى يستغرق فترات قد تصل إلي أربعين يوم ..
و العملية الثانية هي فتح الفم .. في حضور الكهنة وأقاربه .. بعد أن يتم تحنيط جسد المتوفي ويصبح مغطى بلفائف التيل وقبل وضعه في التابوت، إيذانا بدفنه .
لذلك فالملك أو النبيل يحرص علي شيئين في حياته .. أن يعد مقبرة له في الضفة الغربية .. و تابوت و مهمات جنائزية تدفن معة ..و كتاب .. يضم ما يؤكد علية الكهنة أنه سيحدث له خلال رحلة موته ...و يسمي ( الخروج إلي النهار ) أو كتاب الموتي .. سنجده مرسوما أو مكتوبا .. أو منحوتا .. علي جدران المقابر ..و لفافات البردى .. بدأ بمتون الأهرامات المكتوبة علي حوائط هرم الملك ( يونس ) في الأسرة الخامسة .. و إستمر لنستمتع به مرسوما علي جدران مقابر ملوك طيبة في الأسر 18 و 19 و20 .
و هكذا عندما يموت الملك .. يتم تغسيلة .. ثم تحنيط جسدة .. ثم نقلة عبر النيل للصلاة عليه و تلقينه و دفنه في مقابر مجهولة لا يعرفها إلا الكهان .
الجنازة منذ خروجها من البيت وحتى وصولها إلى داخل المقبرة المخصصة لها .. طقوس ومراسم تؤدى بمعرفة الكهنة الجنائزيين وأهل المتوفى الذين يدهنون وجوههم بالنيلة الزرقاء وترتدى الناحبات منهن ملابس ( منيلة ) .
كلمة (تحنيط) تشير إلى معالجة الجسد بمواد عطرية وغير عطرية و لفة بالكتان مع الدهان بالقار بما يؤدي إلى الحفاظ عليه في حالة جيدة.
والتحنيط الذى يشمل كامل الجسد يعرف في الإنجليزية بـ (Mummification)، ولهذا أصبح الجسد المعالج يعرف بـ (Mummy)، والتي حُرفت في العربية إلى (مومياء).. أما الأجزاء الداخلية من الجسد (المعدة، الأمعاء، الرئتين، الكبد). فتوضع في 4 أوعية و تسمي ( كانوبي ) من الفخار أو المرمر و لها أغطية علي شكل ألهه كل منها يختص بحفظ جزء معين .
المقبرة المصرية أخذت أشكال عديدة بدأت على شكل حفرة ، ثم تطورت إلى مصطبة، فمصطبة مدرجة، فهرم، وأخيرًا في الدولة الحديثة إلى مقبرة محفورة في الصخر.
في الضفة الغربية لواست بالإضافة إلي عدد من المعابد الجنائزية .. العديد من المقابر المحفورة في الجبل .. للملوك.. و الملكات. و للنبلاء و رجال الحكم ... و في المتاحف سنجد بعض من الاثاث الجنائزى .. و أوعية دفن الأجزاء و الموميات التي وجدت وظلت في مصر لم تهرب للخارج .
و هكذا بدأت الرحلة عندما وصلنا إلي مطار الأقصر ..( الباشمهندسة و أنا ) .. المكان لا يليق بمدينة تضم أهم آثار العالم، ولا يوجد ما يضاهيها علي كثير من المستويات سواء في حجم كنوزها التراثية الموثقة في اليونسكو .. أو كثافة حركة السياحة الداخلية و الخارجية..( من 3000 إلي 8000 زائر يوميا )
المطار صغير .. ضيق .. بدائي .. و لقد تمت محاولات فاشلة لربطة بالتراث القديم وتقليد الكنوز المتواجدة في مدينته .. و لكنها جاءت ساذجة ..إن لم تكن فاشلة .
من النظرة الأولي سيعجب المسافر إذا كان قد زار حديثا العلمين أو العاصمة الجديدة .. بأن ثمن ناطحة سحاب واحدة ..أو قيمة مقر الحكومة الصيفي أو الشتوى .. أو مباني البرلمان اللي ملهوش لازمة أو وزارة الدفاع اللي أكبر من البانتجون الأمريكي .. كان كافيا .. لعمل مطار دولي حقيقي الأقصر .. كأول إستقبال لزوار المدينة التاريخية و أخر نظرة عليها .
شوارع الأقصر ومبانيها و حناطيرها و سياراتها .. من المطار حتي مكان الإقامة .. تشعرك بأنك لاتتحرك في الصعيد بقدر ما تسير في مدينة مصرية ريفية.. لا تختلف عن طنطا أو دمنهور .. أو الزقازيق .. يشذ عن هذا قصر الثقافة المسمي بإسم بهاء طاهر فطرازة متمثل لعمارة حسن فتحي المتناغمة مع البيئة .
بين الحين و الأخر تجد نافورة أو تمثال غث الذوق سخيف غير معتني بنظافته . أو يفجعك ذلك النصب التذكارى ..الذى أقيم بقلب ميدان التجارة على بعد خطوات من مستشفى الأقصر العام.. و الذى لا علاقة له بخصوصية مدينة لا حدود لحجم أثارها و تماثيلها وثرائها الفني و البيئي و الثقافي .
جمال النيل .. يمنع رؤيته أعداد من المراكب السياحية التي تستخدم في رحلات ( الأقصر – أسوان ) ..أو المعديات من البر الشرقي للغربي . . ثم يظهر معبد الأقصر بجلاله خلف أسوار خشنة ( قد تكون مؤقتة )..
عندما إحتلت قوات الرومان هذا المكان .. إستخدمته ليكون معسكرا لجنودها و بنت هناك بوابة رومانية لازالت قائمة .. و عندما.. أصبح دين سكان المكان مسيحيا إتخد ليكون مركز عبادة .. و زين بالصلبان .. و عندما دخل جنود نابليون .. و كان المكان قد ردم بواسطة طمي الفيضانات .. فظهرت أجزاء من أعمدته .. و قفت الطوابير الفرنسية أمامها .. و أدت التحية العسكرية لها ..في زمن المسلمين بني مسجد أبو الحجاج يكاد أن يكون جزءا من المعالم هناك
الان هناك ساحة للحمام الحر بجواره .. ( مش عارف ليه ) .. و يجهز المعبد بمهمات مؤقتة خشبية أو كرتونية خاصة بإقامة إحتفال إفتتاح طريق الكباش ..في نهاية الشهر . فالمعبد مغلق جزئيا .
الطريق إلي مكان الإقامة بعد ذلك يمر بعدة فنادق ذات طرز حديثة يمكن أن تقام في أى مكان بالعالم..و مباني حكومية تظهر محاولات مشوهة و فقيرة لتقليد الطرز المصرية القديمة .. ثم بيوت فلاحين تقليدية لم تصلها حملة ( حياة كريمة و مش عارف إيه ) .. و زراعات علي الجانبين بعضها موز و أخرى كرنب ..أو محاصيل غير واضحة المعالم .
في النهاية .. نصل إلي كوبرى صغير ضيق يصلح لمسار عربة في إتجاهين مختلفين .. يؤدى إلي الجنة .. جزيرة التمساح أو الملوك كما سموها حديثا .. حيث المكان. الذى سنقضي به خمسة أيام .
في ثمانينيات القرن الماضي كانت نصف الجزيرة 157 فدان (( مملوكة للبنك الأهلى بنسبة 50% ومحافظة قنا بنسبة 30% وشركة التمساح 20% و نصفها الأخر للفلاحين )).. و كان مقام بها ريزورت تديرة شركة موفينبيك الألمانية زرته في تلك الأيام و إنبهرت بجماله و حسن إدارته المحافظة علي البيئة بحيث أصبح أقرب للمحمية التي تتمتعت فيها الطيور متعددة الأنواع بحرية غير مألوفة .. مع كثافة الشجر و الزهور و الخضرة غير مألوفة
مع تصاعد نفوذ رجال البزينيس في زمن مبارك و نجله جمال .. طمع فيها حسين سالم .. فكون ((شركة التمساح شركة مساهمة مصرية، رخصت بقرار وزير التخطيط رقــم 175 لسنة 1981، 6 يونيو لعام 1981 برأسمال قدره خمسة مليون وأربعمائة ألف جنيه، وكان الغرض من بناء الشركة إقامة قرية سياحية بجزيرة التمساح بمحافظة قنا)).
و كما ذكر في ((كتاب حريم.. القصر الجمهوري)) ليوسف حسن المصري، ((خصصت الحكومة وبطريقة البلطجة ووضع اليد جزيرة نيلية بالأقصر إلى المدعو حسين سالم تسمى جزيرة التمساح بمبلغ تسعة ملايين جنيه، وأنشأ عليها شركة التمساح للمشروعات السياحية))... وهي ((تضم عشرات الأفدنة وسعرها الحقيقي لا يقدر بمال، وإن كان قد قدر من قبل المختصين بأكثر من مائة ضعف ليقترب من مليار جنيه)).. و هكذا كان البزينيس في ذلك الزمن .
حسين سالم بعد أن ضحك علي الحكومة إستدار للفلاحين و بدأ في شراء النصف الثاني منهم عن طريق الضعط و البلطجة الأمر الذى يذكرنا بما حدث في جزيرة ( الوراق ) حديثا و معركة سيادة الفريق كامل الوزيرى مع الأهالي لصالح الشركة الإمارتية ..و بسرعة قام حسين سالم بعمل توسعات للفندق... و منح حق الإدارة لشركة جولي فيل الفرنسية
(( الفندق كان به 332 غرفة فى 1983 والآن أصبح 647 غرفة أقل غرفة مساحتها 48 متراً بالإضافة لوجود 6 حمامات سباحة و4 ملاعب كرة قدم،وملاعب تنس على أحدث مستوى وحديقة أطفال تكلفت ما يقرب من 70 ألف جنيه )).. هكذا قال مدير الفندق الأجنبي
بعد ثورة يناير 2011 و ضعف قبضة الحكومة .. طالب الفلاحون بالأرض التي هجروا منها ..وهاجموا الفندق و سوا المنشئات الجديدة بالأرض ليبنوا مكانها عششا ويزرعوا قمحا بدعوى أنهم لم يحصلوا على حقوقهم كاملة.
يكمل المدير حديثه ((أعداد العائلات التى إفتعلت المشكلات مع العاملين بالفندق وصلت إلى أكثر من 15 عائلة ولا نستطيع منعهم من استخدام الكوبرى، خوفاً من استهداف سيارات الفندق والسياح خارج الفندق،)) ثم محذراً ((من كارثة قد تحدث بسبب اشتباك العاملين بالفندق وأسرهم مع الفلاحين العائدين لاحتلال الجزيرة، ))
ثم يتابع (( بأن المشاكل التى يتعرض لها الفندق تسبب فيها خالد حسين سالم لعدم تسجيله أرض الجزيرة، حيث كان يعتقد أنه رجل غنى وقوى ولا يهم تسجيل الأرض، موضحاً أن المبانى على الجزيرة تمثل 20% من مساحتها كما أن العاملين بسلسلة جولى فيل لا علاقة لهم بملاك المجموعة ولا كيف جاء حسين سالم بأمواله))

محافظ الأقصرعلي العكس ،أكد حينئذ علي (( أن جزيرة الملوك المقام عليها فندق جولى فيل لرجل الأعمال الهارب حسين سالم، سوف تعود ملكيتها للدولة، لأن ما بنى على باطل فهو باطل، موضحاً أن المتنازعين على الجزيرة سواء أتباع حسين سالم أو الفلاحين واضعى اليد لا يعطيهم حق الملكية، رغم أنهم حصلوا على أموال من حسين سالم لترك الأرض قبل اندلاع أحداث ثورة 25 يناير وعادوا بعدها ليدخلوا بهو فندق جولى فيل بالمواشى.))
ثم قال ((إن حسين سالم لا يمتلك عقوداً موثقة، كما أنه اشترى الأرض من غير مالكيها لتنطبق عليهم مقولة أعطى من لا يملك لمن لا يستحق وليعود الأهالى إلى الجزيرة مرة أخرى بدعوى أن المقابل غير مجز، رغم حصولهم على 20 مليون جنيه مشدداً على أن الجزيرة أراضى أملاك الدولة، وليست ملك حسين سالم ولا من كانوا واضعين أيديهم عليها، موضحا أن سالم قام بالشراء منهم وإثبات تلك العقود فى الشرطة.))...
واعتبر (( أن عملية البيع التى تمت كانت اتفاقا بين طرفين لا أحد منهم يملك حق البيع والتصرف فى الأرض،))
عام 2016 تنازل الراحل( حسين سالم ) للدولة عن ممتلكات وأصول للتصالح مع الدولة المصرية، وكان من ضمنها شركة التمساح للمشروعات السياحية بقيمة 700 مليون جنيه..
حتي الأن تدير جولي فيل رزورت جزيرة التمساح .. و لكن باكر غير معروف مصيرها خصوصا بعد أن يسكنها ضيوف إفتتاح طريق الكباش .. و تحلي في عين البعض . ..(نكمل حديثنا قريبا )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه