الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوحي والتراث

حميد المصباحي

2022 / 1 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


76 التراث كما الوحي
كلاهما له حضوره من خلال الآخر، فالوحي ليس ناطقا إلا بما فهمه البشر منه، وليس حاضرا إلا بحضور من اختاروه ليتكلموا به مع غيرهم، فالوحي كما فهم، ليس إلا تلك اللغة التي بها قرئ، والقراءة تتطور وتضيف، ليس بالمرادفات فقط، بل أيضا، بتجربة الكلام، الذي هو خبرة تواصل، تطور بها الشعوب فهمها لواقعها ومسارها وكل فنون القول فيها، وتواكب بها الجديد، شعورا وتصورا وحياة، وما دامت اللغة متحركة، فالوحي يواكبها بالدلالات التي تغني أو تجمد أو تحرك، وقد اعتبرت الحقيقة حتى في التقليد الإغريقي، مرادفا للثبات والهوية، وعالم المثل لا يفسد لأنه ثابت، وقد كان هذا التقليد قديما، إلى أن تغلبت عليه التوجهات العقلانية، التي انتبهت إلى ضرورة الاعتراف بالحركة، لأن الحقيقة نفسها تموت إن جمدت، وهذه الفكرة في عالم الإسلام، وصلت متأخرة، ولم يتم التعرف عليها إلا من خلال اليونان، فوجدت صعوبة في استنباتها، ولذلك اعتبر الوحي سجلا ثابتا رغم وعي حكماء اللغة والبلاغة بحقيقة الوحي المتحركة، لكنهم كانوا قلة، لم تصمد، أما جحافل دعاة الثبات والجمود، فعملت التفسيرات على تكبيل المعاني بالتفسير ليصير خادما لها ومبعدا لها، عن كل محاولة لفتح النص عن المستجد وعدم اعتباره ضلالا أو بدعا كما ادعى حماة الوحي، ممن أرادوا جعله خادما لطموحات القبيلة والعشيرة والعصبة المتغلبة، وبذلك غدا الوحي في التراث جوهرا خفيا، يستحضر بعلماء الفقه والأصول، ويلغى فهم الفلاسفة له وبعض المتكلمين والصوفية، هؤلاء الذين أدركوا حاجة التراث للتنوع، فكل ما في الوجود، له نظير، وإن غاب أحدهما غيب الآخر، إلا فيما يعتبر وجودا متوحدا بعشق، جاوز حد التناظر فصار تماهيا وتطابقا، وتلك رحلة أخرى، لا يصلها إلا مريدوها، ممن فاق إيمانهم المعتاد، وما يزال الوحي في التراث كامنا ومحروما من حقه في أن يفهم بصيغ أخرى، ربما هي سر استمراره في التراث، وقد يكون ذلك، حافزا على تجديد المعاني وتخليص اللغة مما يعيقها عن مواكبة المستجدات، وبذلك يلغى الخوف المرضي من تطور الإنسانية، التي هي تجارب تفترض التنوع والتباري لخدمة الإنسانية، بما يحقق رفاهيتها وسعادتها، وهو تنافس مشروع حتى بين المختلفين ف معاني الوحي ودلالاته، فهم محقون في صراعهم لإثبات أيهم أحق بتطوير وتطويع التراث ليتسع للقادمين، فيشعرون بانتمائهم إليه، من خلال ما يضيفون، وليس الإذعان لما يسمعون ويقرأون، وهي الفاعلية التي يحتاجها كل تراث ليحافظ على ملامحه في مستقبل الحضارة التي نشأ فيها وبها وجد ومعها تفاعل......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah