الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوحنا الدمشقي بين الجبرية والحرية

خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)

2022 / 1 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ولد منصور بن سرجون ( 676-749) الملقب ب (يوحنا الدمشقي) في دمشق لعائلة ارستقراطية مثقفة. عمل جده جابي ضرائب لصالح الامبرطور البيزنظي (هرقل) وعند دخول العرب المسلمين إلى سوريا سلمهم مفاتح بوابة دمشق مرحباً بهم. فابقاه معاوية على وظيفته في جباية الضرائب. ثم ورث هذه الحرفة أبوه سرجون. وكانت هذه الوظيفة كما هي اليوم وزيرة المالية. وأعجب الأمويين بأمانة هذه العائلة، فكرموهم وقربوهم من القصر. وهذا حال بني أمية، إذ كانوا من دهاة العرب، أي الأكثر ذكاءً ويتقنون فنون السياسة. وهذه الميزة، يجب أن تدرس أجتماعيا، لأنها تورث مثل الطول والعرض والشكل. فقد ورثها الأمويين حتى وصلت إلى عبد الرحمن الداخل بقصته المعروفة. أي كيف لرجل واحد مطارد ومهدد بالموت أن يحكم الأندلس مجتمعه.
منصور هذا أو يوحنا درس الفلسفة والرياضيات والفلك والطب وبرع بكل هذه العلوم وحتى أنه برع فيما بعد باللاهوت. وهو فعلاً مفخرة لتاريخ سوريا كما وصفه فيليب حتي. ترك لنا مؤلفات كثيرة. وفي الآونة الأخيرة، ورد أسمه على شبكة التواصل الإجتماعي بواسطة المبشرين المسيحيين وعدّوه علماً من أعلام الكنيسة الشرقية أو الكنيسة السريانية. أتقن الرجل اللغة السريانية التي كانت لغة المنظقة وأتقن معها اللغة الإغريقية وأيضاً لغته الأم أي العربية، فهو من قبيلة تغلب كما هو معروف.
راجت فلسفة القدرية والمرجئة في العصر الأموي، وهي فلسفة تبناها بني أمية ليقولون أن أفعال الإنسان يحاسب عليها الله وحده وهي مرجئة إلى يوم القيامة وكانت هذه الفلسفة مرتبظة بالقدرية أو الجبرية أي أن الله قدر للبشر أرزاقهم ومقاماتهم في المُلك سلفاً. وهي فلسفة تبريرية للحكم ووصوله إليهم. لكن كان هناك من خالفهم بهذا الرأي أولهم هو يوحنا الدمشقي، إذ أنه أعتبر الإنسان حراً بأعماله وهو مسؤولاً عنها دنيوياً وأخروياً. وكن تدور مناظرات كثيرة بينه وبين من تبنى هذه الفلسفات وأحيانا تعرّج على المعتقدات.
أهم المؤثرات الإسلامية على الدولة البيزنطية، كانت ماسمي في تلك الفترة بحرب الأيقونات. إذ أن الإمبرطور البيزنطي حاول أن ينسجم مع العقيدة الإسلامية والتقرب منها بأنه منع الصور والتماثيل كما هو الحال عند المسلمين. فاعتمد على نصوص العهد القديم أي التوراة في تحريم ذلك. ولأن البشر أقرب لهم تجسيد العقيدة والفكر واقعاً، فقد خالفه العامة ودارت حرب الأيقونات. كان أحد رافضي فكرة التنزيه هو يوحنا الذي قال أن البشر لايقصدون الصور والتماثيل بذاتها بل ماترمي إليه من معنى. وهي فلسفة تبريرية للتجسيد والتشبيه.
يقال أن هذا الرجل قاد الحملة ضد قرار الإمبرطور، فغضب منه وأرسل للخليفة الأموي رسالة مزورة بخطه تقول أن هناك نية لغزو دمشق ورأس هذه المؤامرة هو منصور أو يوحنا. فوقع يوحنا في يد الخليفة إذ أنه أعترف بأن الخط له لكن الرسالة ليست منه. فنظر له الخليفة مستهتراً. كيف هو خطك والرسلة ليست لك. وجد الخليفة أنه تبرير ضعيف فأمر بقطع يده التي خطت تلك المؤامرة مع الإمبرطور البيزينطي وعلقت على باب المدينة لتكن عبرة لمن تسول له نفسه الخيانة. ثم تقول القصة التي يتمسك بها البسطاء بأن العذراء قامت من قبرها وزارته وأجرت له عملية جراحيه بسيطة وارجعت له يده المقطوعة. ولما شاهد الخليفة هذه المعجزة، صعق من هول الحادثة وعفى عنه.
هذه القصة يتناقلها المبشرون على القنوات اليوتوب يعتزون بها ويشيرون إليها على أنها إثبات على كرامات العذراء ومكانتها في الكون، بأنها هي أم الإله. وهنا أريد أن أسأل أعزائي المبشرين كيف لكم أن تنكروا معجزات شق القمر واهتزاز عرش كسرى وتسخرون منها وتأتون بذات المنطق الذي ربما يجده الآخرون مجرد خرافة.
هناك كتاب ألفه يوحنا باليونانية أسمه الهرطقات المئة. يشير إلى أنه حتى تلك الفترة كان هناك مئة نسخة مسيحية كلها مهرطقة أو كافرة أو خارجة عن إجماع الكنيسة الشرقية كما يقول. تصوروا هذا العدد من النسخ المسيحية. من هذه النسخ المسيحية هي (كما يقول) الإسلام. إذ يعده نسخة مسيحية مهرطقة ويسميهم ب (الإسماعليين) وليس بالمسلمين. وهنا تثير هذه التسمية شيء من الدهشة، إذ أن مسمى الإسلام والمسلمين كان قد نضج وشاع في المنطقة. وهذا ليس جهل من يوحنا الدمشقي لأنه كان يحفظ الكثير من سور القرآن. وأظن أن بتريشا كرونا التقطت هذه التسمية وسمت المسلمين ب (الهاجريين) نسبة إلى هاجر المصرية.
إحدى المناظرات التي وردت في الهرطقة المئة، يقول فيها أنه كان يسأل المناظر أسئلة ذكية كي يقيم الحجة عليه. من هذه الأسئلة، هي: هل المسيح كلمة الله وروحه، فيقول المناظر نعم. فيسأل الدمشقي وهل كلمة الله قديمة بقدم الله فيقول المناظر نعم. فيستنتج الدمشقي بما أن المسيح كلمة الله وروحه والكلمة قديمة فمعنى هذا أن المسيح قديم وهو الإله ذاته. وهنا يبدأ الجدل مرة أخرى دون حل. هذا الجدل مازال إلى يومنا الحالي لأنه جدل افلاطوني يثبت الشيء وضده في الوقت ذاته. جدل ليس منه طائل.
يناير-16-2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الديانات الشرق اوسطية جبرية
منير كريم ( 2022 / 1 / 16 - 21:50 )
تحية للاستاذ الكاتب
الديانات في الشرق الاوسط جبرية لانها تعتبر الله كلي العلم كلي القدرة كلي الارادة ونتيجة لذلك يكون الانسان والطبيعة غير مستقلين
العلم الكلي للاله يعني منطقيا انه يعرف كل شيء سلفا فتنتج الجبرية (الحتمية ) فلا حرية للانسان ولاستقلال لقوانين الطبيعة
حاول المعتزلة تعديل هذه العلاقة بتقييد الصفات الكلية للاله لضمان حرية الارادة للانسان وضمان استقلال قوانين الطبيعة
الا ان الاشعرية والسلفية وقفت ضد فكرة المعتزلة واقصيت بعد ذلك
شكرا جزيلا على مقالك


2 - أشكرك أستاذ منير كريم
خليل الشيخة ( 2022 / 1 / 19 - 04:13 )
أشكرك عزيزي على مرورك وتعليقك الرصين

اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي