الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-جبرتي جديد-.. روبير الفارس يوثق تاريخ صحابة الجلالة القبطية

سيد طنطاوي
(Sayed Tantawy)

2022 / 1 / 8
المجتمع المدني


لدينا تاريخ متناثر مدوّن في صحافتنا العريقة، وهذا التاريخ يحتاج منّ يجمع شتاته ليكون لدينا توثيقًا لشيئين التاريخ الصحفي المصري، والأحداث التاريخية التي دونتها الصحافة، والتي يمكن الاعتماد عليها كمصدر من مصادر التأريخ.
من هذا المنطلق تصدى الكاتب الصحفي روبير الفارس، لهذه المهمة في كتابه التوثيقي "المجلات القبطية دراسة تاريخية ومختارات".
يؤرخ الكاتب في كتابه لنشأة الصحافة القبطية وتطورها من مخاضها الأول حتى الآن، ليُعرفنا أحوال وحكايات صاحبة الجلالة القبطية، منطلقًا في ذلك بحيادية كاملة وثقافة جمة، واستقلال فكري يحترم فيه الكنيسة ويجلها لكنه لا يرضى أبدًا بسطوة الكنيسة على أبنائها.
نوّع "الفارس" في رصده ما بين القراءة في الوثائق والمخطوطات، ومحاورة الرواد وأرباب الأعمال التاريخية، وقدم لنا مختارات من المقالات انتقاها بعناية، فيما قدم إشارات نورانية حينما عرفنا بالتاريخ الصحفي لـ"نظير جيد" –الاسم العلماني للبابا شنودة- وملابسات وحيثيات التحاقه بنقابة الصحفيين، واللافت أيضًا أنه ألقى نظرات على أنواع مختلفة من الصحافة تثير شهية أي صحفي نحو إعادة إنتاج هذه الصحافة ومنها أنه عرفنا أن كان هناك صحافة نسائية قبطية منها مجلة الجنس اللطيف الأرثوذكسية، وهناك مجلة تصدر عن رابطة السيدات العامة لسنودس النيل الإنجيلي منذ عام 1957، ومستمرة حتى الآن واسمها "أعمدة الزوايا".
ويقدم الكاتب دعوة مفتوحة لإعادة إنتاج الصحافة النسائية القبطية وقدم مسميات في ذلك منها مجلة العذارى، ليقول لنا بصريح العبارة، إن الصحافة النسائية ليست وليدة عمر "الفيمنيست" بل لنا تاريخ في ذلك يُمكن البناء عليه والنهل منه.
أخرج "الفارس" هذا التاريخ الصحفي الذي لم يكن يطلع عليه سوى الأقباط للنور، وأتاحه للجميع، وهو ما تقول عنه الدكتورة نيفين مسعد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة في تقديمها للكتاب: "ما يميز الكتاب الجديد للأستاذ روبير الفارس، أولًا أنه يجعل المجلات القبطية هي بؤرة اهتمام الكتاب ومحور تركيزه، وثانيًا أنه يتعامل مع المجلات القبطية التي تطرح للتداول حصريًا بين أبناء شعب الكنيسة، ومن ثم فما كان لغير القبطي أن يطلع عليها لولا جهد المؤلف.
استعرض المؤلف أيضًا في إشارات متعددة للتأريخ الذي قدمته المجلات القبطية منها حكايات وبطولات لجنود أقباط في حرب أكتوبر، وكيف كان الإيمان سندًا قويًا للجنود في الحرب، إذ قدمت مجلة مرقس في إبريل 1974 واقعة شهيرة لذلك.
اللافت أيضًا ما قدمه الكاتب حول الجريمة التي وقعت في 4 يناير 1952 من قتل الأقباط وحرق كنائسهم، وهو وقت كانت مصر كلها على قلب رجل واحد ضد الاحتلال، ومن ثم فإن البحث عن الأيادي الخفية هنا ليس من باب الإيمان بنظرية المؤامرة، بل هذا حدث لا يمكن تصديقه أنه نتاج الحياة الطبيعية آنذاك، بل هو جريمة دُست علينا.
المعلومة التي قدمها "الفارس" وأثارتني أن أول مجلة قبطية لم تكن أرثوذكسية بل إنجيلية وهذه مفارقة –على المستوى الشخصي على الأقل- إذ أنه عند طرح سؤال عن نشأة المجلات القبطية في مصر طبيعي أن يتبادر الذهن أولًا إلى الإصدارات الأرثوذكسية، لكن الحقيقة أنها إنجيلية وهي معلومة تساوى قدرها ذهبًا قدمها المؤلف، حينما أكد للقارئ أن مجلة "النشرة الإنجيلية المصرية"، هي أول الإصدارات وكانت عام1864 ، فيما تعود أول مجلة قبطية أرثوذوكسية إلى عام 1892 وحملت اسم "النشرة الدينية الأسبوعية"، وأصدرها القمص يوسف حبشي، فيما كانت أول مجلة كاثوليكية هي "الأسد المرقمي"، وصدرت عن جمعية الوحدة المرقسية عام 1899.
تأثرت الصحافة القبطية بما تأثرت به الصحافة بشكل عام، وكانت خاضعة لنفس الشروط والقوانين، إذ كانت تحتاج لموافقة إدارة المطبوعات بوزارة الداخلية، بل زادت في تصاريحها بتصريح من الهيئة الدينية، وكانت أيضًا متأثرة بالأحداث صعودًا وهبوطًا وتطويرًا، فرغم النشأة من أجل أهداف دينية إلا أنها كانت سريعة التطوير لدرجة التعاطي السياسي العام، ومهادنة السلطة بل والصدام معها أحيانًا، فيما أيدت أفكارًا وأطروحات منها تأييد الأب متى المسكين لاشتراكية الخمسينيات والستينيات في مجلة مرقس، وألف كتابًا بعنوان "الاشتراكية في المسيحية".
ويُمكن أن نرى الصدام في واقعة استبعاد مسعد صادق من رئاسة تحرير مجلة مدارس الأحد في عهد "عبدالناصر"، وصعود نظير جيد بدلًا منه.
أكثر الإصدارات التي ظهرت للنور وأكثرهم استمرارية مجلة «الكرازة» التي صدرت عام 1965، وأسسها البابا شنودة حينما كان أسقفًا للتعليم وتولى فيها ملف الأسئلة والأجوبة العقدية.
وكانت هذه المجلة ساحة لمعركة بين البابا كيرلس السادس والأنبا شنودة حينذاك، وكان المعركة حول أسلوب إدارة الإكليركية، وانتقد الأنبا شنودة البابا كيرلس بشدة، ودفع "شنودة" ثمن ذلك بأن أُعيد إلى دير السريان في وادي النطرون.
الأنبا كيرلس لم يُطق نقد مجلة الكرازة، وهاجمها بضراوة، لدرجة أنه سبها في حديث به وقال: مجلة "القذارة"، فيما كانت المجلة سلاحًا في الخلاف بين البابا شنودة والرئيس أنور السادات.
توقفت المجلة بفعل المصادرة إثر الخلاف الرئيس الأسبق أنور السادات والبابا شنودة، إذ كانت نشر المجلة لقرارات المجمع المقدس بإلغاء احتفالات عيد القيامة، وعدم تقبل التهاني، واعتكاف الآباء المطارنة والأساقفة سببًا للمصادرة، قبل أن تعود عام 1988.
اختيارات روبير الفارس في المقالات التي احتواها كتابه كانت رائعة وأقول هذا رغم أنني لم أطلع على كل ما أطلع عليه، لكن لم اقرأ فيما بينهم مقالًا ليس هامًا، بل أعجبني مقال نظير جيد جدًا وكذلك ما كتب الأب متى المسكين، وثقتي وتأييدي لاختياراته نابعة من أنني أرى أن روبير الفارس قبل أن يكون مؤرخًا لتاريخ الصحافة القبطية فهو جزء هام من هذا التاريخ، وهو يستحق أن يكون جبرتي الصحافة القبطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط


.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق




.. جامعة كولومبيا: فض اعتصام الطلبة بالقوة واعتقال نحو 300 متظا