الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ويسألونك عن داعش !

عبدالله صالح
(Abdullah Salih)

2021 / 12 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يشهد التأريخ المعاصر فئة بشرية أشرس وأعنف واكثر قساوة من داعش، ربما كان نفس السيناريو موجودا، حسبما تُخبرنا به كُتب التأريخ ، ابان عصر الفتوحات الإسلامية، واليوم تعاود نفس الكرة، انهم وحوش بشرية لا تعشق سوى القتل والتنكيل والسبي طلبا لمرضاة الرب......
بداية ظهور هؤلاء مجددا كان في النصف الثاني من القرن الماضي تحت مسمى ( الصحوة الإسلامية ) والذي ظهر على شكل مجاميع وأحزاب تسعى لفرض هيمنتها على المجتمع، لا في الدول المسماة بالإسلامية فحسب، بل على دول العالم كافة . يعترف ( سيد قطب ) ويشكو في نفس الوقت، وهو من مؤسسي هذا التوجه المتشدد، من ان : ( هذه الحركة لازالت تعمل في اطار محدد ).
هؤلاء يتبنون " الفكر السلفي الجهادي الذي يعتبر كل من لم يعتنق الإسلام هو كافر وجزاء الكافر أما الايمان او القتل. هذا باختصار ما رأيناه ورآه المجتمع البشري خلا حكم داعش من خلال دولته التي أسسها عام 2014 في جزء من العراق وسوريا.
يقول المفكر فؤاد مجيد ميسري في كتابه الفكر الاصولي الإسلامي : ( ان قراءة الأصولية للتأريخ قراءة أحادية، فالتأريخ داخل طريقة التفكير الإسلامية ليس تاريخ الانسان بل هو تأريخ الدين ويجب أن يُقدّس ).
هؤلاء الدواعش لم يأتوا من كوكب آخر ، هم بشر يعيشون على وجه هذا الكوكب وداخل مجتمعاته يُشاركون الانسان بجميع الخواص البيولوجية ، الا ان ما يميزهم عن الآخرين هو الفكر ومن ثم ممارسة هذا الفكر.
الآن ، وقد تجاوزنا مرحلة الدولة الإسلامية التي أسسها ابوبكر البغدادي، الا ان داعش لازال يطرق الأبواب، ليس كمجمايع مسلحة تتبنى عمليات الكر والفر، كما يحدث الان قرب محافظات كركوك، أربيل ومنطقة خانقين، بل كـفكر جهادي ينمو داخل مجتمعاتنا أو بالأحرى بالقرب منا. لنورد بعض الأمثلة الحية على ما نقول:
هناك مقاتل من الپيشمرگە يتواجد في الجبهة الامامية لمواجهة مسلحي داعش الذين قَتلوا أخيرا، حوالي ثلاثين من البيشمركة، ولكن ابنته في احدى مدارس مدينة أربيل تتعرض يوميا الى الضغط من قبل الهيئة التعليمية لاجبارها على ارتداء الحجاب!
الراوي والقاص الكوردي المعروف ( شيرزاد حسن ) تعرض للتهديد بالقتل كونه قال في احدى لقاءاته التلفزيونية بأن مناهج التربية الإسلامية في مدارس إقليم كوردستان تُحرض على القتل، واستشهد في ذلك بمنهج التربية الإسلامية للصف الخامس الابتدائي، (طبعة عام 2011 صفحة 40) حين يقول: (بأن وفدا من المسيحيين ذهبوا الى النبي، وبعد أن تحدث لهم النبي بإسهاب عن الإسلام، قال لهم: " هذا هو الإسلام فأما أن تقبلوه وتعتنقوه أو تدفعون الجزية أو تتهيؤن لقتالنا ") واستشهد الكاتب المذكور بهذه المقولة كي يوضح بأن ما يتعلمه التلميذ من هذه الأقصوصة، دعنا من كونها صحيحة أو غير صحيحة، ليس سوى العنف ورفض الآخر والتحريض على قتال من يحمل دينا آخر غير الإسلام، وربما يكون هذا الآخر واحدا من التلاميذ الجالسين في نفس الصف!
أما حفل الفنان محمد رمضان في بغداد هو الآخر تحول الى سجال من قبل الإسلاميين حيث نظموا وقفة احتجاجية أمام ( سندباد لاند) احتجاجا على قيام هذه الحفلة واصفين إياها بكونها تتنافى مع" القيم والأخلاق الإسلامية " خصوصا في ذكرى " استشهاد فاطمة الزهراء "!

من جانب آخر، ووفقا لنفس السياق، تعرض لاعب كرة القدم المصري المعروف ( محمد صلاح ) هو الآخر الى هجوم شرس من قبل الإسلام السياسي كونه قال في لقاءه الأخير مع تلفزيون MBC ، عندما سأله الإعلامي عمرو أديب عن شربه الخمر فأجاب اللاعب مبتسما: "ما بشربش خمور لأنها مش حاجة كبيرة بالنسبة لي عشان أعملها، نفسي على طول مش بتروح لها"، مضيفا: "الناس هنا (في بريطانيا) ما تضغطش على حد أنه يعمل حاجة". هذا التصريح من قبل صلاح تحول الى سجال ديني وثقافي مما دفع "بدار الافتتاء" في مصر للتدخل ! لأن الإسلاميين ثارت ثائرتهم وانتقدوا صلاح على هذا الرد كونه لم يقل "انا مسلم والإسلام حرّم الخمر " . هذا هو منطقهم، انهم يحددون لك حتى اطار التفكير والذي يجب أن يكون على هواهم ووفقا لسياقاتهم!
وأخيرا وليس آخرا ففي السودان أثير جدل واسع بعد فصل طفل بعمر ست سنوات من المدرسة بدعوى أساءته للدين، وحسبما أفادت وسائل إعلام سودانية، فأن المدرسة الواقعة في ولاية الجزيرة جنوب العاصمة الخرطوم، أصدرت بيانا عزت فيه سبب الفصل إلى "فشلها في كل المحاولات لتحسين سلوك التلميذ"، لاسيما بعد إصرار والدته على دعم ذلك السلوك الذي اعتبرته المدرسة "منافيا للعقيدة والدين". و تقول تقارير إعلامية بأن الحادثة بدأت في منشور دونته أم الطفل ( معتصم أحمد ) على صفحتها عبر "فيسبوك"، قالت فيه: إن طفلها يكثر من الأسئلة الوجودية، وعن "الخلق والخالق"، وحقيقة الشيطان، وإن الإدارة نقلت لها أسئلة الطفل المتكررة حول تلك الأمور، وطلبوا منها منعه من تكرارها. ولنذكر هنا تغريدة أحد المعلقين بهذا الصدد:(الطفل السوداني الجميل ده (معتصم أحمد) سأل المعلمة بتاعته في المدرسة تساؤلات عن الخالق وربنا. قعدوا معاه في المدرسة وقالوا له "متفكرش ومتسالش عن الحاجات دي" الطفل فضل يسأل، راحوا فصلوه من المدرسة بحجة "إنه بيهز الثوابت الإسلامية وبيلعب في عقول الأطفال" ). ألا يدفعنا هذا الموقف بالسؤال عن ماهية عقيدة تهتز بمجرد سؤال بسيط من طفل في السادسة من العمر؟
تلك هي أمثلة واقعية وبسيطة من الحياة اليومية للناس تشير، دون ادنى شك، الى ان داعش لا زال حيا يُرزق داخل مجتمعاتنا ومدارسنا ومعنا أو ربما حتى داخل بيوت البعض منا، ولم يكن لهذا الظهور من التعبير عن نفسه بهذه الجرأة والفظاعة لولا وقوف ودعم السلطات الحاكمة التي تعتاش على هذا الفكر الظلامي وتعتبره سندا قويا لديمومة سلطتها التعسفية.
19 / 12 / 2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي