الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( أم الوفا ،،،،، سجينة خارج الأسوار )

حيدر الكفائي
كاتب

(Hider Yahya)

2021 / 12 / 28
أوراق كتبت في وعن السجن


لا يدري كيف بدأت قصة هذا الحب ، لكن كل ما يتذكره هي احداث صغيرة بقدر صغر سنيِّ عمرهما .
يلعبان يدرسان ويسهران على حل الألغاز ،،،، تغلبه كثيرا ويغششها ليغلبها فتصدقه ، تنام العيون ولا يزالا يحتكران الليل ليسهروه معهما حتى تلتصق جفونهما فيخلدون للنوم ، ثم يصحوان في الصباح كالعصافير يملئان باحة الدار باللهو واللعب .
تسامحه كلما اسرف في شقاوته التي اعتادت عليها ، تضحك من مشاكساته ، تخرج معه لدكان الحي فيحرجها بكثرة ممازحته وتطفله.
هكذا كانا في صباهما حتى كبرا وكبرت احلامهما ،،،،
صار الصبي يافعا فألتزم بدراسته واجتهد فكبر في عينيها وأزدادت هي اعتزازا بهذا الفتى الذي اختاره القدر ان يكون لها بعلا بعد حين من الزمن ، فقد اجتمعت كلمة الأهلين ان يكون من نصيبها ، فما بدرت منهما معارضة بل هذا ما كان ولم يكن غيره .
أخذ قلبها يزداد حبا وشوقا الى فارسها ومستقبل أحلامها وهي تزداد حياءا ووقارا ، وتتشوق الى ذلك اليوم الذي يجتمعان فيه على محبة الله ورسوله . اصبحت هذه البُنية تتباهى بين فتيات الحي وقريناتها من بنات القبيلة اللواتي اخذت الغيرة منهن مأخذا ، تصحو وتنام على ترنيمة اليوم الموعود ،، حتى اذا جاءت قطع الليل المظلم وانبرى القدر المحتوم ، واستنفرت معاول البلاء تهدم صروح عاشقات العفة والنجابة وموائل الملتحفات بقدسية الحب الطاهر النقي ليسلبها ذلك الأمل المنشود وحبيبها الموعود ، فقد اقتادوه الى حيث المجهول أؤلئك الاشرار بهائم الليل المتوحشة وهو لازال طري العود مرهف الحس قد اختطت معالم الفتوة وجهه الزاهر .
صُدمت هاتين العائلتين وجميع المحبين بهذا الحدث وظلت تلك البُنية مكسورة الخاطر مذهولة البال ، التجأت من فرط حزنها الى الدعاء والتوسل لربها ان يكشف همها ويستبين مرادها .
فبقت على ذلك الحال سنوات طوال لا تدري ماذا جرى له وما حل به من مدلهمات ومصاعب ، اذ يأس الجميع من عودته بعد ان بثوا رجال الأمن أخبار حتفه ، وقد بقيت هي وحدها صابرة محتسبة لم تستسلم لليأس .
قد اعابوا عليها اهلها وقريناتها انتظار المجهول وحاولوا ثنيها عن ذلك بأن تتزوج وتترك ذلك السراب الذي لا أمل منه ، حيث تقدم الكثير من الرجال لطلب يدها لكنها رفضت واصرت على ان تنتظر ذلك القابع في المجهول .
وبعد مضي تسع سنين جاءت بشائر الخير وطيور السعد تبشر بوجوده في سجن ابي غريب وعاد الى وجهها اشراقه وابتل صداها ورجع الأمل الموعود يعتمل في قلبها الذي جبرته اخبار حبيبها ، لكن الخوف قد انتابها في ان يكون الزمن قد غير قلبه وأمال هواه ، وهي المنتظرة كل هذا الأمد الطويل حتى انها لُقبت ب( أم الوفا ) لصبرها وجلدها وعدم يأسها من الفرج .
كان اول موعد لزيارته في السجن من قبل اخيه الكبير وأمه اذ قد اسروه بخبر موت والده ومقتل اخيه الذي يكبره ، والده الذي مات كمدا على آخر العنقود وأما الحبيبة أم الوفا فقد ارسلت ورقة صغيرة خبئتها في جيب امها التي جاءت مع اهله واعطته اياها لتخبره ان هذه امانة منها، وما ان رجع الى زنزانته وفتح تلك الورقة التي طويت لمرات عديدة ليجد بيتين من الشعر لخصت له فيها كل هذا العقد من الزمن الذي انتظرت فيه أملها ، وهي لا تدري ان قلبه يضمر في طياته واخاديده شغفا بتلك المؤمنة التي كان ذكراها انسا له في اقبية الأمن وزنازين البعث الكافر .
انتظر الى الموعد الآخر للمواجهة اذ اوصى بأن تأتي مع والدته ليكشف لها عن مدى عمق محبته وعظيم مودته لها ……
رجع الى زنزانته وهو مشغول فكره ومنهمك في كيفية ان يكون ذاك اللقاء المنتظر مع أم الوفا ، تلك الفتاة التي نذرت نفسها ان تكون له لا لغيره من الشبان رغم دروب اليأس وشدائد البأس ، وتذمر ابويها من ذلك القرار الذي أصرت عليه …
انتظار شهر بلياليه وايامه كان اصعب عليه من سنين ولّت بين اركان تلك الزنزانة وقضبانها الصلدة ، فكيف له ان يواجه من هو مدين لها اذ عاشت السجن في مجتمعها واهلها كما عاشه هو في مطامير تلك الزنازين الموحشة .
اما فرحة ام الوفا باللقاء فليس بمقدور الدواة ولا القراطيس ان تحصي بما يختطه القلم لواعج قلبها وحرَّ فؤادها وشوقها الى رؤية حقيق احلامها ومنال مرادها ، فراحت تعد الليالي والأيام الى ان يأتي ذلك اليوم الذي طال انتظاره .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرا العربية ترصد نقل قوارب المهاجرين غير الشرعيين عبر الق


.. هل يمكن أن يتراجع نتنياهو عن أسلوب الضغط العسكري من أجل تحري




.. عائلات الأسرى تقول إن على إسرائيل أن تختار إما عملية رفح أو


.. بعد توقف القتال.. سلطات أم درمان تشرع بترتيبات عودة النازحين




.. عادل شديد: الهجوم على رفح قد يغلق ملف الأسرى والرهائن إلى ما