الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقاء مع إبليس- المساواة في الوجود

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 11 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المقدم:
سألتك قبل الفاصل إن كنت لا تمانع من أن تسجد لي الآن تدليلاً لنفيك الكبر عن نفسك كما تصورناك ولا نزال، وتعويضاً عن رفضك السجود لأبانا آدم.
إبليس:
نعم، سيدي، أتذكر. لكن أمهلني بعض الوقت كي أوضح لك بعض الأمور أولاً.
المقدم:
تفضل، خذ ما يكفيك.
إبليس:
حسناً. بداية، أجدد التأكيد ثانية على أن قصة الاجتماع الذي جمعني برفقة أبيك آدم مع الإله الخالق، وعصيت فيه أمر السجود لآدم متحججاً بكوني أطهر منه لأني خلقت من نار بينما هو من الطين، هي قصة وهمية لم تحدث ولا يمكن أن تحدث من الأصل. لماذا؟ كما أوضحت من قبل، لأننا، بحسب هذه الرواية ذاتها، أنا وآدم، مخلوقات من صنع خالقنا المفترض، ذات الكيان الذي أصدر لي الأمر وعصيته. وقد ذكرت أن هناك استحالة منطقية وعملية أن يحدث التقاء أو اتصال من أي نوع، عبر أي وسيلة، ما بين خالق من جهة ومخلوقاته في المقابل. وذلك بسبب اختلاف الأجناس. فالخالق، بحسب قصتكم المزعومة، جنس فريد لا مثيل له ولا شبيه، بينما المخلوقات من جنس مغاير تماماً. سننحي هذه النقطة جانباً الآن وننتقل إلى أخرى أكثر أهمية.

نحن، أنا وأنت، أو بالأحرى أبيك آدم، لم نحضر عملية الخلق ولم نعيها، ولم يكن لنا أي دور فيها. كذلك، نحن لا نعرف، ولا يمكن أن نعرف، من هو خالقنا، أو إذا كان هناك خالق أو لم يكن. كل ذلك يقع خارج نطاق إدراكنا الفعلي وبشكل مطلق. لكن من حيث الخيال والتصور، يمكنك أن تتخيل وتتصور كيفما شئت، مثل قصة الخلق المضحكة تلك. لكننا حتى وإن كنا لم ندرك عملية الخلق والخالق، إلا إننا بالتأكيد لا نزال قادرين على أن ندرك نتائجها وآثارها، مثل المخلوقات التي نحن من ضمنها. لا شك في أننا ندرك وجودنا، كما ندرك وجود كائنات كثيرة أخرى غيرنا وندرك وجود الكثير من مفردات الكون المادي وظواهره وقوانينه. كل ذلك يأتي ضمن نطاق إدراكنا. هكذا، إدراكنا يبدأ فعلاً منذ أن ندرك وجودنا في الكون، ليس قبل ذلك. ومن تلك اللحظة سوف تدرك أنك، شأنك شأن سائر مفردات الكون الأخرى، مجرد ذرة صغيرة في كون لا محدود، أو مخلوق ضعيف يبحث عن خالق قوي يحتمي به.

في قول آخر، أنت لا "تعرف" أنك موجود سوى بعدما "تدرك" وجودك فعلاً، وساعتها فقط- بعد الإقرار بوجودك- تستطيع أن تدعي أو تنكر وجود أي شيء آخر، بما في ذلك خالق أو عوالم كاملة متخيلة. قبل هذا الإدراك لا يوجد شيء على الإطلاق بالنسبة إليك، حتى لو كان الوجود قائماً كما هو قبل تكون إدراكك له.
المقدم:
نعم، أنا مدرك لوجودي أنا نفسي معك الآن مثلما أدرك وجودك معي. تفضل أكمل.
إبليس:
إذا كنت تدرك وجودك معي الآن، وأنا كذلك أدرك وجودي معك أيضاً، إذن نحن، أنا وأنت، كائنات مدركة- تستطيع أن تدرك وجودها أنفسها فضلاً عن وجود أشياء كثيرة في الكون الواسع. هذا أمر جيد. إذن نحن، أنا وأنت، كيانان متساويان.
المقدم:
ماذا تقصد بمتساويين؟ أنا إنسان بينما أنت شيطان. وأنا خلقت من طين بينما أنت خلقت من النار؟ فما وجه المساواة بيننا إذن؟
إبليس:
حتى لو سلمت جدلاً بصحة كلامك هذا. نحن الاثنان لا نزال متساويان في كوننا مدركين لوجودنا. هل تنفي ذلك؟
المقدم:
لا، مطلقاً؟ لكن بعد التسليم بشيطانتك العاصية، وآدميتي المطيعة.
إبليس:
حسناً، وهو كذلك. أسلم لك بما تقول. نحن موجودان، وندرك وجودنا، أنا كشيطان ملعون مصيره إلى النار، وأنت كإنسان مطيع مثواه إلى الجنة. هل يرضيك؟
المقدم: نعم، أكمل.
إبليس:
بصرف النظر عن التوصيف ما بين شيطان وإنسان، والمآل إلى الجنة أو النار، نحن موجودان لأننا ندرك وجودنا في الحقيقة، كما ندرك وجود أشياء أخرى كثيرة، محسوسة وغير محسوسة. هل نتفق على هذه النقطة.
المقدم: نعم، نتفق.
إبليس:
وهذا هو ما أقصده على وجه التحديد. أننا موجودان لأننا "ندرك" وجودنا، وليس لأي شيء آخر، حتى لو كان هناك شيء ما آخر حقيقة مثل الخالق الذي تدعيه. فحتى لو كان هذا الخالق موجود فعلياً في مكان وزمان ما، وكان هو من أنجز عملية الخلق لنا والكون كله، فنحن لا نزال لن نستطيع أن "ندرك" عملية الخلق تلك بأي وسيلة مهما كانت. الإدراك لا يأتينا سوى بعد الوجود الفعلي. وعملية الخلق تمت وانتهت قبل هذا الوجود. الطريق مقطوعة، وربما ما من طريق أصلاً.
المقدم:
فعلاً نحن متساويان في الوجود الفعلي في هذا المكان والزمان. لا شك في أننا جالسان الآن وجهاً لوجه، وكلانا مدرك لوجود الآخر. هب أنني سلمت لك بهذه المساواة الجزئية في الوجود. إلى ماذا ترمي من وراء ذلك. لكن بعد الفاصل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟


.. مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف




.. تعمير-لقاء مع القس تادرس رياض مفوض قداسة البابا على كاتدرائي