الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الإشكالية الطائفية في شفاعمرو

مهدي سعد

2006 / 9 / 1
المجتمع المدني


يعتبر طرح موضوع الطائفية في شفاعمرو ضرورة ملحة في هذه المرحلة خصوصًا مع تزايد حدة التقسيم الطائفي في المدينة على مختلف الصعد الاجتماعية والثقافية والسياسية ، والذي هو أحد أهم إفرازات العقلية الرجعية التي ترى أن الطائفة والعائلة هما المحور الأساسي لانتماء الفرد ووجوده وبالتالي فعليه أن يسير حياته وفق هذه العقلية ، أما انتماءه البلدي والوطني والإنساني فلا يجوز استخدامه وفقًا لهذه النظرة إلا بما يخدم المصالح الطائفية والعائلية الضيقة ، فكما يقول الدكتور عزمي بشارة في مقاله "بؤس السياسة الطائفية" : "الطائفية نوع متخلف من سياسات الهوية تفترض أنها لا تشكل إحدى هويات الإنسان ، بل هويته الأبرز وهي أيضًا هويته السياسية التي تحكم العلاقات مع أبناء ملته وأبناءالملل الأخرى " .

ولا شك أن مدينة شفاعمرو تعتبر إحدى أهم الأمثلة الحية لهذه العقلية الطائفية التي تنعكس على سلوك الفرد الشفاعمري وعلاقاته مع أبناء بلده الآخرين ، حيث لا زلنا حتى اليوم نعادي بعضنا البعض لا من سبب إلا لأننا من طوائف مختلفة وتناسينا أننا نشترك في الانتماء الوطني والإنساني وأننا شعب واحد ومن طينة بشرية واحدة .

وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد ، فالطائفية في شفاعمرو مكرسة في أغلبية مؤسسات المدينة ومرافقها العامة ، في المدارس والمراكز الثقافية والجمعيات الأهلية والنوادي الكشفية والمخيمات .

أضف إلى ذلك تخصيص وظائف معينة في بلدية شفاعمرو وغيرها من المؤسسات لطوائف بعينها لا يقبل لها شخص من طائفة أخرى ، فبين الحين والآخر يعلن على صفحات الجرائد عن وظائف شاغرة معدة لطائفة معينة وعندما يتقدم أحدهم إلى الجهات المعنية بطلب عمل في هذه الوظيفة يرفض لأنه لا ينتمي إلى الطائفة المطلوبة !!! .

وكذلك نلاحظ وجود ظاهرة مؤسفة أخرى وهي توريث المناصب المختلفة لأبناء العائلة نفسها لضمان الإبقاء على المكانة الإجتماعية لهذه العائلة أو تلك ، وهناك أمثلة على ذلك في عدد من مدارس المدينة .

وتصل الطائفية إلى قمتها في بلدية شفاعمرو التي تشكل تجليًا هامًا لهذا التقسيم القبلي المتخلف ، فمع اقتراب كل حملة انتخابية يستعد "ملوك الطوائف" لها بشكل جيد لضمان وصولهم إلى السلطة ، حيث ينتظمون في قوائم طائفية تأخذ بعين الإعتبار التمثيل النسبي لعائلات الطائفة ، وتفرز هذه الإنتخابات مجلسًا بلديًا طائفيًا تمثل فيه جميع طوائف المدينة بالإضافة إلى إدارة البلدية التي توزع فيها المناصب كذلك بين الطوائف ، فالرئيس يكون سنيًا ونائبه الأول درزيًا ونائبه الثاني بدويًا والقائم بإعماله مسيحيًا .

وعبر تاريخ بلدية شفاعمرو التي مضى على تأسيسها 96 عامًا لم تقم -فيما أعلم- أية محولة لتأسيس قائمة شفاعمرية غير طائفية ، فجميع القوائم التي تطرح نفسها على الشارع الشفاعمري إما طائفية أو مشكلة من أحزاب وطنية (الجبهة ، التجمع ، أبناء البلد إلخ ...) ، وحتى هذه الأحزاب التي تدعي رفضها للطائفية تستخدم اللعبة الطائفية بأشكال مختلفة وملتوية من أجل الوصول إلى السلطة .

وهنا أود أن أشير ومن أجل المصداقية التاريخية إلى تشكيل قائمة مشتركة بين الطائفتين السنية والدرزية شاركت في الإنتخابات البلدية سنة 1955 وحصلت على أربعة مقاعد من أصل تسعة مقاعد أعضاء المجلس البلدي ، وهذه القائمة لا يمكن اعتبارها قائمة غير طائفية لأنها قسمت مقاعدها بين الطائفتين وكانت تأخذ بالحسبان الإنتماء الطائفي للفرد بما يتنافى مع مبادئ المواطنة الحقيقية .

أعتقد أن هذا الوضع ما هو إلا تعبير عن تخلف الطبقة السياسية الشفاعمرية التي حتى الآن لم تستطع الخروج من القمقم الطائفي الضيق العالقة به بالإضافة إلى الجهل الإجتماعي لأهمية بناء مجتمع مدني حديث يؤمن بالمواطنة وبضرورة تجاوز الطائفية ، فلا يمكن أن نتحول إلى مجتمع راقٍ ومتقدم بدون تعزيز المواطنة الشفاعمرية في نفوس مواطني المدينة لكي ننتج طبقة سياسية جديدة تطيح بالتقليد القديم وتكون قادرة على السير قدمًا لتأسيس ثقافة جديدة ترتكز على المبادئ العلمانية والإنسانية الرافضة للشرذمة الطائفية والحقد الديني .

مشكلة النخبة المثقفة في شفاعمرو والتي من المفترض أن نعول عليها في تغيير الوضع القائم أنها للأسف لا تعترف بوجود مشكلة طائفية في المدينة وتوهم نفسها بأن البلد موحدة وأهاليها يعيشون بمحبة وأخوة ، ففي نظرهم يكفي أن أبناء مختلف الطوائف لا يتنازعون فيما بينهم لتكون هناك وحدة بين أهالي البلد ، متناسين ثقافة الهمس والعمز و"الوشوشة" الدائرة بين أفراد كل طائفة والتي تعبر عن مركب التعصب الناتج عن الجهل وغاضين النظر عن غياب المؤسسات البلدية التي من المفترض أن تصهر أبناء المدينة في إطارها ، زد على ذلك أن هؤلاء المثقفين منخرطون في هذه المعمعة وبعضهم يقف على رأس المؤسسات الطائفية ويمارسون هذه اللعبة بصورة محترفة .

إن ما يبعث على الأسى هو أن رموز الطائفية في هذا البلد هم أكثر من يتحدثون عن وحدة أهالي المدينة في حين أنهم في الخفاء يذكون نار الحقد الطائفي في صفوف أتباعهم لأنهم يعلمون أنه لا بقاء لتأثيرهم ونفوذهم إلا باستمرار هذا التقسيم الطائفي الذي يسمح لهم بتثبيت وجودهم على رأس المؤسسات الطائفية .

إزالة الأوهام الطائفية من عقول الناس وإنشاء مؤسسات بلدية خالية من الرواسب الطائفية بالإضافة إلى ترشح قوائم غير طائفية للإنتخابات البلدية ، كل هذه الأمور كفيلة بتجاوز هذه المعضلة ، وهذا لن يتم إلا من خلال برنامج عملي تأخذ النخبة المثقفة في شفاعمرو على عاتقها تنفيذه من خلال تثقيف المواطنين بأية وسيلة ممكنة على ضرورة تجاوز الطائفية إلى المواطنة الصالحة والانتماء إلى بلدهم أولاً .

وفي هذا الإطار أشير إلى الدور المحوري للمدارس التي يجب عليها أن تأخذ على عاتقها الشروع ببرنامج تثقيفي جاد ينتج جيلاً شابًا منفتحًا ومتقبلاً للآخر ، لكن للأسف فإن المدارس تقوم بنفس الدور الطائفي التي تؤديه مؤسسات المدينة المختلفة وهي خاضعة لسيطرة مديرين هم من كبار رموز الطائفية والعائلية ولا يتمتعون بالثقافة المدنية الحديثة رغم ادعائهم اللفظي لذلك وترديدهم لشعارات الدميقراطية والحريات في حين أن مدارسهم تعتبر بؤرة لقمع أي محاولة تغيير في مجتمعنا .

تجاوز الطائفية في شفاعمرو مهمة صعبة لكنها في نفس الوقت غير مستحيلة وهي تحتاج إلى عمل شاق وتلاقي لنهجين إصلاحيين : القيام بمبادرات لجمع أبناء المدينة مع بعضهم في أطر اجتماعية وثقافية وسياسية مختلفة من جهة ، والتربية البيتية والمدرسية التي تنشئ شبابًا واعيًا ومؤمنًا بضرورة العيش مع الآخرين كما هم .

شفاعمرو .. هذه المدينة الجليلية الوادعة التي طالما حبذت أن أطلق عليها "لبنان المضغر" لأن مشكلة لبنان الطائفية هي نفس مشكلتنا في شفاعمرو ، هذه المدينة التي أحبها كثيرًا أرغب وأطمح أن أراها على غير حالها لأن الوحدة الحقيقية (وليست الوحدة الكاذبة التي يروج لها زعماء الطوائف والطوائفيون) هي من طبع الإنسان وهي أفضل له بعكس التفرقة الهدامة التي لا تنتج إلا حزازات طائفية وعائلية لا فائدة لها .

لكن هل يا ترى ممكن أن نحلم بيوم تغرب فيه شمس الطائفية عن شفاعمرو إلى غير رجعة ؟!

في الحقيقة إنني لا أخفي تشاؤمي لأنني أتخذ موقفي بناءً على الواقع الحياتي المعاش في المدينة ، فالواقع يقول : المزيد من الطائفية وتعميق لها ، لكني أبقي مكانًا للتفاؤل لأنه وفق فلسفة الحكيم اليوناني هيراقليطس "ما من هبوط إلا ووراءه صعود" ، فلعل هذا الهبوط الطائفي يقود إلى صعود للمواطنة التي تعبر عن أعلى درجات الرقي الإنساني .

لا للطائفية .. نعم للمواطنة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين