الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا 1917: الجندر، الطبقة والبلاشفة

ساندرا بلودوورث

2021 / 12 / 16
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


إذا كان المؤرخون يبحثون عن المجموعة التي أطلقت الثورة الروسية، عليهم ألا يختلقوا أي نظرية. بدأت الثورة الروسية بواسطة النساء والأطفال الجوعى اللواتي طالبن بالخبز والسمك. بدأن بتدمير عربات الترامواي ونهب بعض المتاجر الصغيرة. في وقت لاحق، طمحن، إلى جانب العمال والسياسيين، للإطاحة بالنظام الأتوقراطي الروسي. (1)

“من خلال إثارتهن، عن طريق الصدفة، لحالة واسعة من التمرد المدني، أظهرن [نساء الطبقة العاملة في بتروغراد] عجز الحكومة عن الحفاظ على القانون والنظام في مركز قوته. (2)

يوم 23 شباط/فبراير (8 آذار/مارس بحسب التقويم الغربي) عام 1917، احتفلت آلاف العاملات الغاضبات في حي فيبورغ في بتروغراد، مركز الطبقة العاملة الراديكالية والمناضلة، بيوم المرأة العالمي من خلال مسيرات حاشدة في الشوارع. ورفضت زوجة القيصر نيقولا الثاني، الحركة الاحتجاجية ووصفتها بـ”الشغب”، وأخبرت نيقولا أنه “إذا كان الطقس باردا، فمن المحتمل أن يبقين في المنزل”. (3) وسارت النساء بالقرب من مراكز العمل حيث يمكن للعمال المنظمين والأكثر خبرة من أجل التضامن معهن. ووصف عامل في مصنع نوبل مشهدا ذات دلالة:

“كان يمكننا سماع أصوات المتظاهرات في المصنع… “تسقط الأسعار المرتفعة!”، “يسقط الجوع!”، “الخبز للعمال!” فهرعت والعديد من الرفاق إلى النوافذ… فتم فتح بوابات مطحنة بولشايا سامبسونيفسكايا. فملأت المتظاهرات الغاضبات الممرات. وبدأن بالنظر إلينا والهتاف وقبضاتهن مرفوعة: “أخرجوا!” “توقفوا عن العمل!” فتزايد عدد المتفرجين على النوافذ. ومن ثم قررنا الانضمام إلى المظاهرة. (4)

بحلول نهاية اليوم وصل عدد المتظاهرين/ات إلى أكثر من مئة ألف، أي ثلث حجم القوى العاملة في المدينة الصناعية، وبدأ الإضراب (5). في اليوم التالي، تواصلت الاجتماعات والبيانات والمسيرات وارتفع عدد المضربين/ات ليصل إلى 200 ألف.

في ظروف أخرى، لن يكون ذلك رواية غير اعتيادية للحركة العمالية الروسية: فالمتظاهرات تظاهرن حول المصانع ينادين العمال للخروج، الذين انضموا إلى المظاهرة تضامنا معهن. ولكن ما أعقب ذلك سلط الضوء على هذه الأحداث.

بعد خمسة أيام أسقط نظام حكم عائلة رومانوف الذي استمر لأكثر من 300 سنة تحت أقدام أولئك “المشاغبين/ات” الذين/اللواتي نالوا/ن تعاطف الجنود. وكانوا/ن مدعومين/ات من جميع القوى العاملة بدءا من بتروغراد وصولا إلى موسكو. انتشر تمردهم كالنار في الهشيم إلى مدن أخرى، عبر السهول الخصبة والتوندرا المتجمدة والجبال القوقازية للامبراطورية الروسية. في مشهد مهين داخل عربة قطار،تقطعت السبل بنيقول على بعد 300 كيلومتر جنوبي بتروغراد، أجبر على التنازل عن العرش من قبل جنرالاته. كانوا خائفين من فطنته، لأن قواتهم المسلحة كانت قد جردتهم والقيصر من سلطتهم.

ثورة فبراير: مسألة العفوية

هناك العديد من الموضوعات والتفسيرات المتداخلة حول إضراب اليوم العالمي للمرأة تستحق قراءة نقدية. فغالبا ما يتم تصوير تحركات النساء على أنها فئوية غير منضبطة وغير سياسية. وأنه من قبيل الصدفة أنهن أشعلن الثورة. يعزز هذا الموضوع الأسطورة القائلة بأن هذه الثورة حقيقية وقابلة لدعم الشعب، في حين أن ثورة أكتوبر كانت مجرد انقلاب بلشفي. وكما أوضحت المؤرختان النسويتان جين ماكديرميد وآنا هيليار في كتباهما المفيد للغاية “قابلات الثورة”: “إنها صورة للقوة الفئوية للعاملات ولمشاركتهن في الفوضى الاجتماعية عام 1917 ولكنها تظهر صورة البلاشفة كمتلاعبين دائمين ومغتصبين للحركة الشعبية”. (6)

ويسأل الطلاب هل كانت ثورة فبراير “عفوية” أو أنها كانت “منظمة”؟ وفي الحالة الأخيرة من الذي قادها؟ السؤال يقوم على افتراض أن “العفوية” و”التنظيم” يتعارضان. لكن هذا لا يوضح المشكلة، إنما يشوشها فقط. ما هو المقصود بمنظمة؟ التحضير والتخطيط، أو وجود منظمات سياسية؟ العديد من المناقشات تنظر إلى هذه الأخيرة؛ حيث المنظمات السياسية لم تكن هي المبادرة لثورة فبراير، حيث مضى بعض الوقت قبل أن تلتحق بالأحداث.

أعتقد أنه يوجد تركيز كبير، بشكل عام، على الجانب العفوي لثورة فبراير، ويرتبط ذلك بالموقف من النساء. فالحسابات التي تؤكد على عفوية النساء غير المخطط لها تقلل من دور القيادة والبصيرة والتخطيط لدى النساء أنفسهن. في نهاية الأمر، كانت المظاهرة من تنظيم عاملات النسيج اللواتي بدأن كل شيء. يقول الماركسي توني كليف، كاتب سيرة لينين: “الثورة كانت عفوية تماما وغير مخطط لها”. (7) وفي نهاية تحليله حول هذه الثورة العفوية، يقول كليف إلى أن الكادر البلشفي يوفر القيادة اللازمة. ولكن هذا غير مفيد. إن هذا التحليل يتجاهل مسألة الدور القيادي لشرائح واسعة من النساء.

تبدأ كل ثورة بتحويل الأحداث بشكل غير متوقع، لكنها عادة لا تثير فورة من التحليل التاريخي لظاهرة العفوية هذه. على سبيل المثال، وصف الماركسي كريس هارمان، الذي كتب عن الثورة المجرية عام 1956، بوضوح شديد كيف تحولت المظاهرة السلمية العفوية إلى ثورة عندما أطلقت عليها القوى الأمنية النار، دون أن يذكر كلمة واحدة عن العفوية. (8)

في الواقع، إن أحداث فبراير عام 1917، هي أكثر من مجرد فورة من الغضب العفوي. فقد جرت مظاهرات يوم المرأة العالمي في جو من التوتر والصراع الطبقي والاستعدادات على أساس توقع أن الثورة كانت حتمية في وقت ما قريبا.

بدأت السنة بإضراب جماهيري يوم 9 كانون الثاني/يناير، بمناسبة ذكرة مذبحة عمال بتروغراد يوم الأحد الدامي عام 1905. حيث شارك حوالي 40 بالمئة من العمال الصناعيين في بتروغراد فيه، إلى جانب العديد من النساء. في 26 كانون الثاني، احتج 700 عامل في قطاع النسيج ضد إقالة عاملة. ونظمت عاملات النسيج في منطقة فيبورغ، حيث ستبدأ مظاهرات اليوم العالمي للمرأة، إضرابا دام مدة شهر وآخرا دام خمسة أيام. في بداية شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1916، خرج ما يقارب ألف عاملة من عملهن في متجر للذخيرة حيث عملن إلى جانب العمال وطالبن بتحسين أجورهن. (9) في 14 شباط/فبراير، أغلق إضراب كبير لحوالي 84 ألف عامل أكثر من 52 مصنعا في ظل مخاوف من الطبقة الوسطى من حصول “اشتباكات” عند إعادة فتح الدوما. ويصف ريكس ويد واقع “الاضطرابات المتزايدة” خلال الإضرابات والمظاهرات التي تنتشر في مدن أخرى في كتابه الثورة الروسية 1917. في 22 شباط/فبراير، أي قبل يوم من اليوم العالمي للمرأة، وجود 30 ألف عامل، الذين أغلقت عليهم إدارة مصنع بوتيلوف العملاق الأبواب، أدى إلى “اشتعال التوترات”. وتظاهرت نساء من المصنع في مستودعات الأغذية بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية ومنعت الشرطة مسيرة احتجاجية إلى المركز السياسي للمدينة. وحذر العمال الذين التقوا بمندوبي دوما من أن ذلك سيكون بداية لحركة سياسية كبيرة وأن “شيئا خطيرا قد يحصل”. (10)

يمكن أن يبدأ سرد ثورة فبراير بالإضراب الذي حصل في اليوم السابق على اليوم العالمي للمرأة. لكن ذلك لن يقدم دورا للنساء اللواتي قدن الجماهير وهي صورة تقطع مع الصور المتحيزة جنسيا، وبالتالي أكثر إثارة للاهتمام من الموجة السابقة للإضرابات الجماهيرية. ومع ذلك، فإننا ننظر تسلسل الأحداث، وليس من المعقول الاعتقاد بأنه في هذا السياق، كانت إضرابات اليوم العالمي للمرأة نوعا من الاندفاع الفئوي وغير السياسي.

وقد شاركت النساء منذ منتصف عام 1915 في أعمال شغب كانت أكثر عفوية: تعبير عن الغضب الشديد والاحباط بسبب نقص الأغذية اللازمة لإطعام العائلات الجائعة. خلال الحرب، انضمت أعداد كبيرة من النساء إلى سوق العمل للحلول مكان الرجال الذين أرسلوا إلى الجبهة. بحلول عام 1917، شكلت النساء أكثر من نصف قوة العمل في بتروغراد. (11) وكانت مصانع الفولاذ الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية، والتي تنتج للحرب، والمتقدمة من الناحية السياسية، والمتميزة براديكالية لم يتم تقويضها بالتجنيد الإلزامي بشكل كبير ولأن مهارات العمال كانت تلبي الطلب. فازدادت نسبة العاملات من 2،7 بالمئة من القوى العاملة في صناعة الفولاذ عام 1913 إلى نسبة 20،3 بالمئة بحلول العام 1917، على الرغم من بقائهن في الغالب غير ماهرات. (12) خلال العام 1916، عانى العمال والعاملات من القلق المتزايد. في الأشهر الستة التي سبقت الثورة، أضرب مليون عامل في بتروغراد، كانت 75 بالمئة من مطالب الإضراب سياسية. (13) كانت بعض النساء يستعدن لشهور، على الأقل، قبل اليوم العالمي للمرأة، يقدمْن الاحتمالات ويقيّمن أفعالهن وخياراتهن. بحلول شهر كانون الثاني/يناير عام 1917، أشار الجواسيس (الذين أمضوا وقتهم في تسجيل كل تحرك معارض) إلى استعداد النساء للبدء التحرك:

“الأمهات المتعبات من طوابير الانتظار أمام المحلات التجارية، اللواتي يعانين من مرض أطفالهن والجوعى، في هذه اللحظات هن أقرب إلى الثورة من السيدات ميليوكوف وروديشيف وصحبهما (ليبراليات)؛ وبالطبع هن أكثر خطورة لأنهن يشكلن كتلة من المادة الملتهبة التي تحتاج إلى شرارة تؤدي إلى اشتعالها.” (14)

يوم 23 شباط أفاد شرطي إلى “أن فكرة الانتفاضة هي الوسيلة الوحيدة للهروب من أزمة الغذاء قد أصبحت أكثر شعبية بين الجماهير”. (15) وبحسب حجج العديد من السياسيين، جاءت المبادرة والبصيرة من العمال وتجربتهم خلال ثورة 1905 ومصيرها عندما جرى سحقها. كانوا يعلمون أن بعض الأمور يجب الاستعداد لها، مثل استقطاب الجنود. على سبيل المثال، كانت العاملة آنستازيا ديفياتكينا، التي نظمت مظاهرة في يوم المرأة العالمي، بلشفية لمدة 13 سنة. (16) كان عمال النسيج في العادة يقتربون من الجنود لإقناعهم بعدم مهاجمة المظاهرات. وقبل بضعة أيام من مظاهرة اليوم العالمي للمرأة أرسلت موظفات شركة العربات في جزيرة فاسيليفسكي امرأة إلى الفوج المجاور للمؤسسة لسؤالهم هل سيطلقون النار إذا تظاهرن. فنفى الجنود ذلك، وطمأنهن أن اليوم العالمي للمرأة لن يتعرضوا للمتظاهرات من هذه الشركة. بذلك، كانت النساء يشاركن في الاستعدادات للانتفاضة المتوقعة، مدركات القضايا التي يواجهنها.

يوم 25، أضرب 240 ألف شخص وانضم إليهم آلاف الطلاب إلى مظاهراتهم/ن. وازداد تمرد الجنود. حاول الضباط استعمال تكتيكات قديمة لإثارة فيهم التمييز الجندري، مشيرين إلى المتظاهرات اللواتي يقتربن من الجنود بأنهن “عرّافات مسنات” وما شابه ذلك. لكن النداءات النسائية المؤثرة التي تخبر عن تجربتهن ومعاناتهن بسبب الحرب أثرت بقلوب الجنود. وأشاد تروتسكي، في كتابه الرائع تاريخ الثورة الروسية، بالنساء ودورهن في استقطاب الجنود:

“تصل النساء إلى مقدمة التظاهرة بجرأة أكثر من الرجال، ويمسكن بالبنادق، ويسألن، يأمرن تقريبا: “ارفعوا حرابكم وانضموا إلينا”. يتحمس الجنود، ويخجلون، يتبادلون نظرات قلقة، يترددون… ترتفع الحراب بشكل فاضح فوق أكتاف الحشد المتقدم. ويتم فتح الحاجز، وتتصاعد صيحات البهجة… الثورة تخطو خطوة أخرى إلى الأمام.” (17)

وحول مسألة العفوية، يلخص تروتسكي الموضوع:

“مذهب العفوية لا يفسر شيئا. من أجل تقييم الموقف بشكل صحيح وتحديد اللحظة المناسبة لضرب العدو… من الضروري أن تكون هذه الكتلة من العمال المشتتين الذين فكروا بتجربة عام 1905، والذين انتقدوا الأوهام الدستورية للبيراليين والمناشفة… وتأملوا مئات المرات بمسألة الجيش… عمال قادرون على الوصول إلى استنتاجات ثورية مما لاحظوه وإيصاله إلى الآخرين…

التجارب، والنقد والمبادرة والتضحية الذاتية، تشربتها الجماهير وخلقت، بطريقة غير مرئية إذا نظرنا بطريقة سطحية ولكن حاسمة، آلية داخلية للحركة الثورية باعتبارها سيرورة واعية. بالنسبة إلى السياسيين المتعصبين… كل ما يحدث بين الجماهير يتم تمثيله باعتباره حالة غريزية.” (18)

وأعتقد أنه يمكننا إضافة أنه عندما تنخرط النساء فإن ذلك يصبح أكثر وضوحا. هنا ريكس ويد يقدم ملاحظة هامة:

“تمرد الجنود، الذي يعكس العدد الكبير من المجندين الجدد والمشاعر المعادية للحرب من المحاربين القدامى والمجندين على حد سواء، كان واحدا من أهم الجوانب للعديد من الأحداث غير المخطط لها وحتى العفوية من ثورة فبراير” (19)

هل يمكن عدم ملاحظة الآخرين لأن الصورة المهيمنة للانفجارات العفوية لا تتناسب مع صورة الرجال بشكل عام، والجنود بشكل خاص؟

لا توجد ظاهرتان متعارضتان: إما عفوية بدون قيادة أو عمال منظمين يقودون من الخلف. ويمكن أن يكون الأمر مزيجا من التنظيم الواعي والتقديرات الواعية ومن ثم تأتي التصرفات غير المتوقعة أو تلك التي لا يمكن التنبؤ بها أو العفوية. في حين لم يكن اليوم العالمي للمرأة منظما من البلاشفة، إحدى أكبر المنظمات الاشتراكية- لم يكن للمناشفة والاشتراكيين الثوريين مصلحة في اليوم العالمي للمرأة، إنما استجابوا فقط عندما جرت الانتفاضة بشكل جيد- لم تكن الانتفاضة في الحقيقة الانفجار العفوي الذي يرغب الكثيرون في وصفه. كانت العفوية والانتقال إلى النشاط الذاتي أكثر ما ميز بقية العام 1917، وهو ما انعكس على مجموعة كبيرة من التنظيمات، مثل مجالس العمال ولجان المصانع والجيش الأحمر (20) وما شابه ذلك، التي ازدهرت بعد الانتفاضة التي أسقطت النظام القيصري.

الجندر والطبقة (21)

تناول المؤرخ الاجتماعي دايفيد ماندل مسألة موقع المرأة داخل القوى العاملة ضمن دراسة مفصلة للطبقة العاملة في بتروغراد. (22) كانت العاملات متشابهات إلى حد كبير مع موقع العمال غير المهرة، فضلا عن ارتفاع نسبة الأمية وانخفاض الأمان الوظيفي والأجور. لكن النساء كن يتعرضن أيضا لعبء الاضطهاد الخاص بهن: المسؤوليات العائلية وصعوبات الولادة وانعدام وجود وسائل منع الحمل والتحرش الجنسي من العمال وأصحاب العمل بالإضافة إلى أفكار المجتمع والكنيسة القائمة على الأسرة الأبوية التي شجعت على استعباد الرجال لهن، ويعتبر ماندل:

“أن حياة العاملات كانت مغلقة، وهي عبارة عن ممر مستمر تقريبا بين المنزل والمطحنة الذي أبقاها معزولة عن المجتمع الأكبر وخارج ديناميات الحركة العمالية.

كان العمال غير المهرة هم الأقل فعالية في الطبقة العاملة في بتروغراد. ضمن الدوائر العمالية كانوا ينعتون، حرفيا، بالجماهير ذات الوعي المنخفض وأحيانا بالمستنقع.

حتى ذلك الوقت تكونت أغلب تلك الفئة من النساء. فكتب المناضل النقابي ف. بيرازيتش في بتروغراد عن عمال النسيج: “كانت جماهيرنا بشكل عام في ذلك الوقت [بداية عام 1917] لا تزال مغمورة كليا… إلا القليل منهم تمكنوا من أن يصبحوا بروليتاريين واعين.” (23)

كانت النساء تعمل في الغالب في المهن غير الماهرة وشبه الماهرة في قطاع النسيج، والصناعات الغذائية والكيماويات وصناعة الأحذية، أو وظائف الانتاج غير الماهرة. ومع ذلك، علق بيرازيتش على على زيادة عدد العاملات اللواتي حللن مكان العمال الذين يتمتعون بوعي طبقي في أماكن العمل التصنيعية المرتبطة بالحرب: “وصلت إلى نقطة ظهرت فيها النساء حتى على البغال حيث لم يعملن من قبل، وبين النساء في ذلك الوقت، كان هناك عدد قليل من العاملات الواعيات” (24) لذلك، وفي الوقت الذي لا نتجاهل فيه القمع الخاص الذي تعاني منه النساء، فإن ماندل يقدم نقطة مهمة: “يجب التأكيد على أنه لم يكن الجنس هو المعيار إنما مستوى المهارة والسمات الاجتماعية المرتبطة بها في روسيا التي كانت المحددات الأساسية للثقافة السياسية”. (25)

ويوضح قطاع النسيج هذه النقطة. تقوم نسبة كبيرة من النساء بالتدرب لمدة عامين إلى ثلاث سنوات في المدارس أو في التدريب الصناعي؛ تبلغ نسبة الأمية بينهن 68،2 بالمئة مقارنة مع نسبة 37،9 بالمئة في قطاع الصناعات القطنية. كانت بعض الخياطات من بنات المدن وبنات العمال. وأولئك العاملات الماهرات كن مختلفات تماما عن زميلاتهن غير الماهرات. سبع من أصل ثماني عاملات من عاملات النسيج من أصل قروي ومن بنات الفلاحين. وصفن من قبل من أجروا المقابلات بأنهن “مضطهدات” و”غير مثقفات” و”غير مهتمات بالحياة العامة”، في حين نظروا إلى الخياطات على أنهن “نشيطات” و”ذكيات” وقادرات”، مشيرين إلى اثنين منهن يشاركن بنشاط في الشؤون العامة. ويشير ماندل:

“بالفعل، كانت نسبة العاملات الماهرات قليلة ويتشابهن مع نظرائهن من الرجال المهرة بشكل أكبر من النساء غير الماهرات. والعكس صحيح أيضا: فالرجال غير الماهرين… كانوا متشابهين مع النساء غير الماهرات في كل من الخلفية الاجتماعية والثقافة السياسية. ومثل النساء، كان يشار إليهم من قبل المناشفة والبلاشفة على حد سواء على أنهم “غير متطورين” و”متخلفين” و”قليلي الوعي”. (26)

وهكذا دخلت العاملات في براثن الثورة على قدم مختلفة من عمال الفولاذ المهرة، الذين يعتبرون الطليعة، ولكن على أساس مماثل مع العمال غير المهرة. تخلط ماكديرميد وهيليار بين القضايا المحيطة بالثقافة السياسية والقيادة والتمييز الجندري. وتريان التضامن الذي أظهره العمال الذي حوّل الاحتجاج إلى ثورة بصورة سلبية: “الهرمية التقليدية للحركة العمالية أعاد فرض نفسه وأعاد فرض التمييز بين المسائل الاقتصادية والسياسية”. لكن قضايا قلة الغذاء والأجور وما شابه كانت قضايا سياسية أساسية في سياق الحرب. فالشعار البلشفي، “أرض، خبز وسلام!” الذي رددته الجماهير، لم يكن مؤشرا على أن “مشاكل الخبز والزبدة قد وضعت جانبا” كما ادعوا. (27)

الأهم من ذلك، كان من الطبيعي أن يقود من يملك خبرة أكثر. يظهر مانديل أنه في بداية فبراير عقد اجتماع للعمال في مصنع ن.دبليو. للسكك الحديدية، بأغلبهم من الرجال، وقرروا إرسال وفد إلى عمال مصنع بوتيلوف الأكثر تقدما سياسيا، لمعرفة ما كانوا يفعلونه قبل اتخاذ إجراءات بأنفسهم. في منطقة فيبورغ، كان عمال مصنع جيمس بيك للأقمشة يسعون تقليديا للحصول على المساعدة والمشورة بشأن الأمور الاقتصادية والسياسية من عمال مصنع ليسنير.

حقيقة أن النساء سارت إلى مصانع الفولاذ في فيبورغ تظهر كيف أنهن اندمجن في تقاليد الطبقة العاملة. على مدى عقود، كانت تحصل ممارسة شائعة حيث يتم الطلب من عمال مصانع أخرى لوقف العمل والخروج من المصنع، وفي بعض الأحوال يرغمونهم على الخروج. على سبيل المثال، لم يسبق لمصنع تريوغولنيك للمطاط في منطقة نارفا، والذي كان يوظف عددا هائلا من الإناث وغير المهرة، أن أضرب بتاريخه قبل عام 1917 ما عدا حين يتم “إخراج” عمال المصنع على يد زملائهم من مصنع بوتيلوف المجاور لهم. وقد ضمن هذا التقليد تصعيد النساء لتحركهم دون إثارة الكثير من المتاعب. ويروي ويد عن الأحداث التي وقعت بعد 23 فبراير:

“عمال المصنع كانوا الأكثر أهمية… فاستفادوا من خبرة الإضراب الطويلة، سرعان ما انتقلوا إلى المقدمة وقدموا المهارات التنظيمية والقيادة للمظاهرات في الأيام التالية. وقد نظموا مسيرات العمال خلال مسيراتهم من المصانع وحرضوا العمال على التظاهر بدلا من مجرد دعوتهم للعودة إلى بيوتهم. وقد ألقوا خطابات قوية تعبر عن الاضطهاد الذي يتعرض لها العمال وطالبوا فيها بإسقاط النظام. وساعد هؤلاء المناضلون في تنظيم لجان الإضراب وغيرها من المنظمات الثورية.” (28)

هؤلاء القادة، ومعظمهم من الذكور، ولكن من بينهم نساء بلشفيات، أعطوا للحركة ثباتا سياسيا مهما ولد بفضل سنوات من الخبرة. أراد العديد من العمال الاستمرار في زيادة النضالية في الشوارع. ولكن ألكسندر شليابنيكوف، أبرز زعماء البلاشفة في بتروغراد وقتذاك، حث العمال بدلا من ذلك على استقطاب الجنود إلى النضال، وهي مهمة سياسية تتطلب الكثير من الصبر، ولكنها مهمة لعبت فيها النساء دورا مهما. (29) لم يكن السؤال هو ما إذا كانت النساء ستستمر في القيادة، ولكن ما إذا كانت قدرة الأكثر تقدما في إقناع الجماهير التي استجابت لدعوة النساء للارتقاء إلى مستويات جديدة من التمرد والتنظيم.

ولأن التمييز الطبقي هو السبب الجذري لكل ظلم، خلال الثورة تجد كل المجموعات المضطهدة بعضا من أعدادها على الجانب الآخر من الخط الطبقي. يبدو ذلك سؤالا أساسيا، ولكن يتم تجاهله باستمرار من قبل المؤرخين، حيث يبحثون عن لاطبقية لـ”النساء” و”النسوية”. وتوضح حادثة حصلت يوم 1 نيسان/ابريل كيف كانت الانقسام الطبقي بين النساء. وكانت العاملات في مصنع للنسيج بشكل أساسي يتظاهرن ضد الحكومة المؤقتة. وبحسب بيرازيتش، فإن المتظاهرين/ات الموالين/ات للحكومة- الذين/اللواتي ارتدوا/ن ملابس أنيقة- استهزأوا/ن بهم/ن ونعتوهن بـ”الشراميط” و”الرعاع الأميات” و”الحثالات القذرة” و”الفاسقات الحقيرات”. فردت بيلاجيا رومانوفنا من جانب العاملات: “القبعات التي تعتمر رؤوسكم/ن مصنوعة من دمنا!”. تلا ذلك اشتباك بين الطرفين حيث خربوا لافتات العاملات واستخدموا الأخشاب لضربهن، لكن العاملات تمكنّ من تمزيق القبعات ونزعن الدبابيس من شعر النساء وتركوهن بعد أن شطبوا وجوههن بها. (30)

وعندما يكتب المؤرخون عن “النسوية” و”قضايا المرأة”، فإنهم غالبا ما يفقدون صلتهم مع الواقع. ريكس ويد، الذي يكتب ببلاغة عن المؤسسات التي أنشأها العمال، وعن مشاركة النساء في الابداع التنظيمي التي انفجرت بعد فبراير، يلجأ إلى الوعظ والتعليقات غير الواعية عندما يصل للكلام عن هذه القضايا. نشاطات النسوية البرجوازية، يكتب، “هي أبلغ تعبير عن طموحات ونشاطات النساء بالتحديد عام 1917”. وهي تتضمن، بالإضافة إلى الحق بالتصويت، الضغط على الحكومة من أجل الحق في أن يصبحن محاميات- في وقت كانت الطبقة العاملة والفلاحية بحاجة إلى تعليم لمحو الأمية! ويضيف أن “القادة الاشتراكيين كانوا مهتمين بالنساء كعمالة متدنية الأجر بدلا من كون لها اهتمامات جنسانية خاصة”. (31) كما لو أن الأجور المنخفضة ليست قضية جنسانية. يبدو الموضوع كما لو أن مطالب العاملات من أجل وضع حد للتحرش الجنسي من قبل المشرفين على العمال وأصحاب العمل، والحصور على أجر متساو، وعلى إجازة أمومة، وتوفير الرعاية للمرضى والمسنين لا تتعلق بـ”طموحات النساء”. لكن في الواقع لم تكن تلك مطالب النساء وحدهن فقط؛ فقد حارب العمال من أجلهن إلى جانب النساء بقوة كبيرة، على عكس النسويات البرجوازيات.

دفعت معارضة الحرب العاملات إلى الثورة. ولكن النسويات الليبراليات من الطبقة العليا أيدن الحرب، وتحمسن للنضال من أجل ذلك بعد الثورة. الدولة التي كن يأملن أن تحكم إلى جانب صفهن بحاجة إلى اثبات مؤهلاتها على جبهة الحرب إذا كان لها دور كقوة امبريالية يحسب لها الحلفاء حسابا. فضلا عن الدفاع عن أراضي الامبراطورية القديمة التي من شأنها أن تسهم في الحفاظ على ثرواتهن وقوتهن.

في 20 آذار/مارس، نظمت الحركة النسوية مظاهرة ضمت 40 ألف شخص في بتروغراد، فرفعت لافتات تطالب بالاقتراع العام في الجمعية التأسيسية المرتقبة- ولكن حملن لافتات كتب عليها “الحرب حتى النصر!”. عندما وصل الحشد إلى مقر الحكومة المؤقتة حاولت القائدة البلشفية ألكسندرا كولونتاي تعطيل برنامج المتحدثات من خلال اقتحامها للمسرح وإدانة دعم النسويات للفظائع الدموية للحرب وعدم جدوى مطالبهن. فدفعتها النسويات الغاضبات إلى الخروج من المنصة، وقام بعض الجنود بتهديدها بحراب بنادقهم. ولكن كما كان متوقعا، بدأ الحشد ينقسم؛ فبعض الجنود الذين كانوا في الخنادق أيدوا كولونتاي، وكذلك بعض النساء، فنظمن أنفسهن وانسحبن. (32) لم تستطع النسويات بأي طريقة جدية ومستمرة وجاذبة الحصول على دعم العاملات وزوجات الجنود. لقد استمعتن بالاحتفال بالناشطة البريطانية، من أجل حصول النساء على الحق بالاقتراع، إيميلين بانكهورست من شهر حزيران/يونيو إلى أيلول/سبتمبر. أيدت إيميلين الحرب، وعقدت اجتماعاتها في قصورهن لأن الحكومة خشيت من أن الاجتماعات العامة ستواجه بالمظاهرات المضادة. وساعدت على جمع التبرعات للكتائب النسائية للذهاب إلى الجبهة لتحل مكان الجنود الذين يغادرونها بأعداد كبيرة. هذه الكتائب هي التي حاولت الدفاع عن قصر الشتاء ضد الثورة السوفياتية في شهر أكتوبر. لم يثق العمال بالحكومة، لذا كان بإمكان العاملات أن يصعّدن ويحشدن مطالبات بالاقتراع العام في أي جمعية تأسيسية قد تنعقد، ولكن حتى في هذه الحالة لا يوجد وحدة طبقية حقيقية. دعونا نتذكر أن العاملات كن يصوتن ويتم انتخابهن في لجان المصانع والنقابات العمالية والسوفييتات.

دور البلاشفة

توثق ماكديرميد وهيليار الدور المهم الذي لعبه البلاشفة في تعليم وإشراك النساء. (33) مع ذلك، فإنهما تشككان بطريقة أو بأخرى بمواقفهم. هناك دائما “لكن” أو “رغم” مما يدل على رفض قبول حقيقة عدم وجود نضال نسائي “صاف”، كما يقول ريكس ويد. إنهما تبديان شعورا بالقلق إزاء الاعتراف بأن الصراع الطبقي في إطار وحدة الطبقة العاملة من النساء والرجال يمكن أن تضع حقوق النساء من الطبقة العاملة بجدية على جدول الأعمال.

كتاب “قابلات الثورة” مهم في الكثير من النواحي. ولكن على امتداد صفحات الكتاب، تكشف المؤلفتان عن عدم فهم جدي لتاريخ البلشفية وسياساتها وأساليبها. وعلى العكس من العديد من كتاب السيرة الذاتية لألكساندرا كولونتاي، تجدان ما هو “مثير للاهتمام” بأن لينين كان أحد البلاشفة الذين دعموا محاولات كولونتاي لتنظيم النساء من الطبقة العاملة بمواجهة القيادات النسائية- على افتراض أن ذلك يتناقض مع الأساطير القائلة بأن كولونتاي كان عليها النضال بوجه القيادات الذكورية للحصول على دعمهم للتنظيم بين النساء. يقول ريتشارد ستايتس، مؤرخ تحرر النساء في روسيا، أن لينين “كشف عن تمسك صلب بتحقيق المساواة السياسية للنساء” (34) كان لينين في الكثير من الأحيان هو الشخص الذي بدأ بالعمل بين النساء. كما أن الاشتراكيين الديمقراطيين نشروا أول كتيب موجه للنساء، الذي كتبته كروبسكايا في الـ 1890ات، معاونته وزوجته، وقتها كان الكتيب فكرته. وقد بذل جهدا كبيرا في مساعدة كروبسكايا على الكتابة، حيث زودها بمعلومات كان قد جمعها في بحثه عن عمله عن تطور الرأسمالية في روسيا. عام 1910، دعم لينين فكرة القيام بالنشاط بين النساء المهاجرات. ومن ثم في عام 1913، كان له دورا فعالا في تنظيم هيئة تحرير مجلة للنساء من الطبقة العاملة، رابوتنيستا (المرأة العاملة).

وتعتقد ماكديرميد وهيليار أنها “مفارقة” حصول الدعاية السياسية لنضالات النساء من الطبقة العاملة، في وقت كانت كولونتاي “العدوة النظرية والسياسية البارزة للحركة النسوية.” (35) ليس هناك ما يثير المفارقة أو التناقض حول ذلك. في ذلك الوقت كانت الحركة النسوية عبارة عن قوة طبقية تتألف من النساء الرأسماليات الليبراليات، وبالتالي عارضن معظم مطالب الجماهير النسائية. فكان الثوريون يعرفون أنفسهم كماركسيين وليس نسويين. وبمصطلحات اليوم، حيث تعني “النسوية” بالنسبة للكثير من الناس دعم حقوق النساء، فتختلط عليهم الأمور عندما نتكلم عن تلك المرحلة.

من دون شك، حصلت الكثير من المناقشات والمحاججات بين البلاشفة. ولكن لم يكن بين “نسويات” بمواجهة الذكور كما هو واضح في الكثير من الأحيان. تحدثت كولونتاي وغيرها في اجتماعات الحزب حول حق النساء بالعمل والحاجة إلى تنظيم النساء في النقابات. وهذا لا يختلف عن أي مسألة أخرى. هناك دوما خلافات داخل المنظمات الثورية، خاصة حتى يتم تأسيس العقيدة، حتى وقتها، يجب أن يتعلمها الأعضاء الجدد. خاصة مسائل حول دور الانتلجنسيا، والامبريالية والحرب كانت كلها مواضيع نقاشية. السؤال هو، ما الذي قالته القيادات وما هو الموقف؟ كانت جميع النساء المشاركات في تنظيم النساء من الطبقة العاملة متعاونات بشكل وثيق مع لينين، الأمر الذي يشير إلى أن جزءا من القيادة البلشفية أخذوا الموضوع على محمل الجد. (36)

بسبب التناقضات، ليس واضحا ما إذا كان ماكدرميد وهيليار ترفضان أو تسيئان فهم الحجج المتعلقة بالطبقة، أو أنهما تشعران بالحاجة إلى تقديم تنازلات لسياسات الهوية التي تحظى بشعبية كبيرة في العقود القليلة الماضية. لكن من الواضح أنهما لا تعرفان ديناميكيات تطور النضالات حول المطالب الاقتصادية أو كيف ربط البلاشفة فيما بينها. على سبيل المثال، تعترفان بأن البلشفي ألكسندر شليابنيكوف كان واضحا بشأن تأثر النساء من نقص الغذاء وارتفاع الأسعار وإرسال الرجال إلى الجبهة والموت هناك. لكنهما تقولان “حتى الآن لا يزال يرى تصرفاتهن غير سياسية بشكل أساسي، وهي تعبير محلي عن التعب من الحرب أكثر مما هي دلالة على الوعي السياسي المتزايد.” (37) لكن شليابنيكوف، القيادي والمتمرس بالسياسات البلشفية، يعتقد أن المطالب الملموسة والفورية احتجاجا على ظروف العمل هي المحفز الأكبر على الأرجح لنضال العمال. والتجارب الناتجة عن هذا النضال من شأنها أن تطور الوعي السياسي. (38)

مع ذلك، فإن مرجع الصفحة التي تقدمانها من مذكرات شليابنيكوف تشير إلى زمن وجوده في نيويورك. في الواقع، عندما يكتب عن أزمة الغذاء فإنه يقول: “كان العمل الثوري مهتاجا، انجذبت القطاعات الشعبية إلى السياسة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وطوابير الغذاء… كان الجو مشحونا بالنضال.” وقال أن البلاشفة قاموا بالكثير لشرح أسباب الأزمة والتحريض على هذا الموضوع. لذلك لم يرفضوا القيام بذلك باعتباره غير مهم. أكثر من ذلك، لقد استقطبوا المزيد من الناس لمساعدتهم على هذا العمل، لأنهم اعتقدوا أن الصراع حول أسعار الغذاء كان يسيّس النساء. (39)

بتناقض مع تقييمهما السلبي لكتاب شليابنيكو، اعتبرت ماكديرميد وهيليار أن البلاشفة قد أدركوا أن العدد المتزايد من النساء في نقابات مصانع الفولاذ، وتنامي نضالهن وفر “بعض الامكانيات للتحريض والتنظيم”. وكتبتا: “منذ العام 1915 كان البلاشفة يوجهون منشوراتهم إلى العاملات والعمال”. خلال يوم المرأة العالمي عام 1915، وزع البلاشفة بيانا يقول” النضال من أجل زيادة الأجور وتقصير يوم العمل ممكن فقط من خلال المشاركة الكاملة للعاملات. مهمة اليوم هي المساعدة على رفع الوعي الطبقي.” وفي 1 شباط/فبراير 1917، لاحظتا أن المناشدة “كانت محايدة جندريا”. ومع ذلك، أضافتا كلمة “رغم” إلى هذه الملاحظات: “رأى الثوريون [تنامي نضال النساء] كجزء من الصراع الطبقي العام.” (40) وكانت الكفاحية النسائية جزءا من النضال الطبقي العام الذي تغذيه وتضيف إليه. فأظهر ذلك ترددهما في قبول هذه الدينامية الرئيسية.

تؤكد ماكدرميد وهيليار أن “معارضي القيصر تجاهلوا الدليل على استياء النساء… ولم يعتقدوا أنه يمكن أن يؤدي ما هو أكثر من أعمال شغب حول “الخبز والسمك”. (41) وتبدآن الفصل المتعلق بالنساء خلال ثورة عام 1917 من خلال التأكيد على أنه “بشكل عام كان أمرا مسلما به من الثوار أن العاملات غير قادرات على دعم أي عمل تنظيمي أو تحرك، وأن سبب أي احتجاج نسائي سيكون ماديا أكثر من أيديولوجي، والاهتمام بمشاكل الحياة اليومية بدلا من الصورة السياسية الأوسع.” (42) وتشيران إلى المواقف الفوقية لنيكولاي سوخانوف، المنشفي اليساري وغير الثوري، تجاه العاملات في الاكليروس حين سخر من تقييمهن للثورة المقبلة. (43)

قامت أسس ممارسة البلاشفة على فهم أن الثورات تبدأ، سواء بدأت من النساء أو الرجال، بنفس الطريقة التي قامت بها ثورة فبراير. يتحدد الوعي السياسي انطلاقا من العمال وليس من الجندر؛ وافترضوا أن المتأخر، سواء كان ذكرا أو أنثى، يمكن دفعه إلى مستوى متقدم إذا انجذب إلى النضال.

وتؤكد ماكدرميد وهيليار أن البلاشفة لم يدعموا إضراب النساء المستمر خلال يوم المرأة العالمي لأنهم “خافوا من العفوية المفترضة وعدم انضباطية النساء”، إنما فعلوا ذلك على مضض لأنهم لا يستطعن تجاهل هذه الحالة بيهن. (44) لكن موقف البلاشفة كان منطلقا من استراتيجية حول كيفية ضمان حدوث أي انتفاضة عندما يكون العمال جاهزين لمتابعة هجومهم على النظام. وقد أقلقت الاستجابة الضعيفة والسلبية للدعوة التي وجهها الاشتراكيون للتظاهر في ذكرى يوم الأحد الدموي. وكانت اللجان الرئيسية للبلاشفة تخشى من عدم جهوزية العمال لشن هجوم عام ضد النظام. لذلك اعتقدوا أنه من الأفضل التخطيط ليوم العمال العالمي، وإعطاء الوقت للتحضير لذلك. ومع ذلك، فإن بعض البلاشفة في المصانع كانوا مع ذلك، بالإضافة إلى مجموعة تروتسكي الصغيرة.

لن تكون هذه المرة الأخيرة التي تكون فيها القيادة البلشفية أكثر حذرا من أعضائها. في 21 يونيو، وردا على تزايد تحريض العديد من عمال بترسبورغ والجنود على وجه الخصوص بهدف الإطاحة بالحكومة، فقام لينين بالتوجه إليهم عبر جريدة البرافدا: “نحن نفهم مرارتكم، ونحن نفهم حماسة عمال بترسبورغ، ولكننا نقول لكم: أيها الرفاق، الهجوم الفوري سيكون أخرقا”. كما كررت بقية القيادات هذه المشاعر. (45) ليس غير مألوف أن يواجه قادة النضال من ذوي الخبرة مقاومة الضغوط من الأقل خبرة بسبب خشيتهم من أعمال سابقة لأوانها. قد يستند منطقهم إلى تقييم لمستويات الوعي السياسي والانضباط بين أولئك الذين يدفعون باتجاه الحراك، بالإضافة إلى التوقعات بعدم وجود دعم أوسع أو رد حكومي كاف. في فبراير لم تكن هذه الاعتبارات قائمة على أساس الجندر، بحسب إشارة ماكدرميد وهيليار إلى ما توحيه الصور النمطية حول النساء، أكثر مما كانت عليه في يونيو.

على كل، ما إن طلبت النساء الدعم فقد حصلن عليه، ومع بلاشفة مثل كايوروف والعديد من القيادات العمالية أضرب العمال، كما كان التقليد. ولكن ماكدرميد وهيليار قللتا من أهمية دعوة كايوروف وغيره من البلاشفة للتضامن لأنهم كانوا مدفوعين فقط برغبتهم في “استعادة زمام المبادرة”. ولكن كايوروف كتب لاحقا: “عندما يحصل إضراب جماهيري، يجب على المرء أن يدعو الجميع للخروج إلى الشارع وأن يتولى القيادة”. وقد تم تطبيق هذا التقليد الذي استند إلى البلشفية بغض النظر عن الجندر سواء كانت الدعوة نبيهة أم لا. إن البحث عن تفسيرات لحذر البلاشفة في مواقفهم المفترضة تجاه النساء تحجب ببساطة الدروس الحيوية حول سيرورة النضال.

مواجهة التمييز الجندري

توضح الثورة أن التضامن الطبقي ضروري للطرفين خلال النزاع. فبين العمال والمضطهدين هناك حاجة للتضامن للتغلب على الانقسامات الجندرية. وكثيرا ما كانت النساء قادرات على تنظيم وقيادة الرجال، حيث قامت بأدوار تحدت بها التمييز الجندري.

وقد قام كل من ريتشارد ستايتس وماكديرميد وهيليار بتوثيق ذلك. وأظهروا/ن جهود البلاشفة المتضافرة والناجحة لإشراك النساء وتثقيفهن سياسيا. من خلال تعلم القراءة والكتابة، أصبحت هؤلاء النساء ناشطات يتحملن مسؤوليات جدية، من خلال الإضرابات والمظاهرات، وكتابة وتنسيق توزيع المنشورات البلشفية، وتنظيم التسلح، والاشراف على الاتصالات والترامواي لضمان حصول الثورة في أكتوبر على نحو سلس. وثقت القيادة البلشفية بالنساء، فبعد تسيسهن وانخراطهن النضالي، يمكنهن آداء أدوار غير نمطية. (46)

في فبراير، نظمت بلشفيتان العديد من الاجتماعات والإضرابات الجماهيرية بما في ذلك عمال الفولاذ والترامواي وساعدتا الجنود على تحرير السجناء السياسيين. كانت نينا أغادزانوفا في القيادة البلشفية، وانتخبت في سوفييت بتروغراد في منطقة فيبورغ. إيلينا غليروفا، البالغة من العمر 18 سنة، عملت كممرضة على الجبهة الروسية- التركية عام 1915، وكمحرضة للبلاشفة بين الجنود. بعد ثورة فبراير، تم انتخابها من الجنود لتمثيلهم في سوفييت بتروغراد! ثم لعبت دورا في إعداد النساء للقتال في صفوف الجيش الأحمر. وبترونيليا زينتشينكو، التي ولدت في كنف عائلة فقيرة في القسم البولندي-الليتواني من الامبراطورية، وعملت في قاعدة كرونشتاد في شهر فبراير 1917، حيث عملت خياطة لثياب البحارة. وتم انتخابها ممثلة في سوفييت كرونشتاد وانضمت إلى البلاشفة في شهر آب/أغسطس، ونظمت البحارة للذهاب إلى العاصمة وكانت مسؤولة عن حفظ الأمن في القاعدة وعن الاتصالات بين كرونشتاد وبتروغراد.

ساعدت أريشينا كروغلوفا في إطلاق سراح السجناء السياسيين في فبراير، ونظمت الجيش الأحمر في منطقتها، وكانت مندوبة لسوفيتَين. خلال تشرين الأول/أكتوبر، قادت الهجمات على المناطق الغنية بحثا عن الأسلحة للجيش الأحمر وتجريد العدو من أسلحته. وانضمت سيرافيما زايتسيفا إلى البلاشفة الذين كانوا في العشرين من عمرهم/ن عام 1915، وعملت في مصنع للفولاذ. وانضمت للجيش الأحمر في مصنعها، وكانت ضمن المجموعة التي اقتحمت مكتب البريد في أكتوبر كما شاركت في المعارك مع الثورة المضادة في ضواحي بتروغراد.

ومع ذلك، فإن التأكيدات والتردد المنتشر في كتاب قابلات الثورة تشير إلى أن البلاشفة كانوا غير مؤهلين إلى حد ما، لأنهم نظروا إلى مسألة الجندر باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الصراع الطبقي. ولكن لا يوجد طريقة أخرى لرؤية نضالات النساء. لنأخذ هذه القضايا التي يثيرها العمال: الأجور المنخفضة وغير المتساوية وإجازة الأمومة والإجازة المرضية والتحرش الجنسي في العمل، وجميع القضايا التي تبرز القمع بين الجنسين- التي لن يناضل من أجلها سوى العمال. في حين تعتمد البرجوازيات على العديد من هذه العوامل لضمان أرباح أزواجهن وعلى العمل المنزلي الرخيص. لقد كانت حربا طبقية شاملة- ومن ناضل فعلا إلى جانب العمال استطاع أن ينظم بشكل جدي بين النساء من الطبقة العاملة.

في الواقع، يحاجج ريتشارد ستايتس بأن البلاشفة تمكنوا من الاتصال بالعاملات بسهولة أكثر من المناشفة لأنهم أكثر راديكالية. بدعمهم للحكومة، وبصورة أخص عندما انضموا إليها، كثيرا ما ساوم المناشفة، وأحالوا المطالبات إلى بعض اللجان لدراستها، وراوغوا وأجلوا الإصلاحات مثل ثماني ساعات عمل في اليوم. في حين دعم البلاشفة الإضرابات والمطالب المرفوعة دون أي لبس. وقد تموضعوا إلى جانب العمال تماما لأنهم مقتنعين بأن الثورة الثانية التي سيستلم فيها العمال السلطة يمكن أن تضمن تحقيق آمال العمال.

أحد الجوانب الهامة في عمل البلاشفة بين النساء كان إحياء صحيفة (المرأة العاملة) رابوتنيستا المحظورة من العام 1914، والتي كانت تضم في هيئة تحريرها ك. نيكولايفا، وب. ف. كوديللي، وك.ن. سامويلوفا، وإليزاروفا، وبونش-بروفيتش، وكولونتاي، ولودميلا ستال- المناضلات من أجل تحرر النساء، وضمن قيادة البلاشفة لسنوات طويلة. كانت هيئة التحرير، التي ضمت ممثلين عن المصانع، تجتمع بشكل أسبوعي لمراجعة التقارير الواردة من المناطق. وتنشر مرتين بالشهر، ووصل عدد نسخها الموزعة إلى 50 ألف نسخة. وتناولت المسائل السياسية للحرب، وانتقدت الحكومة المؤقتة، والمظالم الاقتصادية وكذلك شرحت الموقف البلشفي بشأن اضطهاد النساء.

استعمل البلاشفة الصحيفة للتحريض وتنظيم العاملات وزوجات الجنود. وخلال تزايد عدد إضرابات العاملات وتجذرها، مثل إضراب 8 آلاف عاملة في مغسل خلال شهر أيار/مايو، قامت الصحيفة بدعم هذه التحركات. ونظموا لقاءات سياسية ضخمة غالبا ما وصلت أعداد المشاركين/ات فيها إلى الشارع المحيط بالقاعة. يوم 11 حزيران/يونيو، وصل 10 آلاف شخص إلى سيرك سينزينيللي للاستماع إلى خطب حول موضوع “الحرب وارتفاع الأسعار”. وتوجهت الصحيفة أيضا إلى العمال، موضحة لهم بأن يروا النساء كجزء لا يتجزأ من الحركة العمالية. تقدم ماكديرميد وهيليار موجزا جيدا لتلك المقاربة:

“من ناحية، استلزم ذلك مواجهة الصورة النمطية عن المرأة السلبية والمحافظة والاصرار على مبدأ المساواة الجندرية. ومن ناحية أخرى، ركزت على قضايا “النساء” (مثل الحضانات وضمانات الأمومة والتشريعات الحامية للعمال)، كذلك “المشاكل المحلية” المرتبطة بالحرب.” (47)

وقد وثّقتا أن الحزب البلشفي ناضل من أجل تمثيل النساء في لجان المصانع حيث كانت تشكل جزءا كبيرا من القوى العاملة (لا سيما قطاع النسيج)، الأمر الذي شمل إقناع الرجال بالتصويت لهن. (48) وقد حاربوا الفكرة السائدة التي تقول إنه مع تزايد معدلات البطالة، يجب أن يحظى الرجال بالأولوية على النساء، واستخدموا نفوذهم داخل نقابات عمال المعادن.

ومع ذلك، عبرت ماكديرميد وهيليار في خاتمة كتابيهما عن القمع الكلاسيكي للنساء بهدف الحد مما حققه البلاشفة: “كانت قابلات الثورة قليلات التعليم ويقدمن تفسيرات بسيطة لمحنتهن”. لم يكن الأمر مجرد مسألة “بسيطة” لكي نفهم أن ثورة جديدة فقط ستحقق مطالبهن وأن المنظمة الوحيدة التي التزمت بذلك كان الحزب البلشفي. ومع ذلك كما لو أنهما تدركان، في نصف الجملة، مدى الإهانة تجاه النساء اللواتي لعبن دورا في الثورة عندما خلصتا إلى القول: “لكنهن لم يكن مجرد صفحات بيضاء يمكن للبلاشفة أن يكتبوها. بدلا من ذلك تحولن في نهاية الأمر إلى الانتساب للحزب البلشفي لأنه بدا وكأنه يعبر عن اهتماماتهن كنساء وكعاملات، ويقدّر أنهن يردن التعامل مع هذه القضايا باعتبارها مسألة ملحة”. (49)

وتشير ماكديرميد وهيليار إلى “القصور” و”محدودية التجربة” كسمات للعمل البلشفي- من دون أن تقترحا على الإطلاق ما هي الممارسات الأوسع أو الأقل محدودية التي كان يمكن أن يعتمدوها. ولكن من ناحية أخرى، تقولان أن البلاشفة “يبدو أنهم تأثروا بالمسألة الطبقية أكثر من الجندر”، وهكذا “لم تتحدَّ النساء أدوارهن الجندرية ولكنهن ملْنَ إلى تبرير أنشطتهن بالقياس إلى مسؤولياتهن التقليدية”. (50) لذلك وضمن عالم متناقض من سياسات الهوية والتحليل الطبقي كأساس لفهم اضطهاد النساء، أكدتا خطأ البلاشفة لأنهم لم يقوموا بحملات حول قضايا محددة تتعلق بالنوع الاجتماعي. ولكنهما عندما تجبران على الاعتراف بأنهم فعلوا ذلك، فتقولان عنهم أنهم كانوا يعززون الصور النمطية المتحيزة جنسيا.

لقد كتب الكثير عن دور البلشفيات البارزات الرائدات، مثل كروبسكايا وإنيسا أرماند، وألكسندرا كولونتاي، وكثيرات غيرهن، ولم يكن دقيقا اختزالهن إلى زوجة لينين أو حبيبته، أو وصفهن بشكل غير لائق بـ”نسويات” بدلا من ماركسية ثورية. كانت هؤلاء النساء بشكل أساسي من الطبقة الوسطة والعليا المتعلمة، وكذلك كان أغلب الاشتراكيين. وقد مكّنهم موقعهن المتميز من النضال عندما يكون حراك النساء من الطبقة العاملة خامدا، والأخيرات مقيدات بالفقر والقمع المروع. ولكن لا يمكن أن يكون هناك شك في الموقف المهم للبلاشفة تجاه النساء من الطبقة العاملة بمجرد خروجهن من الظل.

عام 1917، كانت نسبة النساء داخل الحزب البلشفي 10 بالمئة، وداخل الحزب وبين العمال غالبا ما كان للنساء مسؤوليات أكثر ملاءمة للمرأة، مثل السكرتارية والتنظيم، بدلا من الكتابة النظرية.. لكننا بحاجة إلى التفكير بالسياق: مستويات عالية من الأمية والقليل من التعليم للنساء. اضطرت الكثير من النساء اللواتي انتمين إلى الحزب البلشفي إلى تعلم الكتابة والقراءة. وكانت وسائل منع الحمل صعب الحصول عليها أو لا يمكن الحصول عليها، ودعم الأمهات غير موجود تقريبا، كما أن الحقوق المدنية صعّبت على النساء العيش بشكل مستقل عن الرجال. يقدم المؤرخ رالف كارتر إيلوود، الذي كتب عن الثوريات في أوكرانيا بعض النقاط المفيدة. هو يصر على أهمية ما ينظر إليه في كثير من الأحيان أنه غير مهم، أو “رتيب” (بحسب تعبير أحد المؤرخين) كالسكرتارية، ويعتبر أن هذه الأدوار حيوية، تشتمل على حكم سياسي. وكثيرا ما كانت النساء مسؤولات عن ترميز الرسائل، وترتيب عناوين سرية، كنقطة اتصال بين المنافذ الشرعية وغير الشرعية. ويخلص إلى:

“نحتاج أن نتوقف عن التنظير على “بنات وعرائس” [ويمكن أن نضيف قابلات] الثورة، اللواتي امتلكن الشجاعة والتفاني والمبادرة فضلا عن نكران الذات. يجب وضع منجزات الماركسيات في روسيا في سياق مجموعة محدودة للغاية من الخيارات الممكنة للنساء في مجتمع أبوي”. (51)

الخلاصة

القضايا المطروحة ليست تاريخية فقط. فهي ما زالت حية ضمن نضالات اليوم. من الواضح أنه كان دور النساء القيادي محدودا بسبب الاضطهاد البنيوي الذي يتعرضن له. ولكن الحديث عن القيادة السياسية باعتبارها “هرمية الذكور” للحركة يتسبب باختلال جذري. خلال النضال الجماهيري، تحتاج أكثر الفئات تقدما وذات الوعي الطبقي والمنظمة إلى القيادة إذا أردنا تحقيق أي مكسب. معارضتهم وأخذ زمام المبادرة على أساس الجندر أو أي هوية أخرى لن يأتي إلا بنتائج عكسية.

يحاجج ويد بأن الاشتراكيين “رفضوا الأجندة النسوية المنفصلة واعتبروها ملهاة عن الصراع الأساسي.” (52) هكذا يتم الكلام عن الماركسين اليوم. في ذلك الوقت وإلى اليوم يخطئون حول هذه المسألة. كيف كان هناك “أجندة نسوية منفصلة” للعاملات؟ كان لدى المناشفة والاشتراكيين الثوريين والحركة النسوية التي يصفونها، وبالإضافة إلى البلاشفة، أجندة طبقية، وليس “نسوية منفصلة”. لكن كانت تلك أجندة الطبقة الرأسمالية، الذي يمكّنها حكمها من الحفاظ على اضطهاد النساء.

اعتبر البلاشفة أن التغيّر الاقتصادي والاجتماعي والبنيوي الضروري لتحقيق تحرر النساء لن يكون ممكنا إلا بعد ثورة العمال. ولكن من الواضح تماما من روايات ويد وماكديرميد وهيليار، أن البلاشفة لم يتجاهلوا حقوق النساء قبل تلك الثورة. مثل جميع الماركسيين الثوريين، فهموا أنه لإنجاح نضالات العمال من أي حجم كانت، يجب أن يشارك العمال في النضال من أجل المضطهدين/ات ضمن صفوفهم. وينبغي جذب المضطهدين/ات إلى هذا النضال.

لقد أنشأت ثورة أكتوبر دولة عمالية. وللأسف تم تدميرها. هزيمة الثورات العمالية التي اجتاحت أوروبا، والثورات المضادة المدعومة بالتدخلات الامبريالية من قوى الحلفاء المفترضة دمرت الديمقراطية العمالية إلى جانب الاقتصاد. وهذا ما أدى إلى نشوء أسس حكم ستالين، حيث خلال ذلك جرى سحب جميع مكاسب النساء والعمال والفلاحين. (53) ومع ذلك، فإن دولة العمال في روسيا أخذت البشرية إلى أقرب ما هو ممكن إلى الاشتراكية، وبالتالي إلى تحرر النساء.

فقط بعد ثورة أكتوبر، أصبح بإمكان البلاشفة أن يضعوا أسس المجتمع لديه مواقف مختلفة من مسألة الجندر. وقد سعوا في محاولة منهم لقيام بنى مختلفة، سواء من الناحية الأيديولوجية أو من ناحية البنى التحتية- مثل المطاعم الجماعية ومراكز رعاية الأطفال بإدارة الدولة، متحدّين البنى الأبوية القديمة للعائلة. (54)

أي ثورة ستمزق المجتمع على أساس طبقي، لذا فإن التراجع عن مركزية المسألة الطبقية وتقديم سياسات الهوية يمكن أن يؤدي فقط إلى الانحرف عن النضال من أجل حركة عمالية يمكن أن تقود الثورة مرة جديدة.

لم يتم القضاء على الانقسامات الطبقية بين النساء عبر تحسينات لحياة النساء. نساء الطبقة الحاكمة لديهن أعمالهن الخاصة ويستفدن بشكل مباشر من الظروف القمعية للعاملات على شكل أرباح. ويتعزز موقعهن الاستغلالي بسبب الانقسامات الناجمة عن التمييز الجندري الذي يقوض نضال العمال الموحد. لذلك لن يدعموا مطالبنا أكثر مما فعلوا قبل مئة عام. هيلاري كلينتون وجوليا جيلارد وتيريزا ماي وأنجيلا ميركل وجينا رينهارت لسن سوى بعض الوجوه المعروفة، لكنهن يوضحن هذه النقطة بشكل ملموس.

يخلص ستايتس إلى القول “من الواضح أنه لم يكن هناك من ينافس البلاشفة كمنظمين ودعائيين بين النساء من الطبقة الدنيا في المدن عام 1917.” (55) تؤكد هذه الشهادة أن التوجه الثوري والطبقي للبلاشفة جعل من منظمتهم الأكثر فعالية في النضال من أجل تحرر النساء. من المهم أن نستخلص الدروس الصحيحة من تجاربهم، ومن الأفضل أن نفهم كيفية قيادة مثل هذا النضال من أجل التحرر البشري مرة أخرى.



*نشر النص باللغة الانكليزية في مجلة منظمة البديل الاشتراكي في أستراليا Marxist Left Review العدد 14، شتاء العام 2017

المراجع:

Arnove, Anthony, Peter Binns, Tony Cliff, Chris Harman, Ahmed Shawki 2003, Russia: From Workers’ State to State Capitalism, Haymarket Books.

Barker, Colin (ed.) 2002 [1987], Revolutionary Rehearsals, Haymarket Books.

Bloodworth, Sandra 2010, “Marx and Engels on Women’s and Sexual Oppression and their Legacy”, Marxist Left Review, 1, Spring, http://marxistleftreview.org/index.php/spring-2010/76-marx-and-engels-on….

Bloodworth, Sandra 2013, “Lenin vs Leninism”, Marxist Left Review, 5, Summer, http://marxistleftreview.org/index.php/no5-summer-2013/85-lenin-vs-qleni….

Cliff, Tony 2004 [1976], All Power to the Soviets. Lenin 1914-1917, Haymarket Books.

Donald, Moira 1982, “Bolshevik activity amongst the working women of Petrograd in 1917”, International Review of Social History, 27 (2).

Elwood, Ralph Carter 1974, Russian Social Democracy in the Underground: A Study of the RSDLP in the Ukraine, 1907-1914, Assen.

Harman, Chris 1988, Class Struggles in Eastern Europe 1945-83, Bookmarks.

Harris, Carolyn 2017, “Russia’s February Revolution Was Led by Women on the March”, Smithsonian.com, http://www.smithsonianmag.com/history/russias-february-revolution-was-le….

Mandel, David 1983, The Petrograd Workers and the Fall of the Old Regime. From the February Revolution to the July Days 1917, St Martin’s Press.

McDermid, Jane and Anna Hillyar 1999, Midwives of the Revolution: Female Bolsheviks and Women Workers in 1917, UCL Press.

Shlyapnikov, Alexander 1982, On the eve of 1917. Reminiscences from the Revolutionary Underground, Allison and Busby.

Smith, Steve A. 1983, Red Petrograd. Revolution in the factories 1917-1918, Cambridge University Press.

Smith, Steve A. 1987, “Petrograd in 1917: the view from below”, in Daniel Kaiser (ed.), The Workers’ Revolution in Russia, 1917. The View from Below, Cambridge University Press.

Sorokin, Pitirim 1950, Leaves from a Russian Diary, The Beacon Press.

Stites, Richard 1990, The Women’s Liberation Movement in Russia. Feminism, Nihilism and Bolshevism, 1860-1930, Princeton University Press.

Trotsky, Leon 1977 [1930], The History of the Russian Revolution, Pluto Press.

Wade, Rex A. 2000, The Russian Revolution, 1917, Cambridge University Press.

الهوامش

[1] Sorokin 1950, p3.

[2] Stites 1990, p290.

[3] Harris 2017.

[4] Smith 1987, p61.

[5] Wade 2000, p31.

[6] McDermid and Hillyar 1999, p7.

[7] Cliff 2004, p89.

[8] Harman 1988, pp124-130 the accounts of revolutions in Barker 2002 similarly do not theorise spontaneity when there is clearly an element of it.

[9] McDermid and Hillyar 1999, pp140-141.

[10] Wade 2000, p29.

[11] McDermid and Hillyar 1999, p128.

[12] Smith 1983, p24.

[13] Mandel 1983, p63.

[14] Stites 1990, p290.

[15] Wade 2000, p32.

[16] McDermid and Hillyar 1999, p151.

[17] Trotsky 1977, p129.

[18] ibid., pp169-71.

[19] Wade 2000, p34.

[20] Armed workers’ militias organised in the factories and districts.

[21] There is a large body of work on the revolution, in which there is much information about the role of women and how their situation influenced their participation. Right wing historians usually ignore them. Here, my purpose isn’t to give a detailed account of their activities so much as to raise theoretical and political issues arising from some of the best feminist and social histories.

[22] Mandel 1983, pp23-33.

[23] ibid., p25.

[24] ibid., p23.

[25] ibid., p40.

[26] ibid., p28.

[27] McDermid and Hillyar 1999, p157.

[28] Wade 2000, p32.

[29] ibid., p37.

[30] Mandel 1983, p115.

[31] Wade 2000, p116-117.

[32] Donald 1982 Stites 1990, p293.

[33] McDermid and Hillyar 1999, pp143-154.

[34] Stites 1990, p237.

[35] McDermid and Hillyar 1999, p8. For a full assessment of Kollontai’s role and the attitudes to her in the Bolsheviks, see my Note of March 2017, “Who Was Alexandra Kollontai?”, https://www.facebook.com/notes/sandra-bloodworth/who-was-alexandra-kollo….

[36] Bloodworth 2010 for a fuller account of the Bolsheviks’ attitudes.

[37] McDermid and Hillyar 1999, p138.

[38] Bloodworth 2013 for details of the Bolsheviks’ approach.

[39] Shlyapnikov 1982, pp140, 144, 203. (McDermid and Hillyar, on p220 in footnote 53, cite p118.)

[40] McDermid and Hillyar 1999, pp139-141.

[41] ibid., p140.

[42] ibid., p143.

[43] ibid., pp140-141.

[44] ibid., p147.

[45] Trotsky 1977, p521.

[46] Stites 1990 and McDermid and Hillyar 1999. To trace these and other women’s biographies, check the index in these works.

[47] McDermid and Hillyar 1999, pp165-66.

[48] ibid., p166.

[49] ibid., p200.

[50] ibid., pp200-201.

[51] Elwood 1974, pp67-68.

[52] Wade 2000, pp117-118.

[53] For an explanation of this process of counter-revolution see Arnove et al. 2003.

[54] A discussion of those achievements is beyond the scope of this article. See Bloodworth 2010.

[55] Stites 1990, p300.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسرحية المرأة بين الماضي والحاضر


.. جامعة الشرق تساهم في النهوض بالواقع التعليمي للمنطقة




.. واقع الأمازيغيات يصطدم بالموروث الثقافي والأعراف البالية


.. في يومهن العالمي عاملات تؤكدن أن ثورة 19 تموز رسمت لهن طر




.. حملات تنـ مر إلكترونية علي ملكة جمال ألمانيا...-قالوا عليها