الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كان العرب متخلّفون قبل الإسلام ؟

اسكندر أمبروز

2021 / 12 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يعتبر إرتباط أو ربط الدين مع الثقافة والعرق والمجتمع وحتى الهوية الشخصية إحدى أخطر الأساليب المتّبعة من قبل أي منظومة أو أيديولوجيّة دينية وضيعة , فالنازيّة ربطت نفسها بالثقافة الألمانيّة والمجتمع الألماني , واستمدّت ثقافة العزّة والأنفة من ذلك المجتمع وحوّلته الى ثقافة استعلائيّة وفوقيّة عنصرية...

وكذلك الأمر بالنسبة للشيوعيّة , التي استمدّت طبائع الشعب الروسي والشعوب المسحوقة بالإستبداد الديني المسيحي وغير المسيحي وحوّلت تلك الطبائع المتمثّلة بالخضوع للحاكم والسلطة والدولة الى دكتاتوريّة دينية ماديّة متطابقة تماماً مع ما سبقها من حكم ديني ميتافيزيقي.

وطبعاً دين بهائم الصحراء على رأس هذه القائمة العفنة , حيث ربط نفسه وذاته بطبائع العرب وثقافتهم وهويّتهم , ماسحاً أي تاريخ لهم من قبله , ومحوّلاً إياهم الى رعاع وحمقى وشرذمة حقيرة , وأنه هو من جاء ليصلح حالهم وليضعهم في المقدّمة , والتي لا تعدوا عن كونها ارضاخ الشعوب الأُخرى بحد السيف من منظور الدين البول بعيري , والتي هي بعيدة كلّ البعد عن التحضّر والرقي أصلاً...

ولكن هل هذا المنظور المتداول حقيقي فعلاً ؟ وهل العرب كانوا شرذمة بلا وزن ولا قيمة قبل دين بول البعير ؟ كلّا وألف كلّا !

ولتوضيح هذا الأمر إليكم بعض الصور التاريخية من الحضارة العربيّة قبل حيونة الإسلام , والتي ستبيّن لنا بأن العرب تقهقروا وتراجعوا بسبب الإسلام وليس العكس.

1- إمبراطور روماني عربي ؟

من الأمور التي ميّزت الإمبراطورية الرومانيّة وخصوصاً في القرون الأخيرة من وجودها وبعد اتساع رقعة أراضيها هو إمكانيّة وصول أحد الأمراء أو العائلات النبيلة للحكم , حيث لم يكن منصب الإمبراطور وراثيّاً 100% , وأي مواطن روماني كان بإمكانه الوصول الى السلّطة مع بعض المناورات السياسيّة والحكوميّة , وهذا ما يفسّر وجود أباطرة مصريين وقرطاج وغاليين وغيرهم من الجنسيات الأُخرى , وهذا ما يفسّر مشروعيّة فرض زنوبيا لولدها عبداللات كإمبراطور روماني في الشرق , وصكّها للنقود باسمه , حيث أنها كانت آراميّة سريانيّة , ولا علاقة لها لا بالرومان لا من قريب ولا من بعيد , ومع هذا كانت هذه الحركة السياسية مشروعة بشكل كلّي.

وفيليب العربي أو ماركوس يوليوس فيليبس أرابوس كان إمبراطوراً عربيّاً وكان مثالاً آخر على هذه البيئة السياسيّة , والذي حكم الإمبراطورية الرومانيّة من 244م إلى 249م , والذي وُلِد في أورانتس (حوران حاليّاً). حيث وبعد وفاة الإمبراطور جورديان الثالث في فبراير 244 , وصل فيليب , الذي كان محافظاً بريتورياً , إلى السلطة. ومن ثم تفاوض بسرعة على السلام مع الإمبراطورية الفارسية الساسانية وعاد إلى روما ليتم تأكيده من قبل مجلس الشيوخ الروماني كإمبراطور , حيث احتفلت مدينة روما في عهده بألفيتها الأولى.

وكان حكم فيليب والذي امتد لخمس سنوات مستقراً بشكل غير مألوف في القرن الثالث المضطرب , حيث قام بإعادة بناء مدينته شهبا في حوران حاليّاً , ومدّ الجيش الروماني بالأموال نظراً لخدمتهم ضد الفرس.

ولكن ما أن استقرّ الوضع لفيليب حتى تعرض للخيانة والقتل في معركة فيرونا في سبتمبر 249 بعد تمرد عسكري بقيادة من خلفه في الحكم , جايوس ميسيوس كوينتوس ديسيوس.

2- الأنباط وما أدراك ما الأنباط.

لا يخفى على أي قارئ في التاريخ مدى تأثير وقيمة حضارة العرب الأنباط على المنطقة والحضارة الإنسانيّة ككل أيضاً , فهم كان أوّل من هجّن الجمال في العالم , واستعملها للتنقل في الصحراء , وهذا بالإضافة الى ترويضهم وتهجينهم للخيول العربيّة المعروفة بقيمتها الكبيرة , وإنجازاتهم العمرانيّة المتمثّلة ببنائهم لحاضرة البتراء بعظمتها وشموخها اللذي لا مثيل له حتى في أرقى الحضارات القديمة وتنظيمهم لنظام مائيّ فيها يحبس الأمطار (نظراً لوجود المدينة في الصحراء).

والأنباط تحدثوا لهجة من العربية ثم تبنّوا الآرامية. ومما هو معروف اليوم عن الثقافة النبطية جاء من كتابات العالم الروماني سترابو. والذي سجل أن مجتمعهم كان محكوماً بعائلة ملكية , وهذا مع وجود نزعة ديمقراطيّة بين النبلاء وحتى ممثلين من سكّان المدينة من تجّار ومزارعين والذين كان لهم صوت وكلمة وصناعة للقرار أيضاً. ووفقا له لم يكن هنالك تواجد للعبيد في المجتمع النبطي , وجميع أفراد المجتمع كانوا يشتركون في واجبات العمل والأعمال المختلفة.

ولكن ما يميّز الأنباط بشكل كبير وما أعطى ثقافتهم هذه القيمة الكبيرة في المجتمعات القديمة , هو تجارتهم...

حيث كان الأنباط تجاراً ماهرين بشكل استثنائي , فشكّلوا لتجارة ضخمة بين الصين والهند والشرق الأقصى ومصر وسوريا واليونان وروما. وتعاملوا في سلع مثل البهارات والبخور والذهب والحيوانات والحديد والنحاس والسكر والأدوية والعاج والعطور والأقمشة , على سبيل المثال لا الحصر.

وهم من كان له الباع الطويل في تشكيل طريق الحرير وربط الشرق الأوسط بالعالم الرّوماني والشرق الأقصى وتلاقح كل هذه الحضارات مع بعضها البعض.

وحوالي 150 قبل الميلاد , بدأت القوة الاقتصادية والسياسية المتزايدة للأنباط تقلق الرومان , وفي عام 65 قبل الميلاد , وصل الرومان إلى دمشق وأمروا الأنباط بسحب قواتهم منها , وبعد ذلك بعامين , أرسل بومبي قوة رومانيّة لشل وتحطيم نفوذ البتراء.
إلّا أن ملك الأنباط أريتاس الثالث إما هزم الجحافل الرومانية أو دفع لهم المال لقاء خروجهم من أراضيه للحفاظ على السلام (حيث يوجد سجلات متضاربة فيما حدث).

وبعد هذا استمر الأنباط في الازدهار لفترة طويلة , حيث بنى الملك أريتاس الرابع , الذي حكم من 9 قبل الميلاد إلى 40 م , سلسلة من المستوطنات على طول طرق القوافل لتطوير تجارة البخور المزدهرة آنذاك. ولكن سرعان ما أدرك الأنباط قوة روما , حيث تحالفوا لاحقاً معها لقمع الانتفاضة اليهودية عام 70 م.

وعند وفاة أبرم آخر ملك نبطي عام 106 م , دخل الرومان للبتراء وأطلقوا عليها اسم بتريا أرابيا. وأعقب ذلك فترة ازدهار في ظل السلام والحكم الروماني.

3- الغساسنة والمناذرة.

تضع معظم كتب التاريخ الداعشي اليوم لقبائل الغساسنة والمناذرة موضع القبائل البدوية المتخلّفة التي كانت محكومة من الفرس والرّوم وأنها لم يكن لها أي وزن ولا قيمة , على عكس الواقع تماماً...

حيث وجد الرومان حليفاً قوياً في الغساسنة الذين عملوا كمنطقة عازلة ضد اللخميين (المناذرة) والفرس. حيث كانت عاصمتهم في الجابية في هضبة الجولان. وجغرافياً , احتلت دولة الغساسنة جزءاً كبيراً من شرق بلاد الشام , وامتدت سلطتها عبر التحالفات القبلية الى أن وصلت لمنطقة شمال الحجاز حتى يثرب.

وكان الغساسنة من أقوى التحالفات التي حظيت بها روما في الشرق , وخصوصاً بعد سقوط الإمبراطورية الغربية , التي جعلت من الجزء الشرقي للإمبراطورية الرومانية (بيزنطة) تضع العرب في مقدّمة التحالفات المهمّة لها , حيث كان من أهم القيادات للجيش الروماني القائد العربي الحارث بن جبلة والذي أعطاه الإمبراطور جستنيان لقب supreme phylarch أو قائد القبائل الأعظم.

وأمّا المناذرة فقد كانت مملكتهم العربية في جنوب العراق وشرق شبه الجزيرة العربية , وعاصمتها الحيرة من حوالي 300 إلى 602 م. حيث اشتهروا بشعرائهم كالنابغة الذبياني وامرؤ القيس الذي كان ملكاً للمناذرة والذي سقط حكمه بعد حرب مع الفرس , والمناذرة كانوا عموماً ولكن بشكل متقطع حلفاء للإمبراطورية الساسانية , ومشاركين في الحروب الرومانية الفارسية.

والعلاقة بينهم وبين الفرس كانت علاقة تحالفات , وتصادم في آن واحد , حيث أنهم هزموا الفرس في معركة ذي قار , والتي وقعت بعد موت النعمان الثالث بأوامر خسرو الثاني.

---------------------------------------------------------

كل هذا وأكثر ليس سوى صورة بسيطة من اللوحة العربية الكبرى التي كانت تمثّل إحدى أهم وأعرق الحضارات البشرية في العالم القديم , والتي اندثرت وتم طمسها بمستنقع الإسلام ووحله القذر.

واحتلال العرب فيما بعد لكل من سوريا وفارس ومصر وشمال أفريقيا , لم يكن سوى سيطرة وملئ لفجوة القوّة التي ظهرت إثر الحرب الطاحنة والمدمّرة بين الفرس والروم في القرن السابع ونهايات القرن السادس الميلادي , حيث لم يتواجد الإسلام من الأساس في تلك الفترة , والذي نعلم بأنّه صناعة عبّاسية لاحقة لا أكثر , وهو ما قمت بتغطيته في منشور سابق هنا...
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=720238

ولكن وعلى فرض أن الإسلام هو من جاء وتسبب بكل هذا الإحتلال العربي والسيطرة العربية , فهل هذا يعني أنه قام برفع قيمة العرب ؟ لا طبعاً , فالمغول سيطروا على مناطق أوسع بعشرات المرّات من العرب , وهذا لم يجعلهم منتجين للحضارة أو ناقلين لشعوبهم نحو الأفضل , وإنما جعلهم محط النقد والتحقير التاريخي نظراً لشنّهم لكل تلك الحروب.

ولو كان دين ما قد تسب بأي حرب أو أي انتصارات عسكرية , فهذا الأمر شاهد ضد الدين وليس معه , كما أنه ينسفه وينسف مصداقيّته تماماً , وهو ما تطرّقت له سابقاً أيضاً هنا...

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=736069
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=723368

فالحضارة والعزّة لا تُصنع بالسيوف وإنما بما تقدّمه أي أُمّة من منتوج علميّ وفكري وثقافي وفلسفي , وهو ما يتناقض تماماً مع عته الإسلام وفجوره وحيونة عقيدته , وهو ما وضّحته سابقاً هنا...
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=723485
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=740552

فعلى كلّ من يدّعي أن الإسلام جاء لمصلحة العرب عليه أن يراجع التاريخ , ويراجع الواقع أيضاً , فالحضارة لا تقاس بكميّة الدماء المسفوكة أو بالأرواح المستعبدة أو بالشعوب المقهورة , وإنما بما يناقض هذا ويعارضه , والحضارة العربيّة هي أوّل ضحايا هذا الفكر الضلالي الداعشي , وحالها في رأيي كحال الحضارة السريانيّة الآراميّة والمصريّة والآشوريّة والفارسيّة والأمازيغيّة وغيرها.

المصادر...
https://www.britannica.com/place/Ghassan
The Roman Empire at Bay, AD 180-395
Arabs and Empires before Islam by Greg Fisher
The Nabataeans: Builders of Petra Book by Dan Gibson
Hagarism Book by Patricia Crone
Seeing Islam as Others Saw It Book by Robert G. Hoyland








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي