الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصتي مع الدين وأسباب تركي للإسلام.

راش أودين
أحد أعضاء مبادرة مسلمون سابقاً التطوعية لخدمة المجتمع اللاديني في العالم العربي.

(Rush Odin)

2021 / 12 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في البداية كانت الظُلمة ثم كانت أمي. منذ صغري وأمي تحاول تعريفي بالله والإسلام، وكنت أسألها من خلق الله فترد علي لو كان هناك خالق لله فسيكون هو الإله الحقيقي وتحذرني من هذا السؤال وتخبرني أن عليّ الإستعاذة من الشيطان عندما أفكر به. كان والداي يعلماني الصلاة و كانا يحذراني أنه عندما أبلغ العاشرة فسوف يضطرون لضربي امتثالا لتعاليم الرسول محمد، فكنت أتمنى ألا أكبر. رغما عن أمنياتي ومناجاتي سرعان ما كبرت وحصل ما كنت أخشاه لقد بدأوا بضربي لأجل الصلاة وكنت أحس بالإهانة والقهر خاصة أن لدي نية للصلاة طوعاً فكنت أصليها جميعا عندما يغفلون عني لكنهم يريدون مني أدائها في نفس لحظة طلبهم إيّها مني. إلا أني كنت أعاند احتجاجا وغضبا ولعدم مقدرتي على الالتزام بوقت محدد بدقة. أليس الله موجود طوال الوقت ولا ينام؟ عنادي جعلهم يواصلون في ضربي أكثر وحبسي في غرفة بعد مصادرة ألعابي وتمُر عليَّ ساعات من الملل والشعور بالعجز. في النهاية كنت أصلي وأنا أبكي وصل بي الأمر أن أمثل بأني أصلي لكي لا أخضع لهم فقد يستطيعون اخضاع جسدي لكن لا أحد يمكنه الوصول لأفكاري أو هكذا كنت أظن. شعرت بغضب تجاه النبي محمد، وكنت أعاتبه في رأسي قائلاً لماذا أخبرت والداي بأن عليهم ضربي؟! بعد زوال الغضب كنت أشعر بالخوف لأنه من المفترض مني أن أحبه وأشعر أني شخص سيء للتفكير بذلك خاصة أنه كان يتيم وكان لا يجد ما يأكله في معظم الأوقات وكانت قريش تضطهده حسب القصص التي كنت أسمعها من عائلتي والقنوات الفضائية. عندما كنت بمقربة من الفرن ذات يوم، قالت لي أمي أن الله سيلقيني في فرن أكبر من هذا إذا عصيته، لتبدأ كوابيسي وتم بذر بذرة الخوف من الله فيني.

أخبروني أنني عبد لله. لم أكن أستسيغ فكرة أن أكون عبد لأحد وكانت تشعرني بالمهانة فحاولوا أن يقنعوني أن العبودية لله وحده هي أكبر تكريم لكن هذا لم يغير حقيقة ما كنت أشعر به رغماً عني تجاه فكرة أن جسدي ملكية لشخص آخر، حتى لو كان ذلك الشخص الآخر إله. مع الوقت أصبح والداي يضرباني على صغائر الأمور مثل عدم الأكل، التأخر على النوم، كتابة الواجبات، المذاكرة، نتائج الاختبارات، نعومة صوتي الطفولي… باختصار يضرباني عندما أرفض لهما أي طلب أو أقول لهما لا أو لا أحقق توقعاتهما ويقولان أني سأشكرهما على هذا عندما أكبر وأنهما يفعلان ذلك لمصلحتي. كان من عادتي أن أبكي قبل النوم على وسادتي وأنا أشتكي لله عن العنف الجسدي واللفظي الذي واجهته في ذلك اليوم ليس فقط من والداي، بل الكثير من الذين يكبرونني سناً الذين يطلقون ألسنتهم وأيديهم بدون أي اعتبار لمشاعر الآخرين. كنت أسئل الله لماذا خلقتني هنا؟ لأني أشعر بقوة أن البيئة التي أعيش فيها لا تناسبني.

قصتي مع الضرب لم تختلف كثيرا في المدرسة، بل ربما تكون أسوء فكان المعلمين يضربون كل الطلاب إذا كان أغلبية الصف مشاغب ويبررون ذلك بأن الشر يعم والخير يخص. باختصار كانت المدرسة مكان مرعب وكنا أطفال خاضعين بلا كرامة، فالمدرس دائما على صواب ويفعل ما يحلو له وقد يرسل أحد الأطفال لشراء سجائره لكن غالبا ما يستخدموا الأيتام أو أبناء الفقراء كيلا يدخلوا في مشاكل مع آبائهم. كان عدد الحصص الدينية في المدرسة أكثر من الحصص غير الدينية، بل أن الكتب التي من المفترض أن تكون غير متعلقة بالدين كانت تحتوي على البسملة وآيات قرآنية وأحاديث نبوية وذكر لله. كانت لدي مشكلة مع حصص القرآن والأحاديث والشعر العربي لأن المدرسين كانوا يجبروننا فيها على الحفظ، أو نقابل بالضرب وهذا كان يأخذ الكثير من وقتي عندما أغادر المدرسة ولا أجد وقت لفعل الأشياء التي أريد فعلها أنا. لكن هذا لم يكن شيء مقارنة بحين أراد والداي أن يكون لهما تاج في الجنة على حسابي بحفظ كامل القرآن. توقفت مع الوقت عن المقاومة وأصبحت حياتي عبارة عن محاولة لإرضاء الآخرين وعلى رأسهم الله، لدرجة أنه كان يضرب بي المثل في الأسرة حيث أني كنت أكثرهم تديناً، وفي مدرستي كنت إما الأول أو الثاني على جميع زملائي.

كانت المنافسة محتدمة بيني وبين صديقي المقرب. أخبرني صديقي ذات يوم أنه اكتشف شيء مثير للاهتمام ويساعده على الحصول على درجات عالية في الاختبارات وهو الدعاء العكسي. أن تدعو عكسياً يعني أن تطلب من الله تحقيق عكس ما تريد منه تحقيقه، وفي حالتنا بأن نطلب منه في دعائنا بأن يعطينا درجات متدنية في اختباراتنا وهذا العكس تماماً لما نريد الحصول عليه. قررت ان أجرب هذه الطريقة فربما تنجح بعد أن لاحظت أن الطريقة التقليدية في الدعاء لا تنجح كل مرة. لقد دعوت الله بالرسوب وفعلاً حصلت على درجة كاملة. كررت الأمر وكنت أدعوا الله في كل مرة بأن أحصل على صفر ويتحقق العكس كما أخبرني صديقي لكن مع الوقت أصبحت هذه الطريقة لا تختلف عن الأولى في كونها لا تنجح كل مرة، بل أصبحت قادراً على حساب درجاتي مسبقاً قبل إعلانها واعرف ما إذا الدعاء سيتحقق أم لا بناء على أشياء لا علاقة لها بالدعاء.

رغم بعد المسجد عن بيتنا كنت أحاول أداء جميع صلواتي فيه. كنت أشتري جميع الأشرطة والكتيبات الدينية وأحضر حلقات العلم الشرعي وسجلت بشكل رسمي في دار تحفيظ قرآن. لانتظامي في حضور المسجد كان يوكل إلي أداء الأذان أحياناً وكوني من الحفاظ يتسنى لي إمامة الناس في أحيان أخرى. في رمضان كنت أواظب على حضور صلاة التراويح والتهجد، وكنت ألاحظ أن المصلين من حولي يبكون عند آيات العذاب والنعيم أو التذكير بالموت لكن ليس أنا. مع هذا كنت غالباً أنضم إلى بكائهم ليس لأن الآيات القرآنية مؤثرة لدرجة البكاء، بل لأني أتعاطف مع من حولي وأشعر بمشاعرهم. لأني كنت أذهب إلى المسجد لأحفظ القرآن وكثير من الأحيان أكون الوحيد الموجود فيه خاصة عندما أكون صائم تعرضت للتحرش إما عن طريق المبالغة في تقبيل وجنتي من قِبل أشخاص كبار في السن أو من قِبل أطفال من أسر فقيرة يقومون بلمسي بدون إذني أو من رجال غرباء يعرضون علي ركوب سيارتهم بشكل مشبوه وأنا في طريقي إلى المسجد. كنت أسئل نفسي لماذا يحدث لي هذا هل نسيت أذكار الصباح أو المساء؟ هل نسيت أذكار الخروج من المنزل؟ ألم أصلي الفجر في جماعة؟ كان من المفترض أن أكون في حماية الله!! كان هذا يزعجني كثيراً ولم يكن لدي شخص أشتكي إليه لأني كنت متأكد أن والداي سيضربانني إذا علما بهذا.

في يوم من الأيام وأنا أشاهد برنامج تلفزيوني عن الإعجاز العلمي في الإسلام وكانت الحلقة عن الجهاز التناسلي. لكني انصدمت أنى لم اسمع عن هذا الجهاز من قبل ولم ادرسه بعد في المدرسة. بعد أيام من التفكير في الأمر والفضول فتحت حاسوب العائلة وبحثت في الانترنت عن الجهاز التناسلي وظهرت لي صفحات لعيادات طبية تشرح الجهاز التناسلي بالصور والتفاصيل. تعلمت أن هناك فرج وبضر ورحم وقناتي فالوب وبويضات ودورة شهرية وحيوانات منوية. كان ذلك بمثابة الاطلاع على مؤامرة من التعتيم وسر كوني لا يريد أحد اطلاعي عليه. لأول مرة فهمت معنى النكات التي لا يضحك منها إلا الكبار. فهمت لماذا يشعر الكبار بالحرج عند سؤالهم من أين يأتي الأطفال ولماذا تحمل النساء. عرفت معنى الحيض الذي يمنع النساء من الصلاة لكن الذي لم افهمه بعد هو لماذا لا يمكن للمرأة الحائض لمس المصحف؟ فالحيض ليس في يديها، بل في مكان آخر تماماً. والأعجب من ذلك أن المرأة إذا حاضت قبل أذان المغرب في رمضان بقليل فإن كل صيامها في ذلك اليوم يضيع بلا فائدة! لماذا يجعل الله النساء يحِضْن بشكل متكرر؟ هل يريد عقابهن؟ على ماذا؟ ما الحكمة؟ لقد تذكرت تهديدات أبي وعمي المتكررة بالقتل إذا لمس أحدهم مؤخرتي. كانت تلك التهديدات لا تخيفني بقدر ما أحس بالإهانة وأنا لا أفهمها ولا افهم سببها أو ما يسمى باللواط التي يظن والداي انه وباء وعلى الكل أن ينتبه على اطفاله منه.

في مرحلة الثانوية رغم أن مدرستنا تفصل بين الجنسين لاحظت انجذابي لأحد زملائي وكان يبدوا أن ذلك الانجذاب متبادل وهذا كان يخيفني لأنني كنت أعرف العقوبة التي مجرد ان أفكر بها أصاب بالرعب والشعور بالمرض واذهب للنوم بدون أن آكل شيء. استجابتاً لهذا ازددت تدينا وبدأت قيام الليل والإكثار من الصيام ومحاولة ختم حفظ القرآن بشكل أسرع حتى اجهدت نفسي وانهارت صحتي بعد أن حرمت نفسي من النوم الطبيعي لفترة طويلة لكني قلت يستحيل أن يكون هذا لأني أطيع الله وأتقرب إليه، وزاد الطين بله أن اخبرني شيخي انه أصابتني عين حاسد. أكملت حفظ القرآن لكن درجاتي في المدرسة تأثرت سلبياً وسألت نفسي هل الله يعاقبني لأني أفعل الشيء الصحيح؟ هل هذا ما يسميه الناس بالابتلاء؟ كوني لا انجذب فقط إلى نفس جنسي بل الى الجنس الآخر أيضا قررت أن أتزوج لكن اتضح لي ان هذا كان أصعب مما توقعت ويحتاج للكثير من الجهد والمال والمسؤولية ومازلت أحتاج لإكمال دراستي أولاً ولا ننسى وجود شباب في مجتمعاتنا العربية في الثلاثينات أو الأربعينات بدون زواج وضاع شبابهم بدون تجربة الحب والعلاقات العاطفية بسبب التزمت الديني الذي يخدم الأغنياء فقط الذين يتزوجون مثنى وثلاث ورباع ويطلقون متى ما شاءوا ويستخدمون المرأة كسلعة بينما الشباب والشابات العاديون إذا أحبوا بعضهم البعض يتم جلدهم أو تعريضهم لأنواع العنف مثل جرائم الشرف.

رغم أن أمي كانت تشارك في تعنيفي لم تكن بقدر عنف والدي الذي يصل إلى التفنن في التعذيب والتهديد بالقتل، بل كانت تدافع عني منه في كثير من الأوقات لكنه لا يعطي لها أي قيمة أو اعتبار، بل يتهمها بأنها ستجعلنا ضعاف وبلا تربية. كثيراً ما يكون عنف والدي اللفظي موجه إلى أمي ودائماً ما يجد شيء لينتقدها به مثل رفع صوتها أو علو صوت ضحكاتها لأن الرجال الأجانب سيسمعوه أو تأخر الأكل أو طعم الأكل أو كوي ملابسه إلخ. لم أكن أفهم أسبابه والشيء الوحيد الذي أفهمه الآن أن أبي كان يحب كل شيء أن يكون مثالياً مما جعل حياة كل من حوله صعبة. تعاطفي كان دائما مع أمي كان يؤسفني أنها تحتاج أن تطلب المال من والدي وتحاول أن تقنعه بأهمية الشيء الذي تريد أن تشتريه وكأنها طفلة مثلنا تحاول اقناع ولي أمرها بان يعطيها شيء من المال. كان يؤلمني عندما تحتاج أمي لإذن من والدي للخروج من البيت وكيف أبي يحول البيت إلى جحيم إذا نسيت أمي الاستئذان عند الذهاب لزيارة أهلها فقط لبضع ساعات في وقت فراغها وأحياناً لا يعطيها الإذن كعقاب لها أو ليثبت سلطته عليها. ذاكرتي عن امي أنها امرأة مظلومة كثيرة البكاء كنت ومازلت أشفق عليها. عندما كانت امي تحاول الهرب إلى بيت أهلها يخبروها أنه ليس لديهم ابنة تترك بيت زوجها وأن هذا سيؤثر على سمعتهم ويحرم أخواتها من الزواج. لم تكمل أمي دراستها رغم تفوقها بسبب تشدد والدها ورغبته في تزويجها مبكرا والضغط عليها لقبول الزواج أو التبرؤ منها. عندما مات والدها لم تنل أمي قسمتها من الميراث لأن أخوتها من الأولاد يتهربون من إعطائها نصيبها رغم انه نصف نصيبهم. لقد آلمني عندما اخبرتني أحد أخواتي انها تتمنى أن تكون ولد لأن جنسها الأنثوي حرمها من الكثير من الأشياء التي تريد فعلها. أختي الأخرى لها أمنيات جداً بسيطة مثل امتلاك دراجة نارية. لكن لأن أسرتنا متدينة وتقليدية محكوم على النساء السجن المؤبد في البيوت ولا يتم إخراجهن من البيت إلا بحراسة مشددة أثناء تواجدهن تحت طبقات من القماش القاتم والخانق عندما يكون الحراس متوفرين ولا يمانعون ذلك.

إني أحب والداي وأدرك أني جداً محظوظ بوجودهما معي مقارنة بآباء الكثير من أقراني الذين حكوا لي قصصهم المأساوية. أعرف أن حب والداي لي حقيقي، لكن هذا لا يعني أني أتقبل او ابرر العنف، بل سأدافع عن نفسي واخوتي منه مع الادراك أنهما أيضاً ضحية للمعتقدات الخاطئة والبيئة القاسية وأتمنى ألا أصير مثلهم وألا أكرر أخطائهم بل أتعلم منها. من الأشياء التي أعذر بها والدي أنه عاش طفولته يتيماً ولم يرث إلا القليل من والده لأنه مات قبل أن يرث شيء من أبيه هو الآخر. لقد كان والدي مضطراً للعمل لإعالة أسرته في سن صغير لأن في الشريعة الإسلامية لا يرث الحفيد اليتيم من الجد إذا كان له عمومة وهذا طبعا ما غيرته الدولة بالقانون لاحقاً لكن أسرتنا لم تستفد من التغيير الجديد ولا تحتاجه الآن. يكفي أن الكثير من الأسر الأخرى ستستفيد منه.

طوال تلك السنوات كنت ما أزال أتساءل لماذا الله موجود؟ كيف جاء؟ إذا نحن خلقنا الله فمن خلق الله؟ لم تقنعني الإجابات التي كنت أسمعها رغم أنى أرغب في تصديقها وأظن أن هناك جواب فعلا لكني لم أجد الشخص الصحيح لأسأله. لقد تعودت على ترديد الأذان بعد المؤذن وعندما يأتي قول "أشهد أن محمد رسول الله" أسأل نفسي هل حقاً أشهد؟ كيف أعرف أنه رسول الله؟ كل ما درسته عن الإسلام لم يقنعني، ولكني كنت اقول لنفسي في يوم ما سوف أفهم وساجد الجواب الذي يقنعني. عندما درسنا أن عقوبة الثيب الزاني هي الرجم حتى الموت لم أفكر بالأمر كثيرا فقط شعرت بشيء من الخوف والحيرة لأن القرآن كان يصور الرجم كعقوبة ظالمة وبشعة يتعرض لها الأنبياء عندما كانوا يبلغون رسالتهم. في المسجد كنا ندرس أحاديث الأربعين النووية وكان أحدها "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" وهو حديث رواه البخاري ومسلم. كنت أسأل عندما أتذكر قصص كفار قريش الأشرار الذين كانوا يضطهدون المسلمين الأوائل لأنهم تركوا دين آبائهم وجاؤوا بدين جديد كيف يصبح المسلمين يقتلون من ترك دينهم وفارق جماعتهم وبالتالي يفعلون شيء لم يفعله كفار قريش. لابد ان هناك شيء لم افهمه لابد أن أحدهم لديه جواب مقنع وتلك الاجوبة التي لم تقنعني هي إما إني لا أفهم أو المسؤول لا يعلم. كان هناك حديث آخر كان مرعباً لي وهو فيما معناه أن الأعمال بالخواتيم وأن الشخص إذا فعل الخير طوال عمره وأخطأ في آخرها فان الله يجحد كل عمله الصالح ويدخله النار لأجل العمل الذي مات عليه. كنت أتحسر وأقول في نفسي ربما لو كان عمر ذلك الشخص أطول لتاب بعد تلك المعصية وما كان عليه أن يدخل النار. أليس الموت من أقدار الله؟ لماذا قد يقدر الله على شخص أن يموت على معصية ويحرمه من فرصة التوبة؟ لماذا لم يجعل موته مبكراً وهو مازال على طاعة؟ هل هو يريد إدخاله النار؟ كان هذا شيء مرعب لي ويجعلني اوسوس هل صليت الفروض وأحيانا أصلي الفرض أكثر من مرة لكي اتأكد انه لم يفتني وألا أموت تاركاً للصلاة. بسبب خوفي الشديد من الله كنت اتجنب الاغاني وعندما أسمعها بشكل عرضي اشعر بالضيق و ابدا بالاستغفار بينما اختي كانت تحب الاغاني وتستمع لها رغم نصائحي المتكررة لها محاولاً تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مزعجاً به حتى والداي حيث انقلب السحر على الساحر وأصبحت أكثر التزاما بالدين منهما ومدركاً لمواطن تقصيرهما.

لا أخفي عنكم أن أسرتي كانت شيعية لكنها لم تختلف عن بقية الأسر، بل كانت أفضل حالا من معظمها. لقد تحولت للمذهب السني في سن مبكر لأن مدرستي ومسجدي كانا على المذهب السني. كان يعجبني درس التوحيد الذي ينتقد لجوء الناس لأشياء لا تضر ولا تنفع ولا تسمع ولا ترى وهذا نفس الشعور الذي وجدته لاحقا في الإلحاد الذي يعري جميع الأديان لكن بدون معايير المذهب السني المزدوجة. لقد نفرت من تقديس الشيعة المفرط لآل البيت لنسبهم فالنسب لا ينبغي أن يكون مهماً، بل العمل الصالح. طبعاً لاحقاً أدركت أن السنة أيضاً يقدسون البشر فمثلاً الصحابة كلهم عدول ولا يجوز الجرح فيهم وتأخذ كل أحاديثهم ويعتبرون قرنهم خير القرون ويتجاهلون أخطائهم. بالإضافة إلى أن معظم السنة يعتبرون الناس تبعاً لقريش والخلافة محصورة فيهم. لكن حينها كنت أثق بالمدرسة أكثر من والداي فعندما تتناقض التعليمات فلابد أن تختار ان تستمع لأحدهم خاصة عندما تكون طفل لا تعرف ما هو الشيء الصحيح. كانت المدرسة مقنعة لأنهم يأتون بأشياء مشابهة لما تعلمته من والداي بتفاصيل أكثر وهذا ما أشعرني أنهم يعرفون أكثر. كنت اظن ان المذهب الشيعي فقط للناس البسيطة والعاطفية التي تتأثر أكثر من اللازم بقصص آل البيت، لكني كنت مخطئ فقد وجدت من أقاربي ومعارفي الشيعة من يحاججون بالأدلة الشرعية ويستخدمون نفس المنطق الديني بطريقتهم الخاصة. لقد اطلعت على انتقادات الشيعة للمذهب السني وانتقادات السنة للمذهب الشيعي وبصراحة بعضها كان مقنعاً لي لقد أدركت بأن هناك عيوب في المذهبين. كنت أدعو الله أن يدلني على دينه الصحيح وطلبت من امي وجداتي أن يدعون لي بالهداية وان اعرف المذهب الصحيح. كنت لفترة مسلم بلا مذهب آخذ فقط التفسير أو الفهم الذي أراه صوابا ولا اهتم بالقائل وهذا جعلني لا اصدق أحاديث الرجم أو قتل المرتد او جهاد الطلب الذي فيه غزو الأمم أخرى عدواناً لنشر الدين أو الأحاديث التي تنتقص من النساء لأني كنت أظنها مفتراة على رسول الله لأنها لا تليق به وتتعارض مع فهمي للدين الذي كنت أراه رحمة وسلام وعدل.

أعترف لكم أن علاقتي الطفولية مع الله لم يكن مقدر لها أن تدوم خاصة بعد اطلاعي على العقيدة والدين الإسلامي بشكل عام واطلاعي على تفسير القرآن أثناء حفظي له. مع الوقت أصبح الله لا يختلف عن والداي والمدرسين الذين إن لم تطعهم فسيضربونك، بل الله أسوأ منهم بأنه يعذبك للأبد. أصبح الله مجرد فزاعة لا يمكنني أن أحبها مهما حاولت. لقد نجح الاسلام في سرقة صديق طفولتي الله وحوله إلى شيء مختلف تماماً. أصبح الدعاء له آداب ورسميات. لم أعد أكلم الله بأريحية كما كنت أفعل. كان يزعجني التساؤل الدائم عن الكفار الذين لا يؤذون الغير، بل يساعدوهم ويحبونهم لماذا من الضروري عليهم دخول الإسلام أولا كي يدخلوا الجنة وينجو من النار؟ أين العدل في أن الناس تولد إلى دين آبائها وإذا ثبتوا عليه في حالة أن آبائهم مسلمين يدخلون الجنة وإذا ثبتوا عليه في حالة أن آبائهم على دين غير الإسلام يدخلون النار؟ أين العدل في أن القرآن بلغة العرب فقط مع أنه للعالمين؟ لماذا يدخل المنتحرون النار إذا قرروا إنهاء حياتهم؟ لماذا يحارب المسلمون العلم فقط لكيلا يعترفوا بنظرية التطور التي تمتلك الكثير من الأدلة على صحتها، بل إنها مهمة في الكثير من التطبيقات الحديثة التي تفيد البشرية. كان يزعجني وجود إباحة ضرب المرأة والسبي وامتلاك ملكات اليمين في القرآن. لم تقنعني أي التبريرات لمسألة أن القرآن جعل نصيب الابنة من الورث هو نصف نصيب أخيها. هل القرآن يشرع لجهاد الطلب؟ لقد اشتقت إلى إسلامي الطفولي البريء وهذا الطريق أوصلني إلى القرآنيين الذين حاولوا حل هذه المشاكل وتجربتي معهم كانت من أعظم التجارب الروحية التي مررت بها لكنها لم تدم طويلاً، وجدت نفسي متهماً في ديني ومضطراً للدفاع عن نفسي وأفكاري من السنة والشيعة. لقد تم اتهامي بالإلحاد والنفاق والردة ويقولون باستحقاقي الحد وتم الطعن في نواياي. أصبحت شيعي خبيث وأصبح أصلي يهودي أو مجوسي في نظر السنة بعد كانوا يمدحون ذكائي وتركي للتشيع واعتناقي لمذهبهم سابقاً ويدعون لي بأكثر الله من أمثالك. كانت معظم حجج السنة والشيعة في بطلان المذهب القرآني ضعيفة وكنت أرد عليها بسهولة لكن بعضها لم أستطع الرد عليها. حاولت التفكير والبحث كثيراً لكن لم أجد ما يقنعني وأخيراً تركت المذهب القرآني بعد ما يقارب العام من اعتناقه والقراءة فيه والمشاركة في نقاشات كنت أدافع عنه فيها كما كنت أدافع عن المذهب السني قبل ذلك. لقد تعثرت على نسختي الخاصة من رهان باسكال من حنين للماضي واستسلام للواقع وانتماء للمجتمع المسلم الذي أعيش فيه، فرغم عدم إيماني ما زلت أتمسك بالإسلام بأداء الفرائض إلا أني بدأت في الدفاع عن حقوق الإنسان بما في ذلك حقوق المرأة والطفل وحقوق الأقليات سواء الدينية أو مجتمع الميم بدون التطرق للإسلام أو انتقاده. لكن رغم ذلك تم مواجهتي بمسلمين يهاجمونني ويستدلون بالآيات والأحاديث التي لست مقتنع بها ولا أستطيع انتقادها وتم تكفيري وتخويني واتهامي بالعمالة وخباثة النية. استمر ذلك الحال لفترة ليست بالقصيرة إلى أن طفح الكيل. لقد أدركت ضرر الدين وخطره. الإسلام من أشد الأديان خطراً لأنه دين شمولي يتدخل في كل شيء ويدعي بأنه صالح لكل زمان ومكان وانسان ويستخدم العنف والتعذيب (الجلد والرجم والصلب وتقطيع الأطراف والرمي من شاهق والغزو والسبي والإرهاب) للوصول إلى مبتغاه.

لقد أدركت أنه بالتمسك بالإسلام والسكوت عنه نخسر أنا ومليارات الأشخاص الكثير، سواء عرفنا ذلك أو لم نعرف. لقد طال بقاء الإسلام رغم كثرة سلبياته وأذيته للأبرياء والمستضعفين بسبب خوف وصمت وجهل وتعصب الناس وربما طمعهم أيضا. الناس الجاهلة لا تهتم بجودة الدين الذي ورثوه من آبائهم فهم خائفون من عذاب النار وطامعون في نعيم الجنة لدرجة طغيان الخوف والطمع على التفكير السليم أو لديهم انتماء وحب شديدان للماضي يعمي بصائرهم. الناس المتعلمة تخاف من ارهاب الحشود الغاضبة والتنظيمات الارهابية التي تعمل وسطهم وتجند أبنائهم. تخاف من تلك الحشود التي لا تريد من أحد المساس بأوهامها أو الاشارة إلى بشاعتها وتخاف أيضاً من أن الحكومات ستقدمهم ككبش فداء لتلك الحشود لإرضائهم وصرف انتباههم عن فسادهم وعدم كفاءتهم. وفوق هذا يحزنهم خوف من يحبون من المؤمنين عليهم، لأن المؤمنين من أحبتهم يعتقدون أنهم ذاهبون إلى النار ويحزنهم تخييب آمالهم. كذلك يخافون على وظائفهم وممتلكاتهم ومناصبهم. كثيراً ما يحاول البعض الدفاع عن الدين والقول بأن الدين بريء من تصرفات الناس وأنها تعود للبيئة والثقافة ويتناسون أن الدين هو من أهم المؤثرات في البيئة والثقافة خاصة كلما زاد تدين الناس وهذا الحاصل في البلدان العربية.

لقد أصبحت ربوبي لاديني دون أن أعرف عن الربوبية من قبل. لقد نجح المسلمون في إخراجي من الإسلام… لم يتطلب الأمر ملحد واحد فلم أكن اتابعهم أبداً وكنت من النوع الذي يقوم بحظر أي صفحة تنتقد الإسلام لهذا لم اتعلم سريعا واحتجت الى رحلة طويلة للنجاة من الشرائك الفكرية التي نصبت لعقولنا بداخل الدين الإسلامي وهو ليس متفرد بها، بل هي في كل الأديان كما اتضح لي لاحقاً. المسيحية دين جميل من الخارج إلى أن تقرأ الكتاب المقدس لتدرك أن المظهر زائف. رغم أن المسيحية حاولت أن تجعل الله أكثر انسانية بانه نزل إلى الأرض وذاق طعم المعاناة ويبدو أنه أحب المعاناة لهذا قرر أن يموت على الصليب بدلاً أن ينقذ نفسه. لسوء حظنا لم يتعلم الإله من تجربته لهذا نجد أن مسلسل المعاناة لم ينتهي. نحن لا نريد إله يعاني، بل نريد إله رحيم بما فيه الكفاية لينقذ الناس من المعاناة وللأسف المسيحية زادت معاناتنا بحروبها الصليبية واضطهادها للعلماء ومحاربتها للعلم وحرقها للأبرياء بتهمة السحر الذي لا وجود له إلا في عالم شبيه برواية هاري بوتر ولا ننسى محاكم التفتيش وحربهم على مجتمع الميم. المسيحية هذه الأيام تم ترويضها جزئيا ونرجو أن يتم ترويض الإسلام كذلك عاجلاً. حتى بعد الترويض لا يمكن الثقة بطبيعتهم الوحشية فيمكنها العودة في أي وقت. مع هذا أنا دائما مع الحقوق الإنسانية للأقليات المسلمة والمسيحية المضطهدة في كل مكان حتى لو اختلفت مع معتقداتهم.

الربوبية لم تدم معي طويلاً لأني قد تعلمت من تجاربي السابقة ألا أترك معتقداتي بدون محاولة فهمها ونقدها وقد تعلمت أهمية النقاش المطول مع من يختلفون معي فكرياً لكي أعرف مواطن ضعف أفكاري ومعتقداتي. بعد التمحيص تبين لي هشاشة الحجج الكونية والتصميم الذكي وعدم قدرتها على إثبات وجود خالق عاقل فضلاً عن إله خاصة أن الإله لا يفسر وجود الكون لأن وجود إله يبقى بلا تفسير بل إن الحجج التي يستخدمها المؤمنين لضرورة وجود خالق للكون تنطبق أكثر على وجوب خالق لخالق الكون لأن لديه ذكاء بالغ في التعقيد حسب تصويرهم له. لقد سألت نفسي لماذا علي أن أؤمن بشيء لا يمكن إثبات وجوده؟ لوكان علي أن أؤمن بالأشياء التي لا يمكن اثبات وجودها إلى حين إثبات وجودها فعلي ان اصدق كل ادعاء مثل التنانين وحوريات البحر وبابا نويل، وهذا شيء سخيف بالنسبة لي. طبعا قبل ذلك لم أكن أؤمن باله الأديان الابراهيمية بسبب الصفات والكلام والتشريعات الذي ينسب له وتجعله متناقض لدرجة استحالة وجوده عقلاً. أنا لا أثبت عدم وجود إله كما أني لا أثبت عدم وجود التنانين بل اترك الايمان إلى حين أن أجد دليل صحيح على وجودهما.

لا يخفى على شخص عاش في بيئة مسلمة كثرة ادعاءات الإعجاز في الإسلام. منها ادعاءات الإعجاز العلمي التي تقوم بتأويل نص ديني لمناسبة اكتشاف علمي حديث ثم يقولون أن القرآن أو السنة جاءا بهذا قبل ١٤٠٠ سنة رغم أن المفسرين الأوائل لم يفسروا القرآن بهذا الشكل وإلا نسبت تلك الاكتشافات لمحمد من البداية. نسأل أنفسنا أيضا لماذا انتظر المسلمون للكفار أن يقوموا بإعلان اكتشافاتهم لاكتشاف الإعجاز العلمي؟ لماذا لم يستخدموا القرآن للتوصل لتلك الاكتشافات قبل الكفار؟ عندما يقوم أحدهم بتفسير النصوص على هواه بدون أي معايير فسيجعل النص بإمكانه أن يعني أي شيء. هناك الكثير من المبالغة عند تصوير أن تلك المعلومات الموجودة في النصوص الدينية يستحيل معرفتها في ذلك الزمان وكأن بشر ذلك الزمان بلا عقول ولا يمكنهم ملاحظة العالم من حولهم ولا يجيدون فعل شيء. إن السبق في الاكتشافات العلمية ليس دليل على النبوة وإلا كل من فعل ذلك هو نبي!! كونك لا تعرف كيف اكتشف شخص شيء معين أو فكرة معينة لا يعني أنه يتلقى الوحي بالضرورة. حتى لو كان وحي من قوى خفية ما الذي يجعل تلك القوة هي الله الذي خلق الكون بالتحديد إذا كان بمقدرة بشر هذا الزمان التوصل إليه بدون وحي فهذا يعني أن إمكانية معرفة هذا ليس محصور بالله، بل إذا وسعنا مخيلتنا ربما يكون ذلك من فعل الفضائيين أو بشر يسافرون عبر الزمن أو كائنات اسطورية غير الله مثل الشيطان والجن. ماذا عن الأخطاء العلمية في النصوص الإسلامية؟ مثلاً القول بأن الشمس تغرب في عين حمئة أو أن النجوم زينة ورجوم للشياطين أو أن الله ينزل في الثلث الأخير من الليل مع أن الأرض كروية وتدور حول نفسها وغيرها من الأخطاء. إن شهادة مجموعة من الناس بأنهم رأوا معجزة ليست حجة على من لم يشهدها فاحتمال حدوث المعجزة أقل بكثير من احتمال تآمر الشهود على الكذب أو يكونوا مدفوعي الأجر أو أنه تم خداعهم أو أن تكون قصة شهادتهم ملفقة من الذين جاؤوا بعدهم فحتى من عرف عنه الصدق قد يكذب. أليس مثيراً للشك أن المعجزات الرائعة لا تحدث إلا في الماضي ولا يراها إلا جمع بسيط من الناس ولا تتكرر لكل من يريد أن يراها؟

إضافة إلى كل ذلك القرآن ذاته ينفي أن محمد كان له معجزات بعد الكثير من المطالبات بها من كفار قريش الذين لم يؤمنوا به ولم يكن بلاغة القرآن حجة مقنعة لهم ولم يؤمن أغلبهم -وهم قومه- إلا بعد أن غزاهم وأخضعهم بالسلاح. إن التلاوات المؤثرة للقرآن تدل على جمال صوت القارئ وموهبته في توصيل مشاعره وكذلك جمال اللغة العربية وليس ذلك دليل على صحة محتوى القرآن. حتى لو كان القرآن مميز في النهاية هو مازال يستخدم لغة البشر وكل كلمة فيه بشرية وبالتالي أي كتاب يستخدم تلك الكلمات العربية هو أيضا كتاب عربي آخر. إن التحدي الذي يطلب من الناس بالإتيان بمثل القرآن وادعاء أن الناس عجزوا عن الإتيان بمثله وادعاء أن عدم الإتيان بمثله يعني أن القرآن وحي من عند الله هو كلام طفولي وسأشرح لكم لماذا بالأمثلة. تخيل ان يطلب منك أحدهم أن تأتي بكتاب مثل أحد كتب شكسبير؟ كيف تفعل هذا؟ فلنقل إنك كتبت كتاب واستخدمت نفس الكلمات المستخدمة في كتاب شكسبير هل هذا يعني انه مثله؟ من يحكم انه مثله إذا كانت أذواق الناس لا تجتمع على شيء واحد. خاصة أن كتب شكسبير الناس متعودة عليها ومشهورة وربما لديها ذكريات جميلة معها من الطفولة وتكون المنافسة معه غير عادلة!! هل عدم إتيان الناس بمثل كتاب شكسبير يعني أنه نبي يوحى إليه؟ طبعاً لا، وهذا ينطبق على القرآن بالإضافة إلى أن جميع الدول الناطقة بالعربية تحت سيطرة المسلمين ومحاولة تقليد القرآن سيعرض صاحبها للقتل بتهمة تحريف القرآن ولا يسمح لها بالنشر أو يتم اتلافها وبالتالي لا تصل إلينا. أخيراً إن الادعاء بأن نصوص الإسلام تنبأت بالمستقبل بشكل صحيح يعتمد على تحويل مقاصد تلك النصوص لتوافق أحداث أو أشياء في حاضرنا لكن النصوص تلك لم تذكر تفاصيل ولم تحدد زمان معين. بإمكان أي شخص أن يضع مجموعة من النبوءات الخالية من التفاصيل ثم يترك الزمن ليغير أو يكرر الكثير من الأشياء ليبدو الأمر أن الكثير من تلك التنبؤات تحققت والتي لم تتحقق سيظن أتباع ذلك الشخص أنها ستتحقق أيضا في المستقبل وبهذا الشكل لا يمكن إثبات أن هذا الشخص على خطأ أبداً. إذا قلت لك إنها ستمطر دون تحديد زمن فاحتمالية تحقق نبوءتي هي ١٠٠% وهذا يشمل أي شيء ممكن فيزيائيا إذا أعطيناه وقت كافي. كثير من الناس تنبأوا بالكثير من الأشياء في الماضي وتحققت وهذا لا يعني أنهم أنبياء ولا يعني أنهم كانوا يعلمون المستقبل يقيناً وإنما استخدموا الحاضر لتوقع المستقبل. يكفي مثالاً تنبؤ بيل غيتز بوباء فيروس كورونا قبل أن يحدث. هل بيل غيتز يتلقى الوحي بالضرورة؟ طبعاً لا.

البعض كذلك يعتقد أن إعلان بعض الأجانب اعتناقهم للإسلام يعتبر دليل على صحته. لكن دخول دين عن قناعة لا يعني أن الأسباب التي أُعتُمد عليها للدخول عقلانية. هناك أناس يدخلون في العديد من الأديان عن قناعة. هل هذا يعني أن تلك الأديان بالضرورة صحيحة؟ طبعا لا. الحقيقة لا تعرف بعدد متبعيها بل على الأدلة التي تستند عليها. الناس التي تدخل للإسلام غالبا تكون جاهلة بالإسلام وبالتالي دخولهم لا يعني أنهم تأكدوا من صحته. كثير من الذين يدخلون الإسلام، يفعلون ذلك لأن شخص مسلم دخل معهم في علاقة عاطفية وبعد ذلك قال لا استطيع المواصلة لأني مسلم وأنت لست على ديني وبالتالي يتم ابتزازهم عاطفيا للدخول في الإسلام. لا ننسى أن هناك أموال طائلة تنفق على دعوة الناس للإسلام وليس كل الناس أذكياء أو متعلمين حتى في الغرب فلابد أن يكون هناك بعض الضحايا لهذه الحملات والتلاعب بنفسيات الناس و خداعهم بالترغيب بالجنة والترهيب بالنار. هناك نقطة هامة وهي أن الذين ينتقدون الإسلام وتصلهم رسائل بالقتل يضطرون للتظاهر باعتناق الإسلام والتوبة كي يحموا أنفسهم وأقربائهم. أيضا المسلمون يسجلون أشخاص ينطقون الشهادتين ومن ثم يقولون أسلموا وهذا ليس دليل كافي على إسلامهم لأن أي شخص قادر على ترديد جملة أمام الكمرة. لا ينفع ان تقارن أعداد من يدخلون في الإسلام بعدد من يخرجون منه لأنه لا يمكن تعداد من يخرجون منه بسبب وجود حد الردة والتضييق على من يتركون الإسلام في جميع الأصعدة ويضطرون للتخفي والكتمان وبالتالي تكون المقارنة غير عادلة.

طبعا طريق الخروج لم تكن محاطة بالورود والترحيب كما هو الحال مع الذين يتم استدراجهم لدخول الاسلام. أول ما خرجت عن الاسلام أصبحت الصلوات عبء كبير وشعرت بالرعب مدركاً أن دمي أصبح مهدر بوجود حد الردة. أصبحت النقاشات العائلية ودردشة الزملاء والواتساب والفيسبوك جميعها لا تطاق. لقد اضطررت للانسحاب من حياتي الاجتماعية والبحث عن أشخاص يمكن أن أحدثهم بدون أن يزعجوني بكثرة النصائح التي تستند على أشياء لا أؤمن بها أو يقوموا بإبلاغ عني للسلطات أو رفع قضية ضدي أو أن أصبح هدفاً للجماعات الإرهابية أو العنف الأسري… لكن مهلا كيف أجد من هم مثلي إذا كانوا أيضاً متخفين؟ كيف سأعيش حياتي؟ كيف أجد شريكي؟ كيف سأتعامل مع وأحمي أطفالي؟ ماذا لو تم اكتشافي؟ كل هذه الهموم بالإضافة إلى التظاهر اليومي جعلني أشعر بالقلق وتدهور جودة نومي وكل يوم يزداد غضبي على الدين والمجتمع إلى أن فتحت صفحة جديدة في أحد مواقع التواصل الاجتماعي بدون اظهار هويتي لأعبر عن أفكاري. كانت منشوراتي الأولى سوداوية ومليئة بالغضب لكن بفضلها لقد قل غضبي بشكل تدريجي ويومي ومعها تقل حدة منشوراتي. لم تساعدني وسيلة التواصل الاجتماعي على تفريغ غضبي وحسب، بل ساعدتني أيضاً على ايجاد أناس يفكرون نفس تفكيري ومع الوقت وجدت صديقات وأصدقاء لا يقدرون بثمن. أحد الأشياء التي ما زالت تقهرني أنه عند حواري مع أحد المسلمين بشكل علني اضطر للجوء لحجج ضعيفة لأن حججي الحقيقية لا يمكنني استخدامها لأنها منافية بشكل مباشر للمعتقدات الاسلامية.

عندما كنت مسلم كنت أكره بدع وشركيات الشيعة والصوفية وأكره وجودهم. كنت أحاول أن أحب أسرتي أقل من "الله ورسوله". كنت لا أهتم بسعادتي لأن هذه الدنيا دار عمل وملعون ما فيها إلا ذكر الله. كنت أضيع الكثير من الوقت في أعمال لا فائدة منها. أضعت الكثير من الوقت في الصلوات الخمس والسنن والنوافل والأذكار وحفظ وتلاوة القرآن. كنت أجاهد نفسي على الخشوع لكن التكرار جعلها مجرد أعمال جسدية لا روحية. الآن بعد تركي للإسلام أصبحت إنسان لا يكره أحد ولا يحقد على أحد فقط لمجرد اختلافهم عني في المعتقد. أدركت أننا نحتاج للأمل والعمل وليس الإيمان الأعمى وتعطيل العقل. نحتاج أن نتقبل الواقع ونركز على نطاق تأثيرنا لا أن نخدع أنفسنا ونغمض أعيننا. أصبحت أعمل الأشياء التي تسعدني وتسعد الناس من حولي وأصبحت أستمتع بالاستماع للموسيقى التي ساعدتني على الحصول على ما قد يسميها البعض بالتجارب الروحية بشكل لم أجده في القرآن أو الصلاة. لقد أصبحت انسان مستقل ذو رأي خاص. لم أعد أبرر ما أراه خطأ أو لا يرضي ضميري بأنه ارادة الله أو تعاليم رسول الله. لا اهتم الا بما أراه صحيحا واجتنب ما أراه خاطئا ويسبب الأذى لمن حولي، أخلاقي أصبحت عملية بناؤها على عواقب الأمور وليست شكلية لا قيمة لها. بعد ما تركت الإسلام أصبحت أرى نفسي جزء من البشرية ككل يهمني ما يهمها ويسعدني ما يسعدها لم أعد أرى البشرية كمعسكرين دار الإسلام ودار الكفر. تقبلت العلم وأصبحت أكثر فضولا ومتلهف لأجوبة الأسئلة التي كنت أعتقد أني أمتلك اجوبتها مسبقاً. لقد ازداد تعاطفي مع الناس الذين يعانون في هذه الحياة لأني لا أعلم لهم حياة غيرها. أصبحت أريد أن أرى العدل والرخاء والتراحم في هذه الدنيا. أريد أن أشارك في تحسين الواقع للجميع هنا والآن. أصبحت أرى نفسي جزء من بقية الكائنات الحية والكون.

أصبحت أتعاطف مع الحيوانات بشكل أكبر لأني أصبحت اعترف أن أصلنا واحد وأدرك أنها لا تختلف كثيرا عنا وأحاول أن أصبح نباتيا بتقليل استهلاك اللحوم مع الوقت. أصبحت أرى المشاكل التي تحتاج إلى حلول بوضوح مثل العنف والتلوث البيئي واستهلاك الطاقة غير المتجددة والفقر والاكتظاظ السكاني وعمالة الأطفال وغيرها من المشاكل التي تستحق الاهتمام بواقعية بدلا عن عذاب القبر وفتنة المسيخ الدجال وعلامات الساعة الصغرى والكبرى والمهدي وأهوال يوم القيامة والنار والجنة. أصبحت أتعامل مع الجنس الآخر كإنسان وند متكافئ في الأهمية. أصبحت علاقتي أفضل مع اخوتي المقصرين في الصلاة وبقية العبادات وأصبحت لا أزعجهم وأنفرهم بكثرة النصائح والتذكير بالعذاب الذي ينتظرهم. عندما تركت الإسلام أصبحت علاقتي مع بقية أفراد أسرتي من الجنس الآخر طبيعية لم أعد أحدثهم فقط بشكل رسمي وأتجنب النظر إلى عيونهم. لم أعد أشك في نيات الجنس الآخر كثيرا. لم أعد أرفض مصافحة واحتضان الجنس الآخر ومعاملته كبشر. أصبحت أرى ممارسة الحب أمرا طبيعيا لا يحتاج كل هذا التهويل فقط يحتاج الى ممارسته بتراضي وبشكل آمن طالما ذلك الشخص ليس مرتبطا بشخص آخر وبالتأكيد ليس قاصراً. أصبحت أكثر تسامحا وتعاطفا مع منهم مختلفين عني. أصبحت أعتقد أنه ليس علينا معاقبة من يعتدون على الغير بل علينا حماية الناس منهم بعزلهم عن المجتمع في السجون ومحاولة إصلاحهم إذا كان ذلك ممكناً. أصبحت أدرك أن الرغبة في الانتقام هي ليست عقلانية لأنه لا يمكن تغيير الماضي ويجب علينا أن نركز على المستقبل أكثر. عندما تركت الإسلام أصبحت أرى عيوب الإسلام بوضوح وأحس أنه مصدر خطر وأحاول أن أحذر البقية منه. لقد تعلمت من تجربتي المريرة ألا أقوم بتلقين أو أدلجة الأطفال بمعتقداتي أيّا كانت بل أعلمهم المنطق وأعرفهم على المغالطات المنطقية كي يتمكنوا من تجنبها وأعرفهم على الانحيازات المعرفية كي يحذروا منها وأعلمهم العلم المثبت والحقائق الموضوعية وكيف تم التوصل إلى معرفتها ثم عندما يكونوا قادرين على فهم وتقييم الحجج سأقدم حجج داعمة لمعتقداتي وأترك لهم الخيار ليقرروا اعتناقها أو لا.

هذه قصتي رغم أنه ليس من الممكن تلخيص سنوات من التجارب والبحث والأفكار والخواطر في أسطر تقرأ في بضع دقائق... فماهي قصتكم؟ لمشاركة قصصكم أو قراءة قصص أشخاص آخرين يمكنكم الإشتراك في قناة لماذا تركنا الإسلام على تطبيق التلجرام (https://t.me/ATaleOfAninfidel).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أهلا بك في نادي الأحرار والمتحرّرين
محمد مدحت بسلاما ( 2021 / 12 / 4 - 12:20 )
الأخ راش أودين لم تفسح عن اسمك الحقيقي ونفهم السبب. ومع ذلك نهنئك على هذه الخطوة الجريئة وعل اتخاذك هذا القرار الصائب، أملا أن يشكل نموذجا لعدد كبير من المسلمين الذين يعيشون حياة مزدوجة: مسلم في العلن وكافر بالإسلام في الخفاء. نعم من العار علينا الإيمان بإله غبيّ يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء. با للعار لكلّ من يؤمن بهكذا دين يحث على القتل وعلى الإرهاب. المسلمون بحاجة إلى صحوة تنقذهم من الظلام الذي يتخبطون فيه ويموتون رعبا إذا حاولوا الخروج أو التحرر منه. هنيئا لك وبهذه الشهادة الرائعة المشجعة لكلّ مسلم. مع التحيّة والمودّة


2 - الخطر الأكبر
نور الحرية ( 2021 / 12 / 4 - 19:10 )
رغم المقالة الكبيرة الا أنني تابعتها بشغف وأكملتها لأخرها لتشابهها مع ما جرى لي كثيرا نعم وكما قلت فالاسلام أصبح يشكل أكبر خطر بالنسبة لمجتمعاتنا الغارقة في الظلام والخوف والجهل .هنيئا لك يا صاح هدا الانعتاق والعاقبة لكل شبابنا


3 - حقيقه الاسلام
على سالم ( 2021 / 12 / 5 - 05:10 )
لاشك ان هذه مقاله هامه جدا , نحن نريد المزيد من المعلومات والمزيد والمزيد


4 - لم أؤمن
ماجدة منصور ( 2021 / 12 / 5 - 05:46 )
مالم أعرف الموقع الجغرافي لعين حمئة!!!!0
مقال يحتاج أبحاث كثيرة لتسليط الضوء على معاناة الإنسان المسلم
نحن النساء نحنمل أعباء تنوء عن حملها الجبال111
لقد حان الوقت للتغيير الفوري و عار على أعيننا النوم بعد هذا اليوم0
شكرا يا ولدي


5 - شكراً على كلامكم الطيب
راش أودين ( 2021 / 12 / 7 - 23:39 )
شكراُ لكل من علق على قصتي وشكرا على تلك الكلمات اللطيفة التي تعكس مشاعر صادقة.

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال