الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آخر أجيال الهزائم

مجدي شندي

2006 / 8 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عندما عرض فيلم ناصر 56 قبل بضع سنوات في دور السينما القاهرية , ورأيت أن أغلب جمهوره من الشباب متدفق المشاعر والأحاسيس الوطنية والقومية أدركت أننا بإزاء آخر أجيال الهزائم . لم يكن الفيلم وحده هو الدليل على ما أحسست به , بل حزمة سلوك وتصرفات أبسطها أن الجيل الجديد بدأ يفتش عن تراثه النضالي المطمور , وبدأت حالة حراك لاحظها المراقبون , فأغاني الشيخ إمام التي أوشك الناس على نسيانها شهدت حالة رواج في أوساط طلبة الجامعة , ورأينا عزوفا عن الفن الهابط (أو فن الميكروباص ) لصالح أغاني مرسيل خليفة وجوليا بطرس وأحمد قعبور ووجيه عزيز وأحمد إسماعيل .. صحيح أن فضائيات التغييب ظلت بمنأى عن هذه الظاهرة لكن هذا لا ينفي وجودها .
لاحظت أيضا أن غالبية المتظاهرين من الشباب , حتى تلك التي تقيمها حركات سياسية ونقابية .. وبدأ هذا الجيل يفتش عن وسائط جديدة لايصال رسالته بعيدا عن وسائل الإعلام المدجنة صاحبة الخطاب الممجوج , فنشأت المدونات الإلكترونية (البلوغرز) والمجموعات البريدية التي تتخير مما ينشر لتعممه على أعضائها , وبلغت المدونات حدا من الخطورة على أمن الدولة التقليدية دفعت المباحث في غير دولة إلى مطاردة أصحابها ... بل وسجنهم أحيانا.
ولعبت وسائل الإعلام التي كسرت السقف دورا مهما في هذه الصحوة, فصحيفة الدستور المصرية وقناة المنار وفضائية الجزيرة والفضاء الإلكتروني الذي يتسع للغث والثمين .... كل ذلك أثر في هذا الجيل .
وتزامن ذلك مع أحداث ايجابية وأخري سلبية صبت كلها في زخم توليد جيل جديد , فالانتفاضتين بما جسدتا من قيمة الاستشهاد والفداء ومعهما مقاتلي حزب الله الذين مرغوا أنف إسرائيل في التراب مرتين (2000 و 2006 ) والمقاومون الشرفاء الذين يستهدفون الاحتلال وحده في العراق .. هؤلاء أثبتوا أنه لا مستحيل وأن العالم العربي ليس ضعيفا ولا ميتا كما يحلو لإسرائيل وأميركا أن تصفانه .. وانما هو مكبل .. فكثير من أنظمته خانعة .. وكثير من الأعراف البالية والأفكار الخاطئة تحول دون التغيير .
من هنا بدأ الشباب يحتفي بأبطاله الذين اختارهم هو ومنحهم خصوصية وتقديرا .. حسن نصر الله - يحيى عياش – أيمن حسن – سليمان خاطر – أحمد الدقامسه – محمود نور الدين – سناء محيدلي – سمير القنطار – قناص بغداد , وعشرات غيرهم ممن قتلوا أو سجنوا أو عاشوا أحرارا مرفوعي الرأس رغم أن الموت والذل اليومي يحيط بهم من كل جانب .
ميزة هذا الجيل أنه لم يعد خاضعا للوصاية الأبوية للدولة ولا لوسائل الإعلام الحكومية التي طالما حولت الهزائم إلى انتصارات ومارست الكذب جهارا نهارا دونما حياء .. لم يعد باستطاعة أحد أن يجري له غسيل دماغ أو يتحكم في ذوقه ويختار له ما يقرأ ويحجب عنه ما سواه . العولمة آتت أكلها .. فأصبحت توفر كل الخيارات وتتيح التفكير الحر .. الباحث عن الحقيقة يستطيع أن يجدها رغما عن الجميع .. فالأكاذيب تتكشف سريعا .. وهي بذلك تنقلب على صناعها , وبدلا من أن تصبح أداة لسيطرتهم على العالم أصبحت أداة لحرب القوى الباغية ابتداء من الإدارة الأميركية وانتهاء بالأنظمة المتسلطة التي ترهق شعوبها وتسومها العذاب .
وأسهم الخنوع الرسمي العربي في إذكاء الشعور بأن الرهان على كثير من حكوماته خائب . فهي فاشلة في إدارة مجتمعاتها على كافة الصعد , فكيف تنعقد عليها آمال في التحرير أو استعادة كرامة مفقودة .. ولم يتوقف الأمر عند إدارة الظهر لكثير من الحكومات , بل شمل ذلك النخب السياسية القديمة التي ثبت أنها تباري الحكومات في الفشل. وبدأ تخليق أطر جديدة وتجريب تيارات ناشئة توجسا من أن يكون جديد الأوطان كقديمها دافعا للإحساس بالخيبة .
نحن الآن نعيش مرحلة مخاض هادئ .. ليس عالي الصوت فجميعنا سئم الشعارات , وليس عنيفا فكثير من أوطاننا جربت العنف وثبت أنه ليس أكثر من صدم الرأس بحائط صلب .. ولا يقوم على فكرة المواجهة بقدر ما يركز على بناء الذات وفق أسس صلبة لا تنكسر .. مسألة قد تستغرق سنوات طويلة ربما عقد أو عقدين لكننا تحملنا عقودا طويلة من الهوان .. وحين ترى الأجيال ضوءا في نهاية النفق ستنتظر بصبر جميل .. إذا صحت هذه القراءة للواقع يجدر بنا أن نلقي بالتشاؤم في سلة المهملات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل