الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آن لنا أن نعرف

محمود الباتع

2006 / 8 / 27
المجتمع المدني


ها نحن نعود ... فهل كان العود أحمد؟
دخلت إلى أحد المحال الكبرى لشراء بعض الحاجيات، لم ألق كثير بالٍ للوهلة الأولى إلى المعروضات على برادات الأجبان ومشتقات الألبان، لكن ما لبثتُ أن انتبهت إلى وجود سلعة كنت اعتدت على شرائها في ما مضى، وانقطعتُ عنها لسبب بسيط هو أنها اختفت من على الأرفف إبان الحملة الأخيرة على الرسومات الساخرة من النبي قبل أشهر، فقد كانت هذه السلعة من صنع الدانمارك.
جلت بنظري متفحصاً المعروضات لأكتشف أن جميع السلع والبضائع الدانماركية قد عادت إلى التواجد القوي من جديد، بعد انقطاع لم نكد نعتاد عليه. تفحصت واجهة المحل بحثاً عن تلك اليافطة الداعية لمقاطعة البضائع الداماركية، لأجدها قد انسلت هاربة إلى حيث لا أدري.

ما كان مني إلا أن تساءلت عما استجد في القضية التي انقطع الحديث عنها بهدوء، تماماً كما تسللت البضائع الدانماركية عائدة إلى الأسواق بهدوء ...
لو كان قرار المقاطعة ذاك قراراً رسمياً حكومياً، لسهل التفسير والتبرير، فالقرارات الحكومية تتبع السياسات الرسمية و "المصلحة العليا" التي كثيراً ما لا نفهمها كشعوب، أما وأن الموقف كان هنا شعبياً بامتياز، فهذا ما يدعو للحيرة والاستغراب.

لبرهة لم أدر كيف أكيّف ردة فعلي الداخلية، ولكن بعد تأمل بسيط اكتشفتُ أن الأمر يجب أن لا يكون مفاجئاً، فالمسألة حينها لم تعدُ أن تكون انفعالاً عاطفياً غير مدروس، شأنها شأن الكثير من التصرفات التي أتيناها ونأتي بها كل يوم. فبالعقل والمنطق، ما علاقة صانع الجبنة أو الزبدة بصحفي "حاقد" أو "معتوه" أو "تافه" أو ما شابه، كي ننهال على هذه الأجبان المسكينة مقاطعةً وتخريباً لبيوت صانعيها لمجرد أننا لم نستطع إقناع الصحفي بخطأ رأيه! كيف نتشطر على مجرد بردعة والذي رفسنا هو الحمار الذي لا نقدر عليه؟

سؤال يأتي متأخراً عن الحدث، لكنه يصلح للمستقبل كما صلح في الماضي والحاضر.

ليس هذا أول تراجعٍ لنا عن موقفٍ أو قرارٍ خلناه مبدئياً في حينه، فما زالت ذاكرتنا حاضرة عن مقاطعة البضائع الأميركية إبان اندلاع الإنتفاضة الثانية قبل عدة سنوات، كتعبير عن السخط تجاه التحيز الأميركي إلي جانب إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، ولا زال الجميع يذكر كيف أقفرت مطاعم مكدونالد وكنتاكي وما شابهها من روادها، وكيف كسدت تجارة البيبسي والمارلبورو في الأسواق، وامتلأت الصحف بإحصائيات فلكية عن أثر المقاطعة في "قصم" ظهر الإقتصاد الأميركي آنذاك، وهو الأمر الذي تكرر مع اختلاف "الزبون" هذه المرة. وبدون أن نشعر -ولستُ أفهم كيف حدث ذلك- عادت التجارة الأميركية لتحتل صدارة أسواقنا بهدوء شديد، وكأن شيئاً لم يكن ...

مفيد أن نتذكر في هذا السياق المقاطعة العربية لإسرائيل، التي كانت حتى وقت قريب، هاجس كل العرب، المتخوفين من تسلل المنتجات الإسرائيلية إلى أسواقنا. وكيف أن هذه المقاطعة صارت أثراً بعد عين الآن، وصار الحديث عنها ضرباً من الشطط والهذيان.

لقد فشلنا بالتأكيد في مجال الصناعة، وفي عمليات الإنتاج الإقتصادي، لدرجة أنه صار يحلو لنا أن نجلد ذواتنا بكوننا مجتمعات استهلاكية. وقد أثبتت هذه التجارب أننا فشلنا حتى في الاستهلاك، إذ لم تجدِ أيٌ من حملات (الحرد) الاستهلاكي في انتاج أي موقفٍ مفيد، أو أسقاط أي موقف ضار.

لماذا كانت إذن تلك المظاهرات الصاخبة، وإحراق السفارات، والصراخ المدوي بطرد السفراء وقطع العلاقات، وإظهار جماهيرنا بهذ المظهر أمام العالم الذي كان يتفرج عليها ويضحك ملء شدقيه علينا وعلى غوغائيتنا. لم يستطع أحد في الغرب أن يفهم الرسالة التي أردنا إيصالها إليه، ليس لأنها مبهمة أو غامضة، ولكن لأنها أرسلت إليه بشفرة لا يفهمها، ولغةٍ لا يستطيع قراءتها.

آن لأمتنا وقد بلغت من العمر أرذله أن تتعلم. تتعلم من أخطائها أولاً، ثم من تجاربها وتجارب غيرها.

علينا أن نتعلم أن الاندفاع والغوغائية لن تحقق لنا هدفاً، ولن تعود إلا وبالاً وخسارةً علينا، وأن سر النجاح يكمن في التخطيط السليم وحساب كل الحسابات، فلا نتخذ موقفاً لنعود عنه لاحقا بحجة أننا اكتشفنا خطأنا، فكم من الأخطاء اكتشفنا بعد فوات الأوان؟ ولزام علينا أن نتعلم ما هو المبدأ وكيفية الثبات عليه، فلا نلقي كلمة اليوم، لنعود فنلحسها في الغد
ويجب أن نلغي تماماً من عقولنا ثقافة الشتم والسباب، فالشتائم لا تنال من المشتوم، بقدر ما تحقر الشاتم وتحط من قدره، إضافة إلى كونها لا تشفي سقيماً ولا تقيل عثرة.

نصف أنفسنا بأننا ظاهرة صوتية، وهذا لا بأس به على الأقل، لكننا كل مرة نبدأ كظاهرة صوتية، وننتهي كظاهرة (صمتية)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبادرة لمحاربة الحشرات بين خيام النازحين في رفح


.. تونس.. معارضون يطالبون باطلاق سراح المعتقلين السياسيين




.. منظمات حقوقية في الجزاي?ر تتهم السلطات بالتضييق على الصحفيين


.. موريتانيا تتصدر الدول العربية والا?فريقية في مجال حرية الصحا




.. بعد منح اليونسكو جائزة حرية الصحافة إلى الصحفيين الفلسطينيين