الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بسّام لم يكن يُتأتِئ

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2021 / 12 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يكتب صديقي التونسي "حكيم مرزوقي" ولا أتفق معه في رأيه، بأن ثقافتنا "الإسلامية" هي ثقافة نقل. كلا، يا حكيم، بل هي ثقافة عقل وأستطيع ذكر آلاف الأمثلة في ثقافتنا الإسلامية في عصورها الذهبيَّة والفضّيَّة والنحاسيّة. وبكل تأكيد ثقافتنا الإسلامية ثقافة عقل مش ثقافة نقل، أنت تخلط بين "الثقافة" عامة و"الفقه الديني" خاصة لأن الفقه الديني في العموم وخاصة -اليهودي والمسيحي والإسلامي- قد يكون ثقافة نقل، وأنت تعلم لماذا كان ذلك. وأنت تعلم أيضاً بأن القاع وفي لهجة أهل العراق "الكاع" وهي الأرض وإن كانت "واطية" أي "منخفضة" فهي تشرب مياهها ومياه غيرها.

نعم قد أتفق معك بأن الفقه الديني في جميع الأديان السماوية منها والأرضية يعتمد النقل مش العقل في حفظ التُراث الديني الشفهي منه والمكتوب ومن هُنا كان الخطأ أو السهو أو النسيان عند الرواة والكتبة لأن العقيدة الدينيَّة تنشأ وتتجذر في الروح أو النفس أو القلب أو الصدر مش في العقل، ولا تجتمع الفلسفة والدين في عقل واحد.

يقول حكيم مرزوقي باختصار:
سأل المعلّم تلميذه عن اسمه، فأجابه: بس بس بس بسّام.
فقال المعلم:
ما هذه التأتأة في كلامك يا بسّام!؟
فقال التلميذ موضحاً الأمر:
أبي هو الذي كان يتأتئ حين أراد تسميتي عند الولادة ولست أنا، لكنّ الموظف في "دائرة النفوس" كان السبب يا سيدي لأنه يدوّن دون سؤال أو حتى مجرّد انتباه بسيط فكتب اسمي في دفاتره على هذا الشكل الغريب. فتح سجله وسأل أبي: ما اسم مولودك الجديد؟ فقال أبي: بس بس بس بسّام.

هذا هو حال من يلوكون المقولات الشهيرة دونما انتباه ودقة وتمحيص. ولأن ثقافتنا -في مجملها- ثقافة نقل، لا ثقافة عقل، فإن غالبية الرواة في الثقافة الإسلامية، عبارة عن آلات تسجيل صمّاء تنقل ما يقوله المتحدث دون إصغاء أو تمحيص، حتى وإن كان في كلام أحدهم بعض التأتأة أو اللثغ أو الصمت والهمهمة والتردد.

وفي العصر الحديث – وكثيراً ما نُشاهد أمثلة على النقل وغياب العقل في وسائل التواصل الاجتماعي- قد تتسبّب غلطة أو خطأ غير مقصود في جريدة أو مجلة أو كتاب إلى ضياع المعنى أو ما أردت الذهاب إليه فتعضّ على أصابعك ألما وحسرة، وتدعو على أصابع الفاعل بتراً وكسراً لأنّك لن تدقّ، بعدها، أبواب القرّاء واحداً تلو الآخر لتشرح لهم حقيقة الأمر بعد أن حصل ما في السطور وشاع في الصدور.

المعلّم الذي سأل التلميذ عن اسمه، سيضيف ـ إن كان مصاباً بالتأتأة ـ “بس” أخرى على كلمة “بس بس بس بسّام” في سجله وهكذا دواليك، في تواترية لا تتوقف، وأغلب الظن أن والد بسّام، لم يكن يتأتئ بل الراوي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا