الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وفاء للمناضلين/الذّكرى الثّانية لرحيل منصف اليعقوبي.

الطايع الهراغي

2022 / 1 / 13
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


هذا الاعتراف جزء من عربون وفاء لمن نتمنّى لو أنّ التّاريخ يُسعفنا بأن نكون في حجم ما هم به جديرون- لمن قاسمناهم قناعة، وبادلناهم تقديرا بتقدير. وفاء لمن لم يرتكب إلاّ جرما واحدا: حلول صوفيّ في ما به آمن، وما استأذن في ذلك أحدا. مضى خفيف الظلّ / طاهرا من كل رجس، رحل دون كبير ضجيح ليترك للمتيّمين بتدبيج ركيك المراثي وترصيف بليد المدائح واعتلاء منصّات بورصات القيم المنقولة فرصة استنساخ نصوص باهتة بليدة ركيكة مكرورة، خصلتها أنّها تصلح لكلّ آن وحين.
الأربعاء 15جانفي 2020 منصف اليعقوبي- الكاتب العامّ السّابق لجامعة البريد وعضو المكتب التنفيذي لاتّحاد الشّغل لدورات - يتسلّل من بين ظهرانينا، يخاتله الموت فيخاتلنا ويرحل تاركا في القلب لوعة لا يهوّن من وقعها إلاّ ما ظل وسيظل راسخا من أحلام. قد يكون أنّ من الألم، قد تكون اعترته لحظة وجوم ساعة الغيب الأخير فاستعصى عليه إملاء وصيّة لمن يعتقد أنّهم أهل للوصّيّة. ولكن أكيد أنّ ابتسامة حزينة رفرفت حواليه وهو يستجمع حصاد العمر في لحظة صدق يبلغ فيها الصفاء مداه، لمّا يكون حسابك مع ذاتك لا مع غيرك، ليس لك ما منه تخجل ولا مع عليه تخاف.
منصف واحد من قافلة مناضلين نقابيّين تأبّطوا النّضال ذخيرة بها يجابهون عتيّ الأيّام وحالكات اللّيالي. تخليدا لذكراه،كلّ الوفاء لما من أجله أفنى جزءا من عمره واكتوى بمحنه جميل الاكتواء.
لن نقول لك الوداع.فالكتاب مفتوح والرّسالة تأبى أن تكتمل. والوصيّة -التي لم تحبّرها- ناصعة ملتهبة متحفّزة تحذّرنا أن لا محيد عمّا سطّرتموه،بعضكم بدم غزير،والبعض الآخر بمعاناة هي لكم ولنا شفيع.
من ربوع الكاف انطلقت مسيرته ليحطّ الرّحال في العاصمة بعد ملحمة قلبت هوّيّة قطاع البريد رأسا على عقب. بريديّا كان،وسيظلّ.التحم بالقطاع لمّا كان يبحث عن استقلاليّته فنحت منه وله مجدا،وصنع لنفسه ذاتا وشأنا.فصار البريديّون به وبقطاعهم وبنضالاتهم مزهوّين. فلهم ما به يفخرون ويفاخرون.
وأتذكّر، في ذلك المؤتمر الاستثنائيّ لاتّحاد الشّغل (2002). في رحلتنا إلى جربة. بدت لنا الجزيرة آخر الدّنيا، وبدا لنا الحلم عصيّا كمن يروم المستحيل في صحارى المستحيل، اختراق قائمة رسميّة ثبت بحكم اجترار العادة وسطوة القدرة العجيبة للآلة الانتخابيّة الرّهيبة أنّ مجرّد منازلتها محض خيال.
وكان الذي كان.انتقمتَ من الآلة التي أقصتك في مؤتمر الكرم 2 ( 1999)، مؤتمر قُـدّ على المقاس. آلة السّحباني - الأمين وقتها وفي تناغم مع بن علي- تدوس كلّ معارضيها وتخرق كلّ الإجراءات حتى الشّكليّ منها. بكيتَ بحرقة.وما كان يمكن إلاّ أن تبكي. فقد كسرت/ كسرتم عادة مشؤومة.
.................................................................................................................
منصف، قد تلهينا "عنكم طاحونة الشّيء المعتاد. قد ننساكم.(قــد). وأنّى لنا أن ننساكم؟؟ وأنتم في ثنايا الذّاكرة رابضون، حيثما التفتنا ألفيناكم. مسحة حزن جميل تعلو محيّاكم، يكسوها عناد كان لكم خير سبيل، ولنا أن نتدثّر به عزّ الدّليل. تلهبوننا بسياط تكون علينا بلسما لمّا الثّنايا تتشعّب ويبهت برد اليقين، وتهمّ القناعة أن تتزعزع. لمّا يداهمنا الظّنّ ويغزونا بعض اليأس يتسلّل إلينا طيفك/طيفكم، من أنفسنا نخجل، فنجفل ممّا نحن عليه، ونعود إلى ما كنّا فيه. بالعناد نلجم الظّنّ ونروّضه، نروم أفقا نراه يتلألأ وبه نبدّد شكّا حتّى إذا كان إلى اليقين أقرب. الوزر ثقيل يا منصف ولكنّه جميل. والأمانة أثقل، فبه تدثّرتم أيّام الجمر،أيّام كان للنّضال وسامته وبريقه وضريبته، والدّفع بالحاضر. وليس لنا إلاّ أن نصون الإرث.لأنّنا قد نخسر يا منصف حروبا/حروبا فمحكوم علينا أن لا نضيع السّبيل طالما في العالم الأرحب ما يرسم لنا دليلا.إذا يوما حصل- كما يحصل مع من لم تهبّ عليه رياح اليقين- أن داهمنا بعض التّوجّس وثقلت علينا المهمّة وقلّ الاصطبار ينهرنا ما به كنّا آمنّا. نرتعب من غضب التّاريخ ولعنته وتنهال علينا سياط نقمة أمّ المناضل والشّهيد والتياع الأخت.تلك هي طلقة الرّحمة.
كم هو دام رحيلكم ومضن يا صاحبي؟ المشوار طويل ودروبه متشعّبة،والويل كلّ الويل لمن ساعة الجدّ سكنه الخوف وركبه الذّعر. وذهبت به الأوهام كلّ مذهب. ليس لنا إلاّ التّأسّي والوفاء. مدمّرة رسالتكم، مربكة وصيّتكم. المناضلون كما الشّهداء يعتقدون أنّهم أقوى من الموت. يعزّ عليهم أن يرحلوا فيخاتلون الموت ويتماوتون ولا يموتون. لحظة الغيب الأخير، في تلك اللّحظة الشّاردة،لحظة الصّدق مع الذّات، لمّا يعتصرهم الألم ويثقل عليهم الحمل يودّعون ولا يودّعون. يصدّقون أنهم إلى سوح الفرح لا بدّ عائدون. يسبحون في الاحتمالات. لا يخطّون وصيّة ولكنّهم يتركون أجمل الوصايا لمن خبر معنى أن يكون أمينا على أمانة تنتحب لو يوما خذلها من لم يكن لها أهلا.
كأنّه لم يرحل، لم يغادر مضاربنا. أراه يكتوي بما به نكتوي، يستحضر جزءا من عمر اعتصره لمّا كان للنّضال لذّة ولضريبته رونق ولمعاناته بريق. إبر تخز كلّما همّ أن يتراجع. وهل يملك أن يتراجع؟.
ما استشار أحدا حين ولج عصيّ السّوح ووعر المسالك وغريب الدّروب.فهل لذلك عسر تعليبه؟ وما طرق التّردّد له يوما بابا.فهل لذلك استحال ترويضه؟ جعل من التّواضع جسر عبور إلى أصدقائه وصديقاته النّقابيين. طوّع المسؤوليّة، أذلّها وما أذلّته. لم يكن لها عبدا ولم يكن بها مزهوّا. أفلتت منه بفعل فاعل لمّا كان للقصر أمر ورأي وتركيع، ولأصحاب القصر ائتمار ومذلّة وخضوع.
نفتقدك، نفتقدكم في كل محطة .كلّما هممنا أن نسالم، وبدا لنا من الأمور عسيرها، وما تبيّنّا فتحة في آخر النّفق تهلّ علينا أطيافكم نجما في الأفق يتلألأ، يبدّد الظّلمة. لك/ لكم علينا ديْـن أن لا نستكين، أن لا نخون ما اتّفقنا على أنّ أمره محسوم. ولنا عليك/عليكم ديْن أن تلهبوا ظهورنا بالسّياط، أن تشيحوا عنّا احتقارا وإذلالا ، أن تنغّصوا علينا نوم وأحلام غسق اللّيل كلّما اعترانا بعض الشّكّ وأعيتنا الحيلة وتاهت بنا الدّروب ومالت البوصلة إلى حيث لا يجب أن تميل. رجاء لا تغفروا لنا ذنبا يلوّث لكم تاريخا كنتم اعتقدتم أنّه لنا برد اليقين. ما زلنا نرتعب من لوعة أمّ كانت تتمنى لو أنّ الموت لم يختطفكم قبل أن يختطفها. ما زلنا نتعشّق جنونكم زادا به نحتمي وإليه نفـرّ ساعة تطوّح بنا السّبل. ما زال عنادكم يسكننا سلاحا به ننهر قناعتنا لمّا في لحظة يسكنها الضّعف وتوشك أن تشكّ في ما لم تشكّوا فيه يوما.نطوّقها بالعناد ونحاصرها سبعا وعشرا. يحتضنها العناد فتحتضنه وتقسم أن لا تصالح على ما لم يكن يوما موضع صلح أو تصالح.
................................................................................................................
منصف، رجاء لا تقل شيئا/عانق كلّ شيئ/ ذب فيه مرارا/ غص فيه ولا تهلك دونه/لا تتوسّد الرّحيل/ هو عشق يفنينا لنفنى فيه ألى عشق يميتنا ويحيينا، به نحيا وإيّاه نحيي في رحلة تأبى إلاّ أن تتطاول وتطول ونكابد لكي لا تطول. كونوا علينا نقمة لنكون عليكم رحمة.كونوا سياطا تلهب ظهورنا علّنا نكون عل أنفسنا بلسما ساعة يقلّ الزّاد يتمطّط الانتظار ويهمّ أن يتضاءل الاصطبار.
من حقّنا عليكم أن لا تغفروا لنا زلّة. ومن حقّكم علينا أن لا نستبدل زهور الأحلام بشوك الأوهام. أن نعشق عمرا دون أن نخون دمعا.
رجاء لا تنس الوصيّة /لا تخلف الوعد/ لا تتخلّف عن الموعد.الوصيّة مفتوحة أو لا تكون. يحفظها خ
أين؟ في مكان ما جدُّ قصيّ، في بقعة من سوح النّضال/ لماذا؟ المراد ينآى كمن في التّرب أضاع خاتمه.ولكنّه كحلم استبدّ بعاشق فأقسم أن ينبعث من الموت حيّا أو يهلك دونه. ولن يهلك دونه.
رجاء إذا قبلتم ملائكة الرّحمان فلا تكونوا لمن زلّت به قدم شفيعا / لا تتوسّلوا له عذرا. فلا أمانة صان ولا بعهد احتمى. لعنكم في السّرّ والعلن لأنّكم أربكتم يقينه ورذّلتم صنيعه. فلا تتوسّطوا له توبة هي له رحمة وعليكم وعلينا بئس النّقمة. كان غسّان كنفاني شهيد "أرض البرتقال الحزين" قد ثبّت منذ أكثر من 50 سنة أنّه سيأتي يوم تصبح فيه الخيانة وجهة نظر.ولكنّه جزم أيضا بأنّ" الخيانة ميتة حقيرة".
عزاؤنا أيّها الذي رحل وما رحل أنّ التّاريخ يمهل ولا يهمل. في ركن من سراديبه تقبع الكائنات المنقرضة في نومة هي نومة أهل الكهف. غابوا عن العصر فانتقم منهم العصر وشيّعهم ببديع لعناته.
إذا خطر لكم أن تعقدوا اجتماعا للنّظر في شأننا لا في شأنكم فليكن سرّيّا لكي لا يتسلّل إليكم المريدون - وما أكثرهم- وزوّار اللّيل - وهل إلى عدّهم من سبيل-؟وشرّاح النّوايا–وما بالإمكان حصرهم-.وليكن ضيوف الشّرف من الشطّار والعيّاربن وعابري السّبيل والأرامل والأيتام وثوّار كلّ عصر ومصر.
رجاء، كلّ الرّجاء، لا تنس أن تبلّغ لوعتنا وحرقتنا للرّفاق، كلّ الرفاق من سائر الأزمنة والعصور: ثوّار كومونة باريس/ ثوّار وعمّال وبحّارة كرونشطاط/ قوافل شهداء "أرض البرتقال الحزين" زهرة المدائن غصّتنا ونشوتنا فلسطين،جرحنا الدّامي / شهداء 26جانفي/ شهداء 03 جانفي/ شهداء الثّورة التّونسيّة ثورة الحرّيّة والكرامة/ +الشّهداء من كلّ العصور.
منصف/ ما إيّاكم نبكي وإنّما حالنا نرثي. منصف اليعقوبي /كــلّ الوفــاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف


.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام




.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا


.. محمد القوليجة عضو المكتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي العمال




.. تصريحات عمالية خلال مسيرة الاتحاد الإقليمي للاتحاد المغربي ل