الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستبداد منا وفينا

نورجان سرغاية
كاتبة وناشطة مجتمع مدني

(Nourjan Srghaieh)

2021 / 12 / 3
المجتمع المدني


تتجلى مظاهر الاستبداد في حيواتنا منذ أن نبصر النور وترافقنا إلى النهاية ما لم نخلع ردائها. وغالبا تتزامن ولادة أولى بوادر الرفض والتحدي للاستبداد في كنف الأسرة، حيث يقوم الأب صاحب العقلية القمعية "كلمته ما بتصير أتنين" بدور الموجه ويمارس في نطاق الأسرة صلاحياته المطلقة عن دراية أو جهل، يتدخل بكل صغيرة وكبيرة لدرجة أنه يحدد شكل تسريحة الشعر المناسبة لبناته وبنيه. يصغي باهتمام لآراء الأقرباء من أعمام وأخوال وبعض الجيران، بل وحتى نادل المقهى الثرثار. وفقا لذلك هو وحده الذي يحدد ما هو السلوك السوي، وبذلك يُجنب العائلة القيل والقال لئلا تلوكها الألسن، وإلا (شو بدهم يقولو عنا الناس).
وكذلك تفاديًا لِلَكْمةٍ موجهة من فوق سبع سماوات تهوي بنا من قمة عرش الأخلاقيات المصطنعة إلى القاع. هكذا طفولة تُغرس فيها بذرة طأطأة الرأس لابد وأن ينتج عنها مجتمع مفصول عن معنى الحرية، وينمو المستبد في دواخله بالتدريج في كافة مراحل حياته: المعلم والتلاميذ، ذوي السلطة على الدهماء، الأغنياء على الفقراء، الوزراء اللصوص وكبيرهم على الشعب، يكبر ويكبر في داخله الحجاج وتستمر أشكال مصادرة أبسط أشكال حرياته الإنسانية، وصولا لترويضه ودون عناء يتقبل اللامنطق ويتنازل عن جزء كبير من أناه ويموت النزوع للحرية فيه، ويصبح فردا قابلا للتدجين.
وفي مرحلة ما تبدأ معركة صراع في وعينا تطرح بضع اسئلة بإلحاح مفادها عدم تقبل فكرة "انصياع الخراف" والتي تقودنا طواعية لمذبحة اللاوجود، تلك هي نقطة الاستيقاظ، لكنها غالبا استفاقة رعناء غير منظمة تختلط فيها هرمونات الحياة فلا نستطيع تحديد الأولويات، وتتجذر فكرة رفض السائد لمجرد الرفض... وقد تبلغ بنا الجرأة على إشعال سيجارة، ننفث دخانها دوائر…تحملنا حلقاتها إلى الإمساك بأول التحدي وبداية الثورة على الواقع المريرٍ. نتوهم أن إثارة غضب ذلك الحجاج نصرا لنا دون أدنى تفكير بالعواقب، انه تفكير طفلٍ أغضبه حيازة الكبار لقرار توقيت نومه واستيقاظه.
مما سبق على صعيد الأفراد، ومجموعه يشكل سمة المجتمع، هذا ما يفسر الكم الهائل من التعداد السكاني في المشرق يقابله تصحر ثقافي وعلمي وغياب شبه تام لروح الابتكار -إلا ما رحم ربي- كما لم ينعم شرقنا العقيم من انتاج أي فكرة تحرره من جلاده.. واقصد هنا (ذاته) المكبّلة بثقافة الاستبداد… ديمقراطيته المزعومة تتناغم طردًا مع ايديولوجيته الطائفية والعرقية والاثنية، ولكي يُنتِج مفهوم المواطنة والعيش المشترك عليه إعادة صياغة دستور عقلي ونفسي سوي لذهنية وسلوك يتوافقان ومتطلبات التغيير والحرية والعدالة. وما سوى ذلك ستظل الثورة على المثبطات عبارة عن "اشعال سيجارة" ونفث دخانها بدوائر...!
مازلنا كأفراد متورطين بتشويه الإنسان فينا، نستسيغ بل ونشجع التمييز ضد الآخر الديني والعرقي والاقتصادي والاجتماعي، وننزع عنه كل قيمة أخلاقية وإنسانية ووطنية، لكننا نسبغها على من يوالينا فقط.
لا شك التغيير قادم شريطة أن نعي ونؤمن بأن حرياتنا تمثل الركيزة الأساسية لتطورنا، آنئذ نبدأ بالتغيير وفقًا لمعايير المصالح المشتركة مبصرين متبصرين.
https://www.facebook.com/nour.jan.58152/
2/12/2021
لندن – المملكة المتحدة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في


.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال




.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال


.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار




.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم