الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراحل وانماط التغيير الاجتماعي (( patterns of change ))

حيدر صادق صاحب
كاتب وشاعر

(Haider Sadeq Sahib)

2021 / 12 / 11
المجتمع المدني


((كان يزور أمَّه في دار المسنين كلَّ فترة، وفي إحدى المرات جاءته مكالمة من دار المسنين، تُخبرُه بأن أمه تُحتَضر؛ فذهب الابن مسرعا؛ ليرى أمَّه قبلَ أنْ تغادرَ الحياة، فسألها: ماذا تريديني أن أصنعَ لك يا أماه؟
ـ قالت الأم: أتمنى منك أن تضع مراوح في هذه الدار؛ لأنه لا يوجد لديهم مراوح، وأن تضع ثلاجات للطعام الجيد؛ فكم نمتُ من غير أكل!!
ـ فردَّ الابنُ مندهشًا: الآن تطلبين هذه الأشياء، وأنتِ تُحتَضَرِين؟!! لماذا لم تشتكي من قبل؟!!
ـ ردَّت الأم بحزن: لقد تأقلمتُ مع الحر، والجوع، ولكنني أخشى عليك أنت ألا تتأقلمَ عليهما عندما يأتي بك أبناؤك إلى هنا)).
إن التغير الاجتماعي هو: (مجموعة من التحولات، التي تمس حياة المجتمعات الإنسانية؛ بفعل التقدم التقني، والاتصال الثقافي، والحضاري، فتصاحبها تغيرات في البنى، والأدوار الاجتماعية، ونمط العلاقات، فضلا عن تأثيره في القيم الاجتماعية، والعادات، والتقاليد المتوارثة عند الأفراد). وإن المجتمعات الحديثة، أو المستحدثة قد أظهرت اختلافات كبيرة في المدى، الذي استطاعت فيه أن تمتص هذه المتغيرات، وأن تحوّل بناءها إلى بناءات قابلة للنمو، وجديدة، ونامية، ومتماسكة، وأكثر المجتمعات تقدما الآن لو توقفت عن البحث عن الجديد، فإنها ستقع لا محالة فريسة التخلف؛ لأن المجتمعات الأخرى مستمرة في تحديث نفسها بصورة مستمرة، ولأنماط التغير في المجتمعات أشكال ثقافية، وتتمثل في: (التطور، والانتشار، والتثاقف)، وأنماط اجتماعية، تتمثل في: (الثورة، والتحديث، والتصنيع، والتحضر، والتحول إلى البيروقراطية)، وعلى النحو الآتي:
1. التطور (Evolution): يمكن وصف التجديد، والتنوع، والتعقيد المتزايد من المظاهر الدالة على أنماط التطور، وينظر إلى التطور بوصفه عملية التباين المتزايد، والمعقد للتنظيمات، التي تهب النسق الاجتماعي العضوي قدرة كبيرة على التكيف مع البيئة، فالثورة الزراعية ـ في سبيل التمثيل ـ يمكن أن تكون مصطلحًا مناسبًا أكثر كتطور زراعي، وكذلك الثورة الصناعية كتطور صناعي، وهو ما يميز أنماط التطور في استخدام التكنولوجيا، والطاقة، ومهارات العمل، والماديات، فدراسة أشكال التغير التطوري، أو أنماطه في المجتمعات كمي ونوعي، وأنماط التغير، مثل: الأنظمة القانونية، والدين ، والتراتبية، واستخدام الطاقة، وانتاج الطعام، وما أشبه ذلك.
2. الانتشار (Diffusion): يشير إلى العملية، التي بواسطتها تنتشر بها عناصر الثقافة، أو أنساقها، التي ينتقل بها اختراع جديد، أو نظام جديد في مكانة الأصلي إلى المناطق المجاورة، وفي بعض الحالات في المناطق الملاصقة لها حتى تنتشر تدريجيا في العالم كله. فالتغير الاجتماعي، الذي تعرضت له، وما زالت مجتمعات العالم، كان نتيجة الاتصال، والانتشار بين تلك المجتمعات، ويرى روجرز (Rogers) أن العناصر الحاسمة في عملية الانتشار هي:
أ. التجديد.
ب. الانتقال عبر قنوات معينة.
ت. على مر (الزمن).
ث. بين أعضاء النسق الاجتماعي، وهنالك خمس مراحل لعملية الاتخاذ، وهي: الوعي، والاهتمام، والتقويم، والمحاولة (التجربة)، والاتخاذ.
3. التثاقف (Acculturation): ويشير إلى الأخذ بالصفات المادية، وغير المادية من الثقافات الأخرى؛ نتيجة للاتصال المطول، مثل: الاتصال الممكن في طرائق متعددة، مثل: الحرب، والغزو، والاحتلال العسكري، والاستعمار، والمبشرين، أو التبادل الثقافي، أو عن طريق الرحلات، أو السياحة، و نتيجة للهجرة، أو كنوع جديد من الاتصال في العصر الحديث، فهذا النمط أهم ما حققه هو التلاقح الاجتماعي الخاص بالمجتمعات غير المتجانسة.
4. الثورة (Revolution): تعد الثورة أكثر الأشكال جذرية، وتطرفا للتغير الاجتماعي؛ لأنها ـ أي: الثورة ـ واقعة اجتماعية شاملة، وهي تشمل جميع الميادين ، فهي أساس للتغير العنيف السريع في التنظيمات السياسية، وعلاقات القوة، والتراتب، وسيطرة الملكية الاقتصادية في داخل المجتمع، وهنالك شواهد، وأمثلة تأريخية معاصرة؛ فعلى الرغم من وجود ثورات سياسية، هنالك ثورات اقتصادية، واجتماعية كالثورة الزراعية، والثورة الصناعية، والثورة ما بعد الصناعة، وأخيرا ثورة المعلومات.
5. التحديث (Modernization): وهو العملية، التي بواسطتها تتحول المجتمعات الزراعية إلى مجتمعات صناعية، هذا التحول يمنح تطورا للتكنولوجيا الصناعية المتقدمة، والسياسية والترتيبات الاجتماعية، والثقافية الملائمة للدعم، والتوجه، واستخدام تلك التكنولوجيا؛ إذ إنه سيؤثر في كل مؤسسة اجتماعية، ويمس كل جماعة، ويصبح ملموسا في كل طرائق الحياة.
6. التصنيع (Industrialization): وهو العملية، التي بواسطتها التكنولوجيا تستند إلى مصادر ثابتة (غير متحركة) للطاقة، وهو يستبدل العمل اليدوي كقاعدة لإنتاج السلع، ويشير إلى المجال الفعلي للتحول من المجتمع الزراعي، أو التجاري إلى المجتمع الصناعي؛ نتيجة لنمو أنساق المصنع تحت وطأة القوة الآلية، فيصحب التصنيع تغيرات في أنماط السكان (مواليد ، وفيات، زواج، هجرة...)، وكذلك تغيرات في بناء الأسرة، ووظائفها.. وغيرها.
7. التحضر (Urbanization): ويشير إلى العملية، التي بواسطتها تأتي الغالبية من سكان البلد؛ للعيش في المدن مع تركيز مصاحب للأنشطة الاقتصادية، والإدارية، والتنظيمات السياسية، وشبكات الاتصالات في هذه المناطق الحضرية، ويشير أيضا إلى كيفية معيشة الناس، وأنماط سلوكهم، وعلاقاتهم الاجتماعية، وترابطهم (تفاعلهم).
وعرفه بيترمان بأنه: عملية اجتماعية، يقوم الفرد في خلالها بالهجرة من الريف إلى المدينة، والتكيف، والتطبع بأخلاق أبناء المدن، وعاداتهم، وسلوكياتهم، وتقبل أسلوب الحياة، وأنماط العلاقات الاجتماعية الموجودة فيها.
8. البيروقراطية (Bureaucratization): وتعني تراتب البناء الاجتماعي للتنظيمات العقلانية الإدارية، واسعة المدى، الفعالة، والمؤثرة، وغير الشخصية، ويشير كذلك إلى التغيرات داخل التنظيمات (العامة، والخاصة) باتجاه عقلاني كبير في اتخاذ القرار، وتحسين كفاءة التشغيل، والأداء الفعال للأهداف المشتركة.
#مراحل التغير الاجتماعي:
1. مرحلة التحدي (التشويش): ينظر إلى عملية التغير بأي مظهر من مظاهر الحياة؛ بوصفها عملية تحد للقيم، والعرف، والعادات المتبعة؛ فُتقابَل بالرضا، أو الرفض، وقد تكون عملية (تشويش) على صفة، يراد تغيرُها. وكلما كان التغير في صفة من الصفات الثقافية المتأصلة، كانت المعارضة أشد، وأقوى .وكلما بعدت، قلت المعارضة
2. مرحلة الانتقال (التجديد): وفي هذة المرحلة تظهر فئة من الناس يتخذون الأفكار الجديدة، والمظاهر المتغيرة، ويدافعون عنها على الرغم من وجود فئة معارضة، وهنا ينشأ الجدل، والنقاش على الشيء الجديد. ويقدمون أدلتهم، وكل منهم يجد نقاط الضعف لدى الفئة الأخرى، ويدور النقاش، ويحتدم الجدل. وهي من أخطر المراحل؛ لانها تؤدي إلى تأجيج الرأي العام.
3. مرحلة التحويل/الدفاع: وفي هذة المرحلة تقل مقاومة الفئة المعارضة، وتصبح القوى للأفكار الجديدة، والمخترعات، والاكتشافات سواءعن قناعة الفئة المعارضة، أو لمجرد عدم جدوى المعارضة. وكثيرا ما يدافع أصحاب الفكر الجديد عن فكرتهم؛ لإقناع البقية بها، وهي من أهم المراحل؛ لأنها تحاول الدفاع عن وجهة نظرها، وتسويغها، وتثبيت آرائها، والدفاع عنها.
4. مرحلة التطبيق/الاستقرار، أو الاتخاذ: وهي المرحلة، التي يكون فيها تطبيق للأفكار، والاختراعات، والاكتشافات في المجتمع ككل. وتصبح مستقرة، ومتبعة، ولاتعود إلى مجال النقاش، والجدل. وفي هذه المرحلة تدخل الأفكارنطاق الثقافة، وتصبح من العموميات الثقافية، التي يعمل بها كل أفراد المجتمع.
#أنواع التغير الاجتماعي:
إن التغيّر الاجتماعي هو تحول البنية المجتمعية، وتبدلها عما كانت عليه سواء العلاقات، والتفاعلات البشرية، أو نظام القيم المجتمعية، أو العادات، والتقاليد، أو غيرها من الأمور على كافة الصعد الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وتحدث هذه التغيرات على مدار فترة زمنية طويلة، أو قصيرة، فتعود على المجتمع بتبعات، وعواقب عدة؛ لأن أي تغير في أي منظومة يؤدي إلى التغير في كافة المنظومات الأخرى، وتتعدد أنواع التغير الاجتماعي ما بين تغير تدريجي، أو اجتماعي ثوري، أو دوري، أو بنائي وظيفي، أو اقتصادي، أو ثقافي، وغيرها العديد، وهي النحو الآتي:
1. التغير الاجتماعي التدريجي: مثل التغير في زي المجتمع عبر الزمن، فنجد أن أنماطًا من الملابس لم تكن مقبولة في الماضي، لكنها اليوم مألوفة للنظر، وقد استغرق التغيير التدريجي سنوات عديدة، فلم تستهجنه المجتمعات، ويمكن أن نصف هذا النوع بالآتي:
أ. يحدث على مدار مدة زمنية طويلة؛ من خلال عملية بطيئة، وتدريجية.
ب. قد لا يكون هذا التغيير ذا تأثير ملحوظ، وجذري.
ت. يعتاده الناس، ويتأقلمون معه من دون وعي، أو إدراك؛ فيصبح مألوفًا، ومعتادًا.
ث. يحفزه الانفتاح على الثقافات المختلفة، والتنوع الثقافي في المجتمع الواحد.
ج. يغير أنماطًا، وقيمًا، وعاداتٍ مجتمعيةً قديمةً بأخرى.
2. التغير الاجتماعي الثوري: مثل تغير الحدود، التي تقيّد العلاقات الاجتماعية، أو علاقة الزواج بحسب المستويات الطبقية، والاجتماعية، وهذا كان سائدًا في السابق، لكنه اندثر في معظم المجتمعات، ويوصف هذا النوع بأنه:
أ. يحدث على نحو مفاجئ، وسريع، وجذري في خلال مدة زمنية قصيرة.
ب. يُعد ذا تأثير واضح، وملحوظ.
ت. يغير النظام في المجتمع، أو نمط حياة، كما يؤثر في العلاقات بين الأفراد.
ث. يقود هذه النوع من التغير منظمات، أو حراك مجتمعي، وربما أكثر من ذلك، أي: الحروب، أو الثورات.
ج. له هدف، وغاية محددتان لتغيير فكر سائد في المجتمع.
3. التغير الاجتماعي من الأعلى إلى الأسفل: مثل إصدار قرارات، وتشريعات جديدة، تُحدث تغييرًا في الحقوق، والواجبات، ومنها: تغير قوانين العمال، والعمالة، التي تضبط علاقة العامل برب العمل، والمؤسسة، التي يعمل فيها، ومن خصائص هذا التغيير:
أ. تأثيره كبير، وواسع النطاق قد يشمل عدة مجالات.
ب. يصنع هذا النمط من التغيرات الحكومات، وصناع القرار.
ت. تبعات هذا التغيير غير طوعية؛ لأنها صادرة عن أعلى الهرم المؤسسي.
ث. يتمثل بتغيير قوانين، وأنظمة، وقرارات.
ج. تفرضه، وتقتضيه الظروف الحالية.
4. التغيير الاجتماعي الدوري: ويختص هذا النمط بالحضارات، والثقافات؛ إذ تمر في دورة تبدأ، وتنتهي عند النقطة نفسها، فالحضارة الرومانية، والإغريقية، والإسلامية مثال واضح لهذا النوع، ومن خواص هذا النوع أنه:
أ. يُعد دوريًا؛ وذلك يعني أنه يكرر نفسه مرارًا، وتكرارًا.
ب. يبدأ بظهور الحضارة، ثم نموها، وازدهارها، ومن بعدها تمر الحضارة في مراحل الضعف، والهوان، وتندثر.
ت. يطرأ على هذا النمط بعض التغيير بحسب القوى، التي تدير هذه الحضارة.
5. التغيير البنائي الوظيفي: ويختل توازن المجتمع، ونمطه إما بسبب الحروب، أو بسبب التغير الديموغرافي لبنية المجتمع من حيث عدد السكان، والتركيبة السكانية؛ فيندفع المجتمع نحو التغيير؛ للتكييف مع النظام الخارجي الجديد، وفيما يأتي وصف للتغيير البنائي الوظيفي:
أ. يحدث تدريجيًا، وعلى نحو غير مفاجئ.
ب. لا يترك تأثيرًا كبيرًا، أو حتى طويل الأمد على المكونات الأساسية للمجتمع في حال كان مفاجئًا.
ت. يقود هذا النمط المؤسسات المجتمعية.
ث. يُحفّز التغيير إما بتأثير خارجي، أو داخلي.
6. التغير البنائي: وهو التغير، الذي يزيد من معارف الناس، ومهاراتهم، ويمهد لهم الطريق؛ للحصول على تلك المعارف، ويكون ذلك بتطوير مؤسسي، يساعد على الإصلاح، وتغيير السياسات؛ بدعم الحركات، التي تقودها، وتعزيزها.
7. التغير التأثيري: غالبًا ما يستهدف هذا النوع من التغير الصعيد الثقافي للمجتمع؛ بتغير معتقدات المجتمع، وأفكاره، التي تراكمت، وتجذرت في المجتمع على مدى الزمان، ويؤول في النهاية إلى إحداث تغيير ثقافي جذري كامل.
8. التغير الإصلاحي: يشمل هذا التغير تعديل نظام الحكم، أو النظام القضائي، أو حتى السوق الاقتصادية إلى نمط اقتصادي جديد، مثل: تحول السوق من اشتراكي إلى رأسمالي.
9. التغير الحضاري: وهو التغير، الذي يشمل العادات الغذائية من نوعية الأطعمة، والمشروبات، فضلا عن التراث، والحرف المتداولة، والأنظمة، التي يتواصل بها أفراد المجتمع مع بعضهم البعض.
10. التغير الثقافي: تغير طبيعة العلاقات، التي ترفض مكونات المجتمع ببعضهم البعض، والنظام/ الذي يضبط هذه العلاقات/ ويحدد ضوابطها.
#مصادرالتغير الاجتماعي (Sources of change).
#عوامل التغير الاجتماعي.
#نظريات التغير الاجتماعي.
#مشكلات التغير الاجتماعي.
#ما هي معوقات التغير الإجتماعي؟
((هل تعرفون كيف تختار أنثى النسر أبا لصغارها؟
تأخذ أنثى النسر عودًا من غصن شجرة، وتطيرُ به عاليا، وتظلُّ تحلق هناك على علو مرتفع. وعندما يتجمع حولها بعضُ النسور الذكور ترمي الأنثى بالعود؛ فيتسارع النسور في محاولة للإمساك به قبل أن يسقطَ على الأرض، ويعودَ به إليها أحدُهم، وبكل رقة يسلمه لها، فتاخذه بمنقارها من منقاره، ولكنها ما إن تأخذْه، حتى ترمي بالعود إلى الأسفل من جديد، ومن جديد يعود أحد النسور بالعود إليها. وهكذا تكرّرُ الأنثى الرميَ المرة تلو الأخرى، ومراتٍ كثيرةً، والذكر، الذي لا يمل من أن يأتي بالعود إليها ستختاره زوجا لها؟ لماذا هي تفعل ذلك؟ هذا ما سنعرفُه قريبا.
بعد ذلك يطير الزوجان إلى مكان مرتفع؛ بحثا عن بقعة في أعالي الصخور؛ لبناءِ عُشٍ لهما بعيدا عن الحيوانات المفترسة، وفي العادة يتم بناءُ العُش من أغصان خشنة قوية، ولكن، وقبل أن تضعَ الأنثى بيوضَها فيه يبدأ الزوجان بنتف أنعم الريشات، والزغب من جسديهما، وتغطيةِ العُش بالكامل بها؛ لكي يكونَ العُشُّ ناعما دافئا للصغار عندما يفقس البيض. وبعد التفقيس يحمي الأهل صغارَهما من المطر، أو الشمس بجسديهما، وجناحيهما، وطبعا لا يتوقفان عن جلب الطعام للصغار حتى يكبروا.
عندما يكتمل نمو ريش الصغار، وذيلِهم يقرر الأهل أن الوقت قد حان ! فيجلس النسر الأب على حافة العش، ويبدأ بهزِ العُشِ بجناحيه هزا متواصلا؛ حتى يتخلص من كل الريش، والزغب، الذي غطيا به العش؛ لتظل تلك الأغصان الخشنة القوية فقط. طبعا يتململ الصغار في مكانهم غيرِ المريح هذا. أما الأم، فتذهب لتصطاد شيئا، ولكنها في هذه المرة لا تأتي بالأكل إلى العُش كما كانت تفعل دائما، بل تجلس على مرأى من الصغار، ولمسافة لاتقل عن الخمسة أمتار، وتبدأ بالأكل وحدها، وببطيء شديد؛ مثيرةً بذلك شهيةَ الصغار الجائعة! وهنا يبدأ الصغار بأولى محاولاتهم في الخروج من العش، ومحاولة الطيران. غير أن العش عالٍ جدا، فيهوي الصغير، وهو الذي لا يعرف الطيران بعدُ في الهاوية السحيقة، وهنا يأتي دور الأب، الذي يسارع إلى التقاط الصغير ـ تماما كما كان يفعل مع العود ـ وإجلاسِه على ظهره، والتحليقِ به إلى الأعلى، ووضعِه من جديد في العُش الخشن، غير المريح للصغير الجائع، فيكرر الصغير المحاولة، ويكرر النسر ـ الأب ـ إنقاذَه، وهكذا يتعلم صغار النسور الطيران! وإذا علمنا أن أنثى النسر لا تضع أكثر من بيضتين إلى أربع، أو خمس بيضات في السنة، سنعلم حتما لماذا هي تختار أبا متفانيا لصغارها !)).
إن التغير الاجتماعي هو: كل التغيرات التي تحدث في البناء الاجتماعي، بما يتضمنه هذا البناء من ظواهر، وعلاقات اجتماعية، وكافة الأشياء الأخرى المرتبطة به من دون أن يكون له اتجاه محدد، يميز مما كان، ومما سيكون.
وهناك من عد التغير بأنه: (نوع من أنواع التطور الذي يُحدِث تأثيرًا واضحًا في النظام الاجتماعي، إلا أنه أوسع من عمليات التطور، والتغير هنا لا يخضع لإرادة معينة، وإنما يحدث نتيجة تيارات وعوامل ثقافية، واقتصادية، وسياسية تتداخل بعضها مع بعض، ويؤثر بعضها ببعض). فالتغير هنا يمثل الاختلافات، التي تحدث في البناء الاجتماعي لمجتمع ما، وخلال فترة من الزمن، فتؤثر تأثيرًا إيجابيًا، أو سلبيًا في نمط علاقاته الاجتماعية.
ويقصد بالتغير الاجتماعي : أنواع التطورات، التي تُحدث تأثيرا في النظام الاجتماعي، أي: التي تؤثر في بناء المجتمع، ووظائفه خلال فترة زمنية معينة؛ والتغير الاجتماعي على هذا النحو ينصب على كل تغير يقع في التركيب السكاني للمجتمع، أو في بنائه الطبقي، أو نظمه الاجتماعية، أو في أنماط العلاقات الاجتماعية، أو في القيم، والمعايير، التي تؤثر في سلوك الأفراد،والتي تحدد مكاناتهم، وأدوارهم في مختلف التنظيمات الاجتماعية، التي ينتمـون اليها.
#مصادرالتغير الاجتماعي (Sources of change): هناك مصادر تفعل فعلها في دفع المجتمع في حالته القائمة إلى أخرى تختلف عن سابقتها؛ إذ إن المصدر يعمل على تحريك أحد قطاعات المجتمع إلى مرحلة جديدة، ومنها:
1. العامل التكنولوجي Technological Factor: وهو من أهم العوامل، التي تؤثر في المجتمع؛ فتحدث فيه تغيرا اجتماعيا، وهو التقدم الفني، أو التكنولوجي (Technological Advances) ، فكل الوسائل الحديثة، والمخترعات أدت دورا في زيادة الاتصال بين شعوب العالم، وعملت على تقريب المسافات بينهما، فيما ساعد على قيام عملية الاقتباس، والانتشار بين مثل هذه الشعوب، فالتغير التكنولوجي يصحبه دائما تغير اجتماعي، وهذه حقيقة سيسيولوجية، فالمخترعات الجديدة تترك أثرا بارزا في المجتمعات الإنسانية، وتعد الإبداعات التكنولوجية لثقافة ما محركا أساسيا في عملية التغير؛ فمنذ القدم اخترع الإنسان أشياء تتلاءم مع بيئته، ووقته، وظروفه، فكثير من التغيرات الاجتماعية يكون سببها التكنولوجيا، وهي لا تغير المجتمعات بنفسها، ولكن الاستجابة لهذه التكنولوجيا تسبب التغير، فغالبا ما تظهر تكنولوجيا جديدة، ولكنها لا تستخدم فترات طويلة؛ مما لا يؤدي إلى إحداث تغير في تلك المجتمعات.
2. العامل الآيديولوجي Idology Factor: ترتبط العوامل الآيديولوجية بالمذهب، والعقائد الفكرية السائدة في المجتمع، وهذه المذاهب، والعقائد عرضة للتغير؛ لارتباطها بالتيارات، والعوامل الثقافية، والتكنولوجية؛ لذا، فإنها تتأثر بها، وتجعلها تتغير من حين إلى آخر؛ لارتباطها بتطور المجتمع، فضلاً عن ارتباطها بالعادات، والتقاليد، والقيم الفكرية فيه، وأي تغير فيها يؤدي إلى تغير هذه العادات، والتقاليد، والقيم تبعا لذلك.
3. العامل الايكولوجي (البيئي)، والطبيعي Ecological Factor: لبعض التغيرات الاجتماعية مصدر بعيد عن التحكم البشري، مثل: الأحداث الطبيعية كالزلازل، أو البركان، أو الانفجار البركاني، أو الجفاف، أو القحط، أو الموجات المدية/موجه بحرية تعقب الزلزال أحيانا، وسواها ، فيتولد تمزق حاد، ومفاجئ، ينتج تأثيرا، وضغوطا فورية، لها أثر كبير في العلاقات الاجتماعية؛ فتؤدي إلى إحداث تغيرات اجتماعية، كذلك المجاعة، وانتشار الأمراض، والأوبئة، التي تفرز تغيرات سيئة على الناس، فضلاً عن التغيرات المناخية، والتصحر، وقد اهتم ابن خلدون في مقدمته بأثر البيئة في العمران البشري، وأكد تأثير المناخ في طبيعة الظواهر الاجتماعية، وهذه العناصر تعرف من أبرز العوامل المحددة لنشاط الإنسان، وهي التي تؤثر في سلوكه، وفي عملية انتاجه؛ ما يجعل منه ممثلا للاتجاه الايكولوجي في التغير الاجتماعي.
4. العامل السكاني (الديمغرافي) Demographical Factor: تعد كثافة السكان، وحجمهم، وتركيبهم من العوامل المهمة في إحداث بعض التغيرات الاجتماعية، وأي تعديل يحدث في هذه الجماعات الإنسانية قد يكون عاملا مشجعا للتغير الاجتماعي، والسكان في أي مجتمع يكونون في تغير دائم، ومستمر من حيث التركيب، أو من حيث الحجم. فالعدد الكبير من السكان يؤدي إلى مشاكل جديدة؛ الأمر الذي يتطلب أنماطًا جديدة للمؤسسات الاجتماعية، كما أن ظهور المدن الكبيرة بعد التقدم الصناعي، ادى إلى تغير في صيغة تقديم الخدمات من قبل جميع المؤسسات الاجتماعية.
فالعامل السكاني (الديمغرافي) هو: تغير التركيبة السكانية، أو النسمة السكانية من حيث زيادة عدد المواليد، أو الوفيات، أو نقصانها، وما له من تأثير في النظام الصحي، والوضع الاقتصادي، والمشاكل المجتمعية، مثل: البطالة، والجريمة، والنزاعات.
5 . العامل الثقافي Cultural Factor : إن الثقافة، التي تعبر عن نسق العلاقات الاجتماعية، التي تجعل منها نمطا يمكن أن تكون نفسها مصدرا للتغير الاجتماعي ، فإذا أخذنا أي نسق ثقافي خاصـ، فإن التجديد قد يأتي في الداخل، أي: داخل الثقافة، أو من خارجها، وهناك ثلاثة مصادر كبرى للعناصر الثقافية الجديدة، وهي: الاختراع، والانتشار، و الاستعارة.
6. العوامل السياسية، والاقتصادية Political & Economical Factors : لقد أثر الصراع الدولي في العصر الحديث تأثيرا عميقا في البناء الاقتصادي، والسياسي للمجتمعات، وفي السياسات الاجتماعية، ومعايير السلوك، كذلك الصراع بين الجماعات المختلفة، ويتدرج هذا النوع بالصراعات الموجودة بين الطبقات الاجتماعية، فضلا عن الصراع بين الأجيال، ونقل التراث الاجتماعي إلى الأجيال الجديدة بواسطة التنشئة الاجتماعية، وعملية التجديد المستمرة، وبتنوع المعايير، والقيم، التي تسمح للجيل الجديد أن يختار ـ إلى حد ما ـ بين أساليب حياة مختلفة، أو الربط على نحو جديد بين عناصر ثقافية مختلفة في أنماط جديدة.
7 . العامل الديني Religilous Factors : إن الدين له تاثير كبير في توجيه الإنسان، وتهيئة طاقاته؛ لمواجهة تغيرات الحياة، والتقدم نحو المثل العليا، والكمال الخُلُقي، ولو درسنا الحضارات التأريخية منذ أيامها الأولى على الأرض، لوجدنا أن الدين كان العامل الفعال في توجيهها، ورسم ملامح الحياة فيها.
8. العامل البيولوجي (الحيوي) Biological Factor : لا شك في أن العوامل الحيوية المتنوعة في عالم الإنسان، والحيوان، والنبات لها تأثير كبير، وواضح في حركة التغير، فمنها وراثية، وبيئية، وهو قائم، وموجود، ويؤثر في التغير بفاعلية كبيرة، ويتضمن العامل البيولوجي تأثير الوراثة، والانتخاب الطبيعي، ثم الارتباط بين العنصر، أو العرق، والحضارة، والتغير، فالوراثة تعني التشابه، والاختلاف، الذي يتم في خلال انتقال الصفات داخل مجموعة، تتزاوج داخليا؛ فيكون أفرادها متشابهين فيما بينهم، ويختلفون عن مجموعات أخرى، أما العنصر، أو العرق (الانتخاب الطبيعي الوراثي)، فيتم عن طريق وجود عنصر متفوق، يحكم طبيعته، ويورث الأجيال خصائص، وصفات، تفوق قدرتها على البقاء؛ لأنها الأصلح، فالوراثة، والعنصر هي سبب قيام حضارات، وثقافات، كما أنها تورَّث من خلال الثقافة، وعمليات التنشئة، والاتصال الثقافي.
9 . عامل الزمن: فالحضارات الأولى شاهدة على إدراك الإنسان للزمن، فقد لاحظ الإنسان القديم مجتمعه المتغير؛ وبذلك لم يعد يعيش في حاضره فحسب، بل تطلع إلى معرفة ماضيه، ورنا لرسم مستقبله قدر الإمكان، فالتغير لا يدرك تماما إلا إذا حددت معالمه عبر فترات زمنية متعاقبة واضحة، سواء أدرك ذلك مباشرة، أم فيما بعد، فالحضارة هي جزء من التأريخ يتسم بأنه من صنع الانسان، وهي لب عملية التغير، ومحركها، فمجتمعات هذا العالم تجتاز أخطر فترات تأريخها على الإطلاق؛ بحكم الانتقال السريع، الذي تواجهه، وحالة التناقض الشديد، الذي يجري بين أعرافها التقليدية، وضرورات الواقع الجديد، فلو قارنا أنماط سلوك الناس على أساس الفترات الزمنية القصيرة (أسابيع، وشهور)، فإنها تبدو ثابتة بلا تغير، أما إذا قارناها عبر عشرات السنين، فنرى أنها تعرضت إلى تحولات ملموسة، فالزمان عامل رئيس في حركة التغير الاجتماعي. وهذه الحركة تعني حدوث اختلاف (شكلي سطحي، أو جوهري) في أي ظاهرة، يمكن خضوعها للملاحظة عبر أي فترة زمنية.
#نظريات التغير الاجتماعي:
النظرية: نسق فكري استنباطي، منسق حول ظاهرة، أو مجموعة من الظواهر المتجانسة، ويحوي إطارًا تصوريا، ومفهوما، وقضايا نظرية، توضح العلاقات بين الوقائع، وتنظيماتها. ومن نظريات التغير الاجتماعي المعروفة، هي:
1. نظرية العبقرية: وهي من أقدم النظريات، وتقوم على أساس أن التغير نتيجة لظهور عباقرة أفذاذ في المجتمع كالمصلحين، والقادة، وغيرهم، يقومون بتغيير أنظمة المجتمع، والمفاهيم، والأفكار، والتقاليد، والعادات، وأنماط السلوك. ويقومون بتغيير كل شيء في مجتمعهم حتى معتقداتهم، والنظم.
2. نظرية الحتمية: وأصحاب هذه النظرية يرون أن عملية التغير تتم بصورة مقررة، وموضوعة؛ نتيجة عوامل معينة، وأن ظهور أي فكرة، أو موضوع لابد من أن يحمل في كنهه عنصرا كامنا يحتم التغير.
3. الحتمية التطورية: وهي التي تؤمن بأن التطور شيء حتمي، وأنه لابد من أن يتغير كل شيء في وقت ما، وبحالة ما، وهي تتطور إلى الأحسن، والأفضل .
4. الحتمية الاقتصادية: وهي التي تؤمن بأن تطور النظام الاقتصادي، وتغير اقتصاد المجتمع شيء حتمي؛ وهو يؤدي بدوره إلى تغير المجتمع كليا، فالدول التي يكتشف فيها النفط يحدث تغير في ميزان اقتصاد الدولة، ثم يتغير المجتمع كله: تربويًّا، واجتماعيًّا، وثقافيًّا.
5. نظرية الانتخاب الطبيعي: وأصحاب هذه النظرية يرون أن التغير يتم بمفهوم دارويني، أي: أن الغلبة للأصلح، والبقاء للأقوى، ويتم التغير على هذا النهج، أي: أن التغير يتم باختيار الظاهرة الأفضل، والأقوى، والأبقى في كل الأمور، ويكون التحكم له في عملية التغير.
6. نظرية التغير الدائري: وتقوم هذه النظرية على فكرة أن المجتمعات تتطور، وتزدهر، ثم تختفي، وتندثر، وتشير هذا النظرية إلى أن التغير يسير على سنن ثابتة، تكاد تشبة سنن الطبيعة في عمومها، ودوامها.
7. نظرية التخلف الاقتصادي، والاجتماعي: ويرى أصحاب هذه النظرية أن عملية التغير تعزى إلى عامل التخلف في العوامل المادية، وغير المادية وسواء كان تغيرا اقتصاديا، أو اجتماعيا؛ فانه يحدث تغير كلي في المجتمع، فالتخلف كالتقدم يؤدي إلى تغير كيان المجتمع.
#مشكلات التغير الاجتماعي:
ينتج عن التغير الاجتماعي بعض المشكلات، منها:
أولًا: الصدمة الثقافية: وتحدث للفرد عندما يواجه تغيرات سريعة، مثل تغيير مكان إقامته من الريف إلى المدينة؛ والنتيجة هي عدم قدرة الفرد على التكيف السريع مع المتغيرات الجديدة.
ثانيًا: التفكك الأسري: قد يُحدِث التغير الاجتماعي ضعفا في العلاقات الأسرية؛ مما قد يعقّد حياة الأسرة، ويُضعِفُ قدرتَها على القيام بمهماتها التربوية، والاجتماعية.
ثالثًا: الفجوة الثقافية: تتكون كل حضارة إنسانية من جانبين: مادي ملموس، ومعنوي محسوس. فعندما يحدث تسارع في تطور الجانب المادي، وتباطؤ في الجانب المعنوي، يحدث ما يسمى بالفجوة الثقافية.
رابعًا: خلاف الأجيال: يحدث هذا الخلاف عندما يظهر سلوك اجتماعي، أو أخلاقي جديد يناقض تقليدا، أو قيمة قديمة، لا يمكن الجمع بينهما في وقت واحد، كتمسك جيل الآباء، والأجداد بقيم كانت سائدة، ومطالبة الجيل الجديد التمسك بها.
خامسًا: ظهور أنماط سلوكية جديدة عن الشباب: يؤدي التغير إلى ظهور اشكال متعددة من المتغيرات المادية، التي لا يستطيع بعض الشباب إشباع حاجاتهم منها بطرائق مشروعة؛ فيلجأون إلى الوسائل غير المشروعة؛ لتلبية هذه الاجتياجات.
سادسًا: الهجرة الواسعة من الريف إلى المدن الصناعية، وازدياد الطلب على الخدمات.
سابعًا: سيادة الاتجاه نحو المادية، فالغاية تبرر الوسيلة في هذه المجتمعات، وكثرة الميل نحو الأنانية، والفردية، وإهمال النواحي الروحية، والعقائدية.
#ما هي معوقات التغير الإجتماعي؟
يعترض التغير الإجتماعي مجموعة من المعوقات، من أبرزها الآتي:
1. العوائق الاجتماعية: وتقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي:
الأول: الثقافة التقليدية/ العادات، والتقاليد: تعد الثقافة التقليدية عائقا للتغير الاجتماعي في المجتمعات، التي تسود فيها الثقافة التقليدية القائمة على العادات، والتقاليد، التي تميل إلى الثبات، وتقاوم التغير، والتجديد. ففي الهند مثلا يعيش غالبية سكان بعض المناطق في حالة سوء تغذية شديدة، على الرغم من امتلاكهم أعدادًا هائلة من الأبقار، التي تُحرّم الطائفةُ الهندوسية ذبحَها.
إذ تمثّل بعض العادات القديمة، والتقاليد المتوارثة، معوقات دون الابتكارات؛ ويتصلب هذا العائق حينما يكون الكبار، والشيوخ هم أصحاب الحل، والعقد؛ إذ يكبر عليهم تغير عاداتهم.
الثاني: البناء الطبقي للمجتمع: فإن نظام الطبقات في الهند يحدد المهن، التي يعمل بها أفراد كل طبقة، ويتوارثونها بصرف النظر عن الكفاءة، وهذا النظام يعيق عملية التغير الاجتماعي.
الثالث: طبيعة البناء الاجتماعي: وهوالبناء الطبقي؛ فإذا كان هناك نوع من التماسك، يكون معيقًا للبناء الاجتماعي؛ والتغير الاجتماعي قائم على المواهب، والمهارات المكتسبة.
الرابع: الميل للحفاظ على الامتيازات/المصالح الذاتية: يُجْبَه التغير الاجتماعي بالمعارضة؛ كلّما تهددت مصالح الأفراد والجماعات؛ إذ تخاف بعض فئات المجتمع على امتيازاتها، وحقوقها المكتسبة؛ لذا تواجه التغيرات الاجتماعية مقاومة من هذه الفئات؛ مما يعيق مسيرة المجتمع، وتطوره، ومثال ذلك مقاومة الاقطاعيين للإصلاح الزراعي؛ خوفا على مصالحهم، وقيام العمال بتحطيم الآلات في بداية الثورة الصناعية؛ خوفا من ضياع فرص عملهم، والاستغناء عنهم.
فقد أكد (أوجبرن) مقاومة أصحاب المصالح الذاتية للتغير؛ حرصاً على امتيازاتهم، مثل: معارضة أصحاب السيارات لبناء السكك الحديدية؛ لخوفهم من منافستها، أو معارضة بعض العمال الزراعيين لدخول الآلة الزراعية؛ لتأثيرها في حياتهم؛ أو معارضة العمال في القطاع الصناعي لسياسة الخصخصة؛ لتأثيرها في طرد بعض العمال من شركات قطاع الأعمال العام. وفي بداية الثورة الصناعية قاوم العمال الإصلاحات، التي حاول الإصلاحيون إدخالها في الإنتاج، ومن أمثلتها في العصر الحديث (مقاومة الكمبيوتر في المكاتب).
2. العوائق الاقتصادية: إن نشاط حركة الاختراعات العلمية المستمرة؛ من شأنه أن يؤدي إلى سرعة التغير. وهناك متغيرات عديدة، تتعلق بالموارد الاقتصادية المتاحة، وبالقدرة الشرائية للمواطنين، وغير ذلك، وهي عوامل تؤدي دورا مؤثرا في عملية التغير الاجتماعي،وتقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي: ركود حركة الاختراعات، والتكلفة المالية، ومحدودية المصادر الاقتصادية.
إذ إن عدم توافر مواد خام، وقلة الإمكانات المادية، وانخفاض المستوى التعليمي، والاجتماعي، وغياب التجشيع، والتحفيز في المجتمع؛ كل ذلك يؤدي إلى ركود حركة الاختراعات. وكذلك، فإن شح الموارد الاقتصادية لدى بعض المجتمعات، وعدم توافر الثروات المعدينة، أو الطبيعية، أو عدم امتلاك الوسائل التكنولوجية الحديثة يؤدي إلى انخفاض معدلات الاستثمار، والتقليل من نجاح خطط التنمية فيها، وينعكس ذلك على خصائص المجتمع.
3. العوائق الأيكولوجية ((الإيكولوجيا، أو علم البيئة (بالإنجليزية: Ecology) هو العلم، الذي يهتم بدراسة العلاقة بين الكائنات الحية - بما فيها البشر- وبين بيئتهم المادية، ويسعى إلى فهم الروابط الحيوية، التي تربط بين النباتات، والحيوانات، وبين البيئة من حولهم. ويوافر علم الإيكولوجيا ـ أيضًا ـ المعلومات الكاملة حول فوائد النظم البيئية، وكيف يمكن للبشر استغلال موارد الأرض بطرائق، تجعل البيئة صالحة للعيش للأجيال القادمة، وقد اجترح هذا المصطلح ـ الإيكولوجيا (Ecology) ـ العالم البيولوجي الألماني المعروف ارنست هيجل (Ernest Haekgl) 1834 - 1919 م، وقد استخدم هيجل مصطلح Okologie أول مرة عام 1866 م، في كتابه تاريخ الخلق (The History Greation) ونشره عام 1876 م، وأصل الكلمة مشتق من كلمتين يونانيتين هما: كلمتا Oikos ، وتعني: مسكن، أو مأوى، و ogos ، وتعني: علم، أو مبحث، أو نظرية الخ... وقد وضع هيجل هذا المصطلح بدافع من تأثره المباشر بنظرية النشوء، والتطور، التي وضعها تشارلز داروين، في كتابه أصل الأنواع (The Origin Of Species)، الذي ألفه عام 1859م، وبعضهم يعد هذا الكتاب الأساس العلمي الأول عن الإيكولوجيا)) إن تأثير البيئة الطبيعية في المجتمعات واضح سواء أكان إيجابا، أم سلبا. فالبيئة الطبيعية من مناخ، وسهول، وجبال، وأنهار تؤثر في تكوين حضارة المجتمعات، فقد قامت الحضارة القديمة، مثل : حضارة البابليين، والآشوريين، والفراعنة، وغيرها حول المناطق الغنية، ولا سيما حول ضفاف الأنهار، وبالعكس، فإن شح الموارد الطبيعية يعيق عملية التغير، وبناء حضارة كبيرة؛ فالعزلة الطبيعية، التي تعيشها المجتمعات؛ نتيجة إحاطتها بالصحراء، أو بمنطقة جبلية وعرة المسالك من شأنه أن يعيق اتصال المجتمع بغيره من المجتمعات الأخرى، أي: أن الموقع الجغرافي في هذه الحال يفرض على المجتمع عزلة طبيعية (أيكولوجية) تعيق التغير الاجتماعي فيه، إلا أن التقدم التكنولوجي، وما يسمى بثورة المواصلات، والاتصالات تخفف من هذه العزلة. فالعوائق الاقتصادية مع غيرها من العوائق تؤدي إلى تكوين الانغلاق الطبقي، وركود حركة الاختراعات، والتجديد. كما أن سهولة اتصال المجتمع بغيره من المجتمعات الأخرى تؤدي إلى الانتشار الثقافي، الذي بدوره يساهم ـ إلى حد كبير ـ في التغير الاجتماعي .
4. العوائق السياسية: وتقسم إلى قسمين، هما:
أ. السياسة الدخلية: وتتلخص عوائق السياسية الداخلية بعدم التجانس في تركيب المجتمع؛ بسبب الأقليات في بعض المجتمعات، مثل الاتحاد اليوغسلافي (سابقا). وعلى العكس من ذلك، نلحظ كيف تقبل العراق العديد من الأقليات، التي اندمجت فيه. وأصبحت جزءا لا يتجزأ منه، فضلا عن إسهامها في نهضته الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، وأثرت المجتمع العراقي بالعديد من التغيرات الاجتماعية الإيجابية.
ب. السياسة الخارجية: وتتمثل السياسة الخارجية بما يخلفه الاستعمار، والحروب، التي تستنزف موارد مالية، وبشرية هائلة، تبقي المجتمعات في مشاكل اجتماعية، واقتصادية، تشغلها عن النهوض بمستوى معيشة أفرادها، وتقدمها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل شديد: الهجوم على رفح قد يغلق ملف الأسرى والرهائن إلى ما


.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأونروا: يجب إنهاء الحرب التي تش


.. الأمم المتحدة تنهي أو تعلق التحقيقات بشأن ضلوع موظفي -الأونر




.. أخبار الصباح | حماس تتسلم الرد الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى..