الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسئلة ثمانيني لم تجد الإجابة

محمد حسين يونس

2021 / 12 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بلغ سني الثمانين تزيد ((عامين أم عامان )).. و اسئلة مراهق السادسة عشر لم تجد اجابة لدى الكهل المسن ( الذى هو أنا الان ) فهو رغم مرور الأيام لا زال يتعثر ليجد اجابات منطقية مقنعة (نهائية) لما أرق الشاب المتحمس لخوض معركة كشف المجاهيل ..و إحداث التوافق مع الحياة و المجتمع .
في بداية العمر .. نمتلك طاقة كبيرة نبددها بسفه فيما لا ينفع و قد يضر ..ونكون أصحاب جهالة واسعة يصاحبها غرورا يصور لنا أن ما نعرفه من قشور( أغلبها ممتص من العائلة و المجتمع) ..هو حقائق لها صفة التأكيد والدوام.
قد نبقي علي هذه الجهالة حتي الممات .. و قد نكتشف في يوم .. أن الحياة ليست معادلة من الدرجة الأولي نعوض في المجهول فنجد الجواب .. فنشقي في البحث عن الكم الهائل من المجاهيل التي تطرحها
بمرور الزمن نجد أنفسنا ..ونحن نهدرأيام العمر في لغو لا قيمة له ..قد إنخفضت طاقتنا قدرتنا علي الصراع .. ثم نكتشف قرب النهايه ( إذا كنت تعيش في زمن توفرالمعلومة عبر أجهزة التواصل الحديثة) .. أننا نريد عمرا قدر العمر مرات عديدة ليكون لدينا ردودا شبه صحيحة علي أسئلة جهالة البداية بعد أن يكشف المجهول لنا خلال الرحلة عن بعض من ستائره ..و إمتلكنا يقيننا بأن الحقيقة المطلقة .. ليست مطلقة .. بقدر ما لها أكثر من وجه وإحتمال ضمن مئات الإحتمالات التي تقبل الصواب و الخطأ .

لا أعتقد أن البشر بعد الف سنة ( مثلا ) .. سوف يعلمون و يربون صغارهم بنفس الطريق الفاشلة التي تعلمنا بها .. سيكون الطفل في العاشرة أو حولها قد إستوعب القوانين الأساسية في العلم و الفلسفة .. و إمتلك منطقا يجعله يبحر في المجهول .. فيقدم للبشريه في يوم .. ما نفشل أن نقدمه في سنين .

الاسئلة التي لم يتوقف الحاحها علي عقلي منذ بداية إستخدام المنطق هي.. من نكون كعقلاء ، و ما موقعنا في الكون، و ما الهدف من حياتنا ،و لماذا نتصارع هكذا بعنف، و كيف يهدم الكائن المسمي انسانا عمل كائن اخر من نفس فصيلته،
لماذا نعيش في طبقات متفاوته، ما ذنب النساء في أن يعاملن بصورة اقل من الرجال و نفس السؤال عن البيض والسود والصفر والحمرمن البشر،
اذا كنا نحن سكان هذا المكان صناع حضارة البداية فلماذا نحن في قاع التخلف ،و اذا كنا كمسلمين خير امة .. فلماذا نحن أقل امة تقدما ،
هل الإنتماء الديني يوحد الجماعة بغض النظر عن اختلافات أفرادها اللونية والعرقية والجنسية والطبقية ،
ام انها القومية ، أو الارض والحدود السياسية ،ام هو المال الذى امتلكه والمصلحة التي تقودني !!
ما هو دور الانسان الذى يريد أن يتوافق مع طبيعته الانسانية، هل بمخالفة التقاليد والثورة عليها، ام بالهجرة للمجتمعات التي يتوافق فكريا معها.. أم بالصراع لتحويل عشته الي قصر.حتي لو كان الثمن شقاء و فقر الأخر
عذبتني هذه الاسئلة وغيرها طول حياتي ، وكم قرأت كي أتعلم وحاولت.. دون أن أجد إجابات نهائية شافية.. فكل فرضية تقود لعالم أخر مختلف عن ما تقود إليه أختها .
و هكذا رغم ما كتبت من مئات المقالات في الحوار المتمدن.. و الأف البوستات علي الفيس بوك ..أوما دونت ككتب ورقية ..فلازالت أندهش ( و أنا في نهاية العمر ) كلما إكتشفت جديدا يغير المنظومة المنطقية التي أتبناها .. أو تعلمت أكثر عن ما كنت أجهله .
وها انا اليوم بعد أكثر من نصف قرن من الكبد و الطموح لتكوين رأى علمي منطقي لا أجد ردا يحمل اليقين علي نفس الاسئلة التي جرى طرحها في صدر الشباب .
كل ما حدث أنني رغم فشلي في الإجابة الكاملة علي الأسئلة السابقة .. فشلت أيضا في الإجابة علي أسئلة أكثر بساطة .
إسحاق نيوتن العالم الفيزائي الذى لا حدود لابتكاراته و نظرياته كان يقول .. أشعر بانني طفل يجلس علي شاطيء محيط الحقيقة الهو ببعض من ما تقذفه الامواج لنا ..
نفس مضمون هذه الكلمات قرأتها لبرتراند رسل و صاحب كتاب ((ملاك الحقيقة المطلقة )) مراد وهبة .. ومن فولتير حين قال عن (اليقين) انه نطاعة(دناءة ) فكرية
يستفزني من يجلس يفتي و يتحدث بلغة الواثق عن اشياء لا يفهمها تمت في الماضي او تجرى الان او ستحدث باكر .. كما لو كان قد ابحر في المحيط الذى يقف علي شاطئه نيوتن يلهو ..وجاء منه بدرر الزمان عن طبيعة الكون والحياة والوجود والعدم .
انا لا استثيغ فلسفة افلاطون عن الكهف و كيف اننا خيالات تتحرك علي جداره تعكس حركة خارجة مثل لعبة خيال الظل او السينما . كذلك لا افهم فكرة ان حياتنا مقدرة منذ ملايين السنين ومكتوبه بالتفصيل من قبل و ما علينا الا ان نقوم بالدور المقدر لنا .. ثم نعاقب علي ما جنته ايدينا خلال القيام بدورنا المسرحي .
و انما اميل الي ان الانسان يشكل حياته بواسطة مجموعة من الاختيارات المستمرة و ان علي قدر الخيار تأتي مسيرته .
في البداية تقوم العائلة بعمل الاختيارات فتحدد الاسم والمكان والملامح و الامكانيات ..
ثم تتدخل عوامل المجتمع الجيران والنادى و الشارع و المدرسة لتضع عناصر اختيارية اخرى ،
ثم يزداد تأثير المجتمع كلما نمي البشرى لتصبح عوامل حاسمة تحدد هوية هذا الكائن لغته دينه ثقافته عمله ملابسه زواجه
و تبدأ معها مسئوليته عن الاختيار هل بذل جهدا للتعلم هل اختار ان يكون حرفيا فنانا مدرسا مهندسا حرامي نصاب .. دجال يسعي بين الناس ببضائع فاسدة ام مصلحا اجتماعيا يضيء بنور علمه ما حوله ..
اربعا (بيوت علي الرمل ) كثيرة نبنيها ثم ننثني و نمحوها ..((كما فعل قيس مع عبلة احمد شوقي )) حتي تحين لحظة النهاية ((فننفق كما يموت الحمار بدون فوارق)) كما كتب ايضا احمد شوقي في مصرع كيلوباترا .((إذا ما نفقت ومات الحمار ..ابينك فرق وبين الحمار )) ..
خلال العقود المتتالية جرى لي تغيرات جسمانية ونفسية أدت الي انخفاض مستوى الحماس المصاحب للشباب ومقدرتهم ومثابرتهم لبلوغ المراد .. و لكن الخيبة التي لا حل لها ..كانت مع فقه هذه اللغة العربية
نعم كتبت الاف الصفحات باللغة العربية و الانجليزية .. فلم أجد في اللغة الاجنبية معاناة أو حيرة مثل التي حدثت لي مع كتابة الجملة الاولي من مقالي هذا (( تزيد عامين )) أم (( تزيد عامان ))
هل هي مضاف اليه ..ام نائب فاعل .. أم شيء آخر قرره ابو الاسود الدؤلي في غيابي..
سبعون سنة أكتب باللغة العربية ولا أعرف إعراب كلمة ((عامين )) اى عوائق هذه التي نضعها لانفسنا وأى تحديد للعقل نعاني منه عندما نتعثر في كتابة افكارنا التي كان من المفترض أن تكون أدوات إبداعها لغة سهلة، سلسة،
إن اللغة العربية تحول صاحبها(في الاغلب ) الي معوق خائف من التعبير حتي لا يخطيء فيجيء له من يعايره بأن اعراب الكلمة غير صحيح وان عليه ان يخفض تصنيفه كمفكر الي مرتبة أقل من الذين يعرفون الفارق بين المضاف اليه و نائب الفاعل .
التطور مطلوب و لكن اذا كانت همومنا انحصرت في الاعراب و تكوين الجمل.. فعلي الانسان الناطق باللغة العربية حتي لو تفوق في معرفة دهاليزها ..السلام .
لقد كان( نحو) اللغة العربية علامة استفهام ضخمة امامي منذ بداية تساؤلاتي ونقدى للمجتمع وحتي الان .. والسبب أن هذه اللغة تخالف اللغة الاكثر بساطة التي نتكلمها و تسمي بالعامية أو كما يقولون لغة الام
فأنا عندما اتكلم أقول الراجل، الست، الصبيتان، الشابان، البهائم، الحوريات ( اللي ) مختصرا الذى، التي، اللذان، اللتان، اللائي، الذين والتي للجماد .. التي يتعثر فيها الكبار قبل الصغار .
لغتي اخترعت (نحوا) أستقته عن لهجات المصري القديم فجاء مباشرا سلسا ومع ذلك لازلنا ننقد بعضنا بعضا اذا ما اخطأنا في لغة (( شهدت مأدبة، فأكلت جبجبة من صفيف هلعة فاعترتني زلخة )) فسلام عليها ولنتركها لهواة (الفاعل والمفعول والصفة والحال) يكتبون بها معلقاتهم و يلصقونها علي ابواب معابدهم وقدس اقداسها .
لقد فشلت تماما في معرفة اسباب استسلام هذا الشعب لالاف السنين للقهر دون اى امل في التغيير.
نحن نرى القهر .. و التسلط .. و الإستبداد من حقائق الحياة التي تناسبنا .. و نصبر علي مكاره الديكتاتورية ..متصورين .. أن الديكتاتور الحالي أفضل من الذى سبقه أو أقل أذية و طمع و شره للسلطة و التنعم بمال الشعب .. من حكام الفرس و العرب والمماليك و الأتراك .. حتي بعد أن ينهزم .. و يسقط بنا في دوائر التبعية .. فنحن نجلس منتظرين ( أن يرحل أو داهية تاخدة)) .
كما فشلت في معرفة اى الاديان الـ 22 السائدة بين البشر هو الحق ولماذا يدعي كل مؤمن بان ربه هو رب الابدية فاطر نفسه وخالق الكون وما عليه ..
فشلت في تحديد اسباب استسلام النساء في القرن الحادى والعشرين لهؤلاء المعممين الجهله الذين يريدون الزواج باطفال لا يتعدى سن الواحدة منهن العقد الثاني..
السيدات بعد أن تعلمن وتثقفن وكان لهن دورهن في الحياة وأصبحن وزيرات ورؤساء مجالس ادارات وسفيرات .. يعدن ليصبحن جوارى وخادمات مقهورات علي اساس أنها تعاليم الدين ..
الله ..لا يمكن ان يخلق البشر ومعهم خادمات يلهون بهن .. والعصر لم يعد يسمح بالعبودية ولكن شعبي العظيم يهلل لسجن امه واخته وزوجته وابنته في قواعد توازى وأد المرأة.
وكما فشلت في معرفة اسباب تميز البعض عن البعض ورضاء الطبقات الدنيا بحياة عفنة تأباها الحيوانات .. لا أستطيع أن ادرك كيف ترضي ممثلاتنا و فنانينا بهذا الاجحاف وبهذه الاوصاف التي يطلقها عليهم كائنات لم تستحم منذ شهور عفنة الانفاس يجرى القمل في رؤوسها ولحاها
وكيف يتحول هؤلاء الانجاس بين ليلة وضحاها الي نجوم المجتمع والشاشات التلفزيونية .. ان هؤلاء الذين يرون ان حضارتنا عفنه وان تماثيلنا أصنام وملوكنا فراعنة هم من يثورون عندما ينتقدهم ورموزهم المخالفين لهم.
تجاوزت االثمانين وأصدقكم القول لم أعد علي يقين من أى شيء تعلمته خلال رحلة حياتي .. لقد سودت الاف الصفحات وقرأت أضعافها لكي أفهم أو اؤثر بما تصورت انني فهمت و لكنه كان ميراثا للريح فلم يعد عندى ما أقدمه.. فما زلنا لم نخطوا خطوتنا الاولي نحو أن نكون بشرا متفهمين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القراءة لك متعة
عدلي جندي ( 2021 / 12 / 26 - 15:23 )
وأضيف خواطر نزار
من ربع قرن وأنا أمارس الركوع والسجود
أمارس القيام والقعود...أمارس التشخيص خلف حضرة الامام..يقول اللهم امحق دولة اليهود
اقول .. اللهم امحق دولة اليهود....يقول اللهم شتت شملهم...أقول .. اللهم شتت شملهم..يقول اللهم اقطع نسلهم..أقول اللهم اقطع نسلهم
وهكذا يا سادتي الكرام...قضيت عشرين سنة…...أعيش في حضيرة الأغنام...أنام كالأغنام....أعلف كالأغنام...أدور كالحبة في مسبحة الامام...أعيد كالببغاء
كل ما يقول حضرة الامام....لا عقل لي .....لا رأس .....لا أقدام.....أستنشق الزكام من لحيته...والسل في العظام..
قضيت عشرين سنة..مكوما…....كرزمة القش على السجادة الحمراء...أجلد كل جمعة بخطبة غراء...أبتلع البيان والبديع...والقصائد العصماء...أبتلع الهراء
عشرين عاما..وأنا سادتي...أسكن في طاحونة..ما طحنت قط سوى الهواء…..ياسااادتي..بخنجري هذا الذي ترونه
طعنته...في صدره والرقبة..طعنته...في عقله المنخور متل الخشبة..طعنته باسمي أنا...واسم الملايين من الاغنام..يا سادتي…..أعرف أن تهمتي
عقابها الاعدام..لكني.......قتلت اذ قتلته...كل الصراصير التي تنشد في الظلام...والمسترحين على أرصفة الأحلام...قتلت


2 - تأثيركم كبير حتما
ماجدة منصور ( 2021 / 12 / 27 - 05:51 )
تأثيركم كبير حتما و يكفيك فخرا أنك أضفت معنى و قيمة لعبثية الحياة0
في البدء كانت الكلمة
في النهاية تكون الكلمة
شعوب منطقتنا بحاجة ماسة لكلمة صدق يقولها مفكر مثلكم ولا تعتقد سيدي الأستاذ أن ما كتبته قد ذهب سدى!! أبدا: إن ما تطرحه من فكر محترم كفيل بالتغيير على المدى القصير و الطويل أيضا و إن الشعوب لن ترتقي سوى بالكلمة فلا تظن أبدا أنك قد مررت من هذه الدنيا مرور الكرام0
..00
.....نحن نتنفس قراءتك حين تكتب و السنوات التي عشتها و ستعيشها ستكون مكسبا ضخما لنا


3 - تأثيركم كبير حتما
ماجدة منصور ( 2021 / 12 / 27 - 05:59 )
إنكم في مرحلة من العمر يدعوها الغرب بالعمر الذهبي و يكفينا أنك تقدم لنا عصارة فكرك الإنساني و خبرتك العميقة0
الكلمة أقوى من الطغاة
في البدء كانت الكلمة لأنها هي التي تنتصر و تحيا0
جميعنا سنفنى و لكن الكلمة خالدة و لن تفنى
شكرا من القلب لكل كلمة قرأناها لكم لأن كلماتكم الصادقة و العميقة نستشعر صداها في عقولنا0
لتحيا بالكلمة سيدي الأستاذ


4 - المشكله
على سالم ( 2021 / 12 / 27 - 20:47 )
الاستاذ محمد حسين يونس , الاشكاليه هنا انك انسان مناسب وفاهم تواجد فى مكان غير مناسب , انت انسان يريد التغيير فى مجتمع من الحمقى والجهلاء والمتخلفين الاغبياء والمشعوذين ولايريدوا التغيير نحو حياه افضل


5 - شكرا
محمد حسين يونس ( 2021 / 12 / 29 - 09:32 )
أشكر حضراتكم .. دام الود و التواصل

اخر الافلام

.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم


.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو




.. 70-Ali-Imran


.. 71-Ali-Imran




.. 72-Ali-Imran