الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حب أو حرمان

أكرم شلغين

2022 / 1 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مصادفة وقعت عيني على هذا الرأي الذي يفيد بأنه "لو تزوج قيس بليلى لأحب امرأة ثانية وجن بها ولكن الحرمان هو بطل الحكاية وليس الحب." بداية، لست متفقا كليا ولا مختلفا كليا مع هذا الطرح الجدير بالمناقشة. وما قرأته يدفعني للتساؤل هل في قصص الحب المعروفة هو دوما قول طرف من المحبين للآخر "إما أنت أو لا أحد"!؟ في قصة حب روميو في مسرحية شكسبير الشهيرة "روميو وجولييت" نرى قصة حب أخرى تبدأ بها المسرحية وتدور حول روميو و روزالين، إذ يصفها بكلام لا يصدر إلا عن محب عاشق متيم... ولكن روزالين لا تبادله الحب لأسبابها، فيكتئب ويميل إلى العزلة ويهرب من الضوء ويجد مخبأ من الحياة له تحت ظلال شجرة الجميز وعندما يعود إلى البيت يدخل غرفته ويعتم حوله ليجعل جوّها مظلما كئيبا بشكل يحاكي داخله الكئيب....ولكن، هل بقي هذا الحب أبديا لا يتزعزع؟ كلا فقد نسيه كليا بلحظة عين حينما رأى جولييت التي بادلته الحب وخاض به معها إلى النهاية ومات من أجل جولييت...! فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو حول ما كانت طبيعة علاقة روميو بروزالين؟ هل أحبها حقا؟ إن أحبها فكيف ينساها بلحظة واحدة حينما رأى غيرها وحصل على ما يريد!؟ وإن لم يكن روميو على علاقة حب بروزالين فما الذي دفعه للنطق بأشعار الحب ووصف المحبوب بلغة الجمال والحب، بلغة محب عاشق يقدس من يصفه ويكتئب من أجل المحبوب؟ هل كانت نزوة فتى؟ كيف لهذا الفتى أن يتصرف مثل الرجل المسؤول لاحقا حين أصبحت علاقة حبه بجولييت مطوقة بواقعية اجتماعية فرضتها ظروف خلاف عائلتين؟ هل كان دافعه لحب روزالين هو نوع من توكيد الذات؟ وهل كانت معاناته ليس بسبب الحب بل بسبب فشله في تحقيق ذلك؟ هل أراد أن يثبت لنفسه أنه قادر على الحب في كلتا العلاقتين ففشل مرة ونجح أخرى؟ وماذا نسمي ما فعله بأن أنهى حياته لأن حياة ليس فيها جولييت لا تستحق العيش؟
السؤال الآخر الذي يطرح نفسه هو: هل آفاق أو سماوات الحب هي أن يحظى المرء بمن يحب؟ وإن أصبح المحبوب مع المحب ماذا بعد؟ هل تخمد أو تموت الطبيعة البشرية التي تطارد الحب أم تجد نفسها مقموعة في إطار علاقة، اسمها الزواج، لها شروطها ومتطلباتها؟ لعل قصة حب ذلك الفيلسوف الشاعر الصيني الشهيرة ـ من الأدب الصيني ـ تضيء شيئا في الإجابة عن هذا السؤال! فقد طلب فيلسوف شاعر، كبير في الاسم والقدر والعمر، ذاع صيته طول البلاد وعرضها من حسناء شابة أن تبادله الحب فقبلت مشترطة أن يكتب الشاعر الكبير لها مائة قصيدة يلقي كل يوم واحدة منها أمام نافذتها على مدى مائة يوم...! فراح يكتب يوميا قصيدة تجعلها خالدة على مرأى ومسمع كل من أراد متابعة هذه الحكاية...وهكذا كتب القصيدة الأولى والثانية والثالثة والعاشرة والقصيدة الخمسون وتابع في إلقاء التسعون والقصيدة التاسعة وتسعون لفرح وطرب وانتشاء الفتاة وكل من سمع القصائد يوميا...ولكن...، لكن القصيدة رقم مائة لم تخرج إلى النور فقد مضى الشاعر في اليوم التاسع والتسعون بعد إلقاء قصيدته يومها ولم يعد في اليوم التالي ليكمل ويفوز بالحسناء...وعندما سئل لاحقا عن السبب قال: كان الحب دافعي لكتابة تلك القصائد وقد خفت إن حظيت بالمحبوب أن أفقد دافعي وإلهامي لكتابة الشعر فالأنسب أن أبقى أطارد الحب لأن الحب أثمن وأسمى من المحبوب!
ويبقى السؤال الذي أراه تواقا للجواب: ما هو الحب؟ وكل مرة أقرأ أو أسمع من يريد أن يحكي عنه أجد أن الجواب يتخبط في وصف انفعالات أو حالات ليست بأية حال هي الحب! فهناك من يحكي أن الحب اشتياق أو عدم قدرة على البعد عن المحبوب أو غيرة أو نفاذ صبر في الانتظار أو سهر الليل....وكل عبارة سالفة الذكر لو فكرنا فيها لوجدنا أنها ليست حكرا على نوع من العلاقة يمكن تسميتها بالحب! ماذا نسمي أن يعتاد واحدنا على رؤية شخص معه في إطار العمل والوظيفة حين يشعر بالفقدان والألم لو فجأة رحل؟ وماذا نسمي العلاقة التي ولّفها أهل فلان ليتزوج من فلانة بدون أية معرفة مسبقة أو مشاعر أو ميل ومع ذلك نجحت تلك العلاقة وسارت بشكل هادئ ومريح للطرفين لحد أنهما وصفاها بطريقة رائعة؟ أهي الرغبة البشرية لوجود أحد بجانب الآخر يلعب دور الشريك في كل تفاصيل الحياة؟ أهي فقط منحصرة في مشاركة طاولة الأكل والنوم بنفس السرير والعيش تحت سقف واحد؟ ربما ليست كذلك على الإطلاق! ولعل أكثر محاولة لتعريف الحب استوقفتني حين جاءت في التسعينات بطريقة فلسفية توَصّف الحب بها طالبة إفريقية صغيرة [فازت بموجبها بجائزة أفضل نص] بقولها: "حين تكون أنت لكل من في الدنيا مجرد شخص...ولكن بنفس ألوقت أنت في عيون شخص كل الدنيا عندها هذا هو الحب. "
نعود للعبارة التي بدأنا بها أعلاه عن قيس وليلى التي تقول بأن قيس كان سيحب امرأة أخرى لو تزوج بليلى، هل ذلك يعني أن النفس البشرية أمّارة بالحب دوما؟ أهي النفس والغرائز البشرية التي لا تعرف القناعة؟ أم هي ماذا!؟ أهو الحرمان كما تعزو المقولة أعلاه؟ أم أن هناك تلميح أن الرجل دائما يريد توكيد ذاته ويثبت أنه يستطيع الحصول على ما يريده وإن سارت الأمور عكس ما يريد فنسمع أنه يعاني من حب فاشل لسبب ما؟ أم أن هناك نوع من الاتهام بأن قلب الرجل ما دام ينبض لا يعرف شيئا اسمه الهدوء ولا يتوقف عن عند حد معين عن السعي وراء امرأة؟ وإن كان الحال كذلك فهل هو ما تسميه المقولة أعلاه "الحرمان"؟ أسئلة تبقى دوما بدون جواب واقعي بالمطلق! وقطعا كل من يحاول الجواب عن تلك الأسئلة أو التعليق على المقولة أعلاه سيقع في مطب إما جعل نفسه وتجربته نموذجا لفهم الحب وماهيته أو أنه سيكتفي بأجوبة اعتباطية قصيرة هي إما "نعم" أو "لا"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء الاسرائيلي يستبق رد حماس على مقترح الهدنة | الأ


.. فرنسا : أي علاقة بين الأطفال والشاشات • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد مقتل -أم فهد-.. جدل حول مصير البلوغرز في العراق | #منصات


.. كيف تصف علاقتك بـمأكولات -الديلفري- وتطبيقات طلبات الطعام؟




.. الصين والولايات المتحدة.. مقارنة بين الجيشين| #التاسعة