الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر حول الدين والأخلاق والعقل فى بر مصر

عماد نصر ذكرى

2022 / 1 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نحن شعب متدين. مقولة كثيراً مانرددها كمصريين بإعتبارها حقيقة لاتقبل الجدل ، نتباهى إننا أمة الفضيلة والقيم الروحية الرفيعة التى تثير حنق وحقد العالم الغربى المنحل، لهذا هو يتكاتف ضدنا ويحاربنا ليهدم قيمنا وتقاليدنا الأصيلة لكى نصبح قشة هشة مترنحة لاحول لها ولاقوة. فهل حقاً نحن أمة من المتقين؟ إن النظرة المتسرعة لظاهر الأشياء قد تجعلنا نجيب بالإيجاب على هذا السؤال ولكن بقدر قليل من التروى يمكن أن أقول إننا أمة من الممثلين ، نقول مالانفعل دون أن نشعر بأى تناقض أو خلل بشكل يندر أن يكون له وجود.

لقد تحول التدين منذ سبعينات القرن الماضى إلى إهتمام مرضى بالمظهر بعد أن ساندت القيادة السياسية فى ذلك الوقت التيار الإسلامى الراديكالى لتقاوم به الماركسيين ، وهاجر كثيرون إلى بلاد النفط وعادوا حاملين معهم الفكر والمظهر الوهابى وشاعت شعارات مثل دولة العلم والإيمان وسادت مصطلحات مثل الصحوة الإسلامية والإسلام هو الحل

ومما يؤسف له إن إهمالاً كبيراً لجوهر وروح التدين صاحب هذا الإهتمام الدقيق بالمظهر لدرجة إنى أرى أن مايعتبره الكثيرون تديناً ماهو إلا أحد أعراض الأمراض الإجتماعية والأزمات الإقتصادية الطاحنة التى يزرح المصريون تحت وطأتها ولايلمحون أى نقطة ضوء فى نفق طويل مظلم لايبدو له نهاية.

سيادة المظهر الدينى

إرتدت الغالبية العظمى من الفتيات والنساء المسلمات الحجاب وبدأ النقاب فى الإنتشار وربما يصبح الزى الشعبى السائد قريباً ويتم تكفير المحجبة (اللى زنوا على ودنها طويلاً لتتحجب) التى ترفضه. والزبيبة تعلو جباه الرجال المسلمين والدبلة الفضة تزين أصابعهم. الكل يتفنن فى إظهار تدينه وديانته بكافة السبل. فمذيعة التليفزيون جاسمين ذكى أضافت إلى إسمها إسم طه وإقتدت بها المذيعة رولا مصطفى خرسا.

وقد حكى يوماً الدكتور يوسف إدريس فى إحدى مقالاته أن قارئة أرسلت له خطاباً تسأله فيه عن ديانته ورغم إنه إستنكر السؤال إلا إنه أجاب فى النهاية " مسلم يا ستى إرتحتى بقى" أما الدكتور سيد القمنى فلم يشأ أن يريح من سأله السؤال نفسه فأجاب ما أنا إلا مواطن مصرى والدين شأن خاص بينى وبين ربى.

ومن المظاهر المنتشرة للتدين الزائف التشبت بلزمات معينة فى الكلام ، فحين تقول لأحدهم صباح الخير تجده يرد عليك متجهماً بقوله وعليكم السلام ليشعرك بالذنب. ونقرأ تصريحاً للأستاذ مهدى عاكف المرشد العام لجماعة الإخوان المحظورة (بالمناسبة هى إزاى محظورة ومرشدها يظهر ويتحدث فى وسائل الإعلام، نفسى قبل ماأموت حد يحل لى الفزورة) يؤكد فيه إنه إذا إعتلى عرش مصر سيكون حريصاً على المظهر الإسلامى للدولة أما الجوهر فعلى مايبدو لم يعد يهتم به أحد. إن الإمام المجدد محمد عبده الذى عنى بالجوهر لاالمظهر رأى فى أخلاق الفرنسيين إسلاماً لم يجده فى المصريين المسلمين، فأى إسلام يريده المصريون أو أى إسلام يراد بمصرنا ؟

إنحسار جوهر الدين وتراجع الحس الأخلاقى

نسى الجميع أن الدين المعاملة وأن العمل عبادة، فإذا حان موعد الصلاة يتركون أعمالهم ولتذهب مصالح العباد إلى الجحيم، فالصلاة وسائر الفروض والنوافل – فى ظن كثيرين – تغفر ماتقدم من الذنب و ما تأخر وتضمن النعيم الأبدى ولو مارسوا كل الآثام والموبقات. ولهذا – على سبيل المثال – يقبل المرتشى الرشوة وهو مرتاح الضمير وقرير العين. حين يستهل أحدهم كلامه بصلى على النبى كثيراً ماينوى أن يدبر لك مكيدة وتخرج منه الأكاذيب بغزارة فالكذب أصبح سيد الأخلاق. وألفاظ السباب تختلط بآيات القرآن المنبعثة من المحلات والمركبات أغلب ساعات الليل والنهار. وأصبح النفاق والتملق والتسلق سمة حياتية وطريق شبه وحيد للترقى.

ويئن المصريون من تفاوت طبقى بغيض، فأسلوب المعاملة ونوعية الخدمة التى يتلقاها المواطن المصرى فى معظم المصالح والهيئات تعتمد غالباً على منصبه أو وظيفته أو محل إقامته. وتلاحق المعاكسات الفجة الفتيات والنساء بما فيهن المحجبات ونقرأ عن إرتفاع معدلات الإغتصاب بدرجة لم نسمع عنها أيام أمهاتنا وجداتنا السافرات اللاتى كن يرتدين المينى جيب فى الخمسينات والستينات. وفوضى عارمة تجتاح الشارع المصرى كما لو كنا نحيا فى غابة يلتهم فيها القوى الضعيف. ومجتمع طارد يحلم أبناؤه بالفرار منه بطريقة مشروعة أو غير مشروعة. فهل حقاً هذه هى الصحوة الإسلامية المزعومة؟

العقل والعاطفة الدينية

لايجب أن تحول العاطفة الدينية دون القدرة على التحليل المنطقى للأشياء والنظر العقلى للأمور. إن كثيراً من أمور العقائد لايمكن الإستدلال على صحتها عقلاً ولهذا فمكانها القلب الذى يقبلها أو يرفضها. ولكن ما أقصده هنا أن الإنسان يجب أن يتحلى بالقدرة على رؤية الأشياء من وجهة نظر المختلفين معه فكرياً وإلا سيصبح تشبثه بمعتقده حالة مرضية تجعله يتعصب بشكل أعمى ضد مخالفيه.

يتباكى مسلمون مصريون على الإحتلال العثمانى الذى أذلهم خمسمائة عام (هل ننسى المقولة الشهيرة مصرى خسيس برسيس) لمجرد أن الغزاة مسلمون. ويعلن الأستاذ مهدى عاكف مرشد المحظورة الحالى صراحة ودون مواربة إنه يقبل أن يحكم مصر مسلم ماليزى ولكن يرفض أن يحكمها مصرى مسيحى. وقد أفتى مرشد المحظورة السابق الأستاذ مصطفى مشهور بضرورة أن يدفع المسيحيون الجزية و هم صاغرون وأن يتم إستبعادهم من الجيش لأن ولاؤهم للدولة الإسلامية محل شك. (إنتماء المسلم غالباً يكون للدين قبل الوطن ولهذا فهو يعتقد أن الآخر يفكر مثله). ويصدر حكم من محكمة القضاء الإدارى برفض دعوى مقامة من مواطن مصرى يدعى محمد حجازى يطالب فيها بتغيير ديانته من مسلم إلى مسيحى ببطاقة الرقم القومى. أقول حين يحدث كل هذا ترى ماهو شعور ورد الفعل المنطقى المتوقع للمسيحين؟ سيتملكهم غالباً شعور بالغربة وستسيطر عليهم فكرة إنهم محتلون من إستعمار عربى إسلامى وقد يسترجعون بعض الأقوال المنسوبة لعمرو بن العاص عن مصر التى وصفها بأن أرضها ذهب ونيلها عجب ونساءها لعب (بالمناسبة هل لم تجد المصريات فى ذلك الوقت من يمكن الإستنجاد بهم من الرجال فكتمن الصرخة التى إشتهرت فيمابعد وامعتصماه ) ورجالها عبيد من غلب .

وفى النهاية سيفكر كثير منهم فى الهجرة أو تأسيس دولة قبطية فى الصعيد كما يتردد كثيراً وبالقطع سيكون دينها الرسمى المسيحية الأرثوذكسية فى المادة الأولى أو الثانية من الدستور على الأكثر. وأتوقع أن يهتف المسيحيون عند قيام الدولة " الوجه القبلى والبحرى لنا وشبه جزيرة سيناء إن أمكن ". المسلم المصرى يتشبث بمصر إسلامية ولو عاش مقموعاً فيها والمسيحى يحلم بها مسيحية وبين هؤلاء وأولئك ضاعت مصر الحرة المثقفة المتسامحة. ضاعت مصر أحمد لطفى السيد وسلامة موسى وطه حسين وسهير القلماوى و نوال السعداوى و نجيب محفوظ ولويس عوض.

الثورة الثقافية

إن الإنسان المصرى بحاجة إلى تغيير شامل فى المفاهيم والقيم التى كبلت عقله ولوثت قلبه وهذا لن يتأتى – فى رأيى – إلا بواسطة التعليم والإعلام. فالتعليم يجب أن يساعد الطفل على تنمية الإبداع والحس الجمالى والعقل النقدى المتسائل وروح التسامح وتقبل الإختلاف ليشب رجلاً قادراً على إعمال الفكر والمنطق ولاينساق وراء العواطف الفجة أو ينجرف خلف رجل دين متشنج يصرخ فى برنامج تليفزيونى فالحضارة عقل والتخلف وجدان.

وعلى وسائل الإعلام أن تفسح المجال للمثقفين الليبراليين كى لاتترك الساحة لأصحاب الأفكار الصحراوية الوهابية الذين يريدون أن يجعلوا منا أمة موحدة بالرأى. ويجب أن تعمل البرامج الدينية جاهدة على إزاحة الغبار على التراث العظيم للمعتزلة الذى يعلى من شأن العقل والمتصوفين الذين يقدرون قيمة التسامح ويتعاملون مع المختلفين بحب صادق.

وعلى الحكومة أن تكف عن مغازلة الجماعة المحظورة. (هذه المغازلة قد تحل لى الفزورة) فمثلاً لقد نافس كبار رجال الدولة نواب المحظورة فى البرلمان فى الهجوم على وزير الثقافة / فاروق حسنى لأنه جاهر برأى شخصى فى موضوع الحجاب، وقد نسوا جميعاً أن الأستاذ فاروق حسنى فنان تشكيلى وأن كلية الفنون الجميلة كانت بها موديلات عارية قبل صحوة التدين الشكلى الهروبى ولم يكن أحد يرى فى الأمر تحريضاً على الفسق والفجور. أتذكر الآن ونحن نحيا أزمة حضارية موجعة – كلمات شاعرنا الجميل نزار قبانى التى كتبها بعد صدمة النكسة العسكرية :-
يا أصدقائى جربوا أن تقرأوا كتاب
أن تكتبوا كتاب
أن تزرعوا الحروف
والرمان
والأعناب
أن تبحروا إلى بلاد الثلج والضباب فالناس يجعلونكم فى خارج السرداب
الناس يحسبونكم نوعاً من الذئاب.

من كتاب " ايات علمانية " الصادر بالقاهرة عام 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي