الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكابالا والفلسفة الحديثة

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 1 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
١٠٩ - الكابالا والفلسفة الحديثة

يقول هابرماس Jürgen Habermas في بحثه المتعلق بالتصوف اليهودي والمثالية الألمانية، بأن الفلسفة الألمانية المسماة بالمثالية قد تشربت إلى حد كبير جزءا من التراث الكابالي، الذي يثري ويفعل تيارا ثقافيا يحافظ على بعض ملامح الصوفية اليهودية بقدر ما يبقى محجوبا خفيا. ذلك أن الثقافة اليهودية ظلت جسما غريبا في ألمانيا، والبيئة الجامعية كانت هي المكان الوحيد لإستيعاب المثقفين اليهود. ويضيف هابرماس بخصوص هذه الحقيقة التاريخية بأنه " غالبا ما ترفق الشهادة الجامعية بشهادة العمادة أو التعميد التي كان يفرضها المحيط الإجتماعي " وقد حكم الكاتب الألماني أرنست جنغر Ernst Jünger 1895 - 1998 حكما نهائيا على اليهود سنة ١٩٣٠ قائلا " بقدر ما تتشكل الإرادة الألمانية وتشحذ، سوف يتضح أكثر فأكثر أن وهم اليهود بأن يصبحوا ألمانيين في ألمانيا غير قابل للتحقق، وسوف يواجهون خيارا نهائيا وهو إما أن يكونوا يهودا في ألمانيا أو ألا يكونوا " وهذا كما يبدو رفض قاطع لفكرة الإنصهار والذوبان الثقافي، ورغبة في أن يبقى اليهود إلى الأبد جسما غريبا عن المجتمع الألماني، وهي الفكرة التي عمل هتلر على إيجاد الحل النهائي لها بحرق اليهود وإبادتهم في غرف الغاز. وقد أستجاب اليهود لهذه النظرة الإقصائية، ودعا المثقفون منهم للعودة إلى الأصول الثقافية اليهودية. وقد وجدت هذه الدعوة تعبيرها السياسي في الصهيونية وفي كتابات مارتن بوبر "Martin Buber 1878 - 1965" الذي حاول إستعادة بعض الحقول والأجواء المتأخرة من التصوف اليهودي. ويرى هابرماس بأن العالم الفكري ما يزال يفاجا دوما من مدى فعالية الإنطلاق من تجربة التراث اليهودي لإضاءة بعض الموضوعات المركزية الخاصة بالفلسفة المثالية الألمانية المصبوغة بشكل أساسي بالبروتستانية. وهذه المفاجأة حدثت لنا أيضا أثناء البحث عن جذور العدمية في تاريخ الفكر الإنساني عموما والفلسفة بصفة خاصة، حيث ظهرت بوضوح العلاقة بين التصوف اليهودي وبين تيارات عديدة من الفلسفة المعاصرة المهتمة بفكرة العدم. ويؤكد لنا هابرماس هذه الفكرة في كتابه عن التصوف اليهودي مستشهدا بالمفكر اليهودي الألماني فرانز روزنفيغ 1886 - 1929 Franz Rosenzweig : " لابد للفلسفة كي لا تصم أذنيها عن صرخات الإنسانية القلقة من إعتبار العدم والموت بوصفهما شيئا ما، أي من إدراك أن كل موت جديد وكل عدم جديد هما شيء جديد، شيء يخيف من جديد، ولا يمكن للكلام أن يجليه وللكتابة أيضا .. فالعدم ليس لا شيء بل أنه شيء ما ".
ويعتبر فرانز روزنفيغ ممثلا للتيار الهاسيدي البولوني، كما أنه المترجم للتوراة إلى الألمانية مع بوبر. وفي كتابه الأساسي نجمة الخلاص L Étoile de la Rédemption حاول تأويل الفكر الفلسفي للمثالية الألمانية منطلقا من عمق التصوف اليهودي، حيث عالج المشكلة الكبرى والأساسية المطروحة على الساحة الفلسفية في ذلك الوقت وهي عرضية العالم وضرورته في نفس الوقت، ومحاولة العيش مع الفكرة القائلة بأن الإنسان مجرد كائن متروك ومهمل في التاريخ لنوع من الإعتباطية اللامفهومة. ويرى أن الفلسفة تفقد أسسها المتينة عندما ترفض إعطاء الموت موقعا معينا في بنائها وتجعله عدما بكل معنى الكلمة، فالعدم ليس لا شيء بل أنه شيء ما ولذلك " فإننا نرفض أية فلسفة توهمنا من خلال رقصتها المتناسقة والمتعددة الإيقاعات بإستمرار سلطان الموت. إننا نرفض جميع أشكال الوهم"
تحتل الكابالا في فلسفته مكانا كبيرا، حيث أراد أن يتخلص من التناقض القائم بين "الإله - الروح، اليهودي اليوناني" و "الإله - الإنسان، اليهودي المسيحي" حيث تُفهم اليهودية، حسب قوله من خلال هذين النموذجين المتعارضين من الألوهية، ويحاول روزنزويج أن يكتشف طريق آخر وهو طريق التصوف الكابالي. غير أن هذا الطريق الجديد لا يوجد في تعاليم الكابالا الأولية التقليدية وأخطاءها وإنحرافاتها في بداياتها، بل يجد هذا الطريق في الكابالا في ذروتها، في مرحلتها الأخيرة أي الكابالا اللوريانية. إلى جانب عمله في الفلسفة، عمل على ترجمة ألمانية للكتاب المقدس مع صديقه مارتن بوبر كما سبق القول، أما صديقه الآخر، والتر بنجامين، فقد كان يعمل على الترجمة الألمانية لكتاب مارسيل بروست Marcel Proust - البحث عن الزمن الضائع À la recherche du temps perdu. وقد أسس روزنزويج وبوبر وبنجامين مدرسة للترجمة حيث تكتسب مفاهيم إسحاق لوريا الأساسية والتي ذكرناها في الفصول السابقة مثل tzimtzum و مفهوم tikkun olam أهمية كبيرة في فلسفتهم. المؤرخ غيرشوم شوليم كان بدوره قريب جدًا من هذه المجموعة. كان لفكر فرانز روزنزويج تأثير كبير على المثقفين الألمان في فترة ما بين الحربين، ولا سيما على مارتن هايدجر ووالتر بنيامين وجرشوم شوليم، كما كان له تأثير واضح على الفيلسوف الفرنسي إيمانويل ليفيناس Emmanuel Levinas، الذي يعتبره البعض أول من قام بنشر أعمال إدموند هوسرل والنظرية الفينومينولوجية في فرنسا. وظلت أعمال روزنزفايغ سرية وغير معروفة في فرنسا حتى ثمانينيات القرن الماضي حيث أدرك جيل جديد من المثقفين ولا سيما ستيفان موزيس ، وبني ليفي ، وجان كلود ميلنر، وغيرهم من المثقفين اليهود الفرنسيين، دوره الأساسي في تاريخ اليهودية في القرن العشرين وفي تاريخ الفلسفة. ويقول هابرماس بأن كل المثقفين اليهود الألمان، والذين تأثروا أولا بشيلنغ والفلسفة المثالية الألمانية عموما، كان أغلبهم قد تأثر أيضا بالصوفية الكابالية الللوريانية، مثل أرنست بلوخ، ثيودور أدورنو، ماكس هوركهايمر، هربرت ماركيوز، جورج لوكاتش وغيرهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبيعات سيارات تسلا الكهربائية في تراجع مستمر • فرانس 24


.. نتنياهو ينفي معلومات حول إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافها




.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نتمسك بتدمير البنية التحتية لحم


.. شركة تبغ متهمة بـ-التلاعب بالعلم- لجذب غير المدخنين




.. أخبار الصباح | طلب عاجل من ماكرون لنتنياهو.. وبايدن يبرر سوء