الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ستوقف مرجعية النجف دعمها لأحزاب الإسلام السياسي؟

حمزة الجواهري

2006 / 8 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رصدت الحالة العراقية بدقة منذ اليوم الأول لسقوط النظام الدكتاتوري المقيت وعملية صعود الإسلام السياسي لواجهة الأحداث ومن ثم تصدره السلطة عبر آليات الديمقراطية التي أفرزتها الانتخابات لمرتين، بذات الوقت رصدت أساليب أحزاب الإسلام السياسي وأداءه سواء في تعامله مع آليات الديمقراطية أو ممارسته للسلطة وأدائه على مستوى الشارع وتعامله مع الناس من مختلف الطوائف وما آلت إليه من تشرذم طائفي وتمترس وراء الطائفة التي يقودها الحزب الإسلامي، تلك الأحزاب التي في الغالب تحمل أجندات قاتلة للوطن والوحدة الوطنية وولاء لقوى خارج حدود الوطن، هذا هو الواقع وإن ادعوا العكس.
أيضا، ومنذ اليوم الأول قالها جميع المفكرين العقلانيين من أن صعود الإسلام السياسي بدلا من الدكتاتورية البعثية ليس هو الهدف الذي جاءت من أجله الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا بعد أن تحدتا الإرادة الدولية وأسقطتا النظام البعثي الذي كان أصلا متهرئا وعلى وشك الانهيار، وحين قلنا ذلك كغيرنا، لم يكن ذلك دفاعا عن المحتل بل رحمة بالعراق والعراقيين وحرصا على المشروع السياسي الذي ناضل من أجله الشعب العراقي عبر ثمانين عاما متواصلة بإقامة نظام ديمقراطي تعددي يشارك به الجميع، ولو كان العراقي وحده من يقرر شكل النظام الذي ينبغي أن يقوم في العراق، لكان الأمر سهلا على قوى الإسلام السياسي أن تقيم نظامها الدكتاتوري البديل المتمثل بدولة ولاية الفقيه، أو الإمارة السلفية، وكلاهما أسوأ بمراحل من دكتاتورية صدام البعثية، لكن الأمر مختلف بعد أن سقط النظام السابق برغبة من الدول العظمى والتي جاءت بنفسها للعراق عابرة القارات والمحيطات لتحقيق هدف محدد، وهو إقامة نظام ديمقراطي تعددي، طبعا..... ليس حبا بالشعب العراقي وقواه السياسية التي ناضلت من أجل هذا المشروع، ولكن لأنه النظام الوحيد الذي يستطيع أن يحقق طموحات الرأسمال المالي العالمي في هذه المرحلة التاريخية من عمر البشرية.
إن السبب الأساسي الذي عطل المسيرة وكان السبب بالتدهور وإطالة أمده وهشاشة النظام هو تحديدا وقوف الإسلام السياسي بوجه مشروع إقامة نظام ديمقراطي، ممنية نفسها بأنها تستطيع وبضربة بهلوانية واحدة من خلال آليات الديمقراطية أن تقيم نظامها الذي كان من المستحيل تحقيقه في العراق. ما شجعهم على الدخول بهذا الرهان هو أن المحتل نفسه قد أبدا ومازال يبدي تراخيا معهم ومع غيرهم على اعتبار أنهم قوى حقيقية على أرض الواقع. في الواقع كانت طموحات الإسلام السياسي العراقي أكبر بكثير من حجمه، بل هي المستحيل بعينه، إذ ليس باستطاعة الأمريكان والبريطانيين قبولها هذا فضلا عن الرفض القاطع لها من قبل الكثير من مكونات الشعب العراقي، فإذا كانت هاتين الدولتين العظميين تستطيعان التعامل مع البعث لبرغماتيته وعلمانيته، فإنها لا تستطيع التعامل مع دولة ولاية الفقيه أو الإمارة السلفية-البعثية بأي حال من الأحوال، لأن أي منها ستكون قوية بجاراتها وإمكانياتها الذاتية، فالإسلام السياسي الشيعي، على سبيل المثال، سيكون مدعوما من الشقيقة الكبرى إيران، وستكون إيران أقوى بها للحد الذي به تستطيع الدولتان الإسلاميتان أن تمليا شروطا قاسية على العالم كله، ذلك لأن شريان الحياة للعالم هو الطاقة وسيكون تحت أوامر الفقيه الولي الذي لا يرحم، كما وأن لهما موقعا متميزا من الناحية الاستراتيجية، وها نحن نرى ما الذي تفعله إيران مع العالم، فما أن يغلق ملف ساخن سرعان ما يفتح آخر أكثر سخونة من السابق يهدد النظام العالمي برمته، فما الذي سيكون الأمر عليه لو كانت العراق وإيران تأتمران بأمر الفقيه الولي؟ والطامة الكبرى لو كان الفقيه شخصا واحدا، وهذا ما تعمل عليه إيران وأحزاب الإسلام السياسي الموالية لها بالرغم من أن الأخيرة تستمد التبريكات من المرجعية الدينية في النجف والتي عرف عنها معارضتها الشديدة لمبدأ ولاية الفقيه.
وهنا وجدت أمريكا نفسها أمام إشكالية معقدة جدا، فإن الديمقراطية التي جاءت بها استطاعت أن توصل رجل الدين الشيعي وحزبه للسلطة مدعوما من قبل مرجعياته الدينية، في حين لا يقف أمامه سوى فلول النظام المنهار مدعومين من قبل الشوفينية العربية وقوى الإرهاب العالمي المتمثل بالقاعدة وفقهاء السلفية في العالم أجمع على أمل الحصول على أرض عراقية لتقيم عليها إمارتها البديلة عن أفغانستان.
هذه الإشكالية أملتها الظروف الموضوعية لذا بقي الوضع في العراق معلقا، بحيث لا ولن ينتصر فيه طرف مهما بلغ من قوة ومهما كان الدعم الذي ينتظره من أشقاءه، فلا حكومة يقودها الإسلام السياسي يمكن أن تحكم العراق، ولا البعث يعود، ولا الإمارة السلفية تقوم، مهما طال الزمن، ذلك لأن جميع خيوط اللعبة مازالت باقية بيد قوات التحالف وتستطيع أن تعزز قوتها في العراق في أي وقت تشاء، ولن يتغير الوضع حتى لو تبدلت الحكومة الأمريكية بأخرى تقف منها اليوم بالضد، لأن المسألة أصلا تتعلق بالرأسمال المالي العالمي وهذه الحكومات، جمهورية كانت أم ديمقراطية، محافظة أم عمالية، فإنها بلا استثناء تنفذ رغبات الرأسمال المالي فقط.
بلغ العنف والقتل البشع مدى لم تعرفه البشرية من قبل وأوصل العراق إلى ما يبدو وكأنه حربا أهلية، ومهما بلغ التردي فإنه سوف لن يبلغ مداه الأبعد، وإن المعادلة سوف لن تتغير، فما أن يضعف طرف حتى تجد الطرف الآخر قد أصابه شلل ما ليعود الطرف الأول متماسكا وقويا، وسوف لن يقف العنف المسلح ولا القتل البشع ولا الدمار ولا التهجير ولا القتل على الهوية ولن تعود الخدمات التي غابت بشكل كامل عن العراقي.
كل ذلك، لا ولن يتوقف ما لم يجد العراقيون لهم بديلا عن الإسلام السياسي بشقيه والبعثيين كقادة للعملية السياسية. فهل من سبيل إلى ذلك؟
تفكيك عناصر ومتغيرات المعادلة الصعبة في العراق ليس أمرا سهلا، بل غاية بالصعوبة:
• فلا الأمريكان يتنازلون عن أهدافهم التي حملوها معهم لأنها، ببساطة، تعني استمرار الحياة بالنسبة لهم وبقاء والدورة الاقتصادية مستمرة بالدوران والتسارع.
• ولا الإسلام السياسي بشقيه مستعدا للتنازل عن ثوابته حتى ولو بقدر بسيط، أو الحياد عن ثوابتهم وأهدافهم النهائية، كما ولا يستطيعون التغيير من أساليبهم المتمثلة بشحذ سيوف الطائفية المقيتة لأنها وسيلتهم الوحيدة للسيطرة على السلطة.
• وكنتيجة للتراخي معهم، مازال البعثيين طامعين بالعودة للسلطة بالتعاون مع حليفهم السلفي مستهترين بأرواح الناس، لأن من يقتل نفسا واحدة لا يهمه أن يقتل الناس جميعا، خصوصا عندما يجدون أنفسهم عاجزين تماما من تحقيق أهدافهم بغير الإرهاب، فهو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامهم في العراق المستباح.
• ولا القوى الخارجية تتوقف عن دعم عناصرها التي اختارتها في العراق لأنها تعتقد جازمة من أنها ستفقد سلطانها في بلدانها فيما لو قام نظام ديمقراطي تعددي في العراق.
• ولا القوى العقلانية المستقلة قادرة على تحريك الشارع باتجاه وحدة العراق وتحويل الولاء للوطن فقط وليس لطرف من أطراف الصراع الدامي.
شخص المراقبون والمحللون السياسيون جميع مفردات هذه الحالة وطالبوا وضغطوا على تلك الأطراف بكل قوة، لكن لم يستجيب أحدا منهم، بل ما لاحظناه هو التمادي من قبل جميع الأطراف بالمضي قدما بمشاريعهم السياسية وأساليبهم، ولم تجدي كل تلك المحاولات ولا الضغوطات نفعا.
الفكرة الأساسية التي أحاول إيصالها لست أنا من ابتدعها ويطالب بها كما طالبنا من قبل ولم يستجيب أحد، ولكن من أوحى لي بها هم رجال دين وطنيون من الحلقات المقربة من المرجعية الدينية في النجف والتي على إطلاع تام بما يدور هناك من أحاديث، حيث كما فهمت أن المرجعية قد نفضت يدها من أحزاب الإسلام السياسي تماما، بل وتعتبرها مثالا للفشل بإدارة الصراع في هذه المرحلة التي بلغ التردي خلالها حدا يفوق الوصف، على سبيل المثال وليس الحصر، يتقدم أحد شيوخ العشائر العربية في الجنوب العراقي للمرجعية الدينية في النجف طالبا دعمها لكي يعلن نفسه ملكا على العراق! فأي درجة من التردي وصل لها العراق؟! كما وأن هذه المرجعية قد أدركت تماما أن وراء التمترس والتمزق الطائفي والتردي الأمني هو نتيجة للأداء السياسي لرجال الدين المسيسين وأحزابهم، بالإضافة إلى ضعفهم المطلق بإدارة السلطة والصراع في البلاد، وربما أيضا لأن الخصوم والأمريكان لا يريدون لهم النجاح خوفا من عواقب هذا النجاح، لأن وكما أسلفنا ضمنا من أن الأمريكان لا ولن يقبلوا بالإسلام السياسي على رأس أية سلطة في البلد، ولكنهم لا يستطيعون الإعلان عن ذلك صراحة، لأن الإسلام السياسي، أصلا، كان قد وصل للسلطة من خلال آليات الديمقراطية.
لذا أعتقد أن الوقت قد حان للقوى المستقلة والعقلانية أن تعلن عن برنامجها السياسي على ضوء المعطيات الجديدة، لكي تكون مستعدة لأي طارئ، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لكي تستطيع أن تحصل على دعم هذه المرجعية ذات التأثير الكاريزمي في العراق وبشكل طوعي، وكذلك تستطيع أن تحصل على دعم منظمات المجتمع المدني، وكل المعتدلين سواء المنخرطين بالأحزاب التي تشارك بالسلطة أو البعيدين عنها، كما وتستطيع أن تحصل على دعم المزيد من المرجعيات الدينية ودعم بعض الزعامات العشائرية المتنورة، وهذا كله سهل ويسير ما عدى الشق المتعلق بدعم المرجعية الدينية في النجف، وذلك لوجود إشكالية أساسية تتعلق بعلاقة الدين بالدولة على الرغم من وجود قناعات جديدة، وبالرغم من أن رجال الدين في النجف يؤكدون حقيقة هذه القناعات، لكن مع الأسف لم يستطع المراقبين والمفكرين رؤية هذا التغيير أو أي انعكاس له على أرض الواقع.
باعتقادي، سوف لن ينزلق أي من الطرفين نحو الآخر في توجه إيجابي بهذا الاتجاه ما لم يكن واثقا مما هو مقدم عليه، بالرغم من أن هذا التوجه سوف يساهم بإنقاذ الوطن، وهذا ليس بقليل، بل هو صلب الموضوع، لكن تداعياته السلبية ستنعكس أيضا على الوطن بشكل مباشر وسلبي فيما لو تم توظيف الأمر من قبل أي جهة لغير مصلحة الوطن.
النجف، بلا شك هي عنصر مهم جدا في المعادلة العراقية الصعبة، فلو تطوعت المرجعية وسحبت دعمها لقوى الإسلام السياسي، حتى من دون تقديم الدعم لأي جهة أخرى، فإن المعادلة العراقية ستصبح قابلة للحل، خصوصا في حال توحدت القوى العقلانية وخرجت بقيادة وبرنامج سياسي موحد ومعتدل لا يخيف أي طيف من أطياف العراق. حيث بتشكل حكومة عقلانية بعيدة في مواقفها عن الإسلام السياسي سوف يدفع الأمريكان لحسم الصراع فعلا وليس قولا، لأن أي برنامج عقلاني سوف يكون متوافقا مع برنامجهم الأصلي في العراق. فلو تحقق هذا الأمر سيكون بلا شك هو الوسيلة لإخراج العراق من عنق الزجاجة المحشور به حاليا.
أما البرنامج السياسي للقوى العقلانية المعتدلة والمستقلة ليس بعيدا عن التصور ومفرداته معروفة لكن المهم هو الاتفاق عليها من خلال مؤتمر واسع نسبيا للأطراف البعيدة عن الصراع الدموي الجاري في العراق، وبقيادة غير متحزبة لطرف دون الآخر، وذلك لكي يكون البرنامج بعيدا عن تأثيرات حملة السلاح والبرامج السياسية والشعارات القاتلة، وهذه شروط ضرورية للمضي لما هو أبعد من ذلك، من خلال توفير قيادة تنفيذية للمؤتمر وتوفير البديل لحكومة المحاصصة المشلولة والتي تزداد شللا وتكبيلا بمزيد من القيود، والذي ينبغي أن يكون جاهزا فيما لو رفعت الحكومة رايتها البيضاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج