الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجزرة 1860 وتأثيرها على الحاضر

خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)

2021 / 12 / 19
المجتمع المدني


أحداث 1860 وتأثيرها على والحاضر
خرج كتاب مؤخرا لدار رياض الريس بعنوان "نكبة نصارى الشام " للمؤرخ السوري سامي مروان المبيض. وربما تعد هذه الأحداث جزء من تاريخ سوريا بشكل عام وتاريخ دمشق بشكل خاص، لأن الأحداث أنطلقت من القيمرية وانتشرت في أحياء أخرى في دمشق. وتأتي أهمية هذا الكتاب في هذه الفترة بالذات بأنه تذكرة للسوريين بشكل خاص (وللعرب بشكل عام) بأن الإمتيازات المتباينة سواء لدى الأقلية أو الأكثرية هي خطرة على البلد والمجتمع إذا لم تكن منطلقة من داخل البلد وليس من الخارج. فعلينا أن ضمن حقوق الجميع دون تمييز كما يفعل أمم الأرض جميعاً.
بدأت الأحداث عام 1860 وأستمرت بضعة أيام بلياليها ذهب خلالها من المسيحيين خمسة ألاف من أصل 22 ألف مسيحي كانوا يسكنون دمشق في تلك الفترة. هذه الأحداث عرفت على المستوى الشعبي باسم (طوشة النصارى)، ولا أعرف مدى صحة هذه الأرقام من الضحايا. هذه المذبحة كانت أشبه بمجازر اليهود في أوروبا لأنها تضمنت ذات الدوافع. وإذا نظرنا بعين فاحصة للأسباب التي أدت إليها نرى أن العامل الإقتصادي كان أهم عواملها اشتعالها. ومن خلال السرد سنرى ذلك جلياً. وسبق ذلك حادثة مايسمى ب (فرية الدم ) حيث قتل الراهب المسيحي وخادمه بظروف عامضة في دمشق عام 1840 والصقت الحادثة باليهود حيث قالوا أنهم فعلوها بسبب الفطير الذي يأكلونه في عيد الفصح. ثم سبقتها مايسمى ب ( قومة حلب) وارتكب فيها مذبحة ضد المسيحيين هناك أيضاً. كل هذه التوترات ترجع إلى الصراع الخارجي بين أوروبا (فرنسا وبريطانيا وروسيا) من جهة والدولة العثمانية المشارفة على الموت من جهة أخرى. أما على الصعيد الداخلي فقد حرك الأحداث الشعور بالغبن والفقر والإمتيازات التي منحت للمسيحيين واليهود من القوى الأوروبية.
وبالرجوع إلى أصل المشكلة، نرى أن قدوم إبراهيم باشا أبن محمد علي من مصر إلى سوريا أحدث انعطافة بالنسبة للمسيحيين واليهود. فعندما دخل سوريا، ساوى بين المسيحيين والمسلمين بالحقوق، وهذه بداية ظهورالدولة المدنية في سوريا حيث كان قد فرض عليهم العثمانين لباس خاص ومنعوهم من ركوب الخيل والحمير ومنعوهم أيضاً من دخول الحمامات وكانت شهادة المسلم تعادل شهادتين من المسيحيين ثم لاننسى الجزية التي فرضت عليهم والخوات الأخرى من الزعامات المحلية.
من المعروف أن سوريا كانت مسيحية قبل دخول الفاتحين المسلمين، وبعد حكم المسلمين فرضوا الجزية على من بقي عل دينه، ولم تكن عالية، بشكل أنه استمرت الغالبية على دينها حتى حكم المماليك الذين رفعوا الجزية على كاهل الأقلية فترك الكثير منهم دينهم وأسلموا. ومن بقي منهم، ظل يدفع ضريبة الجزية للوالي ثمن الحماية. بمعنى آخر، الذميّ لايحارب في جيش المسلمين.
وفي القرن التاسع عشر، بدأت الدولة العثمانية تعاني من السرطان والضعف، مما سمح للدول الأوروبية بالتدخل بشؤونها الداخلية. وبدأ نشاط القنصليات الأجنبية. فأصبحت فرنسا حامية لغالبية المسيحيين في سوريا (خاصة الكاثوليك) وبريطانيا أدعت أنها الحامية لليهود وأحيانا الدروز( حسب المصالح) وروسيا للمسيحيين الأرثودوكس.كان المسيحيين واليهود من الصناع والتجارالمهرة في سوريا، لكن. في بداية القرن التاسع عشر، أخذت البضاعة الأوروبية (خاصة النسيج) تنافس بأسعارها وجودتها الصناعات القديمة في سوريا بشكل عام ودمشق وحلب بشكل خاص. وتشكلت علاقة بين الأوروبين والمسيحين كونهم كانوا مترجمين، وهكذا سمح لهم أن يصبحوا وكلاء في تصدير بضائعهم إلى أوروبا والعكس، فأغتنت جراء ذلك طبقة من اليهود والمسيحين، وشكلت هذه الطبقة منافسة كبيرة لطبقة الصناع والتجار السنة. ثم أتت الإصلاحات تحت ضغط فرنسي- بريطاني حيال الأقليات في منتصف الخمسينات حيث ساوت بين الرعايا، فدخل المسيحي المدرسة وأصبح بإمكانه دخول وظائف الدولة والمساواة بالملابس، والخدمة العسكرية. لم ترق هذه التغيرات للوالي العثماني في دمشق، فطالب المسيحيين بضريبة بدل الخدمة العسكرية، فرفض المسيحيين دفعها لإرتفاعها. هنا وظف الدين من أجل أغراضه فطالب مشايخ الشام بفتوى تقول أن المسيحي لايخدم في الجندية لأنه زميّ وإذا امتنع عن دفع البدل يعد هذا تمرداً ويقتل . علماً أن روسيا –كما يروى- نصحت الروم الارثودكس بأن لايدفعوا.
البدل هذا كان السبب المباشر، لكن الأسباب غير المباشرة، كانت أولا الإمتيازات التي حصل عليها المسيحيين في التصدير والإستيراد مما زاد في ثروئهم، فبنوا القصور الفاخرة وأصبح معظم تجار دمشق مدان لهم، حيث وصل الأمر أن السلطنة العثمانية أخذت تستدين منهم. فشكّل هؤلاء المسيحيون طبقة ثرية يحسدهم التجار والعامة من المسلمون. إضافة إلى الحرب الأهلية التي حصلت بين الدروز الإقطاعيين والفلاحين الموارنة التي أدت إلى قتل الكثير من الفلاحين الموارنة. هذا إذا عرفنا أن هناك ثأر تحت الركام بالنسبة للدروز ضد الموارنة. فقد أستعان إبراهيم باشا بجيش الموارنة عندما ثار عليه الدروز في حوران، مما ثار الأحقاد التي أستمرت إلى يومنا هذا. العامل الأخر هو الأوروبي، فيقال هناك مصلحة للدول الأوروبية في تلك المذبحة، بسبب أنه ضرب عندهم موسم الحرير وكانت القيميرية كلها معامل نسيج مسيحية، ففي تدمير وتخريب العامة للبنية التحتية لصناعة النسيج في دمشق، خدم هذا التجار الأوروبين. ولا أعرف مدى صحة هذا الرأي رغم أنه إحتمال ضعيف لأنه يرمي كل مايحدث عندنا على أوروبا الصليبية. وتحت الضغط على السلطان، قام بإعدام الوالي الذي سبب بتلك المجزرة ومعه أعدم أكثر من مئة شخص ساهموا بالنهب والقتل. هذه الحادثة لم نتعرف عليها في المدارس، بل اخفيت حتى لانتعلم من أخطاء الماضي. وبذلك يتكرر الماضي في ألوان جديدة. فقد بدأت الحرب الأهلية مرة أخرى في لبنان في منتصف السبعينات في القرن الماضي. والآن تتكرر في سوريا. وربما أهم مايجعل الناس والبشر تثورفي كل مكان هو فقدان العدل وتفشي الظلم، حيث تستغل بعض الفئات الحاكمة هذه الظروف، فتوجه العامة إلى الطريق الخطأ للتخلص من أعدائها على حساب الوطن والمجتمع. ومنذ تلك الفترة، بدأت هجرة المسيحيين من سوريا تتجه إلى أمريكا الشمالية واستراليا. تماما كما نرى اليوم هجرة الملايين من السوريين إلى أوروبا عن طريق البحر.
وللتذكرة فقط، فإن المسيحيين أدركوا أن الأيدي الخارجية مضرة بوجوهم في سوريا، فقد أندمجوا كليا في السياسة والاقتصاد، فكان فارس الخوري السياسي المعروف حيث وقف يوما على منبر الجامع الأموي بعد صرحت فرنسا أنها حامية للمسيحيين أثناء الإنتداب حيث قال: إذا أرادت فرنسا حماينتا (أي المسيحيين) فأنا أعلن من على هذا المنبر الشهادتين.

ديسمبر- 19- 2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نحن العرب لانتعلم من الماضي
زاهد سلام ( 2022 / 1 / 27 - 03:34 )
مقالة جيدة. وكم أتوق أن أرى العرب يتعلمون من هذا التاريخ
الشكر للكاتب

اخر الافلام

.. هيومن رايتس ووتش تدين تصاعد القمع ضد السوريين في لبنان


.. طلاب في جامعة كاليفورنيا يتظاهرون دعمًا للفلسطينيين.. شاهد م




.. بعد تطويق قوات الدعم السريع لها.. الأمم المتحدة تحذر من أي ه


.. شاهد - مئات الإسرائيليين يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو




.. بعد أن فاجأ الجميع بعزمه الاستقالة.. أنصار سانشيز يتظاهرون ل