الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أنت عُكازٌ … أم مِرآة؟

فاطمة ناعوت

2021 / 12 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


Facebook: @NaootOfficial

هل العقيدةُ هدفٌ في ذاتِها، أم وسيلةٌ للارتقاء والتهذُّب والتحضُّر والفضيلة؟ الدينُ وسيلةٌ للترقّي وبناء منظومة الأخلاق؛ فالُله غنّيٌّ عن عباده، إنما يريدُ منّا الصلاح والرحمة والجدّ والصدق والنظافة والسموّ والتحضر وإعمال العقل، فجاءت الشرائعُ لبناء جميع ما سبق. دون ما سبق من قيمٍ رفيعة، لا قيمة لطقوس دينية نؤديها بأجسادنا لأن الله غنيٌّ عنّا وعن طقوسنا. ذاك هو الدرسُ الذي علّمه لي في طفولتي أبي المتصوفُ حاملُ القرآن وهو يشرحُ دلالة الحديث الشريف: “مَن لم تَنْهه صلاتُه عن الفحشاءِ والمنكر، فلا صلاةَ له"، رغم رفض ابن تيمية له بزعم ضعف سنده! والفواحشُ، في ميزاني الخاص، تبدأ من القسوة على نبتة صغيرة وليس من نحر عنق إنسان. ذاك أن القسوةَ أو الرحمةَ أسلوبُ حياة ونهجٌ دائم. فالذي يقسو اليوم على زهرة، قد يقسو غدًا على طفل. لهذا حُكم عليّ بالسجن لأنني استنكرتُ يومًا تعذيب حيوان قبل نحره؛ وعدم الترفّق به واحترام ألمه لحظة تقديمه قربانًا لله، واللهُ تعالى غنيٌّ عن قرابينَ نقدمها بغلاظة قلب. الدرسُ الذي تعلّمته من أبي المتصوّف الجميل، تأكد لي في حوار دار بين عالم لاهوت مسيحيّ برازيليّ، اسمه "ليوناردو بوف"، وبين "دلاي لاما"، رقم 14، "تنزين جياتسو"، الراهب البوذي والقائد الدينيّ الأعلى لبوذية التِّبت، ورأس حكومة المنفى بالهند، منذ احتلال الصين للتبت عام 1959. وفي هذا المقال
أترجمُ الحوار حرفيًّا كما قرأتُه بالإنجليزية. ذاك إن في قراءته، وحسب، وتأمُّل دلالاته، تكمن الفكرة التي أودُّ طرحها، ويكمن الدرسُ الذي أراه يحملُ جوهر جميع الأديان.
يقول بوف: "في نقاش مائدة مستديرة جمعت بيني وبين دلاي لاما، حول العقيدة والحرية، سألتُ لاما، في شيء من المكر وكذلك في اهتمام حقيقيّ:
- ’يا قداستك، أيُّ العقائدِ الأفضلُ؟‘
وظننتُ أنه سيقول: ’بوذية التِّبت‘، أو ’الديانات الشرقية التي هي أقدم كثيرًا من المسيحية‘. لكن الدلاي لاما صمتَ قليلا، ثم ابتسم، ونظر إليّ في عيني مباشرة، وهو ما أدهشني لأنني كنت أعلمُ أن المكر مخبأ في سؤالي. ثم قال:
- "العقيدةُ الأفضلُ هي تلك التي تجعلك أقربَ إلى الله. هي تلك التي تجعلك شخصًا أفضلَ.‘
ولكي أخرج من حرجي، الذي سببته تلك الإجابةُ الحكيمة، سألُته:
- ’وما هي تلك العقيدة التي تجعلُ الإنسانَ أفضل؟‘ فأجاب:
- ’تلك التي تجعلك: أكثرَ رحمةً، أكثرَ حساسيةً، أكثرَ محبةً، أكثر إنسانيةً، أكثر مسؤوليةً، أكثرَ جمالاً. العقيدةُ التي تفعل معك كل هذا تكون هي الأفضل.‘
كنتُ صامتًا، مأخوذًا بأعجوبة تلك الإجابة وحكمتها التي لا تُدحَض. وأكمل لاما:
- ’لستُ مهتمًّا يا صديقي بعقيدتك، فهذا شأنُك مع الله، ولستُ مشغولا إذا ما كنتَ متديّنًا أم لا. الذي يعنيني حقًّا هو سلوكك أمام نفسك، أمام نظرائك، أمام أسرتك، أمام مجتمعك، وأمام العالم. تذكّر أن الكونَ هو صدى أفعالنا وصدى أفكارنا. وأن قانونَ الفعل وردّ الفعل ليس يخصُّ، وفقط، عالم الفيزياء. بل هو أيضًا قانونٌ يحكم علاقاتنا الإنسانية. إذا ما امتثلتُ للخير سأحصدُ الخيرَ، وإذا ما امتثلتُ للشرّ لن أحصد إلا الشرّ. ما علّمنا إياه أجدادُنا هو الحقيقةُ الصافية: (سوف تجني دائمًا ما تتمناه للآخرين. فالسعادةُ ليست شيئًا يخصُّ القَدَر والقسمة والنصيب، بل هي اختيارٌ وقرار.)
وفي الأخير قال دلاي لاما:
- (انتبه جيدًّا لأفكارك، لأنها سوف تتحول ُإلى كلمات. وانتبه إلى كلماتك، لأنها سوف تتحولُ إلى أفعال. وانتبه إلى أفعالك لأنها سوف تتحولُ إلى عادات. وانتبه إلى عاداتك لأنها سوف تُكوّنُ شخصيتك، وانتبه جيدًّا إلى شخصيتك لأنها سوف تصنعُ قَدَرك، وقدرُك سوف يصنعُ حياتك كلّها.)

انتهى الحوارُ الراقي بين الرجلين، وأقولُ فيه إن المزايدة الإيمانية تدل على فقر عنيف في الإيمان. ناقصُ الإيمان يُكمل نواقصَه من إيمان الآخر. المقدساتُ أعلى شأنًا وأجلُّ من أن تُزدرى أو تُهان. ارحموا أنفسكم وكفّوا عن محاكمة الناس والتفتيش داخل ضمائرهم. العقائد قوية وصامدة ليس بالسيف والتصيّد والسجن وقضايا التكفير وملاحقات "ازدراء الأديان"، إنما بديمومة تحضرها وتحضّر معتنقيها ونظافة أرواحهم. كونوا سفراء جيدين لعقائدكم حتى تضمنوا بقاءها، بدلا من أن تحملوا سيوفًا تدافعون بها عن مقدساتكم كأنها هزيلة تحتاج إلى من يسندها. لا تكونوا عكازات لعقائدكم، بل كونوا مرايا طيبة تعكس نصاعة إيمانكم وطهارة عقائدكم وسموّ أفكاركم. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يتحضَّرُ بالوطن.”

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نحن مع المضطهدين في مصر من قبل الرجعية الفاشية الا
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2021 / 12 / 5 - 16:57 )
الاسلامية متجسدة بشيوخ الازهر العفن الفاشي واداتهم قوانين ازدراء الاديان او الاسلام-الحرية للمستشار المسجون بسبب دعوته الى الخير -تحياتي

اخر الافلام

.. لماذا يرفض اليهود الحريديم الخدمة العسكرية؟


.. لماذا يرفض اليهود الحريديم الخدمة العسكرية؟




.. 154-An-Nisa


.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي




.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا