الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سكوباس و منظومات البحث والنشر والترقية في العراق

عماد عبد اللطيف سالم

2021 / 11 / 22
التربية والتعليم والبحث العلمي


لماذا ظهرت هذه "الأسطورة" المسماة"سكوباس" فجأةً في العراق؟ ولماذا تمّ فرض اشتراطاتها المُلتَبِسة كمتطلبات تُجبِر "الأكاديمي"(بطريقةِ أو بأخرى) على نشر بحوثه في مجلات هذا "المُستوعَبِ" ؟ وما هو تاريخ "سكوباس" المهني، لكي تحظى بهذه المنزلة، وهذا القدر من السطوةِ و الإرغام؟
سكوبوس هي قاعدة بيانات تحتوي على ملخصات و مراجع من مقالات منشورة في مجلات أكاديمية محكّمة، و تغطّي تقريبا 000 22 عنوان من أكثر من 000 5 ناشر، منها 000 20 مجلة يتم تقييمها بواسطة خبراء في التخصصات العلمية والتقنية والطبية والاجتماعية(بما في ذلك الفنون والعلوم الإنسانية).
وهكذا فإنّ "الفضل العظيم" في هذا كلّه يعود للمجلة التي تمّ النشر فيها، وليس الى "مستوعب سكوباس"، خاصّةً وأنّ هذا "المستوعب" ليس له صلة بتقييم البحوث العلمية، وإنّما هو أداة نشر فقط .. بدليل أنّ "موقع" سكوباس يمتلكهُ مؤسّس شركة الطباعة "إلسيفر" الإنكليزية، وهي شركة خاصة مهمتها الربح أوّلاً، و ليست منظمة علوم أو تكنولوجيا عالمية معرفية تابعة للدولة.
(لمزيد من التفاصيل حول"إلسيفر" هذه ، راجع المقال الخاص بذلك في التعليقات).
لقد أصبح الشغل الشاغل للأكاديمي العراقي اليوم، هو النشر في تلك المُستوعَبات، وبذلك تم إهمال الجهود المبذولة لتطوير و تنمية مستوعبات لمجلات محلية أو اقليمية مهمّة، وذات معامل تأثير IMPACT FACTOR تراكمي فاعل ، كما أدّى ذلك إلى الحاق أضرار فادحة، وذات عواقب وخيمة ، بعملية البحث العلمي واستدامته في العراق.. ويمكن إيجاز أهم سلبيات ذلك، بما يأتي:
1- هيمنة المؤسسات التجارية على المؤسسات الاكاديمية بشكل مطلق.
2- ضعف المساهمات العلمية باللغات المحلية للدول النامية.
3- تراجع مستوى المجلات والدوريات العلمية المحلية للبلدان النامية و ضعف النشر فيها.
4- تسهيل مهمة الباحث الغربي في الحصول على مصادر معلومات مهمة بلغته الأمّ .. وتعقيد هذا الأمر على الباحثين في البلدان النامية ، بسبب ندرة البحوث المكتوبة والمنشورة بلغاتهم الوطنية.
5- فرض المعايير الغربية(عموماً)، والأمريكية(بشكلٍ خاصّ) على المؤسسات الاكاديمية في البلدان النامية. ولا ضير في ذلك لو كانت البيئة التعليميّة المحليّة صالحة لتوطين هذه المعايير، غير أنّ الذي يحدثُ فعلاً هو القيام بتقليدها شكلاً، وتجاهلها مضموناً، وبطريقةٍ لا تُراعي خصوصيّة الأوضاع الأكاديميّة، والمعرفيّة، والإهتمامات والأولويات الإقتصادية والمجتمعية في هذه البلدان.
6- تراجع النتاج العلمي باللغة العربية، والإفتقار الى مصادر معلومات ذات أهمية ومصداقية من خلالها ، ممّا يزيد من مصاعب البحث العلمي، ويُقلّص من نطاق استفادة الباحثين من هذه النتاجات.
7- تشجيع ظاهرة النشر بالانابة مقابل مبالغ مالية متفق عليها.
8- تُراعي هذه المستوعبات(بدرجة اساسية) ضرورة أن تكون البحوث والدراسات العلمية المحليّة، ذات أهمية لجهات ومؤسّسات خارج البلد،و تضاؤل احتمالية الإستفادة منها في بلد الناشر والباحث .
9- إضعاف و اندثار المجلات العلميّة المحلية الرصينة، و"المُحكّمة"، وعدم اعطائها فرصة للتنافس مع بقيّة مجلات ودوريات العالم المتقدم.
10- رغم كُل ما يُشاع عن "عولمة" بحوث ودراسات دول العالم الثالث، فإنّ نشر بحوث هذه الدول في هذه المستوعبات، سيُبقيها ضمن "تصنيفات" عالمية متدنّية، وسيُعيق إمكانية الباحثين "المحليّين" في الإستفادة منها في الداخل .
11- دفع الباحث إلى الإهتمام بالنشر"السريع" في مجلات قد تكون "مُفترِسة" مما يعرض البحث للسرقة، ولن يتمّ كشف السرقات(عادةً)إلّا بعد مرور سنة على تسليم البحث.
كما إنّ الكثير من البحوث التي يُفترَض أنّها "منشورة" في هذه"المستوعبات"، لا يتم نشرها في مجلات المُستوعَب فعلاً ، بل تدخل عناوينها فقط في الـ INDEX الصادرعنه ، أو يتم تصنيفها على أنّها special issues .. وهذا لا يعني أبداً أنّ نشرها قد تمّ فعلاً في مستوعبات "سكوباس".
12- الإسهام في تنامي ظاهرة "الإنتحال العلمي" من خلال ترجمة بحوث منشورة باللغة العربية الى اللغة الانكليزية ، ونشرها في المجلات العالمية رغم أنّها لم تُكتَب في الأصل بهذه اللغة..
13- اضعاف فرص تطوير برامج التعليم الاكتروني في الجامعات العراقية لندرة مصادر المعلومات المتاحة رقميا.
14- تحويل مبالغ مالية كبيرة إلى خارج البلد لتسديد كلف النشر في المجلات العالمية والتي كان من الممكن الافادة منها في تطوير المجلات والدوريات المحلية.
15- هناك شبهات فساد عديدة تحوم حول الكتابة والنشر في هذه المستوعبات. وهناك الكثير من "القصص" عن وجود مكاتب متخصّصة تتولى عملية الكتابة والنشر فيها، وبـ"تسعيرات" مُحدّدة وتصاعديّة، تبدأ من تسديد كلفة النشر فقط، وتمرُّ باختيار التصنيفات( Q1 … Q4) ، وتنتهي بالكتابة والنشر معاً(بدلاً عن الباحث).
وفي مقابل هذه "القناعات" يمكن طرح العديد من الأسئلة بهذا الصدد، ومنها: اذا كنّا ندرك كل هذه السلبيات ، فلماذا تستجيب جامعاتنا ومؤسساتنا الاكاديمية لهذه"المؤشرات"و"المعايير"و"القواعد"، وتتفاعل معها، وتلتِزم بها؟
لماذا نحنُ في العراق (على سبيل المثال) قمنا بتعديل تعليمات الترقيات العلمية لتتوافق مع "قواعد" النشر هذه؟
لماذا علينا أن نصدّق أن البحث أو الدراسة المنشورة في مجلة تقع ضمن مستوعبات "سكوباس"هي أفضل وأكثر قيمة علمية من بحث منشور في مجلة علميّة محليّة مُحكّمة؟
وكيف أصبح مكان النشر هو المعيار الاول والاخير في تقييم جودة البحث العلمي؟
و يبقى السؤال الأهمّ هو : لماذا هذا الاصرار من وزارة التعليم العالي في العراق على توجيه الباحثين(بالترغيب تارّةً ، وبالاجبار تارّةً أخرى)على النشر في مجلات من هذا النوع؟
الجواب ببساطة هو الرغبة في الحصول على ترتيب مقبول للجامعات العراقية ضمن"التصنيفات" العالمية للجامعات.. ولا شيء آخر.. حيث أن معظم هذه "التصنيفات" تجعل من "موقع" النشر أحد أهم "مؤشرات" التقييم فيها، وبالتالي، ورغبة من جامعاتنا في تحسين ترتيبها في التصنيفات العالمية، فإنّها تلجأ الى حثّ وترغيب (وأحيانا إجبار باحثيها) على النشر في المجلات العالمية التي يسهل الوصول اليها من قبل واضعي هذه "التصنيفات"، مقارنة بصعوبة الوصول والتواصل مع المجلات المحلية(بسبب قيد اللغة اساساً). وبهذا(وبسبب تخلّفنا ايضاً) فقد أحكمت الدول المتقدّمة قبضتها على النتاج الفكري العالمي وهي المستفيد الاكبر منه، وسوف تبقى المؤسسات العلمية و الاكاديمية لدينا خاضعةً و "تابعة" ومُرغمة على الإلتزام بهذه "المعايير"، كنتيجة منطقية لعدم قدرتنا على بناء استراتيجيات وطنية تحرّرنا من القيود العلمية(والأكاديميّة) المفروضة علينا.

"سكوباس" ، و نظام الترقيات العلمية في العراق

لقد أسهمت البحوث المنشورة في هذه المستوعبات في تردّي وانحطاط "الألقاب"العلميّة في العراق، وفي تقويض الأسس والمعايير الرصينة للترقيات .. وجاءت "التعليمات" الوزارية بهذا الصدد لتؤسّس لخراب المنظومة التعليمية بأسرها.
ولأنّ البحوث المنشورة في هذه المستوعبات لا يخضع لتقييم لا حق من قبل لجان الترقيات العلميّة في الجامعات، ولا يتمّ إرسالها إلى مقيّمين في الداخل والخارج(بحُجّة أنّها مُقيّمة سلَفاً)، فقد أصبح بوسع "الناشر" لبحوث لا تزيد عن ثلاثة فيها أن "يترقّى" لمرتبةٍ علميّة "أعلى" خلال مدة قصيرة جدّاً (بعد تقديمه لطلب الترقية).
وهكذا امتلأت الكليّات العراقية بعدد هائل، وغير معقول،وغير منطقي، من حملة لقب "بروفيسور" في مختلف الإختصاصات(يفوق عددهم حملة لقب "مدرّس"، و "استاذ مساعد" في هذه "المؤسسات" العلميّة) ، وبات الحصول على ألقاب"رفيعة" كهذه، لا يستغرق أحياناً سوى شهرين إلى ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم طلب الترقيّة، في حين لم يكن هذا الأمر ممكنّاً إلاّ بعد مرور سنوات عدّة من تاريخ تقديم طلب الترقية، عندما كانت البحوثُ بحوثاً "حقيقية" ، وخاضعة لتقييمٍ حقيقي و صارم ، وليست بحوث"مستوعبات" مدفوعة الثمن( مع وجود استثناءات طبعاً في جميع الحالات التي تمّ الإشارة إليها هنا ، سواء في نظام الترقيات القديم ،أو في نظام ترقيات المستوعبات معاً) .. غير أنّ "الأخضر" من الجهود الرصينة ، في "نظام" التعليم العالي البائس والمتخلّف في العراق، قد احترق بسعر "اليابس" والرديء منها، وباتت شبهات التزوير والسرقة، وانعدام الأمانة العلمية، تطال الباحثين العراقيين جميعاً(وتطال معهم حملة الألقاب العلميّة، إلاّ ما رحم ربّي).
أمّا "مبرّرات" لجوء "مؤسّساتنا" التعليميّة" إلى هذه المستوعبات والإيمان بها ايماناً مطلقاً ، فيمكن تفنيدها، ودحضها ،بكلّ سهولة(راجع المقالات ذات الصلة بذلك في التعليقات).
إن الكثير من دول العالم لم تخضع لهذه الهيمنة"السكوباسيّة" بل انتهجت لنفسها مساراً علميا خاصا بها ، و وضعت ضوابط ومعايير وطنية لضمان جودة النتاج العلمي لدورياتها، مراعاةً لإعتباراتها الوطنية فقط، ومن النادر ان تجد باحث فرنسي يتجاهل لغته وينشر باللغة الانكليزية، أو يمنح أفضلية لمجلات أمريكية على حساب المجلات الفرنسية .. كما أن المؤسسات الأكاديمية في تلك الدول لا تزال متمسكة باعرافها الاكاديمية الخاصة التي تنسجم مع سياساتها الوطنية. وهذا الحال ينطبق أيضاً على المانيا و ايطاليا و كوريا الجنوبية واليابان والصين... وغيرها من البلدان ذات الأنظمة التعليمية المتطورة.
واستناداً لما سبق ذكره ، لا بد لنا أن نؤسّسَ نحن أيضا لمرحلة جديدة تهدف الى إعادة الاعتبار لمواردنا المعرفية(من دوريات وكتب ودراسات وبحوث) ، ونعمل على ترصينها من خلال وضع ضوابط ومعايير تنسجم(ولو نسبيّاً) مع الواقع الاكاديمي للجامعات العراقية، وبما يحفظ للغتنا العربية هيبتها ومكانتها(دون أن يعني ذلك عدم الإهتمام، والإلمام، باللغة الإنجليزية التي تعتبر لغة جميع البحوث ومصادر العلوم الرصينة في العالم، ودون تجاهل حقيقة مفادها أنّ بعض التخصّصات العلميّة لا يمكن تدريسها، أو دراستها، أو كتابة البحوث فيها، إلاّ بهذه اللغة حصراً) .. كما أنّ تبني مقاربة جديدة في التعامل مع مخرجات البحث العلمي الرصين ، ستمنح الباحثين الفرصة للذود عن مكانتهم العلمية والأكاديمية، وعن سمعتهم المهدورة في"المستوعبات"، وتُعيد لمؤسساتنا الأكاديمية تقاليد ومعايير رصانتها"السابقة"، التي كانت(في الأعمّ الأغلب) "قدوةً" ومثالاً للآخرين.
دعونا نتجاهل "قياسات"و"معايير" و "اشتراطات" و"تطبيقات"الانترنت"المُستحدَثة" ذات الصلة بالبحث العلمي، وكلّ ما فيها من مغالطات، و"تدليس" ، وضياعٍ للمال والجهد ، و نضع استراتيجتنا الوطنية الخاصة التي من شأنها ان تحقق الرقي والتقدم لمؤسساتنا الأكاديمية في جميع المجالات.

- تمّ اعداد هذا المقال ، اعتماداً على "المصادر" الآتية:

https://kitabat.com/2020/01/28/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D9%8A-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%B7%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3/

http://drtazzuhairi.blogspot.com/2020/02/blog-post_28.html

https://mustafasadiq0.com/2017/09/07/%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B7-%D9%88%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A7%D8%AA-
%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9/

https://www.facebook.com/%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB-%D8%B3%D9%83%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%B3-Scopus-%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB-
%D8%AA%D8%B1%D9%82%D9%8A%D8%A9-888999371307239/

https://www.facebook.com/888999371307239/photos/a.888999781307198/888999787973864/

https://www.facebook.com/albahith10/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل