الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وصية (رجل حكيم)

أميرة أحمد عبد العزيز

2022 / 1 / 4
الادب والفن


المخرج الأستاذ داود عبد السيد هو مخرج صاحب رؤية فلسفية، يتوغل في هموم آدم على الأرض باحثا معه وبه عن الطريق الذي يحفظ لآدم حرية إرادته في أرض الخوف، والمخرج الفنان داود عبد السيد هو من المخرجين الذي يصنفوا ضمن هؤلاء المبشرين بسينما المؤلف أو هكذا قاده حلمه. وفي سينما داود عبد السيد يحاكي حلمه داعيا الجمهور مشاركته المشاهدة، وإن كان كما يعتقد داوود عبد السيد أن السينما هي فن التزييف، فليدعنا نكمل على قوله بقول، بأن السينما التي هي فن التزييف تكمن في طياتها الحقيقة التي تحجبها فوضي الواقع، وهكذا هي أعماله.
لن اتحدت عن أعماله الروائية، بل سأتوقف عند عمل من أعماله التسجيلية، فيلم (وصية رجل حكيم في شئون القرية والتعليم)، وهو فيلم قصير، وأكرر أنه فيلما تسجيليا وليس روائيا، أي لا يصنف ضمن الأعمال الإبداعية، ففي العمل التسجيلي تكون التقريرية هي الأساس أو كما يقول داوود عبد السيد يمثل صوت المعلق (صوت القدر)، فكأنه يتكلم بصوت الرب أو باسم الرب.
في هذا الفيلم يسرد المعلق بصوته، وقد قام بتأدية دوره (الفنان الراحل جميل راتب) (وهو يمثل دور الرجل الحكيم) يسرد لنا حال القرية التي كانت هانئة سالمة مستقرة قبل أن يصيبها مرض التعليم وآثاره التي أضرت بالفلاح والأرض والمجتمع.
(قد يكون الفلاح المصري فقيرا لكنه يملك ما لا يشتري بالمال، الهدوء والسلام والمحبة) (كل هذا مهددا.. كل هذه الحياة الهانئة مهددة بالتداعي والانفجار..) مقتبس من كلمات الرجل الحكيم بالفيلم
إن صوت المعلق، الذي يبدو في الأعمال التسجيلية دائما هو صوت الحق الذي لا ينطق بالباطل أبدا، جذبنا في هذا الفيلم في البداية لوجهة نظره فكان مقنعا، ولقد بدا صوت منطقه وكلماته يعلوا علي صوت واقع نراه بالأعين وصوت أهل القرية أصحاب القضية، ولكن بعد قليل نستطيع أن نلمس أن المعلق ليس محايدا وأنه ليس صوت القدر بل هو صوت منحاز لمصالح خاصة وليس لمصالح المجتمع. فكيف أدار هذا الأمر داود عبد السيد؟
بلغة إبداعية، لا تقريرية. لقد جعل الصورة تشير للحقيقة وتتكلم، والصوت يشير ليكذب صاحبه، نبرة صوت المعلق (الرجل الحكيم) هي من فضحته، هذا الذي ينطق بكلمات منظومة ولكن بصوت ونبره مريبة، لقد دق لنا جرس للتنبيه، بمراجعة المعلق (الذي يبدو رجلا حكيما)، فأي معلق هو يري من منظور معين وليس بالضرورة هو الموضوعي والصالح للمجتمع، لذا يفضل أن يعطي الميكرفون للناس يتحدثون، وكذلك فعل داوود عبد السيد وترك الميكرفون لأصحاب الشأن، لأهل القرية، فهم أصحاب المعاناة ولابد أن نسمع منهم وليس من رواية مدعي الحكمة.
إن التنبيه الذي دقه داود عبد السيد في هذا العمل هو تنبيه بخطورة الإعلام التي طالما غيبت فكر الجمهور، معتمدة على صوت القدر وصوت الرجل الحكيم (هكذا يدعون)، فإن أردت أت تعرف حقيقة معاناة شعب وبشر، فلا تبحث عنها من فم معلق، فإن بحثت تجد مصادرها الرئيسية موجودة، طالما الأشخاص موجودون، فقط افتح عينك وقلبك وعقلك معا وحكم ضميرك تضيء بصيرتك. كما أن المعرفة والعلم حتى الآن متاحان بالقدر الممكن، مع قدر أيضا غير هين من الجهد والمشقة في البحث، ولكنه ضروريا.
لا نحتاج لمعلق ينتقي من التاريخ ومن الأرقام ويقتطع أجزاء من الواقع عن سياقه، ليزيف الحقيقة لنا ويجعلها رؤية وحيدة وإن كانت زائفة.
نحن في مصر نسمع كثيرا في الإعلام عن الفقر والفقراء في بلادنا، ونسمع ونؤيد حين يلقي من يحاول محاكاة صوت القدر أن يوصل لآذاننا أن الفقراء مسؤولون عن فقرهم وأننا نعيش عصر الحرية طالما أننا نفتح أسواقنا للخارج وللاستثمار الأجنبي، وأننا نبني المجد طالما نبني الكباري......إلخ
نسمع هذا الرجل يمسك الميكروفون ويعلق ويدعي أن التاريخ يقول أن مصر فرعونية، ويدعي أن توزيع ملكية الأراضي الزراعية كانت نكبة على الزراعة وعلي الاقتصاد المصري، هكذا يقول لنا هذا (الرجل الحكيم)، ونوافقه فيما قد يكذبه الواقع المرئي وفيما يكذبه العلم والمعرفة، ذلك لأنه المعلق، ونسمع منه عن أضرار القطاع العام ومجانية التعليم، ويشير لنا أن معدل النمو مقياس للتطور، دون أن يقول لنا أي نمو وماذا يعني بالتطور، ونسمع منه أن الفلسطينيون باعوا أرضهم ويقول كلمات ضخمة وفخمة في هذا الشأن وعن تضحية مصر من أجل فلسطين التي لم يقدرها الفلسطينيون والعرب، وكلمات كثيرة نسمعها بصوت يحاول محاكاة صوت القدر، ولكن هو صوت منحاز، علينا الحذر منه، وعلينا الحذر من أنفسنا إن فتنا بدور المعلق وأحببنا تقليده، فنمثل المعلق، هذا الصوت المنحاز دون أن نعي، فلا أحد يسمع صوته إلا أن سجل لنفسه، فعلينا إذن أن نسجل لأنفسنا ونختبر صدق ما ندعيه، فقد تجد نفسك قائما بدور المعلق (الرجل الحكيم) تدافع عن نظام اقتصادي ليس لأنه صالح للمجتمع ولكن لأنك اليوم أخذت علاوة أفضل من عام سبق، أو لأنك كنت تسير بسيارتك في زحام أكثر من الآن وبعد أن كثر بناء الكباري سهل عليك ذلك الحركة بسيارتك الجديدة، أنه الصوت المنحاز بداخلنا وليس صوت الحق. فبمجرد أن تحل مشكلة بسيطة لدينا كفرد نعمم تجربتنا على الوطن ولو كان واضحا أنه حل فردي.
احذر من صوت المعلق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس