الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-بين ثقافتي المقاومة والسلام - ثقافة الحقوق هي الأبقى

محسن أبو رمضان

2006 / 8 / 30
المجتمع المدني


في إحدى اللقاءات الثقافية الحوارية التي تشهدها مدينة غزة ، تلك المدنية التي تثبت التمسك بالبقاء والصمود في سياق ابداعي رافضاً لكل المحاولات الرامية إلى إحباطها أو انكفائها على ذاتها ، على قاعدة أن تلك اللقاءات والأنشطة الثقافية المعرفية هي دليل عافية وصحة لهذا المجتمع الحيوي النابض بالحياة رغم سياسة القمع والحصار والتجويع والقتل والاعتقال الجماعي ورغم تضاعف حالات الفقر والبطالة وتردى الأوضاع المعيشية .
نقول في إحدى تلك اللقاءات طرح أحد المثقفين وفي معرض تشخيصه للحالة السياسية بالمنطقة ، أن هناك ثقافتين يجب أن يحسم المواطن نفسه في أحداها حيث لا يوجد لون رمادي فإما ثقافة المقاومة أو ثقافة السلام ، ورغم انحيازي كسائر أبناء شعبي لخيار الكفاح الوطني في مواجهة سياسة القمع والتجويع والرافضة لحق شعبنا في تقرير مصيره أو لحريته واستقلاله ، وكذلك لآليات الاستعمار المباشر الناتج عن سياسة العولمة المتوحشة والرامية إلى السيطرة على المقدرات الاقتصادية العربية كما حصل في افغانستان والعراق .
مرة أخرى نقول رغم انحيازنا لهذا الخيار ، فإننا يجب أن نوضح أن هذين الخيارين المطروحين ينتميان إلى علم السياسة ، والتي تعرف بأنها فن إدارة الصراع الوطني أو الاجتماعي لتحقيق الأهداف الوطنية التحررية للشعوب التي تخضع للاستعمار أو المصالح الطبقية الاجتماعية للطبقات المقهورة والمهمشة والمظلومة .
وعليه فإن تحقيق الأهداف هو النتيجة المرجوة من وراء ممارسة السياسة وبالتالي فإن المفاوضات أو الدبلوماسية أو المقاومة بأشكالها المختلفة سواءً العنيفة أو السلمية الشعبية غير العنيفة ما هي إلا أدوات ووسائل لتحقيق الأهداف .
لقد مارست حركات التحرر الوطني المناهضة للاستعمار عدة أشكال وأدوات لتحقيق هدف الاستقلال الوطني ، كانت المفاوضات والخيار الدبلوماسي أحداها، وغالباً ما جاء هذا الخيار من أجل قطف ثمار الكفاح والتضحيات التي قدمت في مسيرة النضال ضد الاستعمار من أجل هدف الحرية ، كما مارست تلك الأشكال أيضا الطبقات الاجتماعية المظلومة ، وتعددت أشكال مقاومتها منها الإضراب والتظاهرة والبيان والاعتصام والاحتجاج ومنها المفاوضات أيضا في سبيل تحسين الأحوال الاجتماعية والمعيشية للعمال والمزارعين والشباب والمرأة ...الخ، ومن أجل تحقيق المكتسبات الاجتماعية لتلك الطبقات والفئات المظلومة .
وعليه فالشعار المناسب يجب أن يستخدم في المكان والزمان المناسب ، وهذا ما تقرره حركة التحرر الوطني بناءً على تقديراتها المحلية والإقليمية والدولية ،ومن الممكن استخدام عدة إشكال في نفس الفترة الزمنية أو استبدال شكلاً بآخر بصورة جدلية وإبداعية، فمن الممكن استخدام وسيلة المفاوضات ثم العودة عنها عبر استخدام وسائل مقاومة سواءً عنيفة أو سلمية إذا تبين أن الطرف المعادي لا يستجيب للشروط والمطالب الوطنية أو الاجتماعية .
أعتقد أننا بالحالة الفلسطينية يجب أن نعيد النظر بتلك المفاهيم الجامدة وغير المتحركة ، كما إننا بحاجة لإجراء مراجعة تقيمية نقدية جادة ، حيث أننا لم نتقن فن وتكتيك المفاوضات ، حيث استطاعت إسرائيل وبعد اتفاق أوسلو من فرض الوقائع الجديدة على الأرض وبناء جدار الفصل العنصري وتسمين المستوطنات وتقطيع أوصال الوطن ، كما أننا ورغم التضحيات الجليلة التي قدمت في سياق المقاومة بكافة أشكالها إلا أننا لم نستطع استثمارها بما يمكن من تمتين وترتيب الحركة الوطنية الفلسطينية " البيت الداخلي" ، خاصة أن تجربة المقاومة اللبنانية الباسلة بقيادة حزب الله والتي يمكن مقارنتها بحالتنا بهدف استخلاص النتائج والدروس والعبر والتعلم والبناء على الانجاز ،أكدت تلك التجربة الفرق الجوهري لصالح المقاومة اللبنانية فيما يتعلق بالمقارنة مع التجربة الفلسطينية وخاصة تجاه التجهيز اللوجستي والترتيب والسرية والابتعاد عن وسائل الإعلام والحرص على الوحدة الوطنية والابتعاد عن الفئوية الأمر الذي لم تحظ به الحالة الفلسطينية رغم التضحيات الجسام التي قدمت والتي يقدرها ويحترمها ويجلها كل فلسطيني ، حيث أن المسألة لها علاقة بالتكتيك القادر على تحقيق الأهداف الوطنية أي جعل الاحتلال أو القوة الاستعمارية تتراجع عن ممارساتها وأن تعترف بصورة واضحة بحقوق شعبنا وبأهدافه وتطلعاته الوطنية والشرعية.
ومن هنا فأرى من المناسب عدم وضع حالة من التعارض بين شعاري السلام والمقاومة ، الأمر الذي يقودنا إلى ان نتمسك بثقافة الحقوق ، فما يجب رفضه هو الاستسلام أو التراجع عن الأهداف والثوابت الوطنية ، كما يجب أن توضع المقاومة في سبيل تحقيق الأهداف الوطنية وذلك بالترابط مع البرنامج السياسي الوطني المتفق عليه وهو تحقيق الحقوق والدولة في المناطق الفلسطينية المحلة منذ 4 من حزيران عام 67 الأمر الذي يفترض ممارسة تلك الأشكال النضالية بأدواتها وتكتيكاتها المختلفة في سبيل تحقيق هذا الهدف الوطني .
وبرأي فإنه ان الأوان لإخضاع كافة التكتيكات والوسائل سواءً السياسية أو المقاومة لمراجعة تقيمية جماعية مبادرة وجريئة، بعيداً عن الحسابات الضيقة والخاصة ، فنحن بحاجة إلى كسر الحصار الظالم المفروض على شعبنا وإلى خلق حالة من الاستقطاب العربي والدولي ضد الاحتلال ، ونحن بحاجة إلى ترجمة قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ورفض الحلول الجزئية والمنقوصة ومنها خطة الانطواء أو الانفصال أحادية الجانب.
وعليه فإن التكتيكات سواءً الكفاحية أو السياسية يجب أن توظف في سبيل تحقيق تلك الاشتراطات ، فإذا كانت المظاهرات الشعبية والتضامنية التي تعززت في نموذج رافض لجدار الفصل العنصري في تجربة بلعين البطلة بالضفة الغربية قد أدى إلى اعتماد قرار محكمة لاهاي الاستشاري برفض الجدار واعتباره غير شرعي واعتبار أن الأراضي الفلسطينية عام 67 محتلة وليس متنازع عليها فإننا يجب أن نستخدم هذا الشكل وأن نعظم منه في سبيل خلق الاصطفاف الشعبي الواسع ضد سياسة الاحتلال والقمع والقتل والعقاب الجماعي والتجويع .
لقد سقت النموذج الأخير ( بلعين ) على سبيل المثال في معرض التقييم المطلوب تجاه أشكال ووسائل النضال المناسبة التي تساهم في تحقيق الأهداف ، وكذلك فيجب مراجعة وسائل المفاوضات والمبادرات الدولية ومنها خارطة الطريق ، والتي تبين أنها تقدمت من أجل التمهيد للسيطرة على العراق وبالتالي تبريد الساحة الفلسطينية إلى حين .
الأمر الذي يستلزم التمسك بشعار إما التخلص من الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة وفق الشرعية الدولية أو استمرارية الصراع وبالتالي فإن إسرائيل والمجتمع الدولي هما اللذان يتحملان المسئولية في ذلك .
إن إدارة الصراع الوطني بصورة جماعية ووحدوية أصبحت ضرورة لا تحتمل التأجيل خاصة في ظل المخططات الرامية للاستفراد بالقضية الفلسطينية وتدمير مقومات الهوية الوطنية في ظل تواطؤ دولي واضح، ولكننا يجب أن لا نضع أشكال النضال في تعارض مع بعضها البعض.
إنني أدعو إلى التمسك بثقافة الحقوق فهي الابقى والأكثر جدية وإخلاصا وحرصاً على مصلحة شعبنا ، حيث أن التكتيكات هي أدوات تتغير في سبيل تحقيق الحقوق الثابتة التي يجب أن لا تتغير خاصة من أجل الهوية والدولة والاستقلال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار