الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات فى مفهوم الجمال ( 4 ) الجمال فى الفكر الاسلامى

محمد فُتوح

2021 / 12 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تأملات فى مفهوم الجمال ( 4 )
-----------------------------------------------------------

الجمال فى الفكر الاسلامى
-------------------------------


الجمال عند أبو حيان التوحيدى ( 891 – 995 م )
---------------------------------------------------------

يعد أبو حيان التوحيدى ، أول عربى وضع علم الجمال العربى ، مأخوذاً عن آراء معاصريه ، كما أضاف إليه من أفكاره ، وحصر فيه من الآراء المتفقة مع آرائه ، مما جعله أقرب إلى فلسفته الخاصة .
لقد وضع أبو حيان تعريفاً للجمال يقول فيه أن " الجمال هو كمال فى الأعضاء ، وتناسب فى الأجزاء مقبول عند النفس " .
ويرى التوحيدى أن العمل الفنى فوق العلم ، بل العلم يحتاج أيضاً إلى الفن ، وأن العمل الفنى يأتى نتيجة الفكر ، فيقول " فالذوق و إن كان طباعياً ، فإنه مخدوم الفكر ، والفكر مفتاح الصنائع البشرية ، كما أن الإلهام مستخدم للفكر ، والإلهام مفتاح الأمور الألهية " . وعلى ذلك فإن التوحيدى يرى أن الإبداع يقوم على البديهة والإلهام ، ثم على العمل الواعى ، والفكر الجاد .
وفى مجال التذوق الجمالى ، فإن أبو حيان يتساءل " ما سبب استحسان الصورة الحسنة ؟ ... وهل هى كلها من آثار الطبيعة ؟ ، أم هى خيالية من العلل جارية ؟. وهل يجوز أن يوجد مثل هذه الأمور الغالبة ، والأحوال المؤثرة على وجه العبث ، وطريق الباطل " .
لقد كان لأبى حيان التوحيدى ، و مسكويه 932 – 1030 ، الفليلسوف والمؤرخ والطبيب الفارسى ، مجادلات ومناقشات شتى عكست الأفكار والنظرة الجمالية لمجتمع هذه الفترة . ولقد أجاب مسكويه عن تساؤلات أبى حيان مفسراً طبيعة التذوق الجمالى ، بأنه تأثر النفس برؤية الصورة الحسنة ، إلى درجة الاندماج معها ، والاتحاد بمعناها التى تحمله .
أبو حامد الغزالى ( 1059 – 1111 م )
------------------------------------------
تناول الإمام الغزالى الجمال ، - فى كتابه " المحبة والشوق والأنس والرضا " من المجلد الرابع لإحياء علوم الدين – من حيث كونه مرتبطاً بالمحبة ، فالجمال دافع للحب وسبب من أسبابه ، إلا أن الحب المرتبط بالجمال ، لا ينتظر من ورائه فائدة ، أو منفعة ، فالإحساس بالجمال ، عنده كما عند كانط ، منزه عن الغرض . يقول :
" أن يحب الشىء لذاته ، لا لحظ ينال منه وراء ذاته ، بل تكون ذاته عين
حظه ، وهذا هو الحب الحقيقى البالغ الذى يوثق بدوامه ، وذلك كحب الجمال والحسن . " . لذلك فإن كل جمال محبوب عند مدرك الجمال ، وذلك لعين الجمال ، لأن إدراك الجمال فيه عين لذة ، واللذة محبوبة لذاتها لا لغيرها . ولا تظن أن حب الصور الجميلة لا يتصور إلا لأجل قضاء الشهوة . فإن قضاء الشهوة لذة أخرى ، قد تحب الصور الجميلة لأجلها . وإدراك نفس الجمال أيضاً لذيذة ، فيجوز أن يكون محبوباً لذاته ، وكيف ينكر ذلك والخضرة والماء الجارى محبوب ، لا يشرب الماء ، ولا يأكل الخضرة ، أو ينال منها حظ سوى نفس الرؤية .
لقد تساءل الإمام الغزالى ، عن المبدأ العام المشترك بين الأشياء الجميلة . كما تساءل أفلاطون على لسان سقراط فى " فيباس الأكبر" ، فى معنى الحسن ، الذى تشترك فيه هذه الأشياء . ورأى أن هذا المبدأ يوجد فى الصور الجميلة ، التى تحقق كمال الشىء فى ذاته وأدائه ، يقول : " جمال كل شىء وحسنه فى أن يحضر كما اللائق به والممكن له . فإذا كان جميع كمالاته الممكنة حاضراً ، فهو فى غاية الجمال ، وإن كان الحاضر بعضها ، فله من الحسن والجمال بقدر ما حضر . فالفرس الحسن هو الذى جمع كل ما يليق بالفرس من هيئة ، ولون ، وحسن عدو ، و كرّ وفرّ ، و الخط الحسن كل ما جمع ما يليق بالخط من تناسب الحروف وتوازيها واستقامة ترتيبها وحسن انتظامها ".
هكذا يستبق الغزالى علماء الجمال المعاصرين ، وخاصة فى فن العمارة ، الذين تحدثوا عن أن الجمال هو ملاءمة الشىء لوظيفته ، وأن الصورة الفنية لابد أن ترتبط بأدائها الملائم لما أبدعت من أجله . وكذلك وسع الغزالى مفهوم الجمال ليشمل المعنوى أيضاص ، إذ يقول : " هذا خلق حسن ، وهذا علم حسن ، وهذه سيرة حسنة ، وهذه أخاق جميلة " ( وفاء محمد إبراهيم : 1977 ، ص ص 42 – 43 ) .
لقد ربط الغزالى بين سائر أنواع الجمال ، بالجمال الإلهى ، وكأن الجمالات الجزئية ، سواء كانت عقلية أم حسية ، إنما تشترك فى الجمال الألهى ، وترتبط به ، لأنها أثر من آثاره. وهذا الموقف يعود بنا إلى أفلاطون ، حينما يربط الجمالات الجزئية بمثال الجمال بالذات . وقد مّيز الغزالى بين طائفتين من الظواهر الجمالية ، الطائفة الأولى ، طائفة تدرك بالحواس ، وهذا تتعلق بتناسق الصور الخارجية وانسجامها ، وسواء كانت بصرية أم سمعية أم غير ذلك ، وأداة إدراكها القلب ، فالقلب إذن " أى الوجدان " هو قوة إدراك الجمال فى المعنويات . وأيضاً نجده يُميز بين القلب والعقل . وفى نظره أن المعقولات تولد لذة العقل ، وأن هذه اللذة مرجعها جمال المعقول ، وفرق ما بين جمال المعقول ، وجمال الصفات الباطنة التى يستشفها الوجدان .
وعلى هذا الأساس نستطيع تجاوزاً ، أن نفسر موقف الغزالى فى نظرته إلى التذوق الجمالى ، بأنه يشير إلى ظواهر جمالية ثلاث حسية ، ووجدانية ، وعقلية .
من كتاب " التلوث البصرى والتذوق الجمالى " 2008
---------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب