الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التلقين والترديد؛ فالتخلّف !

وهيب أيوب

2021 / 11 / 26
التربية والتعليم والبحث العلمي


في العام 1957 أطلق الاتحاد السوفياتي السابق أول قمر صناعي " سبوتنك "، بعدها بأربع سنوات وفي 12 نيسان من عام 1961 أطلق السوفيت أيضاً مركبة "فوستوك 1" الفضائية لتحلّق برائد الفضاء السوفيتي "يوري جاجارين" في الفضاء الخارجي ويدور حول الأرض.
صُعق العلماء الأميركيون من هذين الإنجازين العظيمين وأُصيبوا بالإحباط الشديد جرّاء تخطّي السوفيت لهم في مجال غزو الفضاء، فاجتمعت الإدارة الأميريكية، وبعد نقاشات مطوّلة؛ قرّروا زيادة حصص الرياضيات والفيزياء والكيمياء في المناهج الدراسية في المدارس والجامعات الأميريكية، وصمّموا على أن يكونوا السبّاقين للهبوط على سطح القمر قبل السوفيت، وهكذا كان عام 1969 حيث هبط أول رائد فضاء أميريكي "نيل أرمسترونغ" على سطح القمر.
إذاً كانت العبرة تتعلّق بمناهج التعليم.
والمقصود من تلك المقدمة المختصرة، أنه لو نظرنا اليوم إلى كل الدول المتقدّمة، وخاصة الدول التي كانت تُعتبر متخلّفة قياساً بالغرب، مثل اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة وفيتنام اليوم وسواهم، تلك الدول التي خطت خطوات جبّارة في مجال التقدّم الصناعي والإنمائي الاقتصادي بشكل مذهل وبسرعة قياسية.
إن كل التقدّم الذي حصل في تلك الدول؛ كان جرّاء اعتمادها برامج ومناهج جديدة وحديثة في مجال التربية والتعليم والتي خرّجت لاحقاً من مدارسها وجامعاتها جيوشاً من الاختصاصيين والمفكرين والمبدعين في كافة المجالات، فبنوا ونهضوا ببلدانهم إلى مصاف الدول المتقدّمة.
إذاً؛ فمعالم الطريق إلى التقدّم والتطوّر باتت واضحة ومعروفة، ولا يتجاهلها إلا الأغبياء الغارقون في الخرافات والغيبيات التي لا تفيد واقع الإنسان والحياة في شيء، بل تزيدهم جهلاً وتخلفاً، لا بل تقهقرأ!
أصل هنا إلى سبب تخلّف وتقهقر دول العربان، الذين ما زالوا يتّبعون أنظمة تعليمية وتربوية متخلّفة عفا عليها الزمن.
في كتاب "ذهنية التحريم" للمفكّر صادق جلال العظم، يورد نصّاً نقله عن الدكتور أنور عبد الملك من كتابه "دراسات في الثقافة الوطنية" يشرح فيها طبيعة السياسة التعليمية للاستعمار البريطاني التي اتبعها اللورد كرومر حاكم مصر حينها ومستشاره للتربية المستر دانلوب، ويشرحها على النحو التالي:
" واستند دانلوب إلى خاصية معينة من خصائص العقلية الشرقية، ألا وهي تقديسها للمكتوب، للكلمة المكتوبة، للنصوص، وراح يقيم تعليماته الدورية إلى المفتشين والنظّار على أساس تنمية الذاكرة والحفظ بالذاكرة، دون كل ما من شأنه أن ينمّي ملكة التفكير النقدي الإبداعي الخلاّق.
ورأى دانلوب مستشار التربية أيام اللورد كرومر، أن الضمان الوحيد لاستعباد مصر على مرّ الأجيال، لا يكمن في الاحتلال العسكري والاستعمار الاقتصادي، بقدر ما يكمن في ضرب الفكر المصري في الصميم بحيث يصبح عاجزاً عن التطوّر والإبداع والخلق، ويظل معتمداً على غيره ليتحرّك. ورأى دانلوب أنه لكي يتحقق هذا الهدف؛ لا بدّ من أن تتجه سياسة التعليم كلّها- في مرحلة الابتدائية والثانوية والعالية على السواء- نحو الحفظ دون مناقشة، والترتيل دون النقد، ومحاكاة المراجع والاساتذة دون تشريحها وتكوين رأي مستقلفيها، واحترام الكلمة المكتوبة دون امتحانها والتصارع فكرياً معها". انتهى الاقتباس
المفاجأة غير السّارة هنا؛ أن كل سياسات اللورد كرومر الاستعمارية وتوصيات مستشاره للتعليم السير دانلوب، أخذتها واتّبعتها حرفياً كمناهج للتربية والتعليم جميع أنظمة دول العربان التي يُقال أنها استقلّت، وكأن كرومر ودانلوب كانوا يوصون أولئك الحكّام والأنظمة باتباع تلك الأساليب التعليمية الببغاوية للسيطرة على شعوبهم واستعبادها، فما كذّبوا خبراً، وهم حتى اليوم على ذات المنوال والمنهاج، وحتى لا نُلصق تلك التهمة بالسير دانلوب، فهو اعتمد بالأساس على الذهنية العربية المنمّطة والمبرمجة لتطبيق تلك الأساليب، بدليل أنها ما زالت مُتّبعة إلى اليوم في دول الأنظمة العربية ومدارسها وجامعاتها، وذلك من أجل السيطرة على شعوبها، وهي لا تحتاج توصية من دانلوب أو سواه!
ولمزيدٍ من التوضيح، في اتباع تلك الأنظمة الاستبدادية العربية ومؤسساتها التربوية والتعليمية لهذا النهج ولإبقاء هيمنتها واستعبادها لشعوبها.
يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه الرائع "طبائع الاستبداد" ما يلي :
( فكما أنه ليس من صالح الوصي أن يبلغ الأيتام رشدهم، كذلك ليس من غرض المُستبد أن تتنوّر الرعية بالعلم؛ فلا يخفى على المُستبد مهما كان غبيّاً؛ أن لا استعباد ولا اعتساف، إلا ما دامت الرعيّة حمقاء تخبط في ظلامةِ جهلٍ وتيهِ عماءٍ).
فتفكّروا يا رعاكم الطغيان والاستبداد !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل