الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية الاطار السياقي الادراكي للمفارقة الزمنية في رواية وحدها شجرة الرمان

حيدر حميد

2022 / 1 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تسرد لنا هذه الرواية واقع بين ما قبل نظام صدام ومابعد نظام صدام وهي تمزج في طياتها تلك التحولات في الزمن والتلاصق في الاحداث عبر مجسات التفاعل والبحث عن الاجوبة للكل تلك الاحداث . كنت طالب في دراسات العليا في جامعة ذي قار وكان الوقت طويل حتى اصل الى المحافظة من الديوانية , ومن عادتي شغف القراءة يلاحقني مثل ام تلاحق بانها اينما وحيثما يذهب خوفا عليه من الضياع والتيه . لكن المفارقة العجيبة في تلك الملاحقة ان حرص الام لا يولد وجع لك عكس القراءة فهي تلاحقك بوجع اليقظة . بالعودة على الرواية , في لحظة جلوسي في السيارة استل كتاب اقتنيته حتى لا شعر بضجر الوقت وحتى تذوب الساعات في جسد الطريق اللاهب من الديوانية حتى الناصرية التي تعيش في كنف بقايا أنكي فكان ذلك الكتاب هو رواية سنان انطوان وحدها شجرة الرمان . من فرط التتابع السردي اكملتها وانا الج حدود الناصرية . كانت فيها تتجلى ابعاد السرد الروائي المعاصر وهو يكسر اطر السرد القديم لتضعك في مكان جديد ورؤية جديدة وهذا نتاج تغيرات الزمن والواقع الذي يكتنف كل انواع السرد لتنال الرواية حظوتها من تلك التغيرات .
ان اللسانيات المعرفية ترفد السرد بكل طرق التحليل والتفسير وكما تقول جيفريس ( كلما تحضر القراءة يحضر التأويل ) نعم القراءة عملية تفكيك للنص بحثا عن خبايا النص وماذا يود ان يخبرنا ولكن النص الروائي هو خطاب في نهاية المطاف حيث يدخل سياق الملتقي وحيث يموت الروائي في كنف سلسة طويلة من المعاني والتفسيرات تحت مظلمة القارئ . في هذا المقال سوف أمزج نظريتين من نظريات اللسانيات المعرفية تارك الخيال الواسع عند المتلقي لان المزج بين طرفين مختلفين لينتج لنا شيء اخر هو من اهم مميزات العصر وقدرات الانسان على انتاج هذا النسق المعرفي . من اهم النظريات التي تفتح نوافذ المعنى القابع في جوف الكلمات وهي تسكب سبك محكم لينبجس منها نهر دافق من الوجود هي النظرية التي تقدمها أيموت وهي نظرية الاطار السياقي Contextual Frame Theory حيث تتحدث عن البناء السياقي للنص وهذا يتطلب من القارئ وضعه في ذهنه وهو يقرأ المقطوعة الروائية مخزنا ذلك في الذاكرة طويلة الامد . هي نظرية السياقات الرواية حيث توضح ايموت ان السياق هو ليس فقط الوجود المكاني او الاشياء التي تحيط بالنص او الحدث لا بل تقول :
ان السياق يشمل كل التفاصيل التي تحيط بالمشاركين الحاضرين او الابطال في الرواية في مكان السرد وكل المعلومات الاخرى التي توضح السياق .
هذا الزخم الواسع من المعلومات التي تكون السياق هي الجزء الاكبر والاهم في تشكيل الاطار السياقي في ذهن القارئ . وتشدد ايموت على نقطة مهمة جدا وهي ان حيثما يصف النص حدث ما في العالم الروائي على القارئ ان يضع في ذهنه ثلاثة امور وهي : ماهي الشخصيات وما هو مكان حدوث الحدث وزمان حدوث الحدث . هذه العناصر تشكل جسد النص الذي يتلقاه القارئ ودونها سوف يجد نفسه ضائع لا يستطيع ان يمسك تجليات النص . ان عملية قراءة النص تخدل في مرحلة مهمة حسب وصف بول سمسن Narrative Urgency الالحاح السردي حيث يجد القارئ تتابع زمني واحداث بجمل بسيطة يصل بها الى عالم او عوالم واقعية وليست عوالم ذهنية او تلك التي تبتعد عن الحدث الواقعي لا الحدث في ذهن الراوي .
تقول ايموت ان عملية القراءة تفرض على المتلقي ان يجمع معلومات اولية عن المكان والزمن ويضعه في ذهنه وهذه العلمية تسمى Contextual Monitoring
اي المراقبة السياقية والتي تدخل في جعبة القارئ ذهنيا ليستعيدها بعد ذلك من اجل الشروع في عملية التفسير . وتكون هذه المعلومات على نوعين وهي Episodic and Non-episodic اي معلومات عرضية تحدث في طريق السرد ولكنها ليست اساسية ومعلومات اساسية والتي تكون ثابته حول الشخص المعني . وطريقة ربط هذان النوعان من المعلومات يسمى Contextual Frame الاطار السياقي وهو ما يسعف القارئ في البقاء على سكة السرد للرواية . وهنالك ايضا تحول في عملية السرد وهذا يكون ضمن التحول الاطاري Frame Switch . هذا الجانب من نظرية ايموت بشكل عام دون الذهاب الى تخوم تلك النظرية الواسعة فما نريده منها هو كيفية صناعة الاطار السياقي في عمق الذهن لدى المتلقي .
جيرار جينيين قدم مفهوم المفارقة الزمنية في الرواية وهي التي تنقل لنا تأثر السرد بعجلة تطور الحياة وعصر السرعة لتكون علامة فارقة ايضا في عملية عكس الاحداث وتغير الترتيب الزمني . يعرف محمد القاضي المفارقة الزمنية على انها التنافر بين ترتيب الاحداث في الخطاب القصصي وترتيبها في الحكاية . ويتجلى هذا الترتيب على ما يظهر منها من اشارات لغوية في بنية الزمن والاشارات على احداث ظهرت في زمن ما وكيف عادت او كيف سوف تكون . يرى جيرار جينت ان المفارقة الزمنية هي مصطلح يدل على التنافر بين الترتيبين الزمني بين الترتيب الزمني للقصة والترتيب الزمني للحكاية . تضيف مها القصراوي ان المفارقة الزمنية تتولد حين لا يتطابق نظام السرد مع نظام الحكاية وهي نوع من انحراف الزمن في السرد حيث توقف استرسال الراوي في سرد المتنامي ليفسح المجال امام قفزة باتجاه الخلف او الامام على محور السرد فينطلق من النقطة لتي وصلتها الحكاية .
وحسب جيرار جينت ان المفارقة الزمنية تقسم الى نوعين , الاول هو الاسترجاع الذي يعود بالذاكرة الى الوراء او القريب او البداية بحدث معين كان يكون البداية بجريمة قتل وما يأتي بعدها من الأحداث هو سرد وتوضيح لهذه الجريمة . اما النوع الثاني هو الاستباق وهو القفز الى الامام من زمن القصة وقد يكون هو التنبؤ في حدث ما يحدث في المستقبل بعيد عن الواقع الذي يكون فيه السرد . اما الاسترجاع نوعان فهو خارجي من داخل الرواية حدث يعود ويكون حاضرا دوما وخارجي يكون حدث خارج الرواية يتم جلبه للرواية .
هكذا سوف نحاول أن نقتفي اثر هذا البعد بين الاستباق والاسترجاع ولكن سوف نسلط الضوء على الاسترجاع فقط في افتتاحية الرواية ونترك للقراء البحث عن مضامين الاستباق فهي حتما لا تخلو من رؤية للمستقبل وما يتوقع حدوثه من قبل الراوي عن واقع البلاد . تبدا الرواية بسرد حلم وهذا الحلم هو لشخصية مهمة ومؤثرة في جسد الرواية وهي ريم التي سوف نجدها امامنا تحكي جرح بطل الرواية بعد أن تركت البلاد وسافرت ليكون الحلم :
كانت تنام عارية على دكة مرمر وفي مكان مكشوف بلا جدران او سقف . لم يكن هنالك احد حولنا ولا شيء على مد البصر سوى الرمل الذي ينتهي عند الافق الذي كانت تسرع نحوه , وتختفي فيه , غيوم احتشدت بها السماء , تناوبت على حجبه الشمس . كنت عاريا حافيا ومندهشا من كل شيء .
الزمن هو الماضي من خلال استخدام (كان) فهو يصور لنا المكان وكيف كانت تبدوا لنا أي (ريم) رغم غموض المكان مع شخصية واضحة لنا وهي امراه عارية وهذا يعطي لنا توفر الشروط الثلاث من الزمان والمكان وشخصيات السرد . هذا الاشياء هي مهمة جدا لنا فهي تشكل الجزء الاساسي من الحلم وهي الان تشكل البنية الغير عرضية للمعلومات واصبحت الان في خزانة المتلقي ذهنيا وفي ذات الامر هو استرجاع لشي ما ولكن تبلور في حلم يرى من خلاله ريم بشكل اخر غير مشوهه بعد ان تم قطع احدى أثدائها .
لتعود كاملة بشكلها وبكل الاجزاء التي تكونت منها وهذا يخلق تساءل مهم في ذهن القارئ حيث سوف يقول , اذا ماذا جرى لها ؟ وهذا سيخلق فضول وحافز عميق وهذه احدى تقنيات السرد الروائي التي جاءت بها المدرسة الشكلانيه الروسية عند تشكوفسكي ثم يدفع القارئ للبحث والوصول على تلك الحالة التي كانت بها ريم . ولازال الحدث باقي ولكن حدث شيء جديد وهو :
كانت الحلمتان منتفضتين فوق النهدين الكمثريين ولم يكن هنالك اثر للعلمية .
وهذا تحول في شكل السرد بمعنى هذا يعطي لنا اضافات جديدة تحدث لنا لتخلق سرد جديد حيث تسمي هذا ايموت بال الاطار التقدمي Progressive Frame حيث يستعيد الراوي قصتها على شكل حلم ويذكر عبارة ( لم يكن هنالك اثر للعملية) . ويستمر السرد على ذات المكان وهو يهمس في اذنها لعلها تستجيب له . ثم بعد ذلك طلبت منه ان يغسلها وهي مستلقية على الدكة وهذا سوف نجده شاخص في الرواية التي تتحدث عن غسل الموتى ولكن على القارئ ان يحفظ هذا الاطار السياقي فهو بوابة الى عوالم النص في وحدها شجرة الرمان . هذه احدى اهم تمظهرات الاطار السياقي حيث يسترجع في وقت لاحق بعد حفظه في اعماق الذاكرة .
ويستمر الراوي بسرد الحلم وكيف تحدث لها وكيف كانت تبدو له وهنا حدث امر اخر عرضي وهو ليس من صلب السرد بل هو يعرقل تلك الاحداث المتشابكة :
في جيبه وابتعد بعد ان بصق علي . رايت جسدي الى يسار الدكه راكعا وسط بركة من الدم , كان الثلاثة يعودون الى الهمفي واثنان منهم يسحلان ريم من ذراعيها . وصرخت باسمها .... وضعوها في المعقد الخلفي واغلقوا الابواب . سمعت صوت المحرك . وابتعدت الهمفي بسرعة واختفت في الافق . وظل المطر يزخ على الدكة الخالية .
استيقظت لاهثا مبللا بالعرق . مسحت جبهتي ووجهي نفس الكابوس يتكرر كل يوم ....
هكذا يستيقظ من الحلم على وقع بركة من الدماء مع سقوط زخات مطر متقطع وهو ادخلنا في بداية كنا نعتقد اننا في صلب الرواية نحاول الاستمرار للبحث عن المتبقي من النص ولكن لتحدث المفارقة الزمنية لنجد نفسنا اماما الواقع لينتهي السرد بعبارة (أستيقظت لاهثا ومبللا بالعرق ).
هنا نصل الى تطبيق الاطار السياقي من اجل تشكيل اطار ومعلومات في داخل الذهن نحافظ عليها حتى نتابع السرد بشكل سلس وهو يجري بخيط طويل من الكلمات حتى نجد في ذات الوقت مفارقة زمنية في الرجوع او البداية بحدث من عمق الرواية ولكنه على شكل حلم وهذا الترتيب السردي الغير منظم ادى وظيفة الشد وخلق الفضول حتى يحث القارئ الخطى بحثا عن بقايا هذا الحلم في الواقع ما جرى لهذه الشخصية . ما جاء به هذا المقال هو الاسترجاع الاطاري حيث يحدث لنا ان نحمل معنا هذا الاسترجاع الى نهاية الرواية او الى الصفحات التالية من الرواية حتى نجده في اي جزء يعيش وهذا يشكل الجزء الغير عرضي لان الرواية لا تسرد لنا شيء في المفارقة الزمنية وهو عابر هامشي وفي ذات الوقت ان رواية وحدها شجرة الرمان بدأت باسترجاع داخلي وليس خارجي ولكن على شكل حلم وهنا تكمن المفارقة الزمنية والسردية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بلطجي الإسماعيلية-.. فيديو يُثير الجدل في #مصر.. ووزارة الد


.. جدل بشأن عدد قتلى الأطفال والنساء في قطاع غزة




.. أكسيوس: واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران لتجنب التصعي


.. مراسل الجزيرة: المقاومة تخوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال ال




.. جيش الاحتلال ينشر فيديو لمقاومين قاتلوا حتى الاستشهاد في جبا