الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- قصة أبى البشر آدم بين التوراه والقرآن -

عماد فواز

2006 / 9 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


القصة القرآنية عن خروج آدم من الجنة ونزوله إلى الأرض ، تختلف في صياغتها ودلالتها عن نفس القصة كما وردت في التوراه ، على الرغم من التشابه بين القصتين في خطوطهما العريضة ، إلا أن النص القرآني – ولأنه كلام الله دون تدخل بشري فيه بالتحريف أو التزوير – يبدو فيه الصدق واضحاً .. فالقصة القرآنية تبدأ قبل خلق آدم : " وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، قال إني أعلم ما لا تعلمون " .. وهذا يعني صراحة النص على أن آدم خلق ليعيش في الأرض لا في السماء ، ولم يكن ما حدث في الجنة إلا برهان على اختلاف آدم عن الملائكة المبرئين من العيوب ، فهو معرض للغواية ، وعليه وحده تقع مسئولية التفرقة بين الخير والشر وبناء على ذلك فإن قصة آدم في القرآن لم تهدف إلى إثبات خطيئة آدم ، كما أقرتها التوراه والإنجيل ، بل إن ما فعله آدم يشير إلى طبيعة الآدمي ساكن الأرض " .
ثم تؤكد الآيات القرآنية بعد ذلك حكمة الخالق حتى صنعة آدم على هذا النحو ، وذلك في قوله تعالى : " علم آدم الأسماء كلها ، ثم عرضهم على الملائكة ، فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " وليست أسماء المسميات مجرد أسماء ، ولكنه الادراك الذي يميز بين الشيء وغيره بل لنقل أنه العلاقة بين الإنسان والموضوع .
وهنا يتمثل جوهر طبيعة الإنسان .. وجوهر قيمته ووجوده في الأرض ، ويتحدد هذا الجوهر بأن للإنسان فكر يتحرك في كل ما حوله .
وتنتهي قصة آدم كما وردت في القرآن الكريم بوعيه لنبعاثه وتحمله لمسئولياته ، وهما أساس تصالحه مع ربه ، ورضاء الله عنه " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ، إنه هو التواب الرحيم " ثم تحسم القضية بقوله تعالى : " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبينا أن يحملنها ، واشفقن منها وحملها الإنسان ، إنه كان ظلوماً جهولا " لقد حمل الإنسان مسئولياته الجسام على عاتقه ليعيش بها ولها على الأرض ، وليصبح مسئولاً عن صنع حياته وحياة الجماعة الإنسانية التي يعيش بين ظهرانيها ، هذه الحياة التي هي في نهاية المطاف مجرد حلقة من حلقات التاريخ الإنساني ، الذي أصبح الإنسان مسئولاً عنه بالتبعية .
وهناك تناقض واضح بين قصتي خلق الإنسان الأول اللتين وردتا في الاصحاحين ، الأول والثاني من سفر التكوين في العهد القديم من الكتاب المقدس " التوراه " .. ففي الإصحاح الأول ورد أن الله خلق حتى اليوم السادس من بدء الخليقة كل الكائنات الحية التي تعيش على الأرض أو في الماء أو في الهواء ثم خلق أخيراً آدم وحواء كليهما ، على صورته ، أي أن الإنسان قد خلق بعد أن خلقت الكائنات كلها ، وأن الإنسان منذ البداية قد انقسم إلى ذكر وأنثى ، وأن كلاً منهما كان يعكس نفس الدرجة عظمة الأصل الإلهي .
أما الإصحاح الثاني من سفر التكوين فترد فيه قصة مختلفة ، إذ نقرأ فيه أن الله خلق الإنسان أولاً ، ثم خلق صنوف الحيوانات الدنيا بعد ذلك ، أما حواء فقد خلقها بعد ذلك ، وشكلها من ضلع انتزعه من آدم أثناء نومه .. ومن هنا يبدو أن النظام الذي خلقت الكائنات على أساسه معكوس في القصتين ، ففي القصة الأولى تبدأ بخلق الكائنات الحية الأدنى من الإنسان وتنتهي بخلق آدم وحواء معاً ، وفي الثانية بخلق آدم وحده حيث يقول الإصحاح الثاني : " وجعل الرب الإله آدم ترابا من الأرض ، ونفخ في أنفه نسمة حياة ، فصار آدم نفساً حياً " . ثم أراد الله أن يخفف من وحشة آدم في الجنة ، فخلق الطيور والحيوانات ، التي نظر إليها آدم وسماها بأسمائها ، ولكنه كان لا يزال غير راض عن هذه الرفقة ، فخلق له الله حواء من جزء من جسمه لتكون زوجاً له .
ويفسر عالم الأنثروبولوجيا الشهير جيمس فريزر في كتابه " الفلكلور في العهد القديم " التناقض الواضح بين قصتي الخلق ، بأن كتاب التوراه قد أستمدها من مصدرين مختلفين ، ثم جمعوا بين القصتين في كتاب واحد " سفر التكوين " دون أن يوائموا بينهما .
وتصور القصة التوراتية طرد آدم وحواء من الجنة ، وكأنها خوفاً من مناقشتها له في معرفة الخير والشر ، وقبل أن يكتسبها أيضاً صفة الخلود ، إذا ما أكلا من شجرة الحياة المحرمة عليهما . " وقال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر . والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ، ويأكل ويحيا إلى الأبد . فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل على الأرض التي أخذ منها " .
وفي مقارنة بين ما روته التوراه وما رواه القرآن ، لإلقاء مزيد من الضوء على مدى ما أعترض القصص الديني في التوراه من تحريف .. قال تعالى في سورة البقرة : " وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة ، وكلا منها رغداً حيث شئتما ، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الهالكين " وقال تعالى : " وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " .. وكما قال تعالى في سورة طه : " فوسوس إليه الشيطان ، قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، وعصى آدم ربه فغوى " .
تقدم الآيات القرآنية الخطوط العريضة لقصة آدم وحواء منذ أن خلقا في الجنة إلى أن طردا منها ، ليعيشا هما ونسلهما على الأرض حياة غير حياة التحريم ، أو هو بتعبير آخر اختبار لطبيعة الجنس البشري ، تلك طبية التي لازمت الإنسان منذ بدء الخليقة حتى اليوم ، وهي التي تتمثل في ضعفه ، أمام قوة الإغراء المادي . ولما كان التجريد من أخص خصائص القرآن الكريم . لذلك فإن قصة آدم وحواء في القرآن تختلف اختلافاً جوهرياً عن قصتهما في سفر التكوين من العهد القديم " التوراه " ليس في طريقة السرد القصصي وحدها وإنما أيضاً في الهدف والغاية من ايراد القصة .
فحسب القرآن الكريم كانت عمارة آدم وحواء للأرض مقدرة قبلاً ، كما كان عصيان آدم مقدراً من قبل وتصبح القصة الدينية عندئذ .. تأكيداً للطبيعة الإنسانية ، وجوانب ضعف الإنسان التي جعلته هدفاً لإغراء الشيطان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع