الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اهتراء الأديان

جواد كاظم الدايني

2021 / 12 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إهتراء الاديان....
بحسب التاريخ، كان الفرعون المصري اخناتون اول من نادى بفكرة " التوحيد"، غير أن هذا التوحيد ما كان لينفي بقية الإلهة وإنما اختار له إِله معين يكون هو الاله الواحد الحق، اما باقي الالهة فهي باطلة او على باطل، بدون دعوة لانكار وجودها، ومنه اخذ اليهود فكرة التوحيد اللي تنسب لهم تاريخيا، وطوروها لتصل لانكار وجود أي اله غير الذي يعبدونه. بعد ما كانت الآلهة جزء من حياة الناس الاجتماعية في عصور الوثنية أصبحت تتعامل بفوقية مع الناس وبالكثير من الاستعلاء والعنجهية والتفرقة وظهرت تدريجيا، مع فكرة التوحيد، السلطة الإلهية والدينية لأول مرة على المسرح الارضي. بعض الدراسات فسرت عداء شعوب المنطقة والعالم لليهود، كان بسبب تقويضهم لفكرة التسامح وإعطاء السياسة والأخلاق والصراعات والقتل والكراهية بعداً مقدساً باحتكارهم سلطة الحق وبأعتبار أنفسهم شعب الله المختار. على خطاهم سارت المسيحية والاسلام، وهذا الاخير كان مسؤولا عن النضج النهائي لفكرة التوحيد وذهب، سياسيا، لاخضاع الناس لعقيدته أو دفع الجزية، واسباغ صفات الضلال والكفر والجهل والعصيان عليهم، والتي أصبحت تهماً تستوجب العقاب والقتل، في تطور خطير لفكرة اليهود عن الآخرين الذين لا يدينون بدينهم.
ستكون البشرية على موعد مع سلطتين تحاولان تفسير العالم، وهما السلطة الدينية والسلطة الدنيوية، وفيما يتمتع الدنيوي بعقل منفتح وقدرة على تطوير ادواته الفكرية والعلمية والعملية، ظل الديني قابعا بظلمات التاريخ البعيد، يحفه التقديس والمباركة المزيفة على يد كهنته وقساوسته ورجاله، وبدا انه يفقد زخمه للاستمرار، لولا أن البشرية ما زالت عالقة بالجهل والعاطفة الدينية والحاجة الروحية. المنجزات العقلانية والنقدية أظهرت القدرة على تقويض التفسيرات الدينية بسهولة، فيما لم يجد الديني غير اللوذ باتهام ناقديه بالهرطقة والزندقة والتعدي على ايمانات الناس.
انتصر العقل في أوروبا وبقاع كثيرة من هذا العالم، بعد العملية التفكيكية والتحليلية الكبيرة التي تعرض لها المقدس، باستخدام المناهج العلمية والفكرية الحديثة، وهو ما ادى إلى انزوائه التدريجي بشكل واضح، وفرض العلم والعقل بحججه المنطقية وادلته التجريبية رؤيته عن العالم.
شهد العالم، وشهدنا نحن متأخرا، طرحا لفكرة التجديد واعادة قراءة الديني كمشروع وجود وهوية ومحاولة لدفعه من جديد لواجهة العالم، وشكل لدينا أزمة حقيقية لان هذه العملية لم تكن الا محاولة تلفيقية واعادة تدوير للتراث الديني ولم تستطيع الصمود أمام زخم العلم والعقل النقدي مما اضطره للانكفاء واتباع أساليب الترهيب والتهديد لتعويض ضعف حججه ومنطقية افكاره، وكان ازدراء الاديان إحدى التهم الجاهزة بوجه منجزات العملية النقدية، وبخاصة انها نجحت بكسر احتكار الديني لتفسير التراث والنصوص المقدسة، ومحاولة لتقديم تفسيرات واقعية للتاريخ، غير مبالية بفكرة المقدس التي اعمت البشرية عن فهم التاريخ بشكل عقلاني ومنطقي، اعتبر ذلك تهديدا خطيرا لشرعية الرواية الرسمية التي يقدمها الديني عن التاريخ َالنصوص المقدسة، الرواية التي ضمنت لهم الهيمنة والشرعية للتحكم بمقدرات الناس، وضمان ولاء الاتباع والمريدين. الموضوع هنا لا يتعلق بفكرة الإيمان ابدا، وإنما يتعلق بحقيقة ان السلطة الدينية لا تختلف عن أي سلطة في العالم تحاول اخضاع الناس لها، فما دامت تمتلك مشروعا كاملا لتفسير العالم وتطرح رؤية ومنهجا لما يجب أن يكون عليه، فهي ليست محرمة على النقد ولسنا معنين بأدعاها القدسية التي تلوذ بها لتعويض رجعية وتخلف ما تطرحه، مهما ساقته من تبريرات وادعاءات للتمسك بحقها في الاعتقاد، وبخاصة عندما يخرج الاعتقاد من الشخصنة الى الفضاء العام والممارسة السياسية.
كل ارهاصات الديني، تتعلق بمصلحة طبقة رجاله وكهنته وقساوسته، وهم يستشعرون خطر زحف العقلانية والعلمية على المساحات التي يشغلونها الان في هذا العالم، وأعتقد إن المسألة مسألة وقت حتى يأخذ كل ذي وجود حجمه الحقيقي.

جواد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج


.. 101-Al-Baqarah




.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah