الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقد قران من وراء القضبان

حيدر الكفائي
كاتب

(Hider Yahya)

2021 / 12 / 30
أوراق كتبت في وعن السجن


في وسط تلك الساحة الكبيرة وقبل أن تأذن ادارة السجن بنصب الخيام كان لزاما على السجناء الذين حصلوا على اذونات بلقاء عوائلهم ان يفترشوا بعض الأزر للقعود عليها بلا حواجز ولا فواصل بين السجناء بعضهم ببعض ، هكذا في العراء تحت السماء بلا اي غطاء ، فتأتي عوائلهم ويجتمعون بهم حلقات حلقات لفترة وجيزة ثم يغادروا المكان كل الى محل اقامته من شمال الوطن الى جنوبه ، وأما اصحاب السجن فيرجعون الى قبورهم .
كانت ام الوفا تسارع الخطى هي وعمتها لتصل الى ذلك الطابور المنتظر على بوابة السجن لتكون في اوائل من يدخلون الى مواجهة احبائهم وابنائهم الذين مضى عليهم في ظلمات تلك المطامير سنوات من المحن والقهر والحرمان بداخل اقفاص ينوء بحمل قساوتها صلب الرجال .
أما علي فقد اصر على ان يكون هذا اليوم هو
تتويجا لصبرها وعرفانا لوفاءها وليعقد قرانه على تلك الفتاة النبيلة التي انتظرته عقدا من الزمن وهي لا تدري أهو حي أم اندرست معالمه وضاع رسمه أو ربما أذاقوه الموت غصة بعد غصة .
لم يكن في ذلك اليوم المشهود غير والدته وتلك الحبيبة العذراء شريكته في العذاب ، وهو ينتظر قدومهن بشغف بالغ وعيونه ترقب كل من تأتي من ذلك الباب لرؤية ذويها فلعله يعرف مراده ويسارع اليها .
ظل طويلا ينتظر قدومها ووالدته بعد ان اخذ معظم السجناء مكانهم بين احبتهم وذويهم ، يتصفح بوجوه الزائرين يحاول ان يتذكر وجهها الذي غاب عنه مدة عقد من السنين ،،،،، دخل في قلبه اليأس ، يحدث نفسه ، فربما حدث لهن شيء او لربما لم يؤذن لهن بزيارته ، وبين ان يأخذ اليأس منه مأخذه راحت عيناه الى ذلك الجانب من الساحة الكبيرة وهو يشاهد تلك المرأة المصون التي يبدو عليها الضعف وهي تجر بقدميها جر المنهك قواه وتأخذ بيديها تلك الفتاة المحتشمة بجلباب العفة والمكسوة بالحياء ، وكأن قلبه مال اليهن وعلم مرادهن فأسرع بخطواته نحوهن متمتما بكلمات قد توجه بها الى ربه يستعين به على تذليل مهمته وتسهيلها .
جلست والخجل بادٍ على محياها ولسانها يتلعثم من فرط الحياء، يتناول علي بعض اطراف الحديث مع والدته ليترك للفتاة سبيلا كي تتحلى بالشجاعة وتكسر حالة الحياء الذي سيطر على كل كيانها ،،،،
الوقت يضيق ولا بد ان تبدأ مراسيم عقد الزواج وها هي لا زالت على خجلها تحاول ان تتكابر على وجع السنين وتفاقم الحنين المستعر في قلبها .
تدارك علي هذا الصمت الذي عذبه وهو يعلم ان الوقت محدود والمتوحشون فوق رؤوسهم يعدون عليهم الوقت عدا ، لذلك عمد الى كسر هذا الحاجز بطرائف حاول من خلالها ان يدخل في صلب ما هو قادم عليه .
ابتدأ ببسم الله وتوكل عليه وتحدث عن مفردات العقد وشروطه ، ولاحظ عليها كيف تنصت له وكيف بدى على محياها ملامح الجد .
رغم تلك الأجواء المشحونة بالقهر والظلم لكن ماحدث اثناء مراسم العقد البسيطة كان ولازال يتغنيان به ويفتخران وكان مصدرا للبهجة والسرور ، فحين دار الحديث عن المهر لاحظ انشغال والدته بالبحث عن شيء ما وفي لحظات تخرج اصابعها من فتحة عبائتها لتناوله تلك الورقة النقدية فئة عشرة دنانير لتكون صداقا رمزيا فلا ثمن مهما غلا وعلا ان يصل قدر أم الوفا وينصف صفاء معدنها ، رغم علمه بزهد المبلغ وقلته، لكن الأهم ليس كالمهم،،،،،
اما أم الوفا عندما رأت ما كان من علي وأمه اخذت تبتسم وهي غير مكترثة بالمال لكنها تعيش يوم سعادتها وعرسها الذي انتظرته .
جرى العقد الشرعي بينهما بلا شاهد غير الله ووالدته التي اختنقت بعبرتها حيث لم تقدر حتى ان تزغرد في يوم عرس ولدها فالدين والحياء يمسكانها من ان تطلق فرحتها وكذلك وجود جمع كثير من العوائل حولهم .
ما إن قالت ( نعم قبلت ) حتى انفرجت سرائرهما وتغيرت احوالهما وامتلأت السعادة في قلبيهما وكان من عظيم فرحته أن صاح بصوت عال سمعه من حوله من العوائل ( الآن اصبحتي زوجتي ) ثم انتبه الى نفسه فخجل من ذلك ،،،،
دردشات جانبية وحديث ليس مثل كل الاحاديث جرت بينهما بظل موانع لا حصر لها قد منعتهم حتى من رسم قبلة على جبينها كان يتمنى ان يفعلها،،، وفي غمرة اجواء المحبة والعشق العذري صك سمعهما تلك الاصوات النشاز التي راحت تفرق جمعهم وتشتت احاديث القلوب وهم يصرخون بهم وبجميع الزائرين ( انتهت الزيارة ) ،،،،
هكذا كان اللقاء وهكذا هو الوداع ….!
كم كان سريعا …..!
الجمعة10/12/2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل شديد: الهجوم على رفح قد يغلق ملف الأسرى والرهائن إلى ما


.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأونروا: يجب إنهاء الحرب التي تش


.. الأمم المتحدة تنهي أو تعلق التحقيقات بشأن ضلوع موظفي -الأونر




.. أخبار الصباح | حماس تتسلم الرد الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى..