الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقارنة بين ألأديان- قصة أيوب- 3- أيوب التوراتي وألقرآني

كامل علي

2021 / 12 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مقدمة:
في سلسلة المقالات هذه سنتناول قصة شائعة هي قصة أيوب ألتي وردت في الحضارتين ألسومرية والبابلية وتم إقتباسها من قبل أليهود المسبيين في أرض الرافدين وإدخالها في نصوص ألتوراة بعد إجراء بعض التعديلات عليها. مؤلف ألقرآن أقتبس هذه القصة ولكنها وردت بإختصار شديد وهي ميزة أختص بها ألقرآن.
إنّ فكرت المعذب الصابر الذي تأتيه البلايا من كل حدب وصوب على الرغم من تقواه وصلاحه، هي فكرة قديمة في الفكر الديني للمنطقة المشرقية. فقد رأى إنسان الشرق القديم في المصائب والبلايا التي تحل على الافراد عقابا على الذنوب والخطايا. ولكن الحكماء المشرقيين على إيمانهم هذا، قد أنشغلوا في تأمل مسألة طرحت نفسها على الفكر الديني والفلسفي في معظم الثقافات، وهي إبتلاء أشخاص صالحين عاشوا حياة أخلاقية سوية، وأقاموا الصلوات وقربوا القرابين لآلهتهم، وأدوا واجباتهم الإجتماعية على أكمل وجه. ولدينا عن مثل هذه ألتأملات نصان من ثقافة الشرق القديم:
ألأول سومري يعود إلى أواخر ألألف الثالث قبل الميلاد . والثاني بابلي يعود إلى أواسط ألألف ألثاني قبل الميلاد.
في أسطورة أيوب ألتوراتي نلاحظ إضافة عنصر جديد على ألأسطورة السومرية والبابلية هذا العنصر هو إستخدام يهوه للشيطان لإمتحان إيمان أيوب، ظهور الشيطان في ألتوراة جاء متأخرا في تاليفات التوراة وذلك بتأثير المعتقدات الزراداشتية التي أحتك بها اليهود المسبيين أثناء السبي البابلي.
أيوب التوراتي:
تعود قصة الصابر المعذب إلى الظهور في كتاب التوراة، وذلك في سفر خاص بها هو سفر أيوب. والقصة التوراتية تحتوي على عناصر القصة الرافدينية جميعها، ولكن بتوكيد أكبر على دور الإله في بلايا ومصائب ذلك المعذب، وإستخدامه وسيلة له. فقد كان أيوب رجلا حكيما ومستقيما يتقي الرب ويحيد عن الشر. وكانت مواشيه سبعة آلاف رأس من الغنم، وثلاثة آلاف من الجمل، وخمسين فدان بقر، وخمسمائة أتان، وخدمه كثيرون جدا، فكان أعظم بني المشرق (1: 1-3).
في أحد ألأيام مثّل الملائكة أمام الرب وجاء الشيطان معهم. فسأل الرب الشيطان عما إذا كان ينوي شرا لأيوب، لأنّ ليس مثله رجل صالح وكامل. فأجابه الشيطان:" هل مجانا يتقي أيوب الرب؟ أليس لأنك سيجت حوله وباركت أعمال يديه فأنتشرت مواشيه في الأرض؟ ولكن أبسط يدك ومس كل أملاكه بضر فإنّه يجدف في وجهك" هنا يداخل الشك نفس الرب في أيوب، ويرغب في معرفة خبيئة نفسه ودواعي صلاحه، فيطلق يد الشيطان في أيوب يفعل به ما يشاء شريطة أن يبقيه على قيد الحياة، ليعرف هل سيكفر أيوب إذا زالت عنه النعمة أم لا (1: 6-12).
وهكذا يباشر الشيطان عمله. ففي يوم واحد سُرقت أبقاره وجماله، وقتل اللصوص عبيده جميعا، وسقطت نار فأحرقت قطعان غنمه، ثم تهدم البيت على اولاده فماتوا جميعا: " فقام أيوب وجزّ شعر رأسه وخر إلى الأرض وسجد وقال: عريانا خرجت من بطن أمي وعريانا أعود إلى هناك. الرب أعطى والرب اخذ. فليكن اسم الرب مباركا إلى الأبد. وفي كل هذا لم يخطيء أيوب ولم ينسب لله جهالة ". (1: 12-22).
بعد ذلك يعاتب الرب الشيطان على دسيسته لأنّ أيوب لم يخطيء ونجح في الإختبار، فيقترح الشيطان إستمرار الإختبار وأن يطال الأذى هذه المرة أيوب في جسده وصحته. فخرج الشيطان وضرب ايوب بقروح خبيثة انتشرت في كل جسده. فأخذ كسرة فخار يحتك بها وهو قاعد وسط رماد بيته المحترق، وقال لزوجته: " هل نقبل الخير من الله والشر لا نقبل؟ وفي كل هذا لم يخطيء ايوب بشفتيه ". (2: 4-13).
وعندما أشتدت الأوجاع على ايوب، رفع صوته طالبا الرحمة والعدل: " أبحر انا ام تنين حتى جعلت علي حارسا؟ ..... ماهو الإنسان حتى تعتبره وحتى تضع عليه قلبك وتتعهده كل صباح، وفي كل لحظة تمتحنه؟............ (7: 12-20). ولكن هذه الشكوى تذهب هباء لأنّ الخصم هنا نفسه هو الحكم...... (9: 29-33).
ولكن إعلان البراءة من جانب ايوب وثباته على توكيد حقه لا يجدي، وبدلا ن أن يجيب الرب ايوب عن تساؤلاته المشروعة، فإنّه يعمد إلى تذكيره بقوته وجبروته. عند ذلك يفهم أيوب أنّ ربه لا يحتاج إلى التذكير بقواعد العدالة كما يفهمها البشر، وإنّما يطلب الخضوع والتسليم سواء أجاءت مشيئته بالخير أم بالشر.
أمام هذا الخضوع المطلق والتسليم بقوة الرب وعظمته،يهدأ غضب الرب. وتنتهي القصة بأن يعيد الرب إلى ايوب صحته ويعوض له كل ما فقد من ممتلكاته، ويعزيه عن بنيه الذين فقدهم بنسل جديد. وعاش أيوب بعد ذلك مئة وأربعين سنة. (42: 1-17).

أيوب ألقرآني:
مؤلف ألقرآن أقتبس الأسطورة من ألتوراة وأجرى عليها بعض التعديلات التي تتناسب مع المعتقدات الإسلامية وأختصرها في آيات متفرقة في ألقرآن وهذه ميزتان تتميز بها قصص القرآن.
يرد اسم أيوب في سورة ألأنعام – ألآية 84 على أنّه واحد من أنبياء ألله ألصالحين:
" وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ".
أما قصة إبتلائه فترد في موضعين فقط وبإختصار شديد، وذلك في سورة ألأنبياء 83 – 84:
" وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84) ".
وفي سورة ص :
" وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ".
فبلايا أيوب في القصة القرآنية تأتي من ألشيطان كما هو الحاال في الرواية التوراتية، ولكن دون التعرض لدور الرب فيها. فقد أصابه الشيطان بنصب، أي بتعب ومرض في جسده، وبعذاب في روحه. كما نفهم من السياق أنّه أصيب بموت أولاده أيضا. وبعد زمن من المعاناة يدلّه ربه على نبع ماء ليغتسل به فيزول مرضه الجسدي، ثم يشرب منه فتزول عذاباته الروحية. وبعد ذلك أحيا ألله أولاده ألذين ماتوا، ووهبهم مثله في ألعدد.

عند مقارنة أسطورة أيوب ( لم يذكر بالإسم في الروايتين السومرية والبابلية ) في ألأديان ألأربعة نلاحظ ألتسلسل التالي حسب تواريخ ألتأليف:
ألاسطورة السومرية ثم البابلية ثم التوراتية ثم ألقرآنية، فكل دين جديد يقتبس من ألأديان التي سبقته ولكن مع إجراء بعض التعديلات التي تتماشى مع معتقداته.
مصادر ألبحث:
- أساطير ألأولين ..... فراس ألسواح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب