الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النعيم بعد الموت , كالصفر على اليسار.

اسكندر أمبروز

2021 / 12 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد أن ناقشنا في مقالات سابقة مسخرة ما يسمى بالعدل الإلهي وهبل الجنّة هنا...
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=735045
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=738514
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=733640

أود اليوم أن أقوم بتسليط الضوء على قضيّة مرتبطة بذلك المحور , ألا وهو عالم ما وراء الموت. وطبعاً من الكافي لأي عاقل أن يفنّد هذا الادعاء نظراً لعدم وجود أي دليل علميّ عليه على الإطلاق , وأنه مجرّد هراء وتخريف يمكن لأي أحد ادعاء ما يشاء فيما يتعلّق بحال البشر والكائنات بعد فنائها , وسيكون هذا الادعاء بنفس مستوى المصداقيّة والتأثير كالادعائات الدينية أيّاً كانت.

ولكن حتّى على مستوى الفلسفة والمنطق فهذا الادعاء باطل وسخيف لأبعد الحدود , ومع ذلك كان منتشراً كالنار في الهشيم بين المعتقدات الدينية القديمة والتي بقي منها الى اليوم الكثير.

فمحارب الفايكنغ ادعى بوجود فالهالا , أو عالم الحياة الأبديّة والنعيم الأبدي , والذي لن يدخله إلّا الشجعان والأبطال بعد استشهادهم في المعارك , أو المسيحي يدعي أمراً مشابهاً ألا وهو نعيم الدخول في ملكوت الإله بعد الموت لمن يعمل كذا وكذا , ويتصرّف بهذه الطريقة أو تلك ! والدعدوش أيضاً يؤمن بذات المنطق الأعوج , فتصرّفاته اليوم وأعماله من قتل وسلب ونهب وسبي وهلوسات وطقوس وتصرّفات خارجة عن إطار التصرفات البشرية السليمة , كلها وأكثر أعمال يتقرّب بها البول بعيري من الهه المختل ليدخل في نعيمه هو أيضاً.

ولكن كل هذا الإعوجاج المنطقي يتمحور حول شيء واحد فقط , ألا وهو النعيم بعد الموت ! ففي منطق الأديان , وخصوصاً أديان اله الدم الثلاثة , فإن الانسان قد ورث الخطيئة الأصليّة لآدم , الذي أنزله الإله من الجنّة ووضعه على الأرض نظراً لغلطته المتمثلة في الاكل من الشجرة , ولكن كيف لأبناء وأحفاد آدم (الغير موجود أصلاً) أن يرثوا خطيئة جدّهم ؟ وأي عدل هذا الذي يورث الخطيئة للأحفاد والأجيال اللاحقة ؟ وكيف لآدم أن يرتكب الخطأ والخطيئة وهو في الجنّة وفي ملكوت الإله ؟ وهل هذا يعني أن المؤمن قد يرتكب الأخطاء فيها وسيحاسب بعد الموت أيضاً ؟ وإن كان المؤمن معصوماً من ارتكاب الأخطاء بالجنّة , فلماذا لم يتفادى آدم تلك الخطيئة الكبرى !؟ وهل الله قام بعمل تحديث لنسخة الجنّة القديمة ونزّل نظام جنّة 2.0 جديد مثلاً لعصمة الناس منها بعد أن لاحظ ارتكاب آدم للأخطاء فيها ؟ وهذا من جهة...

ومن جهة أُخرى , لماذا بعد الموت ؟ أو بعبارة أفضل , لماذا يَعِد الإله بهذا النعيم بعد فناء الإنسان وعدم قدرته على التأكيد لباقي البشر لوجود هكذا نعيم ؟ فهل الإله عاجز عن رفع من يقوم بالأعمال الصالحة الى جنّته وهو على قيد الحياة
وأمام جميع البشر مثلاً ؟ أو لماذا لا يجازي البشر وهم أحياء يعيشون على الأرض وبيننا بشكل واضح وصريح ؟ أو يخصص لهم مكاناً يمكن رؤيته على الأقل ولو من بعيد ؟ لتأكيد وجود هذا النعيم للناس ولتحفيزهم لاتباع أوامره , أو لماذا لا يعيد البشر للحياة من جديد فقط لتأكيد ذلك النعيم الأبدي أو على الأقل لتأكيد وجوده هو أصلاً ؟ وهل هو عاجز عن هذا ؟ فإن لم يكن عاجزاً فلماذا لا يقوم بذلك ؟ ألا يريد هداية البشر كونه مطلق الخير ؟

فكل النعيم الإلهي الذي تعد به الأديان وتبشّر بوجوده هو نعيم بعد انتهاء الحياة , أي له تأثير مطابق للصفر على يسار الأرقام الصحيحة في علم الرياضيات , وعيد هلاميّ سخيف لا دليل عليه , وعيد بنجاة البشر من خطيئة لم يرتكبوها أساساً وورثوها من أجدادهم وبقو في غياهب ومساوئ الحياة اليوم بسبب تلك الخطيئة , ووعيد ينم عن ضعف الحجّة ووهن العقيدة وتأكيد على أنها باطلة.

فالإله الحق القوي العادل , لا يورث الأحفاد جرائم الأجداد , ولا يقدّم الوعود الفارغة الغير مثبتة بالأدلّة القاطعة التي تفحم الجميع...بل العكس تماماً , فكما تواصل مع آدم بشكل مباشر وجعله يشهد الجنّة بعينه لا بل ويحيى بها لفترة , كان بالأحرى به أن يساوي بين البشر أجمعين , ويعطيهم ذات الأدلّة الملموسة التي أعطاها لآدم , عوضاً عن تقديم الوعود بعد فناء الإنسان وعدم قدرته على تأكيد صحّتها.

وكل ما سبق طبعاً هو مسرحيّة الهيّة سخيفة لا أكثر , فعلى ضوء خطّة الله أو قضائه وقدره فكل البشر مجرّد دمى تتحرّك كما يريد هو وكما يشاء , وهو من يقدّر الضلال والهدى لهذا وذاك وكل حدث يحدث , وهو ما ناقشناه في مقالات سابقة هنا أيضاً...
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=720935
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=722764

فاستغلال المجهول أو الموت في هذه الحالة من قبل الأديان هو أحد أساليب السيطرة على الناس لا أكثر , وتهديد البشر بعذاب بعد الموت أو تبشيرهم بنعيم هو على حد سواء كلام فارغ وهراء سخيف لا أكثر , فمنطقيّاً وفلسفياً الجنة والنار باطلة وسفيهة , وعليه فإن التهديد والوعيد بها بنفس مستوى التفاهة والبطلان , فهي مبنيّة في الأساس على أهم مبادئ الدين والعقائد الدينية , ألا وهو تحييد العقل والتصديق بأي شيء دون دليل منطقي أو علميّ , فمن يصدّق بوجود اله أصلاً دون دليل , ومن يصدّق بالخرافات الدينية دون دليل , من الطبيعي أن يصل به الأمر ليحرّك حياته كلها بنائاً على ادعائات ووعيد بنعيم بعد الموت أيضاً دون دليل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا