الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تتمرد الذاكرة/ ٥/

حسن خالد

2021 / 12 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"في محراب اللغة العربية"

عندما التحقنا بالمدرسة في صغرنا، وينطبق ذلك على الغالبية العظمى من اقراني، لم نكن نتقن العربية إلا فيما يخص بعض المفردات التي تتطلبها قراءة القرآن والفروض الاسلامية؟
أو التي باتت جزءا دخيلا من لغتنا المحكية.
"إلزامية التعليم" كان له هيبته، و رغبة الأهل في التحاقنا بالمدرسة كانا دافعين للإلتحاق بالعملية التعليمية - التربوية وكانت "اللغة العربية - الرسمية" آنذاك لنا بعبعاً دخيلا علينا! لا نستطيع أن نفهم على المتحدث بها، ولا هو يستطيع أن يصل إلينا ما يريده، لكنه يمتلك سلطة الفرض؟!
فهي لا تشبه لغة أمي التي أتْقنتُها مع كل لمسة حنان من يديها، ومع كل رضعة حليب من ثدييها، ومع كل دمعة تنهمر من عينيها، ومع كل هدهدة المهد منها.
ولا تشبه أبدا حكايات أبي الذي كان يسردها لنا وخاصة في ليالي الشتاء الطِوال ونحن نتكور حول المدفأة.
ولا تشبه البتة أحاديث النسوة وهن يجتمعن أمام التنور يحللن القضايا الساخنة ويفضن أسرارهن لبعضهن ويقترحن الحلول لعقدٍ عصيّة على الحل.
ولا تشبه الأغاني التي ينشدها الفلاحون في الحقول أيام زراعة المحاصيل وجنيها
ولا تشبه الشتائم التي كنا نتقاذفها أنا واقراني، ونحن نلف حارات القرية وأزقتها الضيقة حفاةً نلعب ببراءة..
حتى التلفزيون لم يكن متوفرا في جميع البيوت، فالكهرباء حديثة العهد بالنسبة لنا..
أتذّكر أن أستاذا من أرياف القامشلي أتى من مديرية تربية الحسكة، إلى قريتنا "الفداء" ولها اسمها الكردي/ Kanîkerkê/ واسمه "الأستاذ: حسن" وكنا نقول له فيما بيننا "حسن عرب" لأنه كان عربيا، كان ذلك في العام الدراسي"إن اسعفتني الذاكرة"
1983/1982
كان معروفا بأكله للبيض النيئ وأحيانا يخصه مع الحليب ويشرب أمامنا ولا يجد حرجا أن يطلب من صاحب الدور أن يكون البيض النيئ ضمن فطوره.
في المدرسة الطينية وهي غرفتين فقط، إحداها للتلاميذ فيها طاولات موزعة على ثلاثة خطوط، من الصف الأول الى الصف السادس، ويكون الدوام على وجبتين والغرفة الأخرى هي بمثابة الإدارة وأمانة السر والمكتبة وأيضا سكنا للأساتذة يجهز فرشها أهل القرية بالتناوب أو تطوعا ولكل شيئ يتعلق بمقتنيات المدرسة.
طبعا يرفد أهالي التلميذ الطاقم التدريسي وهم عادة "إثنان" بالطعام وبالتناوب كل تلميذ يوم، الفطور والغداء يُرسل إلى "بيت الأستاذ - المدرسة" والعشاء - في الغالب - دعوة إلى البيت، لأن عدد الطلبة كان بحدود 40 تلميذ/ تلميذة فلا يأتي دور العزيمة إلا كل 40 يوم تقريبا فتحول طقسا قرويا بامتياز
طبعا المدرسة لا سور لها، لأنها تجانب القرية، وبيادر القرويين بمثابة الباحة للمدرسة، وطبيعي جدا أن ترى الكثير من التلاميذ يهرعون في فترة الفرصة إلى البيت ليتصيدوا "رشفة ماء" للشرب أو "كسرة خبز" وحبة بندورة أو خيار أو قطعة جبن، أو أي شيئ يمكن أن يتصيدوه، فالصيد ينبغي أن يكون خاطفا لأن الوقت فاضح في فترة الفرصة القصيرة، يقسم الأستاذ الوقت ضمن الحصة على الصفوف المختلطة معا فيسعى لأن يكون توقيت الحصة موزعا بالتساوي بين ثلاثة صفوف. دائما كان الصف الأول الأكثر عددا وأتذكر لما كنت في الصف الأول كنا حوالي 22 تلميذ وتلميذه، وأن "الصف السادس" كان تلميذا "واحداً"
كان الأستاذ "حسن عرب" يكلف في كل فرصة بعض التلاميذ "يزرعهم بين التلاميذ في الفرصة" ليخبروه عن "من تحدث بغير العربية" وهو يتقصد الكردية دون أن يُعلنها، كانت العقوبة قاسية ومهنية في عرفنا لأن الباحة مفتوحة والقرويين كثيرا ما كانوا يرون ما يحدث في الباحة المكشوفة، كانت العقوبة هي الركض من أمام المدرسة إلى جدول "cok" تجري فيه المياه من مجموعة ينابيع عذبة تأتي من منطقة "kanîka" يبتعد عن المدرسة حوالي 25 متر، ذهابا وإيابا وعلى رجل واحدة "kulîkulî" وبفمه قطعة عصا أو خشب "Darik- Depik"كعقوبة من ثبت أنه تحدث بلغة غير عربية!!
لم يسلم الغالبية من العقوبة، للأمانة كان الأستاذ يتساهل مع غالبية التلميذات "البنات"
الأمر المساعد أن دمج الصفوف ساعد في وجود صلة وصل بين أستاذ لا يتقن لغة تلامذته، وتلامذة لا يتقنون لغة أستاذهم، خاصة الصف الأول والثاني
رويدا رويدا تعلمنا لغة غريبة علينا، فهي اللغة الرسمية لا مناص من أن تتعلمها، واقتناء القرويين للتلفاز أيضا ساهم في توفر قناة أخرى للتعلم إلى جانب المدرسة
الأهالي لم يكونوا مانعون للضرب، الذي كان دارجا في حينه كحق للأستاذ يمارسه، كان "الضرب بالعصا والمسطرة على رؤوس الأصابع " و"الصفعات" و "شدّ الإذن" و"الخروج أمام التلاميذ وربع اليدين ورجل واحدة ويكون الوجه مقابلا للوح والظهر أمام التلاميذ" قلما كنت تجد أن أحدهم راجع المدرسة لأن الأستاذ ضرب إبنه أو عاقبه بل كان تلبية الأستاذ للدعوة إلى العشاء فرصة مباشرة للأهل ليوقعوا على شيك على بياض بمعاقبة ابنهم/بنتهم إن اقتضت الحاجة!
صحيح أن لنا هوية "قومية" واضحة، وانتماء قومي مختلف عن القومية العربية ونعتز بهما.
لكن اللغة العربية أيضا ولأسباب تاريخية تراكمية، تشكل جزءاً هاما أيضا من شخصيتنا الفكرية والثقافية والنفسية ووعاءا يسع الكثير من المتطلبات اللغوية الثقافية للكثيرين منا!
ولن نبالغ إذا قلنا "وضمن الظروف المحيطة" وفي ظل غياب منهاج تتبناه "سلطة تربوية" بينا، يصعب الاستغناء عنها على المدى المنظور، في ظل غياب بديلٍ "متفق عليه" عنها.
#هكذا_مرّت_مرحلتنا_الأولى..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح