الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بداية الإصلاح الديني في إنجلترا

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 12 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


مارك كارترايت
موسوعة تاريخ العالم

بدأ الإصلاح الديني في إنجلترا مع هنري الثامن (1509-1547م) واستمر متقطعاً على مراحل حتى أواخر القرن السادس عشر، ليفضي إلى الانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية برئاسة البابا في روما. هكذا نشأت الكنيسة البروتستانتية في إنجلترا وأصبح العاهل الإنجليزي رأسها الأعلى. وكان من العواقب الأخرى حل الأديرة وإلغاء القداس واستعمال الإنجليزية في تأدية الصلوات وتلاوة الكتاب، واستبدال المذابح بالموائد الجماعية، والاستغناء عن العناصر الكاثوليكية المفرطة في الزخرفة والبهرج سواء داخل المراسم أو الكنائس نفسها. أغلبية الناس قبلت التغيير، الأغنياء بفضل ما اكتسبوه من ثروات من أنقاض الكنيسة، والناس العاديون لخشيتهم من بطش السلطات وفرض الغرامات إذا لم ينصاعوا للأوامر ويتوجهوا للصلاة فيما أصبحت تعرف باسم الكنيسة الإنجيلية الجديدة. رغم ذلك لم يخلو الأمر من اعتراضات من جانب بعض الكاثوليك والبروتستانت الأكثر تطرفاً مثل الجماعات البوريتانية المتعددة التي اختارت السير في طريقها الخاص وأنشأت كنائسها الخاصة التي آثرت التمسك الحرفي بأفكار المصلحين من أمثال جون كالفن (1509-1564م).

هنري الثامن والانفصال عن الكنيسة في روما
ترجع أصول الإصلاح الديني في إنجلترا إلى السياسة وتعود بصفة خاصة إلى عهد الملك هنري السابع (1485-1509م). كان هنري يرتب لكي يزوج ابنه الأكبر آرثر (1486م) من الأميرة الإسبانية كاثرين من أراغون (1485-1536)، ابنة فرديناند الثاني ملك أراغون (1479-1516م). تم الزواج فعلاً في 1501م، لكن لسوء الحظ توفى الزوج آرثر في العام التالي وعمره لا يتجاوز الخامسة عشر. وفي هذه الأثناء كان هنري السابع حريصاً أشد الحرص على إبقاء العلاقات الودية مع إسبانيا ومن ثم سعى، بعد الحصول على إذن خاص من البابا، لكي يخطب الأرملة الصغيرة كاثرين لابنه الثاني الأمير هنري (1491م). ثم توفي الملك هنري السابع في أبريل 1509م وخلفه ابنه الأمير هنري على العرش. ووفقاً للترتيبات، تزوج هنري من كاثرين في 11 يونيو وتم تتويجه تحت اسم الملك هنري الثامن بكنيسة وستمنستر في 24 يونيو 1509م.

في البداية كان الزواج سعيداً وأثمر عن ستة أطفال لكنهم كلهم عدا واحد ماتوا صغاراً ولم ينجو منهم سوى ماري، التي ولدت في 18 فبراير 1516م. والآن بعدما بلغت الأربعين، بدت فرص كاثرين ضعيفة وشحيحة لكي تنجب للملك الابن الذكر القوي والمعافى الذي ظل يحلم به. من ثم تحولت أنظار هنري للبحث عن زوجة ثانية أكثر شباباً وحيوية. تجدر الإشارة إلى أن هنري كان له ابن غير شرعي يدعى هنري فيتزروي دوق ريتشموند (1519م) من محظية تدعى إليزابيث بلونت، لكن ذلك لم يكن أبداً التقليد المرعي والمتبع لملك يريد وريثاً شرعياً يقر الجميع بحقه الشرعي في خلافته. حينئذ استقرت عواطف الملك على إحدى وصيفات القصر وتدعى آن بولين (1501-1536م). لكن آن أصرت على أن تتزوج شرعياً من الملك قبل حتى التفكير في إنجاب أي أطفال. هكذا أصبحت مشكلة هنري تكمن في إيجاد طريقة للتخلص من زيجة كاثرين، فيما اشتهرت في ذلك الزمان باسم ’المعضلة الكبرى‘. وعند هذه النقطة انطلقت عملية الإصلاح الديني.

حل ’المعضلة الكبرى‘
ما كانت الكنيسة الكاثوليكية تجيز الطلاق وبالتالي كان يتعين على هنري الثامن التفكير في حجة مختلقة لكي يلغي زواجه على خلفية بطلان انعقاده من الأصل. وبناء عليه أرسل خطاباً إلى البابا مفاده أن عدم إنجاب وريث ذكر كان بمثابة عقاباً من الله لزواج هنري من زوجة شقيقه المتوفي، وهي حجة لها ما يؤيدها في العهد القديم. فثمة تحريم في سفر اللاويين يقرأ كالآتي:

"وَإِذَا أَخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةَ أَخِيهِ، فَذلِكَ نَجَاسَةٌ. قَدْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ. يَكُونَانِ عَقِيمَيْنِ." (لا 20، 21).

وبناء عليه تمنى الملك على البابا أن يلغي الزواج. لكن لسوء حظ هنري كان البابا كليمنت السابع (1523-1534م) حريصاً على إبقاء الود مع أقوى حاكم في أوروبا في ذلك الزمان، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة تشارلز الخامس الإسباني (1519-1556م)، الذي كان أيضاً ابن أخت الملكة كاثرين. باختصار، ما كان البابا بحاجة إلى دعم سياسي أو مالي من إنجلترا وما كان بالإمكان ممارسة أي نوع من الضغوط عليه. أكثر من ذلك، كانت هناك شبهة في أن يكون كاثرين وآرثر، بالنظر إلى صغر سنهما في ذلك الوقت، قد تضاجعا معاً ومن ثم لا يسري تحريم سفر اللاويين في هذه الحالة. في كل الأحوال، كان ثمة فقرة في سفر التثنية تناقضت كما يبدو مع فقرة سفر اللاويين:

«إِذَا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعًا وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ، فَلاَ تَصِرِ امْرَأَةُ الْمَيْتِ إِلَى خَارِجٍ لِرَجُل أَجْنَبِيٍّ. أَخُو زَوْجِهَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَيَتَّخِذُهَا لِنَفْسِهِ زَوْجَةً، وَيَقُومُ لَهَا بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. (سفر التثنية، الفصل 25، 5)

على الأقل أوفد البابا الكاردينال لورينزو كامبيجيو إلى إنجلترا للتحقيق في الأمر وتشكيل لجنة خاصة في يونيو 1529م، لكن لم يتم التوصل إلى قرار. ولإدراكه أنه سيضطر عاجلاً أو آجلاً لتدبر أمره بنفسه، أقدم هنري بداية على إبعاد الملكة كاثرين بصفة دائمة عن ابنتها ماري، وأمر بتنقيلها عبر أرجاء المملكة بين عدة قصور نائية. في هذه الأثناء كان هنري يعيش مع آن بولين (لكنهما لم يتضاجعا بعد). ثم في وقت ما في ديسمبر 1532م قررت آن، ظناً منها أن إنجاب طفل قد يكون الطريق الأمثل للتخلص من غريمتها كاثرين، أن تضاجع الملك وحملت منه فعلاً.

الآن أصبح الملك بحاجة ماسة لإلغاء زواجه الأول وكلف بهذه المهمة وزيره الأول، رئيس أساقفة يورك الكاردينال توماس وولسي (1473-1530م). لكن لم ينجح وولسي في أن يحقق لملكه ما أراد، ليتم استبداله أولاً بالسير توماس مور (1478-1535م) الذي اشتهر بوقوفه ضد خطط الملك، ومن بعده بتوماس كرومويل (1485-1540م). بحلول ذلك الوقت كان ووسلي وهنري قد وضعا بالفعل خطة متطرفة لفصل الكنيسة في إنجلترا عن روما الكاثوليكية وتنصيب الملك بصفته رأس الكنيسة الإنجليزية. فعندئذ سيستطيع هنري أن يهب لنفسه إلغاء زواجه الأول. إذ رغم دراسته اللاهوت، كان كل ما شغل هنري الثامن عند هذه المرحلة هو كيف يسيطر على الكنيسة لا كيف يصلحها. ومن ثم ظل هنري متمسكاً بالممارسات الكاثوليكية التقليدية مثل القداس والاعتراف والعزوبة الكتابية، كما يتضح في قانون المواد الست لسنة 1539م. لكن الخلاف كان يتحول بسرعة مطردة إلى انقسام أوسع وأعمق. ففي 1532 صدر قانون منع ضريبة الثمار الأولى وأدى إلى تقليص تدفق الأموال التي دأبت الكنيسة الإنجليزية على تحويلها إلى الباباوية. ثم في 1533م أشهر قانون منع الطعون العاهل الإنجليزي بصفته صاحب السلطة العليا الآن بصدد المسائل القانونية كافة (العلمانية والكنسية) وليس البابا.

وفي مايو 1533م ألغى رئيس أساقفة كانتربري، توماس كرانمر (1533-1555م)، رسمياً زيجة هنري الأولى. وكان هذا الإلغاء وسن البرلمان لقانون الخلافة (30 أبريل 1534م) بمثابة الإقرار بعدم شرعية ماري ابنة كاثرين. ورداً على ذلك أصدر البابا مرسوماً بطرد هنري من العقيدة المسيحية واعتباره مرتداً بسبب أفعاله تلك، لكن بحلول هذا الوقت كانت المسألة برمتها قد اتخذت بعداً تجاوز إلى حد بعيد مجرد الخلاف حول موضوع الزيجات الملكية. وفي 28 نوفمبر 1534م تم تمرير قانون السيادة ونص على أن هنري، وكل الملوك الإنجليز اللاحقين، ما كانت تعلوهم سوى سلطة واحدة: الله وحده. ثم مرر الوزير الأول توماس كرومويل من البرلمان قانون الخيانة لسنة 1534م وحرم بمقتضاه على الناس حتى التطرق بالحديث والانتقاد لملكهم أو سياساته.
_________________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://member.worldhistory.org/English_Reformation/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص