الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سفر التكوين العلمي

محمد ليلو كريم

2021 / 12 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في اعماقي شعور يُرجعني الى ماضٍ سحيق لا أتمكن من تحديد حتى حقبته الزمنية، ولكنه شعور مدعوم بدليل يخبرني أن الخلية كانت اللبنة الأولى لنشوء الكائنات، كل الكائنات، وقد رافقت تطورها ومازالت اللبنة الأساسية في البناء العضوي، فالخلية الواحدة ظهرت اولًا، في البدء، والخلية تطورت فكانت أكثر، وأكثر، حتى بلغت الخلايا في تراصفها اشكالًا من الأحياء يصعب حصرها، ولكن الكل بدء من خلية.
هذا الوصف يُعادل ما ورد في النص المقدس الإبراهيمي الأول؛ سفر التكوين "בראשית Genesis" ففي البدء خلق الله ( في البدء خلق الله السموات و الأرض • و كانت الأرض خربة و خالية و على وجه الغمر ظلمة/سفر التكوين، ١ - ١ ) وفي مذهبي التفكري تُعادل الظلمة المرحلة السابقة لظهور الخلية، فالخلية أول حالة عضوية تمارس الوعي، طبعًا هو وعي متخلف جدًا عن وعينا الذي نتمتع به اليوم، وقد جرت تجربة في مختبر على خلية واحدة أفردت وعزلت في ظروف تمكنها من البقاء فأظهرت التجربة أن تلك الخلية طلبت أولًا المعرفة إذ راحت تتحسس محيطها، إذن؛ خلو الحياة من أي معلمٍ حي يدفعها عن الوصف " حياة " ولتختر لها وصفًا آخر، وكيف لها أن تختار وهي بلا حياة، فهي ظلمة، ظلام إذ لم يظهر بعد الوعي الناتج عن لبنة حية، فالوعي نتاج عضوي يبدأ بسيطًا كما البساطة العضوية ثم يتعقد بتعقدها ويبلغ ذرى بلغتها، فليس هناك من انسان بحجم أصبع، ولم يكن للإنسان أن يتكون بخلية واحدة أو حتى مئة خلية، فالتراكيب المليارية من الخلايا وما يدعمها من سوائل وطاقة تُكون الإنسان، وهذه التراكيب المليارية نتج عنها تطور الأجهزة الباعثة على الوعي، ففي البدء كانت خلية بوعي يعادل ما هي فيه من مستوى عضوي، والآن يكون الوعي نتاج ما بلغنا كبشر من مستوى التطور العضوي، وليس من انسان مُكون من عقل مجرد أو ادراك غيبي غير مرئي كما هو الحال عند من يؤمن بأن الملائكة عبارة عن عقل مجرد في مبحث لا متسع لذكره هنا.
يبدو وبحسب العلم أن الخلية ظهرت في الماء بدءًا، ولما تطورت وتعقدت وتنوعت في تراصف عضوي متعدد توزعت الى مسارات أجناس (و قال الله لتفض المياه زحافات ذات نفس حية و ليطر طير فوق الأرض على وجه جلد السماء
فخلق الله التنانين العظام و كل ذوات الانفس الحية الدبابة التي فاضت بها المياه كاجناسها و كل طائر ذي جناح كجنسه/١ : ٢٠ - ٢١ ) وأنا هنا لا أتطرق الى الخلق والإله، ولا ألفت الإنتباه الى إيمان أو عقيدة دينية، بل استخدم النص الديني للإشارة الى مستهل المقال، ففي داخلي شعور يرجعني الى ماضٍ سحيق لا أتمكن من تحديد حتى حقبته الزمنية، ولكنه شعور مدعوم بدليل يخبرني أن الخلية كانت اللبنة الأولى لنشوء الكائنات، كل الكائنات، واعتقد أن الإنسان في عهود ظهور النصوص المقدسة شعر بما أشعر به ولكن العلم لم يسعفه في حينه بما أسعفني به من اكتشافات وما تمخض عن الاكتشافات من مصطلحات وتعاريف (يمكن تعريف الخلية [بالإنجليزية: Cell] بأنّها الوحدة الأساسية المُحاطة بغشاء، والتي تحتوي على الجزيئات الأساسيّة للحياة، وتتكوّن منها جميع الكائنات الحية) فعبّر هو عن شعوره الفلسفي بنص لغوي قدسه لأنه اعتبره علمًا، أي أن تقديسه للنص توجه لما في النص من رأي علمي وليس لنفس النص، أما أنا فقد تحول البحث العلمي في زماني من الرأي الفلسفي الى الإكتشاف العلمي، وفي هذا الزمان هناك تقديس للعلم قد نلمسه في طقوس الإنشغال بالتقنيات، وفي هذا يقول الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون (فلقد نرى في السابق، أو في الحاضر، مجتمعات إنسانية لا حظ لها من علم أو فن أو فلسفة، ولكنا لا نعرف قط مجتمعًا لا دين له/ منبعا الأخلاق والدين،ص ١٢٣.. الطبعة الثانية، دار العلم للملايين).
لم يكن لأهل عهود ظهور النصوص المقدسة التعرف على اللبنة الأساس لتكوين الكائن الحي، ولهذا اشاروا الى المكون الأولي العضوي بحسب ما توصلوا له من علم وتصور، وها أن سورة الحج في القرآن تكشف لنا مستوى التحقق العلمي لأهل ذلك الزمان من موضوعة منطلق التركيب العضوي، حيث تقول السورة:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ/ ٥) ونلاحظ وبوضوح التوصيف والتشخيص المتسلسل الذي ساقه النص لعملية التكوين العضوي للجنين فبدأ بالتراب ثم النطفة وهذا دليل دامغ على جهل أهل زمان النص بوجود تسلسل عضوي حقيقي يبدأ من الخلية، وهذا جهل حتمي لغياب التقنيات المتطورة كالمجهر، بل أن سورة الرعد القرآنية تتطرق لسؤال طرحه مشككون علميون بنظرية إعادة المخلوق بعد فناءه: (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ )؟؟.. فما هو جواب القرآن على هذا التساؤل الشكّي العلمي.. لقد أجاب القرآن كالتالي:( أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ولو أن القرآن في حينها طرح موضوع الخلية وكيفية نشوئها وتكونها ودورها في ظهور الحياة وكيفية تصنيعها بطرق علمية لأقنع أهل العلم حتى في هذا الزمان، ولكن أهل ذلك الزمان القديم لا يعرفون الخلية ولا تتوفر لديهم التقنيات اللازمة لإكتشافها ومعرفة مكوناتها ودورها، فلا داعي لأن نتعجب من رد القرآن على السؤال الذي طالب بدليل علمي لكيفية التخلّق والنشأة بالتوبيخ والتهديد والوعيد الغيبي، فالجواب والمُجيب في إحراج وتلعثم ومحاولة انفعالية لتغيير مسار الجدل.
اقول؛ وبشكل دقيق: لم تتحدث النصوص الدينية بتفصيل ودقة عن دقائق التركيب العضوي وأولياته بمثل ما تحدث العلم الحديث.
عزيزي المتدين والمعتقد بعلمية النص الديني؛ أتمنى أن تكون كل خلايا جسدك بخير وأن تلقى الرعاية الصحية من المختبرات الحديثة بما يُعزز سلامتها ويرفع من كفائتها لتطول أيام تنعمك بالصحة وتضاف لك أيام كثيرة كما سعى لذلك الفقهاء الذين تقدسهم والمشايخ الذين تردد بعدهم الأدعية فهم يتوجهون للمستشفيات الحديثة عند نزول المرض بهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت