الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدوران حول المورَج ...!

وهيب أيوب

2021 / 12 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما زال العربان المسلمون يدورون في حلقة مُفرغة، بسبب نكرانهم وتنكّرهم لأصل المشكلة، بحيث ثبتَ في العشر سنوات الأخيرة بعد الانتفاضات الجماهيرية على أنظمة الاستبداد والفساد، أن المشكلة لن تُحل لمجرّد إجراء انتخابات وتغيير ، أو بالأصح تبديل تلك السلطات والأنظمة بسلطات وأنظمة أُخرى تُشبهها وتعتنق ذات الثقافة النمطية منذ قرون.
فقد ثبُتَ بما لا يجعل مجالاً للشكّ فشل كل هذا المسار، وسوف لن تنفع في هذا المجال كل المقالات والحوارات السياسية، لأن الأزمة والمُعضلة في الأساس ليست سياسية إلا في ظاهرها، فالسياسة هي السطح البائن من الأزمة، لكن المُعضلة أعمق وأخطر بكثير، وهي مشكلة البنية المجتمعية الثقافية التي تقوم عليها تلك الدول والمجتمعات؛ من دين وتراث وتاريخ وطوائف ومذاهب وقبائل وعشائر وقوميات ، وكل من هؤلاء ينظرون للوطن كُلٌّ من زاويته أو منطقه الاعتقادي الديني والطائفي والقومي والقبلي الخاص، ويتنافسون ويتناحرون في الانتخابات على هذا الأساس، أي أنه لا يوجد نظرة جامعة واحدة لمسألة الوطن والمواطنة الحقيقية لكل مكونات المجتمع بصرف النظر عن معتقداتهم، ولهذا يسعى كل طرف لإلغاء الأطراف الأُخرى والتنكّر لحقوقها، وأقصى ما قد يتوصّلون إليه من تسويات؛ هو تقاسم السلطة فيما بينهم كطوائف وعشائر، مع بقاء الأحقاد والنزاعات الطائفية والتاريخية فيما بينهم، وهذا ما هو حاصل في لبنان والعراق واليمن وليبيا، وسيكون هذا حال كل تلك الدول الباقية تنتظر دورها في ذات المصير، والتي لا ترقى تسميتها إلى مفهوم الدولة العلمانية الحديثة، بحيث المساواة في المواطنة والحقوق والواجبات وسيادة القانون والقضاء على الجميع.
إذاً؛ نتحدّث هنا عن عمق وجذور الأزمة الحقيقيّة الشبه مُستعصية على الحل حتى الآن، والتي يُهملها الغالبية الساحقة من مثقفين وكتّاب مقالات وتحليلات سياسية لا تُجدي ولن تُسمن عن جوع، بحيث يستسهلون الخوض في النقاشات السياسية والأزمات الظاهرة على السطح، فكما المثل القائل "ما قدر للحمار بيتشاطر على البردعة"!
غير مُدركين بأن تلك الشؤون والأزمات السياسية والمجتمعية والانتخابات وسواها من شكليات وتطبيقات؛ هي المرحلة الأخيرة من الحل وليست البداية، فلا يُمكن خلق فضاءات من الحريّة والديموقراطية والحوارات البنّاءة لإرساء دولة المواطنة، دون الولوج إلى عمق الأزمة وجذورها التي ذكرناها سابقاً، وإيجاد حلول لها، من خلال الاقتناع بالتغيير الحقيقي لتلك الثقافة المُهلِكة السائدة منذ عصور، التي أدّت وما زالت إلى شرذمة وتمزيق تلك الدول والمجتمعات في صراعٍ دمويٍّ مُميت.
أوروبا التي ترونها اليوم والتي يسعى المُشرّدون الهاربون من أوطانهم الممزّقة في اللجوء إليها، أوروبا هذه؛ عاشت مراحل من الصراع الدموي الطائفي استمر لعصور، ولم تخرج منها إلا بتغيير تلك الثقافة الطائفية القاتلة التي كانت تسود أوروبا، خاصة بين الكاثوليك والبروتستانت، ومن قام بتغيير تلك الثقافة وإرساء البديل لها؛ هُم كوكبة كبيرة من الفلاسفة والمفكرين والمثقفين والعلماء، أمثال روسو وفولتير وديدرو وكانت وجون لوك وديكارت وسبينوزا ومارتن لوثر وتوما الأكويني ونيوتن ونيتشه، والقائمة طويلة جداً لا يمكن حصرها في هذا المقال؛ هؤلاء تعرّضوا لكل الأزمات التي كانت سائدة في أوروبا، فكتبوا في التسامح والتعايش وحرية الرأي والديموقراطية وفي نقد الدين والمقدسات وهاجموا الكنيسة الكهنة والقساوسة والباباوات والأناجيل والكتاب المُقدّس والشرائع وكل ما يتعلّق بأزمات المجتمعات وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها وتاريخها وتراثها، ووضعوا كل شيء على طاولة التشريح والتفكيك، بعدها قامت ثورات حقيقية في مجمل الدول الأوروبية بدءًا من عصر النهضة وما تلاها، حتى وصلوا إلى ما هم عليه الآن.
من هنا نقول؛ أنه على النُخب المثقفّة في مجتمعاتنا الدخول إلى عمق الأزمة وسبر أغوارها، وعدم إضاعة الوقت والتلهّي بالقشور والشكليات، التي لن تؤدّي إلى أي تغيير حقيقي، يجب خلق أرضيات وفضاءات وثقافة جديدة؛ تؤهّل تلك المجتمعات للانتقال للمرحلة الأخيرة وهي السياسة والانتخابات والتغيير الحقيقي للسلطة وأنظمة الحكم الاستبدادية، وهذا لن يكون ولن تصل تلك المجتمعات إليه؛ ما دامت النُخب المثقفّة تدور حول نفسها كما عدم المؤاخذة يدور الثور أو الحمار حول المورَج مغطّى بغمامات على العينين تحجب معظم رؤيته، إلا أمامه ويبقى يدور في ذات المحور ...!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #