الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفسير نظرة المسلمين المشوَّهَة للتاريخ.

اسكندر أمبروز

2021 / 12 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تقديس وتمجيد التاريخ وأحداثه هي أحد أشهر المشاكل التي قد تواجه أي مجتمع , فهي تمنع أفراد ذلك المجتمع من رؤية التاريخ على حقيقته وتمنعهم من التعلّم من أخطائه وتجنّب السقطات المختلفة التي وقع فيها أسلافنا سوائاً على صعيد الأخلاق أو السياسة أو الأفكار والثقافة.

والتاريخ يعتبر لدى العديد من المؤرّخين علماً حقيقياً , نظراً لاحتوائه على مصادر المعرفة المشابهة لأي مجال علمي آخر , ففيه الآثار والأحافير والأبنية والصروح العمرانية وغيرها من الأدلّة المادّية , علاوة على التجربة والبحث التجريبي المتعلّق بالنظر في الآثار المكتوبة والماديّة لتوضيح طريقة حياة الأسلاف من أكل وشرب وحرب وقتال وتنقّل وتجارة...الخ. في إطار علمي مادّي تقوم به جامعات عديدة في الدول الغربية.

وكل هذه الأمور تقوم بتغذية وعي الشعوب الغربية فيما يتعلّق بتاريخها وتاريخ الحضارات الأُخرى , فهي لم تكتفي بقراءة النص التاريخي بموضوعيّة مطلقة , وإنما بالبحث في الأحافير والآثار لتفنيد أي مبالغات نصّية مهما كانت بسيطة ومتواضعة , لإعطاء أدق وأفضل صورة ممكنة عن الحدث التاريخي أو الحقبة التاريخية المدروسة والمطروحة للنقاش بغض النظر عن الأحداث إن كانت سلبية أم إيجابية في منظورنا الأخلاقي المتحضّر اليوم.

ولو قارنّا ما سبق مع نظرة شعوبنا للتاريخ سنرى المضحك المبكي بكل معنى الكلمة ! فشعوبنا لم تكتفي بعدم قراءة التاريخ أصلاً , كونها أمّة "ما أنا بقارئ" في مختلف المواضيع وليس فقط في التاريخ , وإنما تطوّر فيها الجهل ليصل لمستوى تشويه النص التاريخي و وتلميعه وتعليبه فيما يتماشى مع المزاج العامّ والخرافات والدجل والصوة المغلوطة التي يرسمها رجال الدين والحكّام عن تاريخ هذه الشعوب الداعشي.

ومن يعلم حقيقة هذا التاريخ إمّا يقوم بتشويهه كما ذكرنا , كالمسخّف العربي والتفاهات التي يقوم باستفراغها ليل نهار في الجامعات والمدارس والإعلام أو المواد الثقافية كالمسلسلات والأفلام وغيرها من أساليب نقل الدجل والكذب والتدليس المتّبعة لتلميع الصورة العفنة لتاريخ الدواعش الأوائل وبالتالي دينهم الملعون...أو من يعلم حقيقة هذا التاريخ ويتفاخر به رغم ذلك ويسعى لإعادة تطبيقه اليوم كالجماعات الإرهابية الإسلامية والسلفيين ورجال دين بول البعير بشكل عام.

والأمثلة على هذه المفارقة بين شعوبنا والشعوب الغربية كثيرة جدّاً ولا تحصى , فمثلاً نرى المواطن الأوربي أو الأمريكي يذم وينتقد الحروب الصليبية في كل مرّة تذكر فيها وفي أي نقاش , مفسّراً لما حصل من مجزرة القدس الى معرّة النعمان وغيرها , على أنه تسلّط من الكنيسة والدين على المجتمع في حقب مظلمة سادت فيها الخرافة الدينية , وحتى أن غالبيّة المسيحيين اليوم أنفسهم ينتقدون تلك الحروب وتاريخ الكنيسة الكاثوليكية والتاريخ المسيحي بشكل عام إن وُجد فيه صور مشابهة...

في حين نرى العكس لدى شعوبنا المغيّبة , فهي لم تكتفي بجهلها المدقع في هذه المسائل , وإنما تعمل على نشر معلومات مغلوطة وتجهيل مقصود بالحقائق سوائاً في مناهج التعليم أو الكتب والمجلّات أو الإعلام المرئي على التلفزيون والأفلام أو حتى على اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي.

فلو عدنا لمثل الحروب الصليبية , سنجد المواطن البول بعيري يتشدّق ويحتفل وتباهى "بسماحة" صلاح الدين "ورقيّ أخلاقه" عندما عفى عن المسيحيين في القدس ولم يرتكب فيهم مجزرة كما فعل الكفّار الزنادقة حين دخلوها !!! ولكن المشكلة في هذه النظرة والأُطروحة أنها كذبة ! كذبة كذبها المسخّف البول بعيري وصدّقها المجتمع البهيمي من ورائه ! كذبة روّج لها رجل الدين وتناولها أتباعه دون أي تفكير أو تدقيق ! ومثال يوضّح نظرة شعوبنا المنقوصة والتافهة للتاريخ بشكل صارخ ومؤسف.

فصلاح الدين أراد أن يقتل سكّان القدس من المسيحيين , ولكنّه عدل عن ذلك نظراً لمستشاريه الذين أقنعوه أن يُخرجهم من المدينة مقابل فدية باهظة , والتي لم يتمكّن من دفعها سوى ثلث المدينة تقريباً , وأما ما تبقّى من سكّان مسيحيين من نساء وأطفال ورجال , فتم أخذهم كعبيد وبيعوا بأسواق النخاسة وتجارة البشر الإسلامية المعروفة في دمشق والقاهرة وغيرها من المدن.

فعفو صلاح الدين لم يكن عفواً وإنما سياسة محبوكة للاستفادة المادّية عوضاً عن القتل الذي لم يرى فيه فائدة له , والتي أودت بحياة عشرات الآلاف من سكان القدس الى مصير أسوأ من الموت ألا وهو الاستعباد !

وهذا ناهيكم عن قتل صلاح الدين للأسرى من فرسان المعبد والإسبتارية وغيرهم من المحاربين الذين لم يشملهم شرط الفدية بعد حصار القدس , لا بل وتعذيبهم وتعليقهم في شوارع دمشق وتركهم حتى الموت عرضة للسب والشتم والقاذورات من قبل سكّان المدينة !

وغيرها من الأمثلة التاريخية التي يجهلها بهائم الصحراء , أو يتفاخرون بها ويريدون إعادة تطبيقها في يهود اسرائيل مثلاً أو في الكفّار والعالم كلّه إن استطاعوا.

وطبعاً هذا المنظور التاريخي الأعوج والمغيّب ليس سوى طريقة من طرق الترقيع والتلميع التي يتبعها السياسيين في دول بول البعير أو رجال الدين وغيرهم من المرقّعين لدين لا عدوى , فهم يعلمون حق العلم عن الرابط المتأصّل بين دينهم وتاريخهم , فهو ما حرّك كل تلك الفظائع والجرائم من قتل واحتلال واستعباد وسبي واغتصاب وهتك للأرض والعرض ولحرمة الحياة الإنسانية بشكل عام , ولهذا يستحيل أن يعترف الدعدوش بتاريخه الأسود , فاعترافه بهذا الأمر هو اعتراف منه ببطلان دينه وفساده أخلاقياً وفكرياً وفلسفياً.

ولهذا نرى كل هذا التقديس للتاريخ والشخصيات التاريخية , وهذا الفعل من التقديس والتلميع والتدليس التاريخي ليس سوى محاولة من أشخاص بؤساء يحاولون ترميم دينهم المتهاوي والمتساقط نظراً لخزيهم أمام البشرية من هذا التاريخ , ولو سنحت لهم الفرصة لإعادة تطبيقه لما رأيناهم يدلّسون ويكذبون على بهذا الشكل.

وهذا كلّه طبعاً لا يعدو عن كونه صورة أو لقطة من مسلسل الحيونة الإسلامية والجهل المتفشّي في أمّة رضاع الكبير , والخطورة من هذا المنظور المغلوط للتاريخ الداعشي , وتلميع فظاعاته يكمن في عدم الاستفادة منه اليوم , فكيف لأمّة أن تتفادى أخطاء الماضي , إن كانت تجهل تلك الأخطاء أو تسعى لإعادة ارتكابها ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر