الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطفولة بين ثالوث الأسرة - المدرسة- المجتمع

محمد بلمزيان

2021 / 11 / 29
التربية والتعليم والبحث العلمي


صحيح ان كل جيل له خصوصياته ونمط حياته وطريقة تفكيره واسلوب عيشه، حتى أصبحنا نرى ونشاهد ماركات من الملابس ممزقة برمتها من سراويل وأقمصة مرقعة على آخرها، يقبل عليها الشباب لاقتنائها بأغلى الأثمنة وطريقة جديدة في حلق الرأس وإطلاق اللحى، وحتى طريقة المشي والكلام، حتى أصبحنا غارقين حتى الأذنين في انواع من الموضة التي غالبا ما يسوق لها بعض أشباه الممثلين أو الموسيقيين، أو بعض الفرق التي تتخذ من الفن مرتعا لوجودها، من احل البحث عن الشهرة والعالمية، لكن أن تنتشر هذه الظواهر حتى في الأوساط المدرسية وتحول هذه المظاهر الى اسلوب حياة، فإن ذلك يطرح أكثر من سؤال ، يستوجب استنفارا لدى الباحثين في علم النفس والإجتماع قصد مقاربة هذه الظواهر الإجتماعلية من مختلف الجوانبن سواء تعلق منها بالجانب الأسري والتعليمي والمحيط الإجتماعي والإقتصادي وغير ذلك من المجالات التي أدت وتؤدي الى بروز هذه الظواهر التي أصبحت تزداد بكيفية مثيرة للإنتباه .
لقد أضحت المدارس تعج بهذه الظواهر التي تبعث على القلق، خاصة وأن مرحلة الطفولة تربة خصبة لاستقبال أي فكرة وانغراسها بسهولة وتحويلها الى أسلوب حياة، وتقبل كل ما يستجيب لعقلية الخروج عن السرب والتنمر وسط المحيطلغرض فرض الذات عبر إشهار التميز حتى ولو كان هذا التميز بإظهارلا بعض المفاتن أو ارتداء صنف من اللباس المرقع وحلق مناطق من الرأس فقط وغيرها من المظاهر المخجلة، والأخطر من ذلك حينما نصادف مظاهر انتشار العنف المدرسي من المتعلمين تجاه أساتذتهم وما يقابلونهم من كلام منحط تصل أحيانا الى حد الإعتداء الجسدي، وأصبح بعض التلاميذ يعيقون الحصص لإبراز الذات بين زملائهم وتعريضهم للمضايقة من خلال التشويش وعدم الإنتباه والسخرية وعدم الإمتثال للدرس وغيرها من الأساليب التي تحط من قيمة التلميذ والأستاذ معا، في غياب دور الأسرة وجمعية أولياء وآباء التلاميذ، التي من المفروض أن تساهم في تطويق هذه الظواهر التي تنتشر في الأوساط المدرسية بكيفية تؤثر على العملية التعلمية والتعليمية.
في فترات تعليمنا خلال مرحلة السبعينات والثمانينات كنا نتعرض ليس فقط الى عقوبات وإنما الى ما يشبه ( تعذيب) من قبل بعض المدرسين الذين كانوا يبالغون كثيرا في العقوبات، ومع ذلك فإننا لم نكن نجرؤ على إخبار أسرنا بذلك مخافة تعرضنا لضرب مماثل الأمر الذي يفرض علينا التزام الصمت، بالرغم من أن أسلوب بعضهم في الضرب كان مبرحا للغاية ، يفضي في النهاية إما الى مضاعفة الجهود والإجتهاد والمثابرة وبذل كل ما بوسع المرء للحصول على نقطة مميزة أو مغادرة الفصل مخافة التعرض لمزيد من العقوبات وقد تسببت تلك الفترة في انقطاع الكثير من التلاميذ عن الدراسة بشكل نهائي، وحتى وإن استطاع بعض التلاميذ عرض مشكلهم على أولياء أمرهم فإن هؤلاء غالبا ما يجعلهم يحفزون أبناءهم على مزيد من الدراسة والمراقبة، الأمر الذي يزيد من طاقاتهم وحماستهم في التمدرس والتحصيل.
ليس الغرض من هذه المقالة هو تشجيع العقوبة الجسدية على التلاميذ أو الدعوة الى عودة ذلك الأسلوب العنفواني في التعامل مع التلاميذ، بل إبراز مظاهر القوة والضعف بين مرحلتين، وفي سياقين اجتماعيين مختلفين،وفي المحصلة الأخيرة كيف كانت استفادة التلاميذ الثقافية والمعرفية والمكانة الرمزية التي كان يحتلها الأستاذ، خاصة وان جيل تلك المرحلة كان متميزا بتفوقه الثقافي واتزانه الأخلاقي، وأصبحت الطفولة حاليا تتشرب من قاموس العنف واللامبالاة والتنمر داخل الفصول بعدما تمت تقليص صلاحيات الأستاذ في ممارسة حد أدنى من العقوبة والتهذيب في ابسط صورهما، حتى أصبح مجرد النهر لتلميذ مشاغب في الفصل ومشوش بل ومعتدي على الآخرين يعد اعتداءا ، الأمر الذي فسح المجال لانتشار ثقافة الضحية والتباكي لمجرد غسداء النصح تفاديا من ضياع الزمن المدرسي وفوات الأوان.
عودء على بدء، ففي اعتقادي أن هذه الظاهرة التي أصبحت انزعاج الأسرة التعليمية مردها عوامل كثيرة، لعل أولها يبتديء من الخلية الأولى وهي أسرة الطفل وأولياء أمره الذين يفترض فيهم القيام بواجبهم الأسري في حث أبنائهم على التمدرس والتحلي بقدر من احترام مدرسيهم ومحيطهم مع متابعتهم ومراقبتهم في مدى إنجازهم للتمارين المنزلية وبذل مجهود في مراقبتهم في المحيط الإجتماعي الذي يؤثر سلبا على مردوديتهم وتكوينهم، وبعدها المدرسة التي تستقبل الطفل قصد إكسابه لمهارتي القراء والكتابة والإغتراف من مختلف المعارف بالشكل الذي يجعله منخرطا في منظومة التربية والتعليم وسهر الأستاذ على تقديم المعلومة وتبسيطها بما يجلعها في متناول الطفل، عبر توفير مقررات ميسرة ومشجعة على التلقين والفهم، كما يجب على جمعيات آباء وأولياء أمور التلاميذ النهوض بدورها في التحسيس في أوساط الطفولة والتلاميذ، لإدماجهم في ثقافة التمدرس والتواصل مع محيطهم الإجتماعي للرقي بالوعي الأسري ومخاطبتها كطرف اساسي لتفعيل وتكملة دور المدرس في تكوين ونشأة الطفولة والشباب بما يجعله قادرا على النهوض بمسؤوليته كجيل مقبل على الحياة بعيدا عن مظاهر الغش والكذب والتنمر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو