الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا العداء للعباسيين والتقديس للصفويين؟! فضل العباسيين على الاسلام وعلى الشيعة!

سليم مطر

2022 / 1 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جميع الناقدين للحقبة العربية الاسلامية بما فيها( الحقبة العباسية في العراق) يتميزون بالجهل التام بتاريخ دول الارض. لهذا فأن احكامهم خالية من المقارنة العقلانية مع تواريخ باقي الدول والبلدان. تراهم يحكمون على تاريخنا العربي الاسلامي بصورة مازوخية وعنصرية وكأن تاريخ باقي البشرية تقوده الملائكة وتسوده المحبة والسلام، عدا العرب المسلمين:(الغزاة القساة اهل المجون والاسراف.. الخ)..
منذ فجر التاريخ وحتى الآن، جميع دول العالم وحتى الامارات الصغيرة، لا بد ان تعيش: العنف والسلام، الظلم والعدل، الثراء والفقر.. الخ. يكفينا معاينة انظمة اوربا وامريكا الحالية، منذ بضعة قرون وحتى الآن، يمتزج جانبها الحضاري الزاهي مع جانب العنف وحروب الاستعمار والابادة والعبودية، مع جانب المجون والاسراف والاستحواذ وصعود ملياردية واحدهم تفوق ثروته ميزانية دول عدة.( )
يتوجب التذكير بالامور التالية:
وكما وضحنا سابقا تشترك عدة اطراف عربية ومسلمة في هذا الموقف العنصري ضد تاريخنا العربي الاسلامي:(الحداثيون، والسنّة السلفية الذي بلغ حقدهم اوجه في داعش، وكذلك الشيعة السلفية). هنا نتناول موقف (الشيعة) ضد (العصر العباسي العراقي)، إذ يختصرون قرونه الحضارية الخمسة بعبارات بكائية اضحوية:(عصر الظلام والمجون وتقتيل العلوية).
وقد بلغ الامر بقياداتهم بعد 2003 الى اعتماد سياسة التدمير البطيء لـ(بغداد)، من خلال الاهمال المتعمد، رغم ان غالبية سكانها من الشيعة، لكنها تبقى (مدينة آثمة) لمجرد انها قد تأسست من قبل العباسيين وتحمل آثارهم!؟ وتركز الاهمال والتدمير البطيء على معالم الميراث العباسي من ابنية وجوامع والاحياء القديمة والشارع الذي يحمل اسم(الرشيد)! بل بلغ التطرف الى حد تفجير تمثال مؤسسها (ابو جعفر المنصور)! ناهيك عن عمليات الشحن والتثقيف لجماهير الشيعة بالحقد على كل ما هو عباسي في العراق، مع التصعيد الجنوني لثقافة البكائيات واللطم ويا ثارات الحسين..( )(طبعا لا ننسى ايضا تدمير داعش السلفية السنيّة لمعالم الموصل التاريخية النهرينية والاسلامية). والغريب انهم يتغاضون تماما عن ذكر الحقبة المغولية والعثمانية التي سببت الكثير من الاذى لعموم العراق ومنهم الشيعة؟
فضل العصر العباسي على الاسلام وعلى التشيع ، بل على العالم والحضارة الغربية الحالية!
لو عاينا تاريخ بلدان ودول الارض، لوجدنا انها لا تختلف كثيرا في ممارسة العنف وحياة المجون والاسراف. لكن الفرق الحاسم بين دولة واخرى يكمن في:
مدى قدرتها على تشجيع شعبها على خلق إزدهار ثقافي واقتصادي واجتماعي، وكذلك عسكري يحميها من الاعداء والغزاة.
اذا كان فضل (دولة النبي والخلفاء الراشدين) انها قد نشرت الاسلام في المنطقة، فان فضل (دولة الاموييين) انها خلال اقل من قرن، اسست اولى واعظم (امبراطورية عربية اسلامية) من حدود فرنسا حتى حدود الصين. أي (بفضل الامويين الشاميين انتشر الاسلام) واصبح ولا زال دينا عالميا. بالاضافة الى فضل الامويين بجعل العربية لغة ادارية للدولة ودواوينها.
اما (فضل العباسيين العراقيين)، فيتمثل بانه طيلة خمسة قرون تحول الاسلام من مجرد (دين) الى (حضارة عالمية كبرى) شكلت الاساس الذي انبثقت منه الحضارة الغربية الحالية!( )
صحيح ان الخلافة العباسية في بغداد، خلال اقل من قرن:(العصر العباسي الاول: 750 ـ 847 م ) فقدت الامبراطورية كلها، إذ تحولت عمليا الى دولة عراقية جغرافيا وسياسيا وحضاريا، لان باقي الاقاليم قد استقلت بدول اسلامية، من الاندلس حتى افغانستان. لكن الميزة الوحيدة الشكلية التي كانت يتمتع بها (خليفة بغداد) ان اسمه يذكر في مساجد بعض الدول المستقلة، ويستلم الاموال من زعمائها لكسب وده ومنحهم الشرعية الدينية باعتباره خليفة الرسول. بفضل هذا العصر العباسي، لاسباب عديدة تتعلق بالعراقيين خصوصا:(توفر الثروة والدولة شبه القوية والمستمرة، رغم مختلف النكسات والاضطرابات)، طيلة خمسة قرون تأسست وازدهرت اعظم حضارة عالمية في تاريخ البشرية، شكلت الاساس فيما بعد لانبثاق الحضارة الغربية الحالية: انها(الحضارة العربية الاسلامية)، التي انتشرت في عموم عالم الاسلام في آسيا وافريقيا وجنوب اوربا. لكن اهم واكبر حواضرها كانت في العراق: بغداد والكوفة والبصرة والموصل.. وتقاسم خلالها المبدعون العراقيون حوالي نصف كمية الانجازات الحضارية مع باقي الشعوب الاسلامية!
هذه جردة سريعة لهذه الانجازات الكبرى التي تخص الشيعة مباشرة:
اولاـ من اعظم الانجازات الحضارية في العصر العباسي، تأسيس (عصر التدوين) أي نقل الثقافة العربية الاسلامية الى مستوى تدوين الكتب( ). فكل ما المؤلفات العربية بعد (القرآن)(بما فيها كتب الشيعة) كانت اساسا في العصر العباسي.( ) فبفضلهم عرف المسلمون:
ـ (السيرة النبوية): التي دونها (ابن هشام البصري) عن(الشيخ البكائي الكوفي) عن (ابن اسحاق المديني البغدادي). بالاضافة الى ما لايحصى من كتب العربية في الرواية والحديث والادب والفسلفة والترجمة والعلوم..( )
ثانيا ـ بفضل العصر العباسي عرف الشيعة:
1ـ (كتاب نهج البلاغة: للامام علي) الذي دونه في بغداد(الشريف الرضي البغدادي).
2ـ اخبار (واقعة كربلاء) التي دونها في بغداد المؤرخ الطبري، نقلا عن(ابن مخنف).
3ـ كذلك في هذا العصر نشر (الامام جعفر الصادق) مذهبه(الجعفري)، وقام تلميذه العراقي (هشام بن الحكم الكوفي) بتدوين اولى كتب هذا المذهب: (علل التحريم) (الفرائض) (الإمامة)، وغيرها. كذلك قام (الشيخ المفيد البغدادي) بتدوين أصول الفقه وتأسيس منهج فقهي جديد. ثم تأسست اولى حوزات(مدارس) الشيعة في (الكـوفة) واعقبتها (حوزة بغداد) التي انتهت بالاجتياح المغولي للعراق.
4ـ كذلك في هذا العصر عرفت (الصحيفة السجادية) المنسوبة الى الامام السجاد.( )
5 ـ كذلك دونت في العراق اولى تفاسير الشيعة لمثقفين كبار امثال: جابر بن يزيد الجعفي الكوفي/ أبي حمزة الثمالي الكوفي/ الحسن العسكري السامرائي/ فرات بن إبراهيم الكوفي/الشريف الرضي البغدادي/ الشيخ المفيد.. الخ
ثالثا ـ ان النهضة الحضارية في العراق العباسي قد ساهم فيها عدد لا يحصى من الشخصيات الشيعية العراقية الشهيرة، امثال: العالم الكيميائي جابر بن حيان الكوفي( شيعي اسماعيلي). المؤرخ اليعقوبي البغدادي/المؤرخ المسعودي البغدادي/المؤرخ ابن الاعثم/ الراوي ابو الفرج الاصبهاني البغدادي/ العالم ابن الهيثم البصري( )/ العالم جابر بن حيان الحراني/ العالم ابن وحشية النبطي/ الراوية معاوية بن عمّار الكوفي/ العلامة الشريف المرتضى البغدادي/ العلامة محمد بن همام الإسكافي البصري/ العلامة أحمد بن إدريس الأشعري/ الشاعر الحسين البغدادي ابن الحجاج/ الشاعر ابو فراس الحمداني/ الشاعر بن كميت الاسدي الكوفي/ الشاعر دعبل الخزاعي الكوفي.. الخ..( )
رابعاـ في هذا العصر نشأت في العراق العديد من الجماعات والمذاهب الشيعية، مثل: جماعة اخوان الصفا(الفسفية الاسماعيلية)، ومذهب الزيدية( حاليا في اليمن)/ ومذهب الاسماعيلية المنشق عن الجعفرية(حاليا في سوريا واليمن والهند)، ومذهب النصيرية(علوية سوريا حاليا). بالاضافة الى مذاهب اخرى مهمة ولكن غير شيعية، مثل: الاباضية(مذهب سلطنة عمان).
اخيرا ، تأكيدا لكلامنا بأن الظلم والفساد امرا محتما في جميع الانظمة طيلة تاريخ البشرية، لنتذكر مظالم ومجون الدول الشيعية:
نعود ونكرر ان طبيعة الحياة فرضت على البشر، افراد ودول، في كل زمان ومكان: الخير والشر، الصحة والمرض، المحبة والحقد، السلام والحرب، الكرم والجشع.. الخ. ليس هنالك دولة ولا امارة او قبيلة خارج هذه الحتمية. وجميع التقولات عن المدينة الفاضلة ودولة السلف الصالح والارض الموعودة الامام المنتظر، مجرد احلام وتمنيات لم نجد لها حتى الان أي دليل او اثر.
هذه الحتمية التاريخية طبعا تنطبق على دول الشيعة، وقبل ان نذهب بعيدا الى التاريخ، لنعاين تجربة حكم الطائفيين والميليشيات أي دمار وعار نشرت في بلادنا منذ 2003 وحتى الآن.
اما التاريخ، لنتذكر(الدول الشيعية) مثل: (البويهية) في ايران والعراق، و(الفاطمية) في مصر (والمغرب والشام)، التي ما اختلفت عن دولة العباسيين في مجونهم وظلمهم بينهم وضد خصومهم. يكفي القول ان هاتين الدولتين انتهيتا بسبب الصراعات الداخلية بين الاسرة الحاكمة( ).
بل هنالك مثال يتعلق مباشرة بالشيعة الجعفرية:( الدولة الصفوية والدولة القاجارية) اللتان حكمتا ايران( ) بالسيف والاثراء. كلنا نعرف كيف ان الصفويين بفضل حملات القمع والابادة حولوا ايران خلال بضعة سنوات من 80% سنيّة الى 80% شيعية!!؟؟ اما بذخهم ومجونهم وقصورهم العجيبة فلا زال شيعة ايران يفتخرون بها، متناسين بذلك احكامهم ( الانسانية والطهرانية) التي يطبقونها ضد الامويين وضد العباسيين العراقيين!
الناحية السياسية ـ المذهبية، وحقيقة الظلم العباسي للشيعة!؟
كي نوفي هذا الموضوع الكبير والمعقد بعضا من حقه، نذكر هذا الجوانب المكملة:
اولاـ ان الدولة العباسية في العراق، كما بينا دامت حوالي خمسة اضعاف مدة الدولتين الراشدية والاموية( )، أي اكثر من خمسة قرون(750 ـ 1250). ويصح اعتبارها دولة عراقية سياسيا وجغرافيا وسكانيا. فبعد قرن من تأسيسها في العراق( العصر العباسي الاول: 750 ـ 847 م)، فقدت عمليا السيطرة على باقي انحاء العالم الاسلامي. طيلة القرون الاربعة المتبقية (847 ـ 1258 م) كان الخليفة مسيطرا فقط على العراق.
ثانيا ـ ان الحركة العباسية في الاساس لم تكن سنيّة ابدا، بل كانت (هاشمية: عباسية علوية) ونشأت سرّيا اولا في الاردن(قرية الحميمة)، التي فيها ولد الخلفاء الاوائل : ابو العباس السفاح(السفاح تعني الكريم)، وابو جعفر المنصور. وان انقسام المسلمين لم يكن بين (شيعة وسنّة) بل بين(انصار الامويين وانصار العلويين). ثم بالتدريج تحول الى (صراع عباسي ـ علوي)، بعد ان فشل (خلفاء بغداد) بارضاء حلفائهم (العلوية) الذين كانوا اساس ووقود الثورة في العراق والحجاز ضد الامويين. لكن الصراع لم يكن مذهبيا فكريا، بل بقي سياسيا وحتى دمويا من خلال قمع عدة تمردات شيعية واغتيال شخصيات مهمة مثل (الامام موسى الكاظم: 799م). ( ). لكن الصراع كان متقطعا تتخلله فترات وئام حسب علاقة الخليفة بنقيب الطالبيين. لم يتحول الى صراع فكري مذهبي(سني ـ شيعي)، الا بعد حوالي ثلاثة قرون(كما سنوضح).
رابعاـ كان من الطبيعي ان يوجد بين انصار (الامام علي) مؤسسي مذاهب سنيّة عراقية: (الامام ابو حنيفة الكوفي، والامام ابن حنبل البغدادي، والاشعري البصري). كذلك غالبية جماعات التصوف ومثقفيهم كانت تقدس (الامام علي).( ) اما انقسام المجتمع والدولة فكان متنوعا بين عدة مذاهب سائدة حينذاك: (علوية، خوارج، معتزلة، مرجئة، أهل الحديث.. إلخ). بل ان الانقسام الحاد كان بين (الشيعة انفسهم) الى حد التقاتل: جعفرية واسماعيلية(مستعلية ونزارية) وكسائية وزيدية(كما سنوضح).
خامساـ قيادات الدولة العباسية لم تكن سنيّة ولا على مذهب واحد، بل تنوعت مذاهب الخلفاء حسب الظروف. كان مذهب الدولة يتأثر بمذهب الخليفة. في البداية كانوا اقرب الى العلوية، ثم تبنى(المأمون والمعتصم والواثق) (مذهب المعتزلة). ثم اختار(المتوكل) (مذهب الشافعية). اما آخر الخلفاء(المستعصم بالله) فكان يميل للشيعة الجعفرية، واختار وزيره من الشيعة:(مؤيد الدين الأسدي البغدادي، العلقمي).( )
سادياـ كذلك خضعت الخلافة العباسية في بغداد خلال قرن للحكم البويهي الشيعي الزيدي(967ـ 1055 م). وقد تمتع حينها انصار التشيع بامتيازات كثيرة. وبسبب هذا التمايز نشأت جذور الخلاف الطائفي بين الشيعة والسنّة.( ) كذلك نشأت في العراق عدة دويلات شيعية: الحمدانيون في الموصل وحلب. ثم خلفهم العقيليون. كذلك نشات الحركة الاسماعيلية التي نجحت بتأسيس امبراطوريتها الفاطمية في(المغرب ومصر والشام والحجاز)، بالاضافة الى دويلات اسماعيلية في البحرين واليمن.
ان العداء العباسي للعلويين ظل لزمن طويل محدودا وعائليا، مرتبطا بالمنافسة بين (العائلة العباسية) و(العائلة العلوية) حول حق الخلافة. ولم يتحول الى عداء فعلي (سياسي وعقائدي) الا بعد قيام (الدولة الفاطمية الشيعية الاسماعيلية) في المغرب ثم مصر والشام(909 ـ 1171). بسبب خوف العباسيين من النفوذ الاسماعيلي المصري الذي كسب الكثير من شيعة العراق، بل بلغ الخطر الى درجة حدوث انقلاب فاطمي في بغداد وهرب الخليفة العباسي.( ) فمن طرائف التاريخ ان التهمة الاولى التي كانت قد وجهت لشيعة العراق، ليست (العمالة لايران)، بل (العمالة لمصر)!( )
لاسباب تقنية لم نتمكن من نقل المصادر والتوضيحات. يمكن ايضا مطالعة هذه الدراسة كاملة مع الصور والخرائط في موقعنا:
https://urlz.fr/h5Rk








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 106-Al-Baqarah


.. 107-Al-Baqarah




.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال