الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شياطين الله .....2

ياسر المندلاوي

2006 / 9 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كما أسلفنا، إن الشر الإنساني إقترن بالشيطان إقترانه بالإنسان. وإذا كان الشر من حيث هو شر يسبق الشيطان، فمن باب أولى أن يكون الشر الإنساني سابقا له أيضا، إذ لا وجود للشيطان قبل الإنسان ولن يكون له وجود من بعده أو من بعد إنتفاء شره، أو بعد وعيه لأسبابه. فوفق الديانات التوحيدية فإن الشيطان لم يكن شيطانا قبل آدم، وهذا ما نفصل به لاحقا. أما الآن فنكتفي بهذه الإشارة إلى أسبقية الإنسان على الشيطان لتأكيد الفكرة التي نذهب إليها وقوامها إن صور ورموز الشيطان المتعددة، ما هي إلا نتاج الإنسان في بيئته. فمنذ الإرهاصات الأولى للوعي البشري واجه الإنسان تجليات الشر الطبيعي وقواه المدمرة التي كانت تفوق مقدرة الإنسان في السيطرة عليها أو تفسيرها مجرد تفسير، فكان إعتقاد الإنسان بأنها تصدر عن كائنات عاقلة، وبقتضى هذا الإعتقاد قدم الإنسان القرابين، وإستخدم التعاويذ السحرية لتجنب غضب هذه الكائنات وإسترضائها.
وفي بلاد ما بين النهرين إعتقد البابليون بآلهه وأرواح شريرة، فالإله نرجل كان يحكم أرض اللاعودة أو العالم السفلي وكان يمثل إله الشر معبرا عنه بالكائن الذي يحرق. وفي مصر القديمة كان سيت إله الشر في صورة وحش. وفي بلاد اليونان والرومان كانت هناك آلهة خيرة وأخرى شريرة، إذ لم تكن الديانة الوثنية اليونانية الرومانية تؤمن بوجود إبليس أو الشيطان. وفي الهند يمثل الإله شو إله الشر والدمار. أما الزرادشتية فكانت تؤمن بقوة الخير أهرمزد في مقابل قوة الشر أهرمان. والإله أهرمزدا خالق الحياة بينما أهرمان خالق الموت وموطنه في الظلمات السفلى.
وفي الديانة اليزيدية يتمثل إبليس في هيئة تمثال طاووس البرونزي وهو يشابه المعبود نيرغال الذي كان يتمثل في هيئة ديك من الخشب. وكلمة نيرغال تعني النار في اللغات السامية وفي عدد من اللغات الآرية، إذ كانت عبادة النار منتشرة في أرجاء واسعة من العالم. ويذكر أن النار في الأساطير الألمانية تقارن بالديك الذي يطير من بيت إلى آخر. (ب. ليرخ دراسات حول الأكراد).
ومع بزوغ فجر التوحيد، أعيد تشكيل الصور والرموز والمراتب، إذ لم يعد إله الخير يتقبل فكرة وجود آلهة متعددة، فأعلن وحدانيته في إجراء غير مسبوق، إستصحب إجراءات غير مسبوقة لنزع الإلهية عن قوى الشر وآلهتها.
هذه العملية تمت في إتجاهين متناقضين، فمن جهة أولى، تم تحطيم جميع صور ورموز آلهة الخير السابقة لصالح التنزيه المطلق للذات الإلهية. ومن جهة ثانية تم تجريد آلهة الشر ليس من ألقابها الإلهية فحسب، وإنما من بعض صلاحياتها السابقة أيضا. فمن الآن وصاعدا لم تعد آلهة الشر آلهة تكافيء إله الخير الواحد الأحد، في القوة والمقدرة، وإنما شياطين الله، في أرض الله، لإغواء خلق الله. وهكذا تحولت آلهة الشر من آلهة تختص بجميع أنواع الشرور، الإنسانية منها وغير الإنسانية(الطبيعية مثلا)، إلى شياطين تختص بالشر الإنساني حصرا. أما الشرور الأخرى فقد إحتكرها الله لنفسه بعد أن أضفى عليها مسحة من خيره المطلق، وذلك في إنسجام مع القول بأن الشر لا يصدر عن الخير، وحيث أن الله هو الخير المطلق فلا يصدر عنه إلا الخير. والذي يبدو شرا لبني البشر وينسب إلى الله (الموت والزلازل والفيضانات والأوبئة وغيرها)، هو في حقيقته خير من الله يكرهه البشر لعدم علمهم بما يعلمه الله، وهو أيضا (في أحسن الأحوال) عقوبة من الخالق لإنحراف الخلق عن الحق والخير، او لإنغماس البشر في المعصية والرذيلة.
إن التوحيد أكسب آلهة الخير وجودا خارج الزمان والمكان والإنسان، فهي هو الله الواحد في تنزيه مطلق، والتوحيد ذاته، أوثق رباط آلهة الشر بالزمان والمكان والإنسان، فهي هو الشيطان الأول إبليس وذريته الشياطين. ولما كان الأمر على هذا النحو، فإن الله ليس مثله شيء، ولا يشبهه شيء، بل هو خارج الشيء والأشياء، في وجوده في جميع الأشياء. بينما الشيطان يشبه كل شيء، فهو التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس (رؤيا 12)، وهو كل عات متمرد من الجن أو الإنس أو الدواب، يقترن بكل شيء ليتخذ منه وعاءا لروحه الشريرة، حتى الجماد يمكنه أن يكون تعبيرا عن الشيطان كما في قوله تعالى : يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا (مريم 44). ومن المعروف أن والد إبراهيم(ع) كان يعبد الصنم ولم يكن من عبدة الشيطان إلا بالمعنى الذي ذهبنا إليه.
إن التنوع الهائل لصور ورموز الشيطان بسبب قدرته الفائقة - حسب الديانات التوحيدية - للإقتران بكل شيء، لم يؤدي إلى إلغاء العلاقة الوشيجة المتميزة بين الشيطان والنار، لا في المعنى ولا في الصور والرموز. التغير الوحيد والأساسي في بنية هذه العلاقة يكمن في إنتقال النار إلى مادة خلق الله منها الشيطان، كما في قوله تعالى: قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين (الأعراف 12). وفي الكتاب المقدس إشارة إلى أن الله صنع ملائكته رياحا وخدامه لهيب نار(عب7:1)، وحسب الكتاب المقدس فإن الشيطان من الملائكة، في حين يذكر القرآن بأن الشيطان من الجن كما في قوله تعالى: وإذ قلنا للملائكة إسجدو لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن(الكهف 50). والجان حسب القرآن مخلوق من نار السموم: والجان خلقناه من قبل من نار السموم(الحجر 26). وفيما إذا كان الجن من الملائكة أم من غيرها، قول فيه خلاف نفصل فيه في معرض مناقشتنا لأصل الشيطان....يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah