الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معالجة انفسنا اولا واصلاح الذات والابتعاد عن معالجة اخطاء الاخرين

حيدر صادق صاحب
كاتب وشاعر

(Haider Sadeq Sahib)

2021 / 11 / 27
التربية والتعليم والبحث العلمي


#لا تنجح بالعدوان على الآخرين:
#هناك مَن يفكر بالنجاح على حساب اﻵخرين ، في حين بإمكان الجميع النجاح، ولكن للأسف يتجه بعضهم نحو تدمير الآخر، وهدمه؛ لكي يحقق النجاح.
(يذكر أحد المدربين في إحدى الدورات التدريبية أنه قام بتوزيع بالونات على كل متدرب، ثم طلب من كل واحد نفخ البالونة الخاصة به، وربطَها بقدمه. وبالفعل قام كل شخص بنفخ البالونة، وربطها.
ـ جمع المدرب المتدربين في ساحة مدورة، ومحدودة ، وقال: لدي مجموعة من الجوائز، وسأبدأ من الآن بحساب دقيقة واحدة فقط ، وبعد دقيقة سيأخذ كل شخص مازال محتفظًا ببالونته جائزة.
ـ بدأ الوقت، وهجم الجميع بعضهم على البعض الآخر؛ فكلٌّ منهم يريد تفجير بالونة الآخر حتى انتهى الوقت ، وبقي شخص واحد محتفظًا ببالونته.
ـ وقف المدرب بينهم مستغربًا، وقال: لم أطلب من أحد تفجير بالونة الآخر، ولو أن كل شخص وقف من دون اتخاذ قرار سلبي ضد الآخر، لنال الجميع الجوائز، ولكن التفكير السلبي يطغى على الجميع!!!).
#من الآثار السلبية المترتبة على تتبُّعِ عيوب الآخرين:
#ينشغل بعضُهم كثيرًا بعيوب الناس، فيبدؤون بالتفتيش عنها، واتهامهم بالتقصير، أو ضحالة الفهم، وضعف المهارات الحياتية، ولكنهم ينسون أن الإنسان غير معصوم من الخطأ، وأنه مثل غيره، قد يكون به عيوب كثيرة، ولا بد من إصلاحها بدلاً من الالتفات إلى عيوب الناس. وهذه الظاهرة منتشرة كثيرًا في جلسات بعض الرجال والنساء، فتجد أحدهم يتحدث عن عيوب الناس، ويقوم بالتشهير، ونشر مساوئ الآخرين، على أساس أنه كامل، ولا يعتريه النقص، مع العلم بأنه لا يخلو إنسان من نقص، أو عيب؛ فيكون ذلك سببًا في تفشي داء الحقد، والكراهية في ما بينهم.
#إنّ مسلك التفتيش عن الأخطاء، كما يجري على صعيد الأفراد، فهو يجري ـ أيضًا ـ على مستوى الجماعات. فقد تتورّط بعض الجماعات الدينية، أو السياسية، أوالاجتماعية في مسلك الإساءة للجماعات الأخرى؛ برصد عثراتها، ونشرها عوضًا عن التفتيش عن عيوبها هي، ومراجعة أخطائها.
#إنّ النصوص الدينية تنهى بشدّة عن تعقب زلّات الناس على أيِّ نحوٍ من الأنحاء. يقول الإمام الصادق: (إذا رأيتم العبد متفقّدًا لذنوب الناس، ناسيًا لذنوبه، فاعلموا أنه قد مُكِر به)، وتنطوي الرواية الشريفة على أبعاد عدَّة، بدءًا من استنكار تعقّب عثرات الآخرين، والتنقيب عن أخطائهم، واستطرادًا بلفت نظر المتورّطين في هذه الرذيلة إلى أنهم هم أنفسهم لا يخلون من عثرات، وأنّ عليهم عدم نسيان ذلك؛ فهم ليسوا قطعة من الكمال، لا نقص فيها!، فالأحرى بهم أن يفتّشوا عن أخطاء أنفسهم، ويتوقّوا الوقوع في الزّلات، ثم لتنتهي الرواية بالتحذير المغلظ بتوصيف من يقع في هذا السلوك الشائن بأنه (قد مُكر به)، أي: إنّه قد أوقع نفسه في فخ، وورطة سرعان ما سيرى نتائجها السلبية في الدنيا، والآخرة. مع العلم أن الانشغال بعيوب الآخرين، والغفلة عن عيوب النفس سبب للوصول إلى سوء الخلق.
#خطورة هذا المرض على الفرد:
1ـ غفلة الفرد عن عيوب نفسه: إن من أخطر الأمراض، التي يُصاب بها الإنسان أن يرضى عن نفسه، ويرى كمالات نفسه، ويغفلَ عن عيوبه، مع أنه لا يخلو إنسان من نقص، أوعيب. وإذا أراد الله بعبده خيرًا، صرفه إلى الاعتناء بعيوب نفسه، ومحاولة إصلاحها، فتجده دائمًا منشغلًا بنفسه، حريصًا على تزكيتها، وكم هو قبيح أن ينسى الإنسان عيوب نفسه، وينظر في عيوب إخوانه بمنظار مُـكـبِّـر!! والإنسان ـ لنقصه ـ يتوصل إلى عيب أخيه مع خفائه، وينسى عيب نفسه مع ظهوره ظهورا مستحكَمًا، لا خفاء فيه. قال الرسول الأعظم (ص): (يبصر أحدكم القذى في عين أخيه، وينسى الجِذْعَ في عينه). وما أقبح أن ينسى الإنسان عيوب نفسه، ويتجاهلها، وينظر إلى عيوب الآخرين بمنظاره الدقيق، الذي لا يغادر صغيرةً، ولا كبيرةً إلا أحصاها عليهم، ويشنع بها، ويحط من أقدارهم!!!
فغفلة الفرد عن عيوب نفسه، والنظر إليها بعين الكمال، والاصلاح، والانشغال عنها بتتبع عيوب الآخرين، تلك الصفة الذميمة، التي ما تزال بالفرد؛ حتى تقوده إلى قبائح الصفات والاخلاق؛ المتمثلة في تصيد أخطاء الناس، وزلاتهم، والوقوع في أعراضهم، وغيبتهم، والكذب، والبهتان، والسخرية.
2ـ الشعور الدائم بالنقص : فالحديث عن أخطاء الآخرين، والإسراف في ذكرها، ولوك اللسان بها، يدل على مرض عضال في النفس، وهو الشعور الدائم بالنقص؛ فيبحث عن الأخطاء، كأنها هواية عنده؛ فهو يفرح بها إذا وجدها، ويضخمها إذا عرضها، وهو يذكر دائمًا الخطأ، ولا يذكر أبدًا الصواب؛ ولذا تبرز شخصية الإنسان من خلال نصيبه من هذه القضية، فإذا عُرف بأنه مشغول بتضخيم عيوب الآخرين، والطعن في الناس، فهذه مرآة تعكس أنه يشعر بضآلة نفسه، وحقارتها، وأن حجم نفسه صغي؛ لأنه يعتقد أنه لن يعلو قدره إلَّا على إنقاص الآخرين؛ لذا يحاول أن يحطم الآخرين دائمًا، ويكثر نقدهم، ويذكر عيوبهم، وهذه مرآة تعكس أن إحساسه، وثقته بنفسه ضعيفة، وأنه في داخل نفسه يحس أنه صغير، وحقير؛ فلذلك يشتغل بعيوب الآخرين.
3ـ إسقاط عيوب النفس على الآخرين: وقد يكون انشغال الفرد بعيوب الناس، والتحدث بها بمنزلة ورقة التوت، التي يحاول أن يغطي بها عيوبه، وسوءاته، فقد سَمِعَ أعرابيٌّ رجلًا يقع في الناس، فقال: (قد استدللت على عيوبك؛ بكثرة ذكرك لعيوب الناس؛ لأن الطالب لها؛ يطلبها بقدر ما فيه منها)، فأكثر الناس عيوبًا، أفرغُهم لذكر عيوب الآخرين.
4ـ الوقوع في الغيبة: والانشغال بعيوب الناس يجر الفرد إلى الغيبة، وأقلُّ ما في الغيبة من مساوىء تفكُّكُ الروابط بين الناس!
5ـ الوقوع في أمراض نفسية كالكبر، والعجب، والغرور: فإنَّ الذي يُعيب غيرَه ربما يكون له هدف شخصي من خلال تسفيهِ غيرِه، وإبراز عيوبهم، أنْ يُريدَ ألَّا يبدوَ في الصورة غيرُه؛ فهو الجميل، الصادق، الأمين، المهني المعصوم الذي لا يُخطىء، العفيف، الشريف، الكبير ....إلخ؛ وكثيراً ما يكون هذا نابعًا من الرضى عن النفس، والإعجاب بها، بل والكبر، والغرور.
6ـ الإفلاس: فالذين يتتبعون المثالب، ويحبون تتبع عيوب الآخرين؛ يجب أن يعلموا أنهم واقعون في هذا الخطر العظيم، وسيلقون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فنخشى أن يلقوا الله مثل (الرجل المفلس)، الذي أخبر عنه النبي القائد محمد (ص)؛ إذ قال: (أتدرون من المفلس؟! قالوا: المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع. قال (ص): إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بحسنات، مثل جبال تهامة، ولكن يأتي، وقد ضَرَب هذا، وظلم هذا، وشتم هذا، وقذف هذا، وأخذ مالَ هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته ـ قبال ما فعل، وما انتهك ـ فإن نفدت حسناته، يؤخذ من سيئاتهم، فتطرح عليه، فيلقى في النار)!
#خطورة هذا المرض على المجتمع :
1ـ رفض المشاركة في الأعمال الخيرية، والتطوعية: لأن التركيز على العيوب في أي مجتمع هو قتل لأي إيجابية، ووأد لأي عمل، فيه خير، أو منفعة؛ لأن كلَّ مَنْ يقتربُ من هذه النقطة، يجد لسانًا حادا يَسلقُه بالسب، والطعن، والخوض في عرض؛ فهذا يجعل الناسَ دائما بعيدين عن هذه الأمور؛ فيقول أحدهم: أنا لا أريد أن يخوض الناس في عرضي بألسنتهم، أو أُسبَّ، وأُهان!!! فيكون هذا يكون ـ للأسف الشديد ـ مثبطًا لكل عمل خير.
2ـ شيوع العداوة، والبغضاء بين أبناء المجتمع: إن الانشغال بعيوب الناس يؤدي إلى شيوع العداوة، والبغضاء بين أبناء المجتمع؛ فحين يتكلم الفرد في الناس، فإنهم سيتكلمون فيه، وربما تكلموا فيه بالباطل، وفي هذا المعنى قال الشاعر:
إذا أنت عبت الناس عابوا وأكثروا عليك، وأبدوا منك ما كان يُسترُ
وقال الشافعي:
إذا شئتَ أن تحيا سليمًا من الأذى ودِينُك موفورٌ، وعرضُك صيّنُ
لسانك لا تذكر به عورةَ امرئٍ فكلُّـك عوراتٌ، وللناس ألســــنُ
وعينُــك إن أبدتْ إليك معايبًا فدعها، وقل : يا عينُ للناس أعينُ
وعاشرْ بمعروفٍ، وسامح من اعتدى وفارقْ، ولكن بالتي هي أحسنُ
فكما أن لي لسانًا يَطالُ الناس، فللناس ألسـنٌ، وكما أن لي عينًا، لا ترى إلَّا عيوب الناس، فللناس أعينُ.
3ـ المثالية الحالمة سبب فشل أي عمل: فهناك من يسمَّون بأصحاب المثالية الحالمة، وهؤلاء يريدون أن يبدأ العمل كاملًا، عملاقًا، ولا يمرُّ بمراحل النمو، ولا يتعرض لأمراض البيئة، وآفات الحياة، ومتاعب الطريق الطويل، فهم لا يعملون، ولا يدعون غيرهم يعمل، كل ما لديهم لسان طويل على ذراع قصير، وبراعة النقد، وإخفاق العمل، وهمة الهدم، وقعود عن البناء.
4ـ تحويل الأخطاء لدى الآخرين إلى أمر طبيعي في المجتمع: إنّ بعض الناس لا يمارس دوره الطبيعي في هذه الحياة، فبدلًا من أن يُعين المخطئ باجتناب الخطأ، نجده يحاول أن يُظهر ذلك الخطأ، ويفشي ذلك العيب الذي وقع فيه، وهذا الأمر يؤثر سلبًا في المقترف للخطأ من جهة، وله تأثيرات في المتتبع للخطأ من جهة أُخْــرَى، فمن يُذع عيوب الناس، ويسعى إلى نشرها في المجتمع، يجعلْ تلك العيوب بإشهاره لها أمرًا طبيعيًّا، واعتياديًّا، فحينها لا يتأثر مقترف ذلك الخطأ من ارتكابه الخطأ مرة تلو الأُخْــرَى؛ ما دام أنه فشا، واشتهر بين الناس؛ مما يزيده تماديًا في مواصلة سلوكه الخاطئ، أما فيما يخص المتتبع للخطأ، فمن ينهجْ منهجَ تتبعِ عثرات الآخرين، يصبحْ هذا السلوك جزءًا من شخصيته، فلا يَفسَح المجال له للرجوع إلى الاستقامة؛ ومن ثم يصعب عليه ترك ذلك الداء.
5ـ يؤدي تتبُّعُ عيوب الآخرين دورًا كبيرًا في تدمير العلاقات الاجتماعية، كالتجسس، والفضائح، أو استطلاع عيوب الآخرين؛ فيؤثر في قيم التواصل، والمحبة فيما بينهم، فعندما يمتدح الناس شخصًا، تجد قلة قليلة من الناس تصدق ذلك، وعندما يذمونه، فكثيرون هم الذين يصدقون!!!
#بين التشهير، والنقد، والنصح.
#يكثر بعض الناس الحديث عن أخطاء الآخرين، والإسراف في ذكرها، ولوك اللسان بها تحت عنوان: (النقد)، أو غير ذلك من العناوين؛ لكن النقد شيء، والنصيحة شيء مختلف، والتشهير شيء آخر؛ فهناك مَن يبحث عن الأخطاء، كأنها هواية عنده؛ فهو يفرح بها إذا وجدها، ويضخمها إذا عرضها، وهو يذكر دائمًا الخطأ، ولا يذكر أبدًا الصواب.
وهنا ينبغي الالتفات إلى عدم الانخداع بالخوض في شخصيات الآخرين، والانتقاص منهم، بادّعاء الحقّ في النقد، وحرية التعبير عن الرأي، فلا ضير من مناقشة الأفكار، وتقويم المواقف في ضمن حدودها، أمّا الإساءة إلى الأشخاص، والتلفيق عليهم؛، بحجة حرية التعبير، فتلك مخادعة فجّة للذات؛ ذلك أنّ حرية التعبير في تناول أفكار الآخرين، ومناقشتها أمر صحيح، وحقٌّ مشروع، أمّا المساس بكرامة الأشخاص، والتجريح في شخصياتهم، والتشكيك في نيّاتهم، فلا صلة لذلك كلّه بحرية التعبير بتاتًا، بل هو اعتداء سافر، تجرّمه الأعراف، والقوانين. وتشير النصوص الدينية إلى أنّ الله سبحانه ينتقم من الإنسان المتتبع لعيوب الآخرين، وأنّ من بحث في أسرار غيره، أظهر الله سبحانه أسراره، وقد ورد عن الرسول القائد محمد (ص): (من تتبع عورات المؤمنين، تتبع الله عوراته، ومن تتبع الله عوراته، فضحه في جوف بيته)، وعن الإمام عليّ (ع): (ومن تتبع عورات الناس، كشف الله عورته).
#بين حريَّة الإعلام، وتتبع عيوب الآخرين.
#بات الإعلام سلطة فاعلة، وحاسمة، قادرة على صنع الأحداث، وحتى الثّورات، الّذي يتجاوز في تأثيره كلّ السلطات، ودوره كبير في الإضاءة على مواقع الضّعف في الأداء السياسيّ، ومكامن الهدر، والفساد، وهو الَّذي شكَّل صوتًا للمواطنين، ومعبِّرًا عن معاناتهم، ولكن في الوقت نفسه، لابد من أن يتحسَّس مسؤوليّته جيّدًا، وأن يكون حريصًا على اعتماد العقلانية، والموضوعية، والعدالة، وعدم الارتهان لأحد. إنَّنا مع حرية الإعلام، لكنّها الحرية الواعية، والمسؤولة، والحكيمة لحساب الوطن، لا على حسابه.
#من أسباب إظهار عيوب الآخرين.
#كيف رسم الفنان صورة الملك الأعرج، الأعور من دون عيب؟!
((يحكى أن ملكا كان أعرج، ولا يرى إلا بعين واحدة، وفي أحد الأيام دعا هذا الملك الرسامين؛ ليرسموا له صورته الشخصية بشرط ألا تظهر عيوبه في هذه الصورة!
ـ فرفض كل الفنانين رسم هذه الصورة!فكيف سيرسمون الملك بعينين، وهو لا يملك سوى عين واحدة ؟وكيف يصورونه بقدمين سليمتين، وهو أعرج؟
ـ ووسْطَ هذا الرفض الجماعي تقدم أحد الفنانين، وقَبِلَ رسمَ الصورة، وبالفعل رسم صورة جميلة، وفي غاية الروعة.
ـ كيف ؟
ـ تصوَّرَ أنَّ الملك ممسِكٌ ببندقية الصيد ـ بالطبع كان يغمض إحدى عينيه ـ ويحني قدمه العرجاء إلى الأمام، وهكذا رسم صورة الملك بلا عيوب، وبكل بساطة!!!
ـ فليتنا نحاول أن نرسم صورة جيدة عن الآخرين مهما كانت عيوبهم واضحة، وعندما ننقل هذه الصورة إلى الناس نستر الأخطاء، فلا يوجد شخص خال من العيوب!).
#نجتمع كثيرا في جلسات جادة، أو غيرها، سواء في مجتمعات الرجال، واجتماعاتهم، أو في الجلسات النسائية، فنجد أن كلًّا منا يفتش في عيوب غيره، وقد يتهم الآخرين بالتقصير، أو ضحالة الفهم، وينسى أنه بشر، وعنده عيوب، ولا أحد يحاول إصلاح عيوب نفسه، أو لا يحفظ لسانه عن الخوض في عيوب الآخرين، فضلا عن أنه لا يلتفت إلى عيوب نفسه، ولا يفكر أنه قد تكون عيوبه أكثر ممن يعيب عليهم، ويكون همُّ أحدِنا، واهتمامُه هو إثبات أنه على الحق؛ ولا سيما عند تعدد الآراء، أو تقديم الأدلة على خلوه من العيوب.
#هذه الظاهرة من الأمراض القلبية التي يُصاب بها الفرد، وهو أن يتذكر، ويشهّر، أو ينشر، ويتحدث عن عيوب الناس، ولا يتتبع عيوب نفسه، وهو بذلك يرضى عن نفسه، ويرى أنه شبه متكامل، ويغفل عن عيوب نفسه، مع أنه إنسان، وكل البشر يعتريهم النقص، ولا يوجد إنسان كامل، أو معصوم إلا من عصمه الله تعالى، فلا يخلو إنسان من نقص أو عيب!!!
#هنا يبرز السؤال المهم؛ حول أسباب تورّط البعض في هذه السلوكيات الخاطئة؟
#من أسباب إظهار عيوب الآخرين:
1ـ يأتي في طليعة الأسباب ما يمكن أن نصفه بالعقد النفسية عند هؤلاء، فلو أُخضع هؤلاء للفحص النفسي، والسلوكي؛ للكشف عن طبيعة شخصيّاتهم، لاتضح كم يعانون من العقد، والأمراض النفسية، التي تتمظهر عندهم على هذا النحو السلبي.
2. ثم يأتي سوء التنافس في المقام الثاني من أسباب التورط في الإساءة إلى الآخرين، مع لحاظ أنّ التنافس بين أبناء البشر أمر طبيعي على كلّ الصُّعد، والمجالات، غير أنّ هناك من يخوض غمار التنافس من خلال زيادة نشاطه، وفاعليته؛ حتى يتفوق على الآخرين، فيما ينزع آخرون نحو التنافس السلبي، وغير الشريف، الذي يعمد إلى عرقلة المنافسين الآخرين، وتكسيرهم. إنّ منافسة الآخرين على نحو خاطىء، هي ما تدفع البعض نحو التفتيش عن الزلّات، والمعايب لمنافسيهم.
3. أمّا السبب الثالث المحرك لمحترفي النبش في مثالب الناس، فهو الفراغ، فالواحد من هؤلاء غالبًا لا يشغل وقته باهتمامات مفيدة، فيشعر عندها بفراغ كبير؛ ليقوده ذلك نحو إشغال نفسه بالتنقيب عن معايب الناس. فحري به أن يشغل نفسه في إصلاح نفسه؛ ليخلصها من عيوبها، ويصلح حالها. وفي هذا الجانب يقول أمير المؤمنين (ع) موصيا ولده الإمام الحسن (ع):(واعلم أي بني: أن من أبصر عيب نفسه، شُغل عن عيب غيره، ومن تعرّى من لباس التقوى، لم يستتر بشيء من اللباس، ومن رضي بقسم الله، لم يحزن على ما فاته، ومن سلّ سيف البغي، قُتل به، ومن حفر بئرا لأخيه، وقع فيها، ومن هتك حجاب غيره، انكشفت عورات بيته، ومن نسي خطيئته، استعظم خطيئة غيره).
4. إن التركيز على أخطاء الآخرين، والحديث عنها مرض نفسي نابع من شعور صاحبه بالنقص، وعدم الثقة بنفسه؛ لأسباب أخلاقية، أو اجتماعية، أو تربوية، أو نفسية. فالإنسان ـ لنقصه ـ يتوصل إلى عيب أخيه مع خفائه، وينسى عيب نفسه مع ظهوره ظهورا مستحكما لا خفاء به، قال الرسول القائد محمد (ص): (يبصر أحدكم القذى في عين أخيه، وينسى الجِذْعَ في عينه).
قبيحٌ من الإنسان أن ينسى عيوبَهُ ويذكر عيبًا في أخيه قد اختفى
ولو كان ذا عقل لما عاب غيرَهُ وفيه عيوبٌ لو رآها قد اكتفى
5. الغرور والعجب: أخطر صفة تحطم الإنسان، وتهوي به في مكان سحيق عندما يعجب بنفسه، ويكون مغرورا ببعض الصفات، أو الأعمال، التي يراها في شخصه، فقد ورد عن أمير المؤمنين علي (ع):(العجب يفسد العقل). إنا لو تأملنا شخصية المغرور، والمعجب بنفسه -رجلا أو امرأة- لرأينا أن هناك خطأ في تقويم كل منهما لنفسه، فالمغرور يرى نفسه مفخّمة، وأكبر من حجمها، بل أكبر من غيرها، فيداخله العجب، ويشعر بالزهو، والخيلاء؛ لخصلة يمتاز بها، ويتفوق بها على الآخرين، وقد لا تكون نتيجة جهد شخصي، وإنما هي منحة، وهبة إلهية، وهذا يعني أن نظرة المغرور إلى نفسه غير متوازنة، ففي الوقت الذي ينظر إلى نفسه بإكبار، ومغالاة، تراه ينظر إلى غيره باستصغار، وإجحاف، فلا نظرته إلى نفسه صحيحة، ولا نظرته إلى غيره سليمة. فمنشأ الاختلاف في هذه النظرة هو شعور داخلي بالنقص، يحاول معه تغطيته برداء غروره، وتكبره، فقد ورد عن الإمام الصادق (ع): (ما من رجل تكبر، أو تجبر؛ إلا لذلة وجدها في نفسه).
6. إن جهل الإنسان بنفسه منشأ لكثير من المفاسد، والضلالات، وإن أكثر النزاعات مع النفس ناشئة من جهل النفس؛ فلأننا لا نعلم كيف ينبغي لنا أن نتعامل مع أنفسنا، نقع في مشقة كبيرة، وإن الأمراض الأخلاقية، والفكرية يعود سببه إلى عدم معرفة الإنسان قيمة نفسه، فإننا لا نعرف أنفسنا، وبتبع ذلك لا نعرف عيوبنا، وهذا من أكبر العيوب، ففي الحديث يقول: (من أشد عيوب المرء أن تخفى عليه عيوبه). والحقيقة إن بإمكاننا الاطلاع على أنفسنا، فلا يخفى علينا مكنوننا، سوى أن العلل، والعوارض الاجتماعية هي التي تحجبنا عن أنفسنا، وتحجب أنظارنا بركام من الأدران. فمعرفة النفس مقدمة لبنائها، وإصلاحها، ولا تتم عملية الإصلاح إلا بالوقوف على عيوب هذه النفس، وأخطائها. فعندما يصاب الإنسان بالغرور، أو حينما يركز على عيوب الآخرين، فإنه لا يستطيع إبصار عيوب نفسه؛ لأنه ينزه نفسه، ويزكيها، وينظر نظرة الخالي من العيوب، المنزه عن كل خطاء، وهذا من أشد عيوب النفس، التي تتغافل عن عيوبها، وأخطائها.
7. قد يكون انشغال الفرد بعيوب الناس، والتحدث بها بمنزلة ورقة التوت، التي يحاول أن يغطي بها عيوبه، وسوءاته ، فقد سَمِعَ أعرابيٌ رجلًا يقع في الناس، فقال: ( قد استدللت على عيوبك؛ بكثرة ذكرك لعيوب الناس؛ لأن الطالب لها يطلبها بقدر ما فيه منها). فالشخص الذي يرى صورة نفسه صغيرة جدًّا، تجده دائمًا يضخّم عيوب الآخرين؛ ولذا تبرز شخصية الإنسان من خلال نصيبه من هذه القضية، فإذا عُرف بأنه مشغول بتضخيم عيوب الآخرين، والطعن في الناس؛ فهذه مرآة تعكس أنه يشعر بضآلة نفسه، وبحقارتها، وأن حجم نفسه صغير؛ لأنه يعتقد أنه لن ينفتح إلا على إنقاص الآخرين؛ فيحاول دائمًا أن يحطم الآخرين؛ ولذا يُكثِرُ من نقدِ الناس، وذِكرِ عيوبهم، وهذه مرآة تعكس أن إحساسه، وثقته بنفسه ضعيفة، وأنه في داخل نفسه يحس أنه صغير، وحقير؛ فلذلك يشتغل بعيوب الآخرين.
8. الكِبْرُ: إن إظهار معايب الآخرين، أو التفتيش في عيوبهم كثيرًا ما يكون نابعًا عن الرضا عن النفس، والإعجاب بها؛ فما أكثر ما ننشغل بعيوب الناس، ونسى، أو نتناسى أمرا مهما وهو: أن هؤلاء الناس بشر مثلنا، وأنهم يصيبون ويخطئون، وفي الحديث: (كل بني آدم خطاء، وخير والخطائين التوابون)؟!.
9. التركيز على الأخطاء: كثيرا ما ننتبه إلى الأخلاق السيئة، أو للأعمال المعيبة، وتعمى عيوننا عن الأعمال الفاضلة، أو الأخلاق الحسنة، التي قد تكون أكثر بكثير من السيئة، ولم ننتبه أن الناس يكرهون الإنسان، الذي ينظر إلى عيوبهم، ويترك الحسنات، بل، وأحيانًا ينساها.
10. الفراغ، والإفلاس الأدبي يجعلون من المرء ينسى أمر نفسه، ويهتم بأمر الناس، وتتبعِ عيوبهم؛ لذلك صدق النبي القائد محمد (ص)؛ إذ قال: (أتدرون من المفلس؟! قالوا: المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع. قال (ص): إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بحسنات، مثل جبال تهامة، ولكن يأتي، وقد ضَرَب هذا، وظلم هذا، وشتم هذا، وقذف هذا، وأخذ مالَ هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته ـ قبال ما فعل، وما انتهك ـ فإن نفدت حسناته، يؤخذ من سيئاتهم، فتطرح عليه، فيلقى في النار)! فالذين يتتبعون المثالب، ويحبون تتبع عيوب الآخرين؛ يجب أن يعلموا أنهم واقعون في هذا الخطر العظيم، وسيلقون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فنخشى أن يلقوا الله مثل (الرجل المفلس)، الذي أخبر عنه.
11. قد يلجأ الإنسان إلى النظر في عيوب غيره، ونسيان عيوب نفسه، والسبب في ذلك يعود إلى حب الذات، أو حب الأنا، وما من إنسان إلا ويحب ذاته، إلا أنّ التفاوت في ذلك موجود، فبعض الناس يحب ذاته، ولكن بدرجة عادية غير مفرطة، والبعض الآخر يفرط في حب ذاته؛ فيتصور أنّ كل ما يقوم به حسن، حتى ولو كان قبيحًا، ويتصور نفسه كاملًا، ويرى الآخرين ناقصين، أو يتصور نفسه مصيبًا، والآخرين على خطأ، وينشغل في عيوب الآخرين، وينسى أنه لا يخلو من العيوب، مهما تصور أنه متكامل.
فالإنسان يحب نفسه، وحب النفس أمر طبيعي، والمحب لا يرى عيوب المحبوب، وعيوب المعجب بنفسه، أو بغيره قلما ترى العيوب، وإن رأتها صغَّرتها، لكن عيون السخط، والحسد ترى عيوب الآخرين بمجهر شديد التكبير، وتضع فيهم من العيوب ما ليس بموجود، وتضيف إلى عيوبهم البريئة، أو الصغيرة إضافات خبيثة، وكبيرة، كما تعمى عن محاسنهم، وحسناتهم:
وعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ ولكنَّ عينَ السخط تبدي المساويا
12. وقد يلجأ الإنسان إلى التبصر في عيوب غيره، وعدم الانشغال بعيوب نفسه؛ جهلًا منه برداءة هذا الفعل، فتراه يمارسه، وكأنه أمر اعتيادي، فإذا أردت أن تكون حكيمًا، لا تتصور أنك خال من العيوب، وتبصّر فيها، وانشغل عن عيوب الآخرين، يقول الامام علي( عليه السلام): (أعقل الناس من كان بعيبه بصيرًا، وعن عيب غيره ضريرًا).
13. نظرة الإنسان إلى نفسه بعين الكمال، والصلاح هي من أخطر الأمراض، التي يمكن أن تصيبَه، فإذا تمكنت منه خُتم على قلبه، وبصره، فلا يدع لأهل الفضل فضلًا، ولا لصاحب العذر عذرًا؛ فيتناسى عيوب نفسه، ويتجاهلها، وينظر إلى عيوب الآخرين بمنظاره الدقيق، الذي لا يغادر صغيرةً، ولا كبيرة؛ فتجده دائمًا ينتقد الآخرين، ويبالغ في ذكر عيوبهم، ناسيًا، أو بالأحرى متناسيًا محاسنهم، فالبعض لا ينتبه إلاَّ على عيوب الناس، في حين تعمى عيونهم عن المحاسن، التي قد تكون أكثر بكثير من هذه العيوب.
14. ((كنا نحدِّث أنَّ أكثرَ النَّاسِ خطايا أفرغُهم لذكرِ خطايا النَّاس)): هذه المقولة تشخِّص أحد الأمراض، التي استشرت بين الناس، وهو الانشغال بعيوب الناس عن عيوب النفس، ذلك المرض الذي يعبّر عن قصور تربوي كبير، فتجد الإنسان يترك لنفسه العنان في انتقاد النَّاس، والهجوم عليهم، تاركاً عيوب نفسه، على الرغم من أنَّ كلَّ إنسان لا يخلو من نقص، وأن من لم يتعهد النقصان في نفسه، فهو في نقصان دائم.
15. إن الحسد من الأمور التي تجعل الإنسان يذكر عيوب غيره، وإن كان في نفسه فقط، فيرفض نجاح غيره، فيحسده. فمما لاشك فيه أن المغرم بنشر عيوب الناس، وتتبعها، والتنقيب عنها، والتهويل في وصفها، هو إنسان مصاب بالنقص، مريض بالحسد، والحقد، يضر نفسه قبل غيره، ويأكل بعضه بعضًا بحسده، وحقده؛ فهو كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله! ومن سوء حظ أولئك، الذين يفتشون عن عيوب الآخرين، وينشرونها، ويشيعونها، ويزيدون فيها، ويختلقون، لا يكادون يفعلون ذلك إلا مع الناجحين البارزين، الذين هم أعلى منهم مكانة، وأرجح عقلًا، وحكمة، وأجمل سلوكًا، وأخلاقًا، كما أن هؤلاء الكارهين للناس، ولاسيما الناجحون منهم، الذين همهم البحث عن عيوب الآخرين، هؤلاء هم الأكثر عيوبًا، والأوضح نقائص، والأكثر كرهًا لدى الناس!
يقول الشاعر:
رأيتُ العيب يلصق بالمعالي لصوق الحبر في لفق الثياب
ويخفى في الدنيء فلا تراه كما يخفى السواد على الإهاب
فالذي ثيابه بيض ناصعة ـ كناية عن كرم الخلق ـ يرى فيه الحاسد، والحاقد أي نقطة عيب صغيرة، ويكبّرها، ويشهّر بها؛ لأنها على صفحة بيضاء؛ فتكون ظاهرة، أما ذو الثوب الأسود ـ كناية عن سوء السلوك، والخلق ـ فلا يلتفت إليه أحد، ولا يحسده؛ فقد غطته العيوب، فلا داعي إلى التشهير.
16. الدفاع عن النفس: إذا أتينا بشموع مضاءة، ووضعناها أمام شاشة الكمبيوتر السوداء، نرى انعكاس ضوء الشموع على الشاشه، فالشموع ترى أن الضوء يصدر عن الشاشة، ولو أنها لم تره بوضوح تام، في حين أن الضوء المعكوس على الشاشة هو نتيجة وقوف الشموع أمامه، فهي المصدر، والشاشة استقبلت الضوء. وكذلك حال البشر، فهناك من يقف كموقف الشمعة، وهناك من يقف مثل موقف الشاشة. فالإسقاط حيلة لا شعورية، يدافع بها الإنسان عن نفسه، وعيوبه، لكي يبرأ نفسه، ويبعد عنه الشبهات، فمن يحمل صفة الأنانية، أو الغش، أو الكذب، أو الخيانة، أو غيرها، فإنه يعكسها على المحيطين به، ويسقطها على من أمامه، ويتهمه بتلك الصفات، فمثلًا الكاذب يتهم معظم الناس بالكذب، وغالبًا لا يمكنه تصديق غيره بسهولة مهما كانوا صادقين معه. انظر الآن إلى أصابع يديك عندما تتهم إنسانًا، فإن إصبعًا واحدًا تستعمله، وهو السبابة ( المسبّحة في غير هذا الموضع)، الذي تشير به إلى المتهم، في حين أن باقي الأصابع تشير إليك!! يقول الحديث الشريف: (ذوو العيوب يحبّون إشاعة معايب الناس؛ ليتَّسِعَ لهم في العذر معايبهم).
17. إن انشغال الفرد بعيوب غيره، وتناسي عيوبه عيبٌ آخر، يضيفه على عيوبه، بيد أن ذلك لا يكون إلا لوجود نقص، أو عيب فيه يريد ستره أمام نفسه بتلاعبٍ، يظن معه أنه تخلص منه، أو لأن نفسه ترتاح لإظهار عيوب الآخرين، والإنقاص من مكانتهم، أو لإشغال نفسه عن نفسه بعدم اهتمامه بإصلاح ذاته.
والسؤال الذي يرد هنا أنه لماذا يكون الاهتمام بأخطاء الآخرين، وعيوبهم، وتصيدها في كل شاردة، وواردة، والتغافل عن أخطاء النفس؟! وليس ذلك فحسب، وإنما يشعر الإنسان نفسه بأنها خالية من أي عيب، ونقص، منزها لها؟!
ويمكن الجواب عن ذلك بأمور:
أولا: وجود العيب، والنقص في الإنسان نفسه: فكل شخص يفتقد صفة حسنة، أو توجد فيه صفة سيئة، أو قبيحة؛ فإنه يكون مهتما بعيوب الآخرين، والنقص الذي فيهم؛ لكي يعزّي نفسه، ويسليَها بأن غيره لا يختلف عنه في شيء، مع قصده الإنقاص من الآخرين، والحط من مكانتهم؛ إما في عينه هو، أو في عيون الناس؛ وهو بذلك يشبع داخله من شعوره بالنقص. فقد ورد عن الإمام الصادق (ع): (ما من رجل تكبر، أو تجبر إلا لذلة وجدها في نفسه).
ثانيا: توجه الإنسان إلى عيوب غيره: إن توجه الإنسان إلى عيوب غيره، وأخطائهم، والتركيز عليها ينسيه عيوب نفسه؛ فيغفل عن أخطائه، ويتشاغل عنها بعيوب غيره، فيلهو عنها، ويتركها تتوغل، وتمعن في الأخطاء، والذنوب، حتى تزين له نفسه سوء عمله، فيراه حسنا جميلا، خاليا من النقص، فيتحول ذلك إلى عادة متأصلة، فيختلط لديه الصحيح بالسقيم، فلا يستطيع التفريق بينهما، ومن جانب آخر يجد له مسوغا؛ لكي يساوي نفسه بغيره في الخطأ، والعيب، بمعنى: أنه يجد فسحة لإرضاء نفسه بأن غيره أيضا كذلك لا يختلفون عنه؛ ومن ثَمَّ يشعر أن الجميع متساوون كحالة عامة؛ لذلك نرى الإنسان إذا عمل عملا غير لائق، ونصحه أحدهم، فالجواب لديه هو: أن فلانا يعمل كذا، والناس تصنع كذا، بمعنى: أنه يجد له مسوغا جاهزا، يسقطه على سلوكه، وفعله.
ثالثا: فقدان عنصر التقوى: إن العلاقة مع الآخرين، والمحافظة على عدم كشف أسرارهم، وعيوبهم، وأخطائهم، يحتاج إلى حضور عنصر التقوى، الذي يقيّد الإنسان؛ حتى لا يقع في الأخطاء، والهفوات، سواء المتعلقة به شخصيا، أو بغيره من سائر أبناء المجتمع، فمتى ما حضرت التقوى، حاذر الإنسان من تناول الآخرين بالسوء، وكشفِ العورات، وملاحقةِ العيوب، والهفوات، وتتبعِها، أما إذا غاب الحذر، وتلاشى الخوف من تتبع عيوب الآخرين، والتحدث عنها أمام الناس، أو رتّب عليها موقفا نفسيا ـ مهما كانت صلته بهم ـ فإن ذلك يؤدي إلى التهاون بأمور الناس، وعيوبهم؛ مما يستدعي التركيز عليها، ونشرها، وبثَّها، بشكل يسيء إليهم، ويشوه صورهم أمام الآخرين، فضلا عن ذلك فإنه يُضعف العلاقات الاجتماعية، التي أكدتها تعاليم السماء!!! ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي