الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الفانتازيا والواقع الفعلي

أميرة أحمد عبد العزيز

2022 / 1 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


يصادف هذا الشهر ذكري ميلاد شخصيتين بارزتين، مع تباين العالم الذي ينتمي له كلا منهما، فأحدهما ينتمي إلى عالم الخيال والفاتنازيا، والآخر ينتمي للواقع الفعلي.
التاسع من يناير يمثل ذكري ميلاد (البروفيسور سيفروس سنيب) أحد أهم الشخصيات في رواية (هاري بوتر) وهو الشخصية الأكثر جدلا في السلسلة، لم يكن الأمر سيلفت انتباهي -على الأغلب-، لولا تلك المعركة الكلامية التي عجت بها صفحات ومجموعات محبي سلسلة هاري بوتر على (السوشيال ميديا)، والتي أنا واحدة منهم. فقد تصادم عاشقي البروفيسور سنيب مع كارهيه، وحين أكسب الفريق الأول (البروفيسور سنيب) هالة من التقديس واعتبروه رجلا شجاعا بل أشجع الشجعان، فقد قام الثاني بتصويره كشرير حاقدا، بل وقد أسرف البعض وجعل من الرجل سبب رئيسي لشقاء بطل المجموعة.
كنت أود بنوع من الطفولية أن ادخل الحلبة لصالح البروفيسور سنيب، ذلك أني أحد المعجبين به، فهو أحب الشخصيات إلى قلبي في حدود عالم الفانتازيا الذي أعرفه؛ لكن بدلا من ذلك فضلت المراقبة عن بعد، لتظهر لي رؤية أكثر عمقا واتساعا.
بالمتابعة تذكرت الشخصية الأخرى التي تنتمي لعالم الواقع الفعلي، والتي يصادف ذكري ميلادها أيضا في هذا الشهر، وهو الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والذي ولد في الخامس عشر من يناير في بدايات القرن السابق.
كالعادة في ذكري ميلاد عبد الناصر وذكري وفاته وكذلك ذكري ثورة 23 يوليو، يزداد الاحتدام ويبرز بشدة الصراع بين محبيه إلى درجة التقديس، وكارهيه لدرجة رؤيته كشياطنا رجيما.
ومثلما يفعل (فانز) هاري بوتر مع شخصية سنيب الذي يبدو صراعها يمثل صراع أهواء، فهذا ذاته ما يحدث حول شخصية جمال عبد الناصر، فليس في الأمر موضوعية ولا تفكير ولا حسابات وطنية تتبع، اللهم إلا ما رحم ربي وهؤلاء يحجبوا وسط صراعات الأهواء.
إن كان من الممكن أن نتعامل مع شخصية من عالم الفانتازيا بقدر ما يمثله الهوى فينا، ونفسر الحقائق طبقا لمشاعرنا ورغباتنا. فلا يصح هذا مع شخصية من الواقع الفعلي، وإن كنت أظن أن حتى مع الفانتازيا، لا يجب تغليب الهوى لنزيف أو نشوه حدثا أو شخصا -حتى إن كان في إطار حكاية خيالية-، هذا لأن بالأمر تدريب على (التقوى) وعدم تغلب الهوى فينا، مما يجعلنا نتبع نفس الأسلوب في حياتنا اليومية.
إن تربية الصغير بها ما نسكبه بداخله من خلال الحكايات والقصص التي نرويها له، وكيف تؤثر فيه، وكيف يتعامل هو مع تفاصيل الحكاية. لذلك يجب علينا حين نجد الطفل يؤثر هواه لينتصر لفكرة تعجبه، فيتخذ أسلوب غير موضوعي يصل لحد الخدع وحجب ما يرفضه وبروز ما يحبه ليصنع صورة مزيفة، لينتصر لبطله أو فكرته على حساب الآخرين أو على حساب قيمة نبيلة، علينا ألا نتقبل الأمر ونصمت لأنها مجرد حكاية خيالية، فتلك القيم التي نقرها للطفل في عالمه الخيالي سيقرها هو في حياته اليومية، وتصبح سمة فيه وأسلوب حياة، لذا اعتقد أن هؤلاء الذين يغلبوا هواهم بشكل كامل يعميهم عن الرؤية الموضوعية للأمور، لا تقع مشكلتهم في الجهل أو قلة المعرفة، بل هو أمر يرجع للتربية التي صنعت قيمهم.
من المشترك أيضا في التفاعل مع شخصية جمال عبد الناصر وشخصية سيفروس سنيب، ذلك التماهي الذي يبدو سمة الأطراف المتصارعة، كأنما الأحداث حدثت معهم شخصيا، فيأخذون مواقف حادة فيصيروا كما يقال (ملكيين أكثر من الملك)، حتى مع فقدان العلم التام بأبعاد الشخصية ومعايشة تامة مثلها للحدث.
مع ذلك يحسب (لفانز) هاري بوتر أنهم لم يدخلوا الصدام دون أن يكون منهم من قرأ وشاهد السلسة كلها، أو على الأقل شاهد أفلام السلسة جميعها، ليصبح ملم بالأحداث لتكمن المشكلة عندهم حول تفسير النص وتأثير الأحداث على الشخصية، وذلك يتم طبقا للأهواء الشخصية.
أما عن أحباء عبد الناصر وكارهيه، وعلى الرغم من أن حياتنا اليومية تحتاج لبذل مجهود جدي لفهم الواقع وتفسيره وذلك لحل مشكلات موضوعية، حلها يتجه بنا للتطور، وعدم حلها وتزيفها لا يعوق التطور فقط، بل يعقد الواقع ويزيد حدة المشكلات، ويصعب حلها في المستقبل عن اليوم، إلا أننا نجد أغلبهم يدخلون الصراع وهم لا يعرفون عن جمال عبد الناصر وفترته الزمنية وأحداث التاريخ التي يتصدون لها إلا النزر، وبالنزر يفسرون تصرفات شخص، فيقذفوا به إلى قاع الجحيم أو يعلون به إلى الفردوس الأعلى.
لم اكتب هذا المقال للحديث عن الأحداث التاريخية التي شكلت مواقف عبد الناصر، وسأضع موقفي جانبا، ومثلما فعلت مع عالم الفانتازيا افعل في هذا المقال مع الواقع الفعلي، فقط أتأمل معكم حال كيفية تفسير شخصية طبقا للأهواء وتغلبها فينا. ومن الممكن أن نضيف أيضا، شخصية ابن تيمية كنموذج آخر يثير جدلا مصحوبا بجهلا غالبا، وأهواء متغلبة.
في فيلم (المواطن كين) للمبدع (أورسن ويلز) والذي صدر عام 1941، وقام ويلز بإخراجه وبطولته والمشاركة في كتابته، يتعرض الفيلم لفكرة تفسير الشخصية، من خلال شخصية (تشارلز فوستر كين)، وهو شخصية خيالية يذكر أنها مقتبسة أو مستلهمة من شخصية حقيقية. يبدأ الفيلم بوفاة كين ومشاهدة تقرير إخباري عنه من الميلاد إلى الوفاة، ليصبح المشاهد على معرفة بالشخصية في أقل من ربع ساعة من بدأ الفيلم، ومع نهاية الفيلم يكتشف المشاهد الذي كان يعتقد المعرفة التامة بالشخصية أنه يجهلها، ويصعب، بل قد يستحيل عليه معرفة إن كان كين طيبا أم شريرا.
الفيلم عرض شخصية كين من ستة وجهات نظر منهم التقريرية في أول الفيلم، وخمس أشخاص قريبين جدا من الشخصية، وسط تناقضات التصورات عن شخصية كين بين مدلل لا يهتم بأمر غير نفسه، وبين تصور له كشخص اشتراكي، وبين مجرد رأسمالي، وبين رجلا وطنيا......إلخ
الغاية أن العمل على تحليل شخصية هو أمر أكثر تعقيدا من تحليل التاريخ. والممكن الوحيد أن يكون سؤالنا ليس بغاية تفسير شخصية أو كتابة سيرة ذاتية، ولكن في ضوء محاولاتنا لفهم التاريخ من أجل المستقبل، فمثلا نسأل لماذا اتخذ عبد الناصر هذا الموقف؟ ولماذا اعتقد ابن تيمية في هذا الرأي؟ ليس لمحاكمتهما، ولكن بغية الإرشاد ولتجنب الأخطاء ولإنارة الطريق نحو المستقبل، وليس لإظلام نور التاريخ.
لكن حذار الاعتقاد بسهولة الجواب عن مثل تلك الأسئلة، فالإجابة تحتاج دراسة بحثية عميقة للتاريخ والأحداث، وبشكل موضوعي وبعيدا عن الهوى.
فأبطالنا كانوا يقوموا برد فعل في سياق حبكة واتخاذ موقف شكل في إطار سياق حبكة، جزء من الأمر يخص البناء التاريخي للشخصية، وجزء يخص الواقع والظروف التي واجهتها الشخصية. فإن حالت معرفتنا بيننا وبين الكشف عن البناء التاريخي للشخصية فلا يصعب علينا معرفة الحبكة، واستخراج أجوبة عميقة عن الواقع؟ وستجد أنك تستطيع حينها أن تفسر الممكن وتعرفه بشكل موضوعي بمقتضي شرطين، الثاني هو: معرفة الأحداث والوقائع ودراستها بشكل علمي، وقبله وهو الأول: أن تحدد المسطرة التي تقيس بها المواقف وتفسر بها الأحداث، فهل أنت تقيس على مسطرة ومبادئ وطنية -مثلا- أم ذاتية، وبالطبع لست بحاجة للتوضيح لك، أيهما سيضلك عن الطريق القويم.
وقد صدق المفكر العربي الدكتور (عصمت سيف الدولة)، حين تكلم عن من كتبوا عن عبد الناصر وقال (إن كثيرا من الذين كتبوا أو قالوا شيئا عن جمال عبد الناصر ومشكلة الديمقراطية في مصر قد دخلوا إلى ساحة الجدل مداخل ذاتية، مدخل الوفاء أو مدخل الجفاء أو مدخل العداء، فهم يشاركون في حوار يدور حول مشكلة تهم الشعب كله، وفي كتابة تاريخ أخصب مراحل تطور الأمة العربية وأكثرها تعقيدا، بما يشبه (المذكرات الخاصة) متأثرين بالمواقع التي كانوا يشغلونها، محصورين في حدود تجاربهم الخاصة، محدودي الرؤية بقدر ضيق الزوايا الفردية، مركزين كل مقدرتهم على نحت الكلمات في أسمائهم ذاتها...؟؟ بلى. إنهم لا يسهمون في حل مشكلة مطروحة بل يسهمون في تزييف تاريخ يكتب).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص