الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين اليسار والشيوعية (نقد لليسار الإلكتروني)

عمر قنديل
كاتب وباحث

(Omar Kandil)

2021 / 12 / 26
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


(1)
مقدّمة:
بشكلٍ عام فإنّ ما يشوع بين الناس لا يكوّن مُقارباً للحقيقة على نحو جيد؛ بل ونجد أحياناً أفكاراً شائعة بعيدةً كلَّ البُعد عن الحقيقة مثل ما يُحيط العصر العباسي من خرافاتٍ مثلاً أو ما قيل عن ابن سينا أو مهاجمة المعتزلة بوصفها كُفراً وزندقة رغم أنّ العباسيين تغنوا بأفكارها وأحبوا رؤية نظرةٍ مختلفة لنصوصٍ جامدة، هذا الشيوع نفسه شاع باعتبار كلِّ يساريٍ شيوعي وفي هذا الشيوع تداخلت الماركسية التي رفضت الأيديولوجيا لمُتزمتة[1, ص 6-5] مع الستالينية التي رأت نفسها أداةً لبناء المجتمع الشيوعي غير مؤكدِّ الحصول مع فكرة اليسار نفسها التي نشأت أيام الثورة الفرنسية منتصف القرن التاسع عشر.
والصحيح من اليسارية هي أنّها حركة تدعو للنهوض بالمجتمع نحو مساواةٍ أكثر وما ربطها بالماركسية عموماً هو تقاطعُ منهجها مع مُطالباتِ ماركس بتحسين أوضاع الطبقات العاملة، لكن وصفّ اليساري بأنّه شيوعي فيه من الظلم الكثير فالشيوعيةِ أيديولوجيا وقد تحوّلت لتقديسِ أشخاصٍ منذ عهد ستالين حيث عُبد ماركس بشكلٍ مُبالغ به وأصبح نبياً فوق النقد وقُدِّست خطواته ولو أنّ الشيوعين الحاليين عرفوا أنّه استبد بالصحيفة التي أسسّها حتّى أنّ إنجلز نفسه وصفها بـِ "الدكتاتورية خاصة لماركس"، [2, 138] لهاجموا إنجلز واعتبروه زنديقاً بصوّرة يسوعٍ المُلتحي "ماركس".
(2)
نصّ المقال:
في روايةٍ صدرت عام 1952 بسم (ليمبو) روى الكاتب برنارد وولف حارس تروتسكي، قصّة جراحٍ اضطر لبتر أطراف عديد المصابين في حربٍ عالمية افترض الكاتب نشوبها عام 1970. كتب الجراح مارتن أنّه ما كان مُضطراً لفعلِ ذلك لو أنّ البشر وُلدوا بدون أذرعٍ وسيقان فحينها لن يكونوا قادرين على ممارسة العنف، ولابتعاد مارتين عن هذا كُلّه يقرر الهجرة لجزيرةٍ منسيةٍ تبتعد عن العالم أكثر بسبب اشتداد الحرب، وبعد ثمانية عشر عاماً ينزل على الجزيرة قواتُ الدّولة المُنتصرة بأطرافٍ اصطناعية حيث يكتشف الدكتور مارتين أنّ فكرته قد عُبدت وصارت قيمة الإنسان ببتر أطرافه، ما دفع الدكتور مارتين للنضالِ ضد فكرةٍ هو من أطلقها.[2, 381]
إن هذه الحقيقة هي ما أضاع الفكر الماركسي حيث لم يعد بالإمكان انتقاده وصار الإيمان الأعمى بأفكاره هو أصلُ نقاء النضال بنظر الغالبية من الشيوعين؛ ليس ماركس وحده من عانى من هذه المأساة فعديدُ المفكرين عُبِدوا ودُجنت أفكارهم وصارت أداةً شمولية بيد السُلطات وهذا نفسه ما يُعانية الأنبياء حتّى يومنا هذا فهم شهادةُ البراءة وصكُّ النزاهة لكلِ حركات القمع القائم على الدين في العالم.
بعبارةٍ أوضح وأقرب للواقع الفكري؛ فإن الأفكار التي أُتي بها من مُفكرين وأنبياء وغيرهم بقيت مكانها في نهضةٍ لم يحسب أحد حسابها.
(3)
قبل عقدين؛ من كان يتخيل أن يُدجن الإنسان تقنياً بهذا الشكل، ومن كان يتخيل أنّ مصطلحات أساسية مثل الثقافة والكتابة والقراءة والنشر ستبدأ رحلةً للانقراض وتُرفق بكلمة العصر الإلكتروني فلا ثقافةً كلاسيكية في فكرِ أجيال العقود الأخيرة بل هي إلكترونية وما عادت كتابة روايةٍ تجاوز الأربعمئة صفحة ونشرها ورقياً شيئاً مُهماً لأحد بل هي تُضيع على صاحبها الاستفادة من جهده ويبقى العمل حبيس مكتباتٍ ورقية هُجرت منذ عقود فاليوم لا معنى لأي عمل إن لم يكن "إلكترونياً" أي الرواية يجب أن تكون إلكترونية وتُنشر إلكترونياً وتنتشر في آلاف المكاتب الإلكترونية وفق قوانين العصر الحالي، لعلّ المثال الأبرز لهذا التطوّر هو النشر العلمي؛ حيث تعتمد الجامعات في تحسين سُمعتها على نسبةٍ أعلى من الإستشهاد بأبحاثها عالمياً ما يفرض أن يكون أيُّ بحثٍ علمي سهل الوصل في كل العالم وبذلك فقد توقفت عشرات مجلات البحث العلمي وربّما غالبيتها من إصدارِ نسخةٍ ورقية فالأخيرة لم تعد مفيدة فمع النشر الإلكتروني تطوّرت طُرق الاستشهاد وصارت إدوات الاستشهاد إلكترونية، حيث يستطيع الباحث التأكد من صحة الاستشهاد بضغطةٍ واحدة عليه لتصله التقنيات الحديثة بالبحث المُسشتهد به بل وغالباً برقم الصفحة والفقرة المُستشهد بها.
وفق هذا الجنون كلّه كان إطلاق مُصطلح اليسار الإلكتروني على يد رزكار عقراوي أوائل القرن الواحد والعشرين "منطقياً" فقد ساهم إطلاق المصطلح بدّعمِ الثورة الإلكترونية والأهم فقد أبقى المصطلح فكرة اليسار في عقول الساعيين لمجتمعٍ أكثر عدالة، وقد أسهم المُصطلح بذاته في إنشاء مؤسسة الحوار المتمدن وهي من أهم المؤسسات الفكرية العربية إن لم تكن الأهم، ومع هذا التطور المستمر منذ عشرين عاماً فقد عاشت مؤسسة الحوار المتمدن تطوّراً "مقبولاً" من حيث الكيفية والانفتاح على نشر أفكارٍ مختلفة وربّما هذا كافي نسبياً حتّى اليوم.
أمّا "اليسار الإلكتروني" وهو الفكرة الرئيسة بقي حبيساً في بوتقة الإنطلاق، وبعبارةٍ أُخرى أنّه شكل ثورة مُجراة العصر بالنسبة للعلمانية العربية لكن ومنذ تاريخ انطلاقه فاليسار الإلكتروني لم يعرف تطوراً "إلكترونياً" فعلياً، حاول عديد المُفكرين تطوّير النص وزيادة المدنية والابتعاد به عن براثن الشيوعية الحبيسة بين أوراق المكتبة الماركسية-اللينينية، إلاّ أن المصطلح يجب أن يُتابع التطوّر "إلكترونيا" مثله مثل شُركاءه من المصطلحات كالثقافة الإلكترونية والكتابة الإلكترونية والنشر الإلكتروني إضافةً لضرورةِ تحرر مؤسسة الحوار المتمدن من قيود المُصطلح وبذلك يتحول العمل من مصطلحٍ ساهم بإنشاء مؤسسة فكرية لمؤسسةٍ فكرية تعمل وفق قواعد المؤسسات الحالية في العالم ومصطلحٍ حُرٍ مُتقبلٍ للتطوّر ومُكيّفاً إياه لكن غير مانعٍ له.

المراجع
• (1) Sherman, Howard J. Reinventing Marxism. JHU Press, 1995.
• (2) أتالي ، جاك. كارل ماركس أو فكر العالم، ترجمة: محمد أحمد صبح . 2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة